طعمة.. «طبيب الأسنان» في مواجهة «طبيب العيون»

رئيس حكومة «الائتلاف» السوري المعارض أولويته إدارة المناطق المحررة ونسج تفاهمات مع المقاتلين الإسلاميين

TT

تعول المعارضة السورية على انتخاب أحمد طعمة رئيسا للحكومة السورية المؤقتة، التي ستكون من أولى مهامها إدارة شؤون المناطق السورية المحررة غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في ظل حالة الفوضى التي تعيشها بغياب وجود سلطة تمسك بزمام الأمور.

ويحظى طعمة، 48 عاما، وهو طبيب أسنان وخطيب جامع سابق، بتوافق كبير على شخصه، يبرر كونه المرشح الوحيد من دون منافس لتولي منصب رئيس الحكومة المؤقتة، مما يجعله في مواجهة صريحة مع «طبيب العيون» وديكتاتور دمشق بشار الأسد. وتربطه علاقات جيدة بالمعارضة السياسية والعسكرية والميدانية في آن معا، كما يتعاون بشكل وثيق مع الليبراليين والإسلاميين على حد سواء.

وعدا عن كونه شخصية وطنية معروفة في الداخل السوري، وتحديدا في منطقة دير الزور، مسقط رأسه، كمعارض للنظام منذ سنوات طويلة، برز اسمه بين أبرز الأسماء المشاركة في الحراك الثوري في دير الزور، وهو قريب جدا من رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس. كما أنه مقرب من رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا وعلاقته جيدة، وفق أحد أعضاء الهيئة السياسية للائتلاف، مع سائر القوى السورية. وقد دفعه سجنه لمرات عدة منذ بدء الاحتجاجات ضد نظام الأسد إلى ترك سوريا في وقت سابق من هذا العام.

يمارس طعمة نشاطه السياسي المعارض منذ فترة تعود إلى ما قبل اندلاع التحركات الاحتجاجية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، منتصف مارس (آذار) 2011، وأبرز ما في سيرته الذاتية مشاركته كشخصية سورية مستقلة عن أي انتماء حزبي عام 2005 في تأسيس إعلان دمشق، الذي دعا إلى التغيير السلمي المتدرج الآمن ونقل سوريا من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية.

كمال اللبواني عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري يعد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» انتخاب طعمة «رسالة مباشرة إلى الأسد الذي سجننا» بعد «إعلان دمشق»، عنوانها «قادمون إلى قصرك». ويستذكر اللبواني سنوات سجنه مع طعمة بعد «إعلان دمشق»، ويقول: «عندما سجننا الأسد ظن أنه قمع صوت الكرامة ولم يدرك أن من سجنهم سيصلون إليه في يوم من الأيام».

العلاقة الوجدانية التي جمعتهما معا في السجن لا تمنع اللبواني من الإشارة إلى التحديات التي يواجهها رئيس الحكومة المؤقتة في مهمته المقبلة. يقول اللبواني: «التحديات هائلة، أولها عدم التدخل الأجنبي لا بتشكيل الحكومة ولا بإدارتها لاحقا». وينتقد بشدة مساعدة عدد من الدول للمعارضة السورية «بمال مسبوق بالولاء»، على حد تعبيره، مطالبا إياها بـ«ترك الثورة تنتج قياداتها بنفسها، بعيدا عن أي طلبات مسبقة».

وفي إطار تعداده للتحديات، يرى اللبواني أن أمام طعمة معضلة «تشكيل حكومة من الصفر، من دون وجود أي سلطة أو أمن قادر على حمايتها ميدانيا»، لافتا إلى أن «الجيش الحر منشغل بالمواجهات مع قوات الأسد ولا موازنات أو كوادر لهذه الحكومة، أي أن طعمة سيكون رئيسا لحكومة من دون مؤسسة».

وفي سيرة ذاتية، كتبها وسبق أن نشرها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وتتداولها صفحات سورية معارضة على شبكة «الإنترنت»، يقول طعمة إنه ولد في مدينة دير لزور، أحد معاقل الثورة السورية، وعاش فيها معظم حياته ما عدا خمس سنوات عاشها في المملكة العربية السعودية، حيث كان والده مدرسا، بالإضافة إلى سنوات دراسته الجامعية في جامعة دمشق.

وبدأ طعمة نشاطه السياسي عمليا عام 1992 مع مجموعة من الأصدقاء والباحثين في مدينة دير الزور، حيث أسسوا «مجموعتين، إحداها فكرية تعنى بإعادة النظر في ميراثنا الفكري الإسلامي وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تسببت في تخلفنا الحضاري، ومجموعة أخرى تبنت منهج اللاعنف والمقاومة السلمية ورفض التنظيمات السرية على الصعيد السياسي».

