انطلاق قطار تعديل الدستور المصري

لجنة الخمسين بين رضا الغالبية وانتقادات الإسلاميين

TT

انطلق في مصر أخيرا قطار تعديل الدستور من خلال تشكيل «لجنة الخمسين» وسط رضا غالبية المصريين بسبب ثقل وزن الشخصيات المنضمة لهذه اللجنة، بالتزامن مع انتقادات من التيار الإسلامي، رغم مشاركة قيادات منهم في هذه التعديلات المقترح الانتهاء منها في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتعد لجنة تعديل الدستور المعطل بمثابة اللبنة الأولى في خارطة الطريق التي أعلن عنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الشهر قبل الماضي، مع قيادات سياسية وممثلين للمؤسسات الدينية، يعقبها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول عام 2014. ويقول المستشار علي عوض، مستشار الرئيس المصري للشؤون الدستورية، إنه جرى ترشيح جميع الفئات والجهات في اللجنة وفقا لمعايير وضعتها الرئاسة. وجاء قرار تشكيل لجنة الخمسين بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي يقوم باتخاذ إجراءات المرحلة الانتقالية، والتي يأتي على رأس أولياتها تعديل 2012 ذي تقرر تعطيله يوم الثالث من يوليو (تموز) الماضي.

وتحدد في قرار الرئيس منصور أن يستمر الخمسين لمدة على أن يكون مقر عملها قاعة مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان). وسبق للرئيس منصور الإعلان عن لجنة العشرة الموكل لها الاضطلاع بالإشراف على جميع مراحل تعديل الدستور من الاقتراحات حتى الصياغة النهائية.

ويشمل قرار تشكيل اللجنة الخمسين عضوا الأساسيين والاحتياطيين. وسوف تختص بدراسة مشروع التعديلات الوارد إليها من لجنة الخبراء العشرة، وطرح هذه التعديلات للحوار المجتمعي، وتلقي أي مقترحات من المواطنين لإعداد المشروع النهائي خلال 60 يوما من تاريخ أول اجتماع لها، والمقرر أن ينعقد يوم الأحد المقبل.

وتواجه اللجنة الكثير من المصاعب من بينها هجوم التيار الإسلامي على طبيعة تشكيلها، ويقول التيار السلفي إن اللجنة ليست منتخبة. ويضيف خالد علم الدين، وهو قيادي في حزب النور، وعمل لفترة مستشارا للرئيس السابق محمد مرسي، أن اللجان المخصصة لعمل التعديل الدستوري «معينة من رئيس مؤقت»، وبالتالي هي لجنة غير منتخبة ولا تمثل الشعب. ويقول علم الدين، إن تشكيل لجنة الخمسين يرمي لإقصاء التيار الإسلامي، رغم وجود عدد محدود من هذا التيار في اللجنة، لكنه اعتبر ذلك نوعا من استكمال الشكل حتى يقال إن اللجنة متوازنة.

وينتقد حزب النور نفسه تشكيل لجنة الخمسين. ويقول شريف طه، المتحدث باسم الحزب، إن اللجنة قامت بتهميش التيار الإسلامي وحصة الأحزاب السياسية والإسلامية، وتشكلها «يعبر عن سيطرة الفصيل اليساري القومي على اللجنة»، مشيرا إلى أن «اللجنة لم تضم سوى شخص واحد فقط من الأحزاب الإسلامية هو الدكتور بسام الزرقا، نائب رئيس حزب النور، في حين أن الشخص الثاني الممثل للأحزاب الإسلامية في اللجنة وهو الدكتور كمال الهلباوي لا يمثل الأحزاب الإسلامية».

