علي أكبر صالحي «عرّاب الملف النووي»

شغل منصب وزير الخارجية الإيراني في فترة عاصفة وكان صوت العقل في عهد أحمدي نجاد

TT

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ فترة إنه «لو كان باستطاعتنا أن نفكك براغي البرنامج النووي الإيراني وتدميره لفعلنا ذلك لكن نحن نعيش الواقع». يوجد مؤيدون كثيرون لحلم تدمير المنشآت النووية الإيرانية في واشنطن، وتل أبيب وعواصم عالمية أخرى.. لكن مناصري تدمير البرنامج النووي الإيراني ليسوا غربيين فقط بل إيرانيين ثوريين أيضا.

قامت الثورة في إيران قبل 35 عاما بقيادة آية الله الخميني وأخذت الصحف في طهران تكشف كل يوم، جانبا من مفاسد وخيانات حكم الشاه.. وتصف كل مشروع تعده سيئا بأنه خيانة للشعب وتطالب بتدميره. كانت منشأة بوشهر النووية أحد هذه المشاريع، إذ تصاعدت المطالب بتدميرها حيث لم تكن تجد شخصا يتحدث صراحة بالدفاع عن «حق التخصيب والأنشطة النووية» في إيران.

عين آية الله الخميني فريقا يضم 5 أشخاص للنظر في شؤون مفاعل بوشهر النووي. وقد صوت 3 من هؤلاء الخمسة لتدميرها، لكن اثنين من هؤلاء أحدهما شاب اسمه «علي أكبر صالحي» لم يعارضا تدمير منشأة بوشهر فحسب بل وأكدا على ضرورة استمرار بناء المفاعل وتجهيزه.

وعندما بدأت الحرب الإيرانية - العراقية، قرر حكام إيران تأجيل النقاش حول منشأة بوشهر النووي إلى وقت آخر. ولذا استمر العمل في مفاعل بوشهر النووي حتى أصبح صالحي نفسه مديرا للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية مصرا على بناء عدد أكبر من المفاعلات في إيران.

علي أكبر صالحي وكالكثير من وزراء خارجية إيران بعد الثورة الإسلامية أنهى دراسته الجامعية في الولايات المتحدة، لكن ما يميز صالحي عن أقرانه الإيرانيين أنه ولد في إحدى الدول العربية.

فقد ولد صالحي في 24 مارس (آذار) 1949 في عائلة إيرانية في مدينة كربلاء. إذ قضى طفولته وحتى التاسعة من عمره في هذه المدينة التي تتمتع بأهمية خاصة لدى الشيعة. ومن ثم عاد مع عائلته إلى إيران، لكن مكوثه في إيران لم يدم طويلا حيث توجه صالحي هذه المرة إلى بلد عربي آخر لإكمال دراساته العلياء في الجامعة الأميركية في بيروت.

في عام 1968 عندما وصل صالحي إلى بيروت، خلافا لهذه الأيام لم يكن هناك حزب الله في لبنان ولا أثر لنفوذ إيران في سواحل البحر المتوسط. في تلك الآونة شهد العراق أيضا انقلابا أوصل صدام حسين إلى السلطة ليصنع من العراق سدا منيعا أمام النظام الشاهنشاهي في إيران ولينصب العداء ضدها.

فلم يتصور صالحي الشاب آنذاك أن تشهد إيران وبعد عقد من الزمن ثورة كبيرة بل وتقع ثورة في العلاقات بين إيران وهاتين الدولتين العربيتين. فقد مكث صالحي 3 سنوات في بيروت وبعد حصوله على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، توجه إلى الولايات المتحدة وسجل في جامعة إم آي تي حيث حاز هناك على الدكتوراه في الهندسة النووية في عام 1977. وقد تمكن من إتقان الإنجليزية والعربية كالفارسية، إثر وجوده في الدول العربية والولايات المتحدة والدراسة هناك.

لم يكن لصالحي نشاط ملحوظ إبان الثورة الإسلامية، لكنه تقلد منصب مساعد رئيس جامعة شريف الصناعية في الشؤون التعليمية بعد قيام الثورة ببضعة أشهر. وتُعد هذه الجامعة من أفضل الجامعات الفنية في إيران. وفي منتصف الثمانينات جرى إيفاده مع فريق متخصص في مهمة إلى الولايات المتحدة كي يقنع عددا من الوجوه الإيرانية العلمية القاطنة في الولايات المتحدة للعمل في الجامعات الإيرانية.