في عام 1997 اختار طعمة مخاطبة الناس من خلال خطب الجمعة، لكنه لم يستمر في ذلك أكثر من سنتين، بعد أن عزله النظام السوري من مهمته هذه بسبب «توجسه من أي أفكار تنويرية»، على حد تعبيره، وبعد رفضه القيام بدقيقة صمت على روح باسل الأسد»، في إشارة إلى شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، الذي قتل في حادث سيارة عام 1994. ونشط طعمة بدءا من عام 2001 في «لجان احياء المجتمع المدني» الداعية إلى زيادة الهامش الديمقراطي في سوريا والإفراج عن سجناء الرأي والانتقال بالبلاد من حالة الديكتاتورية إلى الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. كما شارك في منتديات سياسية وفي ندوات عقدت في المحافظات بعد انتخاب الأسد الابن رئيسا خلفا لوالده.

يقول في سيرته الذاتية إنه منذ تلك الفترة «بات معروفا في الأوساط السياسية السورية المعارضة بأني أمثل التيار الإسلامي الديمقراطي، بينما اتهمنا عدد من المتشددين بأننا إسلاميون ليبراليون».

وفي سياق متصل، تراهن المعارضة على خلفية طعمة الإسلامية المعتدلة من أجل نسج التفاهمات بين المكونات السورية، في وقت يثير فيه تصاعد النفوذ الإسلامي، لا سيما في صفوف التشكيلات المقاتلة ميدانيا مخاوف مكونات المعارضة والدول الغربية بشكل خاص. من هنا فإن أمام طعمة تحدي تأسيس إدارة مركزية في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، التي تعمل فيها مئات الألوية من دون قيادة موحدة ويتمتع فيها مقاتلو «القاعدة» المنظمون بوجود كبير.

وكان طعمة تعهد في أولى تصريحاته غداة انتخابه، يوم الأحد الماضي، بالحد من نفوذ متشددي تنظيم القاعدة الذين قال إنهم استغلوا عجز المعارضة عن ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار سلطة الأسد في كثير من أنحاء البلاد، بما ينذر بالفوضى. ويعتبر اللبواني في سياق متصل أن طعمة «مشروع شهيد» في الداخل السوري، حيث عليه أن ينشط ويعمل في الفترة المقبلة»، لافتا إلى أن «خطرا كبيرا يحيط به من المجموعات المتطرفة ومن النظام في آن معا».

ويتوافق كلام اللبواني مع ما أعلنه بنفسه لناحية قوله إنه والوزراء الذين ينوي اختيارهم خلال أسابيع لتشكيل حكومته «مشاريع شهادة» من أجل هذا الوطن.

ومن المقرر أن تخطط الحكومة المؤقتة للانتقال بعد تشكيلها إلى شمال سوريا، رغم خطورة الوضع الأمني في ظل الهجمات الجوية وعمليات القصف المتواصلة. ويشدد اللبواني في هذا الإطار على وجوب أن «تبذل المعارضة جهودا كبيرة لمساعدة الحكومة ورئيسها وتهيئة عملهم وحمايتهم، وقد يكون ذلك من خلال إنشاء جهاز يوفق بين الجيش الحر والمكونات الأخرى»، بحسب اللبواني.

نقطة التحول الأبرز في مسيرة طعمة السياسية كانت في مشاركته بتأسيس «إعلان دمشق» عام 2005، ومن ثم انتخب منتصف عام 2006 ممثلا عن محافظة دير الزور في المجلس الوطني لإعلان دمشق، الذي كان يتم الإعداد لعقده داخل سوريا في خطوة تحدٍّ للنظام. وأثناء انعقاد المجلس نهاية عام 2007 انتخب أمينا عاما. وبعد أسبوع اعتقله النظام مع 11 شخصية من زملائه وحكم عليهم جميعا بالسجن، حيث بقي لعامين ونصف، مع تجريدهم من الحقوق المدنية وفصلهم من الوظيفة.

خرج طعمة من السجن خلال شهر يونيو (حزيران) 2010 ليواكب انطلاقة التحركات الشعبية المناهضة للنظام بعد أقل من عام، وشارك في المظاهرات واللقاءات الإعلامية والتلفزيونية، ما دفع النظام إلى إعادة اعتقاله في يوليو (تموز) 2011، لأكثر من شهر بعد اتهامه «بالتحريض على التظاهر والنقد الشديد للنظام ومهاجمة مؤتمر سميراميس في دمشق خلال لقاءات تلفزيونية». وكان المعارض السوري البارز من أعضاء المجلس الوطني السوري المقيمين في الداخل منذ تشكيله باسم مستعار، لكنه قدم استقالته بسبب عدم قدرته على المشاركة في الاجتماعات والعمل بفاعلية، منصرفا إلى العمل الإغاثي في مدينة دير الزور أولا، ومن ثم في المحافظة بأكملها من خلال رئاسته لجنة حملة «كلنا للشام»، وأعاد النظام اعتقاله لمرة ثالثة بسبب عمله الإغاثي في محافظة الحسكة أواخر العام الماضي.

