من التاريخ: التقويم الميلادي

TT

تحتفل دول كثيرة بانقضاء السنة الميلادية وبداية سنة جديدة أخرى كل أول يناير أساسها ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وهذا التقويم شأنه شأن أي تقويم آخر يعكس اهتمام الإنسانية بالوقت في علاقة ثلاثية تربط الإنسان والزمن والفلك، فالأول يحتاج لقياس الزمن ليعرف وضعيته المقارنة بهذا البعد، بينما يحتاج الزمن للفلك ليربط بينه وبين مفهوم دورية الفصول والليل والنهار، وهو ما جعل الإنسان دائما يبحث عن التقويم السليم الذي يخلق له التوازن بين الزمن من ناحية وبين التغيرات والتقلبات الطبيعية من ناحية أخرى.

لم تكن هذه مهمة سهلة للإنسان على مر الزمان، فكانت الخطوات البدائية لتحديد التقويم هي التي جعلته مرتبطا «بسنة الأساس» والتي يتم على أساسها احتساب الزمن، وقد برع الرومان في هذا من خلال وضع سنة أساسية هي عام 750 قبل الميلاد ليبدءوا على أساسها التقويم وكان هذا هو تاريخ تأسيس مدينة روما، وقد زاد الأمر تعقيدا عندما بدأ الرومان ينسبون السنين إلى الشخصيات التاريخية المهمة، وهو خلق حالة من التخبط لدى المواطن العادي لكثرة أسماء السنين، وقد كانت السنة تحتوي على 10 أشهر فقط في ذلك الوقت، وهو ما تعذر معها التقسيم الدقيق للفصول الأربعة للسنة، ولذلك رأى الكثير من الرومان ضرورة إعادة النظر في هذا التقويم لتسهيل المهمة، ولكن الفضل في هذه المهمة الشاقة يرجع إلى يوليوس قيصر، حيث أدخل الرجل ما هو معروف باسم التقويم «اليوليوسي Julian Calendar»، حيث لجأ إلى إضافة شهرين للسنة الرومانية وهما يناير وفبراير لسد الثغرة الزمنية مع السنة الشمسية، كما أنه اضطر عام 45 قبل الميلاد إلى إضافة 151 يوما على التقويم الجديد حتى تبدأ السنة في الأول من يناير لتبدأ دورتها الطبيعية، وقد توافق ذلك مع عام 708 بعد التأسيس وفقا للتقويم الروماني القديم، وهكذا قسم التقويم الجديد السنة إلى 12 شهرا لمدة إجمالية 365 يوما والتي هي الدورة الكاملة للفصول الأربعة، وقد أدخل القيصر أغسطس في العام الميلادي الرابع عددا من التعديلات على التقويم «اليوليوسي» حيث غير أسماء شهرين من أشهر السنة ناسبا أحدهما إلى يوليوس قيصر وهو شهر «يوليو» والثاني إلى نفسه فسمي بأغسطس، وتعمد أن يكونا 31 يوما كنوع من العظمة، ثم تم إضافة يوم إلى شهر فبراير من كل سنة كبيسة لتغطية الفارق الزمني للسنة.

ومع تداخل السياسية بالديانة المسيحية، بدأت تظهر بعض الآراء الساعية لربط التقويم «اليوليوسي» بتقويم جديد، فكانت فكرة الراهب اليوناني «Dionysius Exiguus» لربط العام التأسيسي للتقويم على أساس ميلاد السيد المسيح، وهو ما جاء معه لفظ A.D الشهير أو «Anni Domini» أي بعد الميلاد، والثاني A.C أوAnte Christum أي قبل المسيح، ولكن هذه الفكرة أخذت تنتشر بعد ذلك بفترة فاستقر الرأي في القرن الثامن الميلادي على استخدامها بعدما قويت شوكت المسيحية واستطاعت السيطرة على البعد الثقافي الغربي بشكل أو بآخر.

