مصر.. التظاهر ضد «قانون التظاهر»

قلق داخلي وخارجي على الحريات.. مقابل دعوات للصلابة في مواجهة الإرهاب

TT

مع انتهاء العمل بقانون الطوارئ في مصر، في ظل أوضاع أمنية تواجه كثيرا من المهددات، لجأت الحكومة المصرية إلى محاولة البحث عن بديل لضبط الحالة الأمنية. وكان أن خرج قانون تنظيم التظاهر إلى الوجود أول من أمس، ليواجه بانقسام حاد في الشارع المصري بين مؤيد ومعارض، بما يشي بصدام قادم بين جنبات الجبهة التي اتحدت يوما في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وأسقطتهم عن الحكم.

وبعيدا عن معارضي القيادة المصرية الحالية، وأبرزهم جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الإسلامية المتحالفة معهم، شهدت الأشهر الماضية وحدة للصف بين المصريين في مؤازرة الإجراءات التي تتخذها الإدارة الجديدة.. ونادى الجميع بضرورة اتخاذ الدولة خطوات صلبة في مواجهة الإرهاب والانفلات الأمني المتزايد من أنصار الإخوان المسلمين.

لكن إقرار اللجنة المسؤولة عن تعديل الدستور المصري (لجنة الخمسين) الأسبوع الماضي مادة تبيح محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية استثنائية؛ ورغم قول المدافعين عن الإجراء إنه سوف يستخدم في ظروف محددة، فإنه أظهر أول شرخ في واجهة هذه الجبهة.. فيما كان إقرار الرئيس المصري المؤقت منذ يومين لقانون «تنظيم التظاهر»، كالقشة التي يأمل المصريون جميعا ألا تقصم ظهر البعير.

وبعد يومين فقط من إصداره، فرقت قوات الأمن أمس مظاهرتين على الأقل وسط العاصمة، باستخدام خراطيم المياه والضرب بالهراوات، كما اعتقلت العشرات من المشاركين في المظاهرة المنددة بالحكومة الحالية.

وأشار ناشطون إلى أنهم نظموا عدة مظاهرات أمس، إحداها لإحياء ذكرى مقتل أحد شباب الثورة في مواجهات مع الأمن العام الماضي، مؤكدين أنهم لم يقوموا بإخطار وزارة الداخلية بذلك وفقا لآليات قانون التظاهر الجديد، كونهم يختصمون قوات الأمن في مقتل الشاب.

فيما نظم ناشطون آخرون مظاهرة أمام مقر مجلس الشورى، الذي يشهد جلسات لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري، اعتراضا على إقرار المادة التي تبيح المحاكمات العسكرية للمدنيين.

وطالبت قوات الأمن منظمي الوقفتين بإنهاء فاعلياتهما قبل أن تقوم بتفريقهما عن طريق خراطيم المياه. وقال شهود عيان إن قوات الأمن المركزي ألقت القبض على عدد من المتظاهرين المشاركين في المسيرتين.

ويأتي ذلك في وقت تدعو فيه قوى ثورية لتنظيم مظاهرات احتجاجا على قانون التظاهر الذي يصفونه بـ«القمعي». وقدم عدد من الناشطين، في كناية عن السخرية من الأمر، طلبات إلى وزارة الداخلية للتظاهر ضدهم وضد القانون خلال الأيام المقبلة.

وتعمل الحكومة المصرية جاهدة على وقف مظاهرات أنصار جماعة الإخوان المسلمين، المستمرة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو (تموز) الماضي. وقال المتحدث باسم الحكومة، هاني صلاح، إن «الحكومة تعمل على مواجهة أعمال العنف والإرهاب بموجب أحكام القانون»، مشيرا إلى أن «جماعة (الإخوان) أصبحت هي والعدم سواء»، وفقا لأحكام قضائية حظرت جميع أنشطتها.

وكان الرئيس عدلي منصور أصدر الأحد الماضي قانونا لتنظيم حق التظاهر يعطي الحق لوزارة الداخلية؛ إذا ما توافرت لديها معلومات جدية عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، في إصدار قرار مسبب بمنع الاجتماع العام أو المظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر، على أن يبلغ مقدمو الإخطار ذلك قبل الموعد المحدد بأربع وعشرين ساعة على الأقل.

ويقول حقوقيون إن القانون يسعى لتقييد المظاهرات والحريات العامة، وإعطاء الشرطة الحق في فضها وفرض عقوبات كبيرة على المخالفين تصل إلى حد الحبس. وهو ما يراه مراقبون نوعا من الردة إلى ممارسات عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، التي كان خلالها جهازه الأمني القوي يمثل إحدى الأذرع الفولاذية لترويع المصريين. وهو السبب الأبرز - في رأي هؤلاء - لخروج آلاف المصريين إلى الشوارع للثورة على مبارك وجهازه الأمني.