ومن المعروف أن الدكتور الهلباوي قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين، والمتحدث باسمها سابقا في الغرب. ولم تأت الانتقادات من بعض أطراف الإسلام السياسي الرسمية فقط، بل جاءت من «جبهات» مساندة لعدة أحزاب وتوجهات شتى، حيث تكونت في مصر خلال العامين الماضيين العشرات من الكيانات الصغيرة التي تعتبر بمثابة أبواق مساندة لبعض الأحزاب والتيارات الكبيرة التي تسعى لفرض طرح ما على الشارع والإعلام. وتتخذ هذه الكيانات أشكالا مختلفة.. فمن بين قطاع الأدباء تجد فريقا من الموالين للإسلاميين يشكلون تحالفا للأدباء ضد التيار المدني، وقطاعا آخر من الموالين للدولة المدنية يشكل تحالفا ضد التيار الإسلامي. وينطبق الحال على الوسط الصحافي والقضائي وفي أوساط نقابات المحامين والمهندسين والمعلمين أيضا. وأصبح نشاط مثل هذه الكيانات أو «الجبهات» مربكا في الحياة السياسية والقانونية والإعلامية المصرية، بسبب محاولاتها الوجود على الساحة للترويج لبعض التوجهات التي لا تريد الظهور بنفسها على الساحة في بعض الأوقات بسبب بعض الظروف مثل الملاحقات الأمنية أو الرفض الشعبي. وخلال تشكيل لجنة الخمسين، بدأ قادة كيانات من هذا النوع التنديد باللجنة لأنه لم يجر تمثيلهم فيها.

وأعلنت جبهة مكونة من بعض القضاة الموالين للتيار الإسلامي رفضها لتشكيل لجنة الخمسين قائلة إنها باطلة ولا يعتد بها لأنها تشكلت بالمخالفة للقانون والشرعية الدستورية. وتعني بالشرعية الدستورية أن يعود الرئيس السابق مرسي لموقعه في الرئاسة.

وباستثناء تيار الإسلام السياسي الذي يعتمد في أغلبه على دعاة غير متخصصين، يوجد رضا عام عن تشكيل لجنة العشرة ولجنة الخمسين. وإلى جانب ممثلين للأزهر والكنيسة، تضم لجنة الخمسين من بين أعضائها أيضا مفتي مصر الدكتور شوقي علام الذي يقدم رأيا مختلفا عما تذهب إليه بعض التيارات الإسلامية التي كانت متحالفة في السابق مع جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة. ويقول الدكتور علام: «يوجد إجماع بين كل طوائف الشعب على عدم الخروج عن هويتنا الإسلامية الحضارية واعتبار (المواطنة) المعيار والمحدد الأساسي لعلاقة الشعب ببعضه بعضا».

ويضيف الدكتور علام، أن أعضاء اللجنة الممثلين للأزهر سيعملون جاهدين على توضيح رؤية الأزهر الشريف في اللجنة بعد الدراسة الشرعية واللغوية الوافية والكافية للتفاصيل كلها، موضحا أن الأزهر «هو المسؤول الأول عن الحفاظ على الشريعة الإسلامية وعلى الهوية الإسلامية»، وأن هذا المعنى راسخ لدى قطاعات الشعب المصري كلها.

ووافقت غالبية الأحزاب المدنية على الخطوات التي اتخذها الرئيس المؤقت في ما يتعلق بلجان الدستور بما فيها لجنة الخمسين، لكنها شددت على ضرورة النص على حظر تكوين الأحزاب الدينية لتلافي التجربة التي جرت في عامي 2011 و2012 وتمكن خلالها التيار الديني وأحزابه التي شكلها في ذلك الوقت من استغلال المساجد في العمل السياسي بشكل ضرب التجربة السياسية المصرية في مقتل كما يقول المراقبون.

وهذا لا يمنع من وجود خلافات داخل التيار المدني نفسه أي بين الليبراليين واليساريين، بعد أن اتهم الليبراليون اليساريين بالهيمنة على تشكيل اللجنة، إلا أن مثل هذه الخلافات تعتبر حتى الآن شكلية، بسبب وجود ليبراليين في اللجنة من خارج الأحزاب الليبرالية المعروفة مثل حزب المصريين الأحرار. ويوضح قيادي في جبهة الإنقاذ التي تضم تحالفا واسعا من الأحزاب الليبرالية واليسارية، أن مثل هذه الخلافات «شكلية لا أكثر»، لأن الهدف في هذه المرحلة هو العمل على إنجاح المرحلة الانتقالية وليس التطاحن حول بنود الدستور التي يمكن تعديلها عن طريق مقترحات من البرلمان أو من رئيس الدولة مستقبلا.

وبالإضافة إلى الدكتور الزرقا والدكتور كمال الهلباوي، كممثلين عن التيار الإسلامي، تضم لجنة الخمسين، عن التيار الليبرالي، الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، والدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وعن التيار اليساري حسين عبد الرازق، نائب رئيس التجمع، وعن التيار القومي محمد سامي، رئيس حزب الكرامة.