وبعد عام ونيف من الثورة تم إبعاد الكثيرين في الجامعات الإيرانية بذريعة «الثورة الثقافية» لمدة 3 سنوات. وعلى هذا الأساس تم طرد الأساتذة والطلاب الذين لم يتقبلوا نوعا ما آيديولوجية الحكومة الجديدة.

ترأس صالحي حتى عام 1993 ولمدة 8 أعوام، جامعة شريف الصناعة ساعيا كي تستعيد هذه الجامعة مكانتها الضائعة مرة أخرى. في عام 1997 قررت حكومة محمد خاتمي الإصلاحية إيفاده مندوبا لإيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقد كان أفضل شخص لتولي المنصب لأنه خريج الطاقة الذرية في الجامعات الأميركية ويعرف لغة تخصصه في مجال عمله وعما يجب أن يدافع.

وقد احتفظ صالحي بمنصبه بعد أن أصبح محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد وذلك رغم الانتقادات الشديدة التي وجهها الأخير إلى الفريق النووي الإيراني وتغييره لبعض المديرين. ولربما سبب إبقاء صالحي في منصبه يعود إلى عدم انتمائه إلى أي حزب أو جناح في إيران. إذ قالها هو في إحدى مقابلاته «لم أدخل في أي صراع سياسي وحزبي، وليس لي أحد إلا الله ولست صهرا لأحد وليس في بيتي عروس تنتسب لعائلة ما».

* الأيام العاصفة

* عندما كان وزير خارجية إيران منوتشهر متكي في زيارة للسنغال أبلغوه بأن الرئيس أحمدي نجاد أصدر حكما يقضي بعزله عن منصبه. وعين أحمدي نجاد بعد هذه الإقالة العجيبة والمثيرة، علي أكبر صالحي وزيرا للخارجية الإيرانية. ويُعد صالحي رجلا بيروقراطيا يتبنى نظرة واقعية، ولذا لم ينسجم مع حكومة أحمدي نجاد.

وقد أعلن صالحي أن سياساته قائمة على تطوير العلاقات مع العربية السعودية، وتركيا، والاتحاد الأوروبي غير أنه قال في اجتماع غير رسمي مع مراسلي الشأن الدبلوماسي الإيراني إن «هناك ضرورة لتحسين العلاقات الإيرانية - الأميركية». وقد كان آنذاك التحدث عن الاتصال بالشيطان الأكبر وتحسين العلاقات مع الأميركيين محرما وذنبا لا يغتفر.

لم يمض أسبوعان على تعيين صالحي وزيرا للخارجية الإيرانية حتى بدأت الانتفاضات في دول شمال أفريقيا. وقد دخل الجهاز الدبلوماسي الذي يرأسه صالحي في أصعب فتراته. إذ ساند آية الله علي خامنئي هذه الانتفاضات واصفا إياها بـ«الصحوة الإسلامية». كما تأثر زعماء الحركة الخضراء بهذه الانتفاضات مطالبين الشعب الإيراني بالنزول إلى الشوارع للدفاع عن الثورة المصرية، غير أن السلطات الإيرانية قمعت المظاهرات بشدة، وقامت بفرض الإقامة الجبرية على زعيمي الحركة الخضراء ميرحسين الموسوي ومهدي كروبي. وقد أصبحت الظروف صعبة في الداخل، وفي الخارج قامت الدول الغربية بإصدار بيانات حادة، وأخذت تفرض العقوبات على إيران. فلم يجر فرض عقوبات اقتصادية على دولة عبر التاريخ كما تم على إيران. وقد واجهت السياسة الخارجية الإيرانية تحديا مفاجئا وعجيبا بسبب الربيع العربي الذي عم المنطقة.

