محمد جواد ظريف.. «الخصم المحترم»

وزير الخارجية الإيراني ينتظر قطف ثمار المفاوضات النووية لتضاف إلى إنجازاته الدولية

TT

مع تقدم المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية العظمى، وسط أجواء تفاؤل باحتمال توقيع اتفاق بين الجانبين لحل النزاع الشهر المقبل.. باتت أنظار الإيرانيين تتجه إلى وزير خارجيتهم محمد جواد ظريف، الذي يقود المفاوضات المعقدة، على أمل الوصول إلى حلول مرضية للجميع تقود إلى رفع العقوبات الدولية التي أصابت اقتصاد البلاد بالشلل.

ويعلم ظريف بهذا الأمر، إذ قال في تصريح له لوكالة الأنباء الرسمية (إرنا) إن وزارة الخارجية استرجعت مكانتها بوصفها أهم الأجهزة الحكومية منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى السلطة وتشكيل الحكومة الجديدة. ويأمل ظريف أن يقود سفينة المفاوضات إلى بر الأمان، وقد عبر عن تفاؤله في أكثر من مناسبة بأن التوصل إلى حل بات ممكنا، ولكنه يحتاج إلى وقت.

وظريف المولود في طهران في يناير (كانون الثاني) 1960، الذي يلقبه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، بأنه «الخصم المحترم»، بدأ خطوات النجاح حينما كان دبلوماسيا في مكتب البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وشارك مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي في المفاوضات المهمة لإصدار القرار الدولي 598 الذي تضمن إنهاء الحرب بين إيران والعراق. وقرر رئيس الوزراء الإيراني وقتها ميرحسين موسوي إرسال مساعده عطاء الله مهاجراني، ورئيس البرلمان حسن روحاني إلى نيويورك لتعزيز موقف المفاوضين الإيرانيين. وتعد هذه المرة الأولى التي يشارك فيها حسن روحاني ومحمد جواد ظريف معا في المفاوضات الدبلوماسية.

وأدى محمد جواد ظريف دورا في قضية إطلاق سراح الرهائن الثمانية الذين اختطفهم «حزب الله» اللبناني، وتوقعت إيران من خلال المشاركة في تحرير الرهائن إحداث تغيير في التعامل الأميركي وإبداء حسن النية، ولكن «الولايات المتحدة لم تف بوعودها»، حسب ما قاله ظريف. وكان ظريف يسعى إلى التقرب إلى وزير الخارجية آنذاك علي أكبر ولايتي، وهو من الحلقة المقربة من رئيس الجمهورية آية الله خامنئي، وذلك من خلال كسب ثقته. وساهم هذا التقرب في تولي ظريف منصب مساعد وزير الخارجية علي أكبر ولايتي لمدة عشر سنوات (1992 وحتى 2002).

وأصبح ولايتي كبير مستشاري مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي منذ وصول الحكومة ذات النهج الإصلاحي بقيادة محمد خاتمي إلى الحكم. وشغل ولايتي منصب وزير الخارجية لمدة 16 سنة. ورغم أن ظريف لم يكن ينتمي إلى التيار الإصلاحي، ولكنه أصبح مندوب إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك من 2002 إلى 2006، بسبب تمتعه بعلاقات جيدة مع الرئيس خاتمي ووزير الخارجية كمال خرازي.

وشهد الجدل الدائر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني، توترا غير مسبوق في عام 2003، وأصدرت الوكالة الذرية أول قرار لها ضد النشاطات النووية الإيرانية، الأمر الذي فتح الباب أمام تعاون شامل وخاص امتد لسنوات مديدة بين ظريف وحسن روحاني الذي كان يتولى منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي. وأبرم الفريق الإيراني الذي كان يضم حسن روحاني، وخرازي، وحسين موسوي، ومحمد جواد ظريف، وسائر الدبلوماسيين الإيرانيين والدول الغربية، اتفاقية سعد آباد في عام 2003، مما أدى إلى قبول إيران للتوقيع على البروتوكول الإضافي بشكل مؤقت لمدة ستة أشهر. وتمكن فريق المفاوضين الإيرانيين حول الملف النووي من منع إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وقد اغتنم حسن روحاني لاحقا الفرصة خلال حملته الرئاسية للانتخابات الرئاسية الإيرانية للتأكيد على النجاح الذي حققه بشأن الملف النووي في عام 2003.