ويقول النائب البرلماني السابق محمد أنور السادات، إن الحزب الذي يرأسه، وهو حزب «الإصلاح والتنمية» يعقد آمالا عريضة على لجنة الخمسين التي قال إن تشكيلها «جيد ومتوازن»، في ما عدا بعض الملاحظات تتعلق بقلة تمثيل النساء، وغياب تمثيل النقابات العمالية المستقلة والمصريين بالخارج. ويشير السادات إلى أن الدستور طالما سيخرج بالتوافق ويعبر عن الجميع ويحقق الديمقراطية والعدالة والمساواة فلا بد من التجاوز عن بعض السلبيات الطفيفة.

وأعطت عدة أسماء ستشارك في تعديل الدستور طمأنينة لدى قطاع كبير من المصريين، كما أضفت على اللجنة بريقا. ومن بين هذه الأسماء اللامعة جراح القلب المصري العالمي الشهير الدكتور مجدي يعقوب، والطبيب الذي يحظى باحترام واسع لدى المصريين الدكتور محمد غنيم، بالإضافة إلى شخصيات معتبرة من بينهم الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، والدكتور عبد الجليل مصطفى، والدكتور عمرو الشوبكي، والدكتور سعد الدين الهلالي، والدكتورة هدى الصدة، وحجاج أدول من النوبة، ومسعد أبو فجر من سيناء.

ومن بين أعضاء لجنة الخمسين أيضا الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، والذي يؤكد في عدة مداخلات له أن اللجنة تمثل كل طوائف المجتمع، وبها مثقفون و«خبراء من الوزن الثقيل»، لافتا إلى أن التعديلات الدستورية يتضمن التكامل في الحقوق والتوازن في السلطات.

وستقوم اللجنة باختيار رئيس لها من بين أعضائها ونائبا للرئيس أو كثر، ومقررا لها، ويقول حسين عبد الرازق، إن اللجنة ستحدد بنفسها القواعد المنظمة لعملها والضمانات الكفيلة بإجراء الحوار المجتمعي. وللجنة أن تستعين بمن تراه من الخبراء، وستمثل لجنة الخبراء العشرة في اجتماعاتها، لشرح وجهة نظرها، دون أن يكون لهؤلاء العشرة صوت معدود.

وضمت قائمة أعضاء لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري الكثير من الجهات والشخصيات من بينهم اثنان يمثلان القوات المسلحة والشرطة، إضافة إلى ممثلي الأزهر، الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، والمستشار محمد عبد السلام، المستشار القانوني لشيخ الأزهر، والدكتور عبد الله مبروك النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر. ومن ممثلي الكنيسة، الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها، والأنبا أنطونيوس عزيز مينا، عن بطريركية الأقباط الكاثوليك والقس الدكتور صفوت البياضي، عن الطائفة الإنجيلية ومن ممثلي الشباب، محمد عبد العزيز، ومحمود بدر، عن حركة تمرد، وأحمد عيد وعمرو صلاح، من ائتلاف شباب الثورة (جبهة 30 يونيو).

كما جرى ضم شخصيات أخرى ممثلة للقطاعات التي ترأسها أو تعمل فيها، من بينهم محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب، والمخرج خالد يوسف عن النقابات الفنية، والفنان محمد عبلة عن قطاع الفنون التشكيلية، والشاعر سيد حجاب عن المجلس الأعلى للثقافة، وجبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام للعمال، وأحمد خيري، رئيس الاتحاد القومي، عن العمال، محمد عبد القادر، نقيب الفلاحين العام، وممدوح حمادة، رئيس مجلس إدارة الاتحاد التعاوني.

ومن النقابات جرى ضم كل من سامح عاشور عن المحامين، والدكتور خيري عبد الدايم عن الأطباء، وأسامة شوقي عن المهندسين، وضياء رشوان، عن الصحافيين، بالإضافة إلى ضم قيادات وأعضاء ممثلين عن الغرف السياحية والصناعية والتجارية، واتحاد طلاب مصر، ومن الاتحاد العام للجمعيات وكذلك من المجالس المتخصصة، مثل المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للجامعات، وممثل عن المعاقين.