وأكد الساسة المتشددون في إيران ومنهم الرئيس أحمدي نجاد أن الغربيين لن يستطيعوا أن يفرضوا عقوبات على إيران والنفط الإيراني. إذ سخر محمود أحمدي نجاد مرارا من الغربيين قائلا إنهم لن يستطيعوا تطبيق مثل هذه العقوبات لأنهم يعلمون أن سعر النفط سيرتفع إلى 250 دولارا. لكن صالحي كان يأخذ التهديدات الغربية على محمل الجد ويشعر بالوحدة. وبعث برسالة إلى آية الله خامنئي محذرا فيها من العقوبات الاقتصادية الغربية وتداعياتها على إيران. لكن في المقابل قام المتطرفون الذين يهيمنون على جميع مؤسسات السلطة في إيران بتوجيه الاتهامات لصالحي. ووصف علي أكبر صالحي الوضع في تلك الأيام قائلا «كنا مظلومين بشكل لم نتمكن حتى من التحدث بما نريده في بلادنا. إذ كانوا يقولون لنا، لماذا هذا الحديث، ولماذا هذه الرسالة التي أرسلتها، إنهم لن يستطيعوا أن يفرضوا العقوبات على نفطنا ومصرفنا المركزي لأنهم إذا أرادوا أن يفرضوا حظرا نفطيا ستقفز أسعار النفط للبرميل الواحد إلى 250 دولارا. فقد كانوا يقولون إنهم لن يستطيعوا فرض العقوبات على المصرف المركزي وفقا للقوانين الدولية، لكننا كنا نقول لهم مع الأسف هؤلاء هم الذين يصوغون القوانين وهم المرجع والقاضي والمدعي».

فلم تمض أيام على الرسالة التي بعثها صالحي لخامنئي وإذا بالحكومة البريطانية تقوم بفرض عقوبات أحادية على إيران.. هذا الخبر أثار ضجة في طهران وقام محتجون بالهجوم على السفارة البريطانية وعاثوا فيها فسادا.

كان صالحي وقتها في مدينة جدة.. ويروي ما حدث قائلا «كنت في اجتماع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة للدفاع عن سوريا، وبالصدفة كان احتجاج بعض الدول العربية بشأن الهجوم على سفاراتهم في سوريا، أحد المواضيع التي طُرحت في ذلك الاجتماع حيث كنت أنا المدافع الوحيد عن سوريا. وقد أبلغوني هاتفيا وفجأة في ذلك الاجتماع، ماذا تفعل هناك؟ فقد تمت مداهمة السفارة البريطانية في طهران. ومن نفس المكان اتصلت بويليام هيغ (وزير الخارجية البريطاني) هاتفيا وحاولت لملمة القضية».

غير أن الهجوم المخطط له من قبل الطلبة التعبويين (التابعين للباسيج) على السفارة البريطانية كلف البلاد ثمنا باهظا جدا. إذ قامت بريطانيا بتعطيل السفارة الإيرانية في لندن وطردت العاملين فيها من الأراضي البريطانية. كما كانت ردود فعل الدول الأوروبية حادة أيضا. وقام الاتحاد الأوروبي بتشديد العقوبات على إيران. لكن صالحي وجه انتقادات إلى الذين خططوا لهذه المداهمة واصفا ردود الأفعال الغربية بالطبيعية. يقول «عندما تحتلون السفارة البريطانية فلا تتوقعوا أن توزع الدول الأوروبية عليكم الحلوى».

وقد احتدمت هجمات المجموعات المتطرفة ضد وزارة الخارجية، ونشرت بعض وسائل الإعلام مقالات ضد صالحي «بدلا من أن تسانده» ويقول مفسرا لتلك الحالة «أحتفظ ببعض هذه المقالات. فقد كتبوا ما يلي: كان علينا أن نداهم وزارة الخارجية قبل السفارة البريطانية» و«قبل السفير البريطاني كان يجب أن نحسم أمرنا مع وزير الخارجية». «إذ تحلينا بالصبر في مثل هذه الظروف ولم نقل شيئا».

وبعد انتهاء فترة محمود أحمدي نجاد الرئاسية ووصول حسن روحاني إلى سدة الرئاسة تم تعيين صالحي رئيسا للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية. وأصبح علي أكبر صالحي وزيرا للخارجية الإيرانية في فترة صعبة، حيث كان الراديكاليون في رأس السلطة، وهم لم يسعوا للتفاهم مع الغرب بل كانوا ينتهجون «سياسة هجومية». وكانت منطقة الشرق الأوسط تعيش في التهاب لم يسبق له مثيل، إذ لم تتحسن العلاقات بين إيران، وتركيا، والسعودية في فترة وزارة صالحي، بل أصبحت أكثر قتامة وخصومة. إذ كان صالحي صادقا عندما قال «لم تملك وزارة الخارجية عصا سحرية».