وأثارت الاتفاقية التي أبرمتها إيران والدول الغربية بشأن الملف النووي انتقادات واسعة من التيار المحافظ في إيران، مؤكدن أن إيران «تنازلت عن اللؤلؤ مقابل الحصول على قطعة حلوى».

وأدرك ظريف حينما تولى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد الرئاسة واعتماده لسياسات صارمة بشأن فريق المفاوضين الإيرانيين، أن نجاد يسعى لعزله من منصب المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة. يقول ظريف: «لقد تبنى (أحمدي نجاد وحكومته) نظرة سلبية للغاية للأفراد الذين تولوا مسؤولية الملف النووي، وكانوا يرغبون في إزاحتي قبل سائر السفراء، غير أن مرشد الجمهورية الإسلامية عارض الأمر».

وقام أحمدي نجاد بعزل حسن روحاني من منصب سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني بعد أن تولى المنصب منذ 16 سنة، ووجهت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة اتهامات كثيرة، منها التجسس لحسين موسويان. وعارض مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي إقصاء ظريف بسبب علاقاته الوطيدة مع كبير مستشاري المرشد في السياسة الخارجية علي أكبر ولايتي، وکونه مطيعا لأوامر المرشد. ويقول ظريف: «لم أتفوه بكلمة دون إذن المرشد طوال فترة مهامي، ونفذت السياسات الموجهة من قبل المرشد».

وأدت سياسات محمود أحمدي نجاد إلى انعزال ظريف وإلى عزله لاحقا. ويذكر ظريف في كتابه «سيدي السفير» تلك الأيام ويقول: «كنت أمر بفترة عصيبة وتعرضت لضغوط نفسية خلال هذين العامين، ولم أرغب في مزاولة مهنتي، ولكنني واصلت العمل بسبب المرشد. واطلعت على الرسالة التي بعثها الرئيس أحمدي نجاد إلى نظيره الأميركي باراك أوباما، وغمرتني فرحة كبيرة لدى سماعي خبر عزلي من منصبي».

ولد ظريف في 8 يناير 1960 من أسرة ملتزمة دينيا وميسورة في طهران. يصف ظريف عائلته بأنها متمسكة دينيا: «إذ لم نكن نملك جهاز تلفزيون أو راديو.. وكان يخلو البيت من الصحف.. ولم أكن أستمع إلى الموسيقى بتاتا حتى بلغت الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمري. وكلما سمعت صوت الموسيقى في سيارة أجرة طلبت من السائق إطفاءه». كان والد ظريف من التجار المعروفين في صناعة النسيج، ورغم انتمائه للشريحة المذهبية والتقليدية فإنه لم يكن من مؤيدي الثورات ذات النزعة الدينية. ويذكر محمد جواد ظريف في كتابه بعنوان «سيدي السفير» أن «والده كان معارضا للثوار والجمهورية الإسلامية حتى يوم وفاته في عام 1984».

وكان يسعى الوالد إلى إبعاد نجله عن إيران والثوار الشباب، فطلب منه التوجه إلى لندن لإكمال دراساته العليا، وغادر محمد جواد إيران مرجحا الذهاب إلى الولايات المتحدة عندما بلغ سن السادسة عشرة في عام 1976 بدعم من أحد أصدقاء والده المتنفذين الذين اكتشف فيما بعد أنه موظف في جهاز الأمن في عهد حكم الشاه.