وبينما يؤيد بعض المصريين الإجراءات الأخيرة للحكومة المصرية، ويدعوها لاتخاذ إجراءات أكثر ردعا في مواجهة الانفلات الأمني والإرهاب بعد توالي أحداث التفجيرات واستهداف ضباط الشرطة، توالت ردود الفعل المعارضة سواء داخليا أو خارجيا. ومن جهتها، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء ما وصفته بـ«الآثار المحتملة» لقانون التظاهر الجديد. وذكر بيان للوزارة أمس أن «القانون الجديد لا يفي بالمعايير الدولية ولن يجعل مصر تتقدم نحو الانتقال إلى نظام ديمقراطي». وأضاف أن «الولايات المتحدة ترغب في نجاح مصر في إقامة نظام ديمقراطي يشمل كل الأطراف». وحثت واشنطن الحكومة الانتقالية على احترام حقوق الأفراد في الدستور الجديد.

كما انتقدت نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، قانون التظاهر الجديد بمصر، عادة إياه «قانونا معيبا» وأن من الواجب تعديله. وحذرت بيلاي، في بيان لها أمس في جنيف، من أن القانون الجديد يمكن أن يؤدي إلى «انتهاكات خطيرة للحق في حرية التجمع السلمي»، مشيرة إلى أنه «يعطي صلاحيات واسعة النطاق لسلطات الأمن لحظر تلك التجمعات».

وأضافت أن «التعبيرات المستخدمة في مواد القانون؛ مثل أن المظاهرات تمثل خطرا على الأمن والنظام العام وتعرقل مصالح المواطنين أو العدالة، دون توفر تعريفات واضحة لتلك الشروط، تستوجب - ووفقا للقانون الدولي - مراجعة تلك التعبيرات وتوخي الدقة في تفاصيل ما يحظره القانون».

ونفى السفير هاني صلاح المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء المصري (الحكومة) ما نسب من تصريحات للدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء، بشأن رفضه وضع جماعة «الإخوان» تحت طائلة قانون الإرهاب، ووصفها بأنه منظمة «إرهابية». وأكد المتحدث في بيان له أمس أن «رئيس مجلس الوزراء لم يصرح بأن جماعة (الإخوان) ليست إرهابية، إنما أكد على التزام الدولة بالقانون، قائلا: لا أعرف إن كان توصيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية اختصاص القضاء أم من، ونحن نفذنا حكم القضاء فيما يتعلق بحظر أنشطتها».

وقال صلاح إنه «بمجرد صدور حكم المحكمة بشأن حظر نشاط التنظيم الدولي والجماعة والجمعية وما ترتب عليه، وهو الحكم الذي التزمت الحكومة بتنفيذه، فقد أصبحت هذه الجمعية غير موجودة، فهي والعدم سواء»، موضحا أن «الإرهاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، والقضاء وحده هو المختص بالفصل فيها». وكان حكم محكمة الأمور المستعجلة قد قضى في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي بـ«حظر أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين».

وفي مؤتمر صحافي عقده أمس، قال المستشار محمد أمين المهدي وزير العدالة الانتقالية إن «قانون العقوبات نظم كل ما يخص جرائم الإرهاب وكيفية مواجهتها»، مؤكدا أنه «إذا صدر حكم قضائي بأن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية فسننفذه، لأن القانون هو السيد».

وأضاف المهدي أن الحكومة حريصة على العمل بمنتهى الشفافية، وجادة في تخطي المرحلة الانتقالية التي تشهد مزيدا من أعمال العنف الذي يمكن أن يكيف قانونا على أنه إرهاب، موضحا أن الحكومة دعمت الشرطة والقوات المسلحة في محاربة الإرهاب، وطالبت بتخصيص دوائر خاصة لمن يتهم بارتكاب إحدى جرائم الإرهاب لتحقيق العدالة الناجزة، كما شدد مجلس الوزراء على أهمية تنفيذ حكم حظر جمعية وجماعة الإخوان المسلمين من خلال اللجان المتخصصة.

وأشار إلى أن سبب مراجعة قرارات العفو هو ردع من يعاود ارتكاب جريمة كان قد حصل على عفو عن مثيلتها، موضحا أن وزارة العدالة الانتقالية هي التي تقدمت بمشروع هذا القرار.

وأكد المهدي أن اللجان التي شكلها مجلس الوزراء لتنفيذ حكم حظر نشاط جمعية الإخوان المسلمين بدأت عملها على الأرض بشكل فعلي.

من جهته، دعا التحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي يضم ائتلافات مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، للاحتشاد يوم الجمعة المقبل في ذكرى مرور 100 يوم على ما وصفه بـ«محرقة سجن أبو زعبل» تحت عنوان «القصاص قادم».

وكان 37 سجينا من «الإخوان» قتلوا في أغسطس (آب) الماضي أثناء ترحيلهم لسجن أبو زعبل باختناقات بالغاز، عقب وقوع اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن أثناء محاولتهم الهرب، حسبما قالت وزارة الداخلية. وأحال النائب العام أربعة ضباط للمحاكمة بتهم التقصير والإهمال والشروع في قتل السجناء.

وقال التحالف، في بيان له أمس، إن التظاهر يوم الجمعة يأتي «لنذكر الانقلاب بجرائمه، ونجدد العهد على القصاص العادل والعاجل لكل الشهداء، ونطور حراك ثورتنا نحو حسم كامل».