معان.. العاصمة الأولى.. وبوابة الفتوحات الإسلامية

TT

* موقع المدينة له أثر كبير في تاريخها، فهي تقع على طريق القوافل - الطريق التجاري الطويل للقوافل بين الجزيرة العربية والشام - ويمكن القول إن معان منذ قبل الميلاد وحتى مطلع القرن الحالي كانت حاضرة في التاريخ من خلال علاقات التجارة والسيطرة على الطريق التجاري الوحيد للقوافل ما بين الجزيرة العربية والشام وما بين خليج العقبة ومصر وبلاد الشام.

ومثلما كانت معان على الخط التجاري الطويل فإنها كانت بوابة الفتوحات الإسلامية وشهدت قيام الدولتين الأموية والعباسية، بدأ في معان وجوارها؛ إذ إن التحكيم في أذرح شهد قيام الدولة الأموية، وإن الحركة العباسية بدأت في الحميمة قرب معان.

وعندما زارها الرحالة السويسري بيركهارات عام 1812 فإنه لاحظ أن معان هي المنطقة الوحيدة المأهولة على طريق الحج، وأن أهلها مكرسون أنفسهم لقراءة القرآن بلهفة زائدة، وأنها، أي المدينة، تعد نفسها مركزا أماميا للمدينة المنورة.

ويرى الرحالة جورج أوجسن فالن الذي زار معان عام 1845 أنها أعظم وأغنى المحلات في هذه المنطقة من الصحراء وأنها أكبر البلدان على طريق الحج السوري وأن أهلها أقوياء البنية سوريو الملامح وأن البدو يقدرون رجولة أهلها وشجاعتهم ويرونهم أهلا لهذا التقدير.

ولاحظ فالن أن أهل المدينة منظمون وأنهم يديرون شؤون مدينتهم بأنفسهم دون تدخل من السلطة، ووصف الرحالة فالن سوق معان وقال: «إن معان هي أهم هذه الأسواق إطلاقا... تحط فيها قوافل الحج السوري. ويجتمع البدو في هذا الموسم في البلدة آتين إليها من الصحراء القريبة فتصير القرية الصغيرة والقرى المنتشرة في طريق الحج مكتظة بالناس تماثل أشهر الأسواق الدورية في أوروبا». وصل الخط الحديدي الحجازي إلى معان في الأول من سبتمبر (أيلول) 1904 وساهم ذلك في نقل الاهتمام السياسي إليها وتدفقت الهجرة إليها بعد بناء أكبر محطة قطارات ما بين دمشق والمدينة فيها. وكانت بثماني مسارب في حين أن محطة عمان بأربع مسارب فقط. وبعد ذلك وفي 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1920 وصل الملك المؤسس إلى معان، فأصبحت معان هي العاصمة الأولى للأردن وفيها انطلقت الحركة السياسية للملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين، وفيها تأسس «الجيش العربي»، وهكذا فإن معان شهدت قيام ثلاث دول فيها ومن جوارها.

ومعان متميزة في موقعها وفي تاريخها وفي ملامح حياتها السياسية والاقتصادية، وتلاحظ أن الموقع كان عنصرا حاسما في حياة المدينة اقتصاديا وسياسيا، وأن تاريخ المدينة يبوح بالكثير من التاريخ والأحداث، وأن هناك علاقة بين هذا الموقع وازدهار الحركة التجارية الاقتصادية، وأن هناك علاقة بين الموقع وقيام ثلاث دول في معان وجوارها. وكل هذا الزخم الكبير من الميراث الاقتصادي والسياسي يعطي مؤشرا على ما أصبح يوصف اليوم بالقوة الناعمة وأثرها في حياة الشعوب والدول.