لقد تعرف ظريف في جامعة بيركلي الأميركية على عدد من طلبة الثوار الإيرانيين مثل محمد هاشمي، شقيق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي أصبح لاحقا رئيسا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، وجواد لاريجاني، الذي تولى مناصب عدة بعد قيام الجمهورية الإسلامية، منها مساعد وزارة الخارجية، وحسين شيخ الإسلام الذي أصبح سفير الجمهورية الإسلامية لدى سوريا، ومحسن نوربخش الذي شغل منصب محافظ البنك المركزي الإيراني لعدة سنوات.

كان النظام الإسلامي بعد قيام الثورة في إيران بحاجة إلى أفراد ليحلوا محل الموظفين في العهد الملكي السابق، واغتنم ظريف وعدد من الطلبة الثوار هذه الفرصة للانضمام إلى وزارة الخارجية. وأصبح ظريف موظفا في مكتب البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره، وتابع إكمال دراساته العليا حتى نال شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة دنفر الأميركية.

وأصبح ظريف أستاذا في العلاقات الدولية في جامعة الإمام الصادق في طهران لسنوات لدى عودته إلى إيران. وطلب منوتشهر متكي وزير الخارجية في فترة رئاسة أحمدي نجاد من ظريف أن يقوم بتقاعد إجباري في 2011؛ إذ لم تجد الوساطات التي قام بها ولايتي نفعا في قرار إقصاء ظريف عن وزارة الخارجية الإيرانية. وبعد مرور ثلاثة أعوام، تحول ظريف إلى أحد الوجوه الأكثر شعبية في حكومة الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني.

وأصبح محمد جواد ظريف رمزا لسياسة الليونة التي تسعى الجمهورية الإسلامية إلى اعتمادها في التعامل مع الغرب. ويرى ظريف أن التعامل المباشر بين إيران والولايات المتحدة ليس حلا للمشاكل الإيرانية خلافا لاعتقاد الكثير من الناس والنخبة... لن تتحول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة إلى الصداقة... وإذا كانت المسائل العالقة تنحصر في الملف النووي، لوجد الملف النووي حلا... كانت تسعى الولايات المتحدة منذ قيام الثورة إلى تقديم صورة عن الجمهورية الإسلامية وكأنها مصدر تهديد للأمن العالمي... وتحاول القوى المهيمنة دوما إلى تقديم صورة عن أعدائها كمصدر تهديد للجميع.

ورأت وكالة رويترز أن إيران تحاول أن تمد «غصن الزيتون» إلى الولايات المتحدة من خلال تعيين ظريف وزيرا للخارجية. وأفادت رويترز بأن ظريف كان يرأس الكثير من المفاوضات السرية بين إيران والولايات المتحدة، إذ يعد الرجل وجها ملائما لإعادة بناء العلاقات بين طهران والغرب.

ويعترف ظريف بإمكانية حلحلة الملف النووي الإيراني خلال أشهر، ولكنه يرى أن المشاكل بين إيران والغرب جوهرية، ويرى أن السبب في السعي إلى تدويل الملف النووي هو منع تزايد قوة إيران؛ فقد قدمت إيران الدعم لمعارضي صدام حسين، والمجاهدين الأفغان في فترة الغزو السوفياتي إلى أفغانستان، و«حزب الله» اللبناني وحركة حماس، الأمر الذي تحول إلى نقاط القوة لإيران في المنطقة. يقول: «لدينا مشاكل جوهرية مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة». ويشاطر ظريف وسائر الدبلوماسيين الإيرانيين الأفكار والنظرة إلى الغرب، غير أنه اعتمد نهجا مختلفا عنهم بهذا الشأن، إذ أصبح دبلوماسيا براغماتيا بسبب تجربة حياته في الولايات المتحدة لمدة ثلاثين عاما، والتعامل مع الأميركيين. وربما لهذا السبب كتب وزير الخارجية الأميركي هنري كسنجر على غلاف كتاب قدمه له هدية: «إلى الخصم المحترم السيد ظريف».