وعلى الرغم من أن التقويم اليوليوسي المربوط بميلاد السيد المسيح عليه السلام كان ساريا فإنه لم يكن بلا مشكلات، فسرعان ما أدركت الكنيسة أن التقويم المسيحي / اليوليوسي لا يتطابق مع حركة الشمس أو التقويم الشمسي، إذ إنه كان يتضمن 365 يوما وربع اليوم، ومع مرور الوقت بدأ الفارق الزمني بين التقويمين يختلف بشكل كبير وهو ما دفع البابا «جريجوريوس الثالث عشر» إلى إدخال التعديل على التقويم الميلادي مضيفا 10 أيام إلى هذا التقويم مع عدم الاعتراف بكون السنة الكبيسة إلا التي تقبل القسمة على رقم أربعة، بالتالي فعام 1700 على سبيل المثال أو 1900 لا يحتسب فيهما شهر فبراير على أنه 29 يوما، وقد أدى ذلك لقيام أغلبية الدول الغربية بتعديل التقويم الخاص بها لتتبع التقويم الجريجوري الجديد والذي تسير عليه الدول في التقويم الميلادي حتى اليوم.

أما التقويم الهجري فهو التقويم الأساسي المبني على الشهور القمرية، ومن ثم فهناك اختلاف 11 يوما تقريبا بين السنة الهجرية والسنة الميلادية، وهو الفرق بين التقويم القمري والشمسي، وفي التقويم الهجري هناك متوسط 29 ونصف اليوم في الشهر الواحد، بالتالي تصبح السنة الهجرية 354 يوما بينما السنة الشمسية 365 يوما، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التقويم الهجري لا يحتمل الخطأ الحسابي مقارنة بالتقويمات الأخرى.

ومع وجود تقويمين أساسيين هما الهجري والجريجوري، إضافة لتقويمات شرقية أخرى، فإن الإنسان دأب على محاولة السعي من أجل تسخير الزمن لخدمة أمجاده السياسية، فنجد هناك بعض المحاولات لإعادة التقويم على أساس حدث مهم، فبعد اندلاع الثورة الفرنسية قررت الدولة تغيير التقويم الجريجوري تماما من خلال إدخال تقويم جديد على أساس أن عام 1792 أو سنة إعلان الجمهورية هي سنة الأساس، ومن ثم تغيير أسماء الأشهر ليصبح هناك 12 شهرا كل منها 30 يوما، وهو ما أبقى لهم خمسة أيام لا وجود لها في التقويم، وقد أعدتها الجمهورية الجديدة أيام عطلة رسمية، ولكن هذا النظام الفاشل سرعان ما تلاشى مع انتهاء الموجة الثورية في فرنسا.

وهكذا استقر الرأي في بلدان كثيرة على اتباع التقويم الجريجوري، ليقيسوا عليه الزمن في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى الرغم من ذلك فإن الأمر لا يخلو من المشكلات أيضا، فوفقا للتقويم الجريجوري فإن هناك اختلافا بين التقويم الميلادي والتقويم الشمسي الطبيعي يصل إلى 26 ثانية، وهو ما سيجعل هناك يوما إضافيا بعد مرور ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وعشرين عاما من تاريخ تطبيق هذا التقويم، وهو النتاج الطبيعي لعكس ما حدث لشخصية «فيليوس فوج» في رائعة «يوليوس فيرني» المعنونة «ثمانين يوما حول العالم» عندما كسب بطل الرواية يوما أقل لأنه سافر حول العالم عكس حركة الشمس، بالتالي فوفقا لحساباتي المتواضعة والتي لا يجب أن يعتد بها كثيرا فإن عام 4905 ميلاديا أي بعد 2891 عاما من اليوم سيكون لدينا يوم إضافي وعند هذه المرحلة سنحتاج لأن يكون ديسمبر 32 يوما بدلا من 31 يوما كما هو معتاد، وتقديري أن هذا اليوم اللقيط سيكون مثار جدل سياسي حول كيفية التعامل معه، ولكن أغلب الظن أن الأمم المتحدة ستعلنه يوم عطلة مدفوعة الأجر.