وبعد تشكيل المجالس المحلية في الداخل السوري، شغل طعمة منصب مستشار المكتب التنفيذي للمجلس المحلي في محافظة دير الزور، وعمل مع رئاسة المجلس على ترتيب المجالس المحلية في المحافظة، قبل أن يتم التوافق عليه في مؤتمر السلم الأهلي في مدينة إسطنبول التركية خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، كرئيس لمجلس السلم الأهلي في محافظة دير الزور. ويقول طعمة إن «علاقته طيبة جدا مع قيادة الأركان في الجيش الحر ومع اللواء سليم إدريس»، كما تجمعه علاقة «وثيقة» بقائد المنطقة الشرقية المقدم محمد العبود.

ويعزو معارضون سوريون الإجماع على شخصية لتولي مهمة رئاسة الحكومة المؤقتة في جزء كبير منه إلى خلفيته «الشعبية»، أي علاقته مع الداخل السوري وفهمه لحقيقة الوضع الميداني واحتياجات الناس في المناطق المحررة من سيطرة النظام. وهو ما افتقده سلفه غسان هيتو، الذي انتخب بدعم من «الإخوان المسلمين»، وهو ذو خلفية تكنوقراط وقضى سنوات غربة طويلة خارج البلاد.

وفي الإطار ذاته يوضح اللبواني أن «هيتو عمل جيدا، وهو يمتلك خلفية معرفية كبرى لكن المطلوب لرئاسة الحكومة شخص من الداخل السوري قادر على إنجاز التوافقات السياسية ويفهم الناس، وبهذا المعنى لم يكن إنتاج هيتو مناسبا لما هو مطلوب»، معربا عن اعتقاده بأن طعمة قادر على «إنضاج تفاهمات سياسية بالداخل، فهو يعرف كيف يخاطب الإسلاميين والمتطرفين وينسج تفاهمات بين مكونات الداخل».

ويجدد اللبواني الإشارة إلى أن مقومات النجاح الأساسية متوفرة في الرئيس المنتخب «من صدق وذكاء وإخلاص ووفاء»، مكررا إبداء خشيته من «التدخل الخارجي والدعم المشروط».

وانطلاقا من معرفته الكبيرة بالوضع الداخلي في سوريا إذن، من خلال نشاطه الميداني وعلاقاته الجيدة مع مكونات المعارضة السورية كافة، تتوجه الأنظار إلى رئيس الحكومة الجديد لينجز ما لم يتمكن سلفه من تحقيقه لناحية تشكيل حكومة مؤقتة ضمن مهلة محددة ومن ثم انصرافها لإدارة المناطق المحررة وفق رؤية واضحة.

هذه الرؤية طرحها طعمة في اجتماع الهيئة العامة للائتلاف في إسطنبول نهاية الأسبوع الماضي، قبل انتخابه بأكثرية 75 صوتا من أصل 97 صوتا. وأبرز ما ورد فيها تأكيده على أن الحكومة «ستنطلق من الاستجابة لاحتياجات المواطنين والاستحقاقات الرئيسة المتمثلة بمجموعة من العناوين، أبرزها تنفيذ السياسات العامة للائتلاف، والعمل على تحقيق الأمن وتحقيق السلم الأهلي الاجتماعي، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين بما يحقق لهم العيش الكريم، وتفعيل دور المجتمع المدني وتأهيله للمشاركة مع الحكومة في استقرار المجتمع وتنميته، إضافة إلى «التأسيس لممارسات ديمقراطية تحقق أهداف الثورة في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية لجميع السوريين، وتنظيم وإدارة الموارد الوطنية السورية».

ويشدد عضو الهيئة السياسية للائتلاف أحمد رمضان، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أن «طعمة شخصية توافقية لكل الكتل، وقد نال خلال انتخابه تأييدا كبيرا من القوى الميدانية والثورية في الداخل والهيئات المحلية في الداخل»، واصفا مشروع حكومته بأنه «برنامج طموح، لا سيما أنه حدد أولويته للأمن والسلم الاجتماعي وتوفير الخدمات الأساسية وتبني تحقيق أهداف أساسية تتمثل بضمان وحدة سوريا ووحدة ترابها وتوحيد الجهود العسكرية والعمل لإنشاء جيش وطني». وتتمثل أولى الخطوات الضرورية لفرض سلطة الحكومة المؤقتة في السيطرة على المعبر الحدودي مع تركيا الذي يسيطر عليه عدد كبير من جماعات المعارضة المسلحة. ويعتبر طعمة أنه «بدءا من المعابر يمكن أن نتقدم خطوة خطوة ونبسط الأمان على المناطق المحررة».

أخيرا، لا شك أن أمام تحدي تعزيز مصداقية المعارضة السورية ووضعها، في وقت تمارس فيه دبلوماسية عالية المخاطر بين واشنطن وموسكو لإنهاء أزمة سوريا المستمرة منذ عامين ونصف العام.