بؤرة الاغتيالات

شبه القارة الهندية .. تاريخ موصوم بالتصفيات الجسدية

صورة تعود الى العام 1972 تجمع رئيسة وزراء الهند آنذاك أنديرا غاندي ورئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو اغتيلت الأولى واعدم الثاني (أ. ب)
TT

كشف اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بي نظير بوتو في الاسبوع الماضي، في ظروف غامضة، الحقيقة المرة حول استمرار عمليات الاغتيال الدموية طوال الستين سنة الماضية منذ تركت بريطانيا المنطقة.

وقد بدأت عمليات الاغتيالات السياسية في هذا الجزء من العالم بعد اقل من عام من حصول الهند على استقلالها من بريطانيا عام 1947. فقد اغتيل «ابو الامة» المهاتما غاندي، الذي لعب دورا اساسيا في اجبار البريطانيين على ترك البلاد، على يد ناشط هندوسي يميني متطرف (ناثورام غودز) خلال لقاء للصلاة في قلب دلهي في 31 يناير (كانون الثاني) 1948. ومنذ ذلك الوقت، انتشرت الاغتيالات في جنوب اسيا في الهند وباكستان وسري لانكا ونيبال وبنغلاديش وبوتان وافغانستان. وفقدت كل من هذه الدول شخصيات سياسية معروفة.

وشاهدت الهند، وهي الدولة الديمقراطية في شبه القارة الهندية، ثاني عملية اغتيال بعد مقتل المهاتما غاندي وهو اغتيال رئيسة الوزراء انديرا غاندي في العام 1984. وانديرا التي لا تربطها اي علاقة قرابة بالمهاتما غاندي، هي ابنة اول رئيس وزراء للهند، جواهر لال نهرو، وقتلت على يد حرسها السيخ في مقر إقامتها الرسمي. وكان القتل نتيجة لعملية ««النجم الازرق» العسكرية التي تمت لتصفية جماعات السيخ المتطرفين الذين تحصنوا في «المعبد الذهبي» في امريستار. وكان المتطرفون السيخ قد شنوا حركة انفصالية ضد الهند لأكثر من عقد من الزمن في الثمانينات واوائل التسعينات من اجل اقامة وطن للسيخ.

ويشير المحللون السياسيون الى ان عمليات الاغتيال بدأت في الانتشار مع بداية الاستقلال في القرن الماضي. وبالرغم من ان دول المنطقة حصلت على استقلالها وتختار حكومات منتخبة، فإن الانتفاضات التي تميزت بالعنف نشأت من قبل جماعات شعرت ان الديمقراطية تجاهلتها مثلما حدث في سري لانكا او تدخل القوات العسكرية لإسقاط رؤساء الحكومات المنتخبة لتحقيق طموحاتهم بالسيطرة على الحكم، كما هو الحال في باكستان وبنغلاديش، بالاضافة الى اشخاص ينتمون الى عدد من الجماعات الدينية اختاروا طريق الاغتيالات لتأكيد حقوقهم او لإظهار احتجاجهم مثلما هو الحال في قضية انديرا غاندي.

ولم تنته مأساة الاغتيالات باغتيال انديرا غاندي، فقد اصبح راجيف غاندي الذي دخل عالم السياسة مضطرا، ضحية لمؤامرة اغتيالات كبرى. فقد قاد راجيف غاندي حزب المؤتمر الى انتصار ساحق عقب وفاة امه واصبح رئيسا للوزراء. وقد قتل عندما نسفت انتحارية تنتمي لنمور التاميل في سري لانكا نفسها في حفل انتخابي كان ينوي إلقاء كلمة فيه في ولاية غاناي في جنوب الهند في 21 مايو (أيار) 1991. وكانت جماعة النمور الحمر التي تجاهد من اجل اقامة وطن منفصل للتاميل في سري لانكا منذ اكثر من عقدين قد قتلت راجيف لأنه بعث بقوات هندية الى سري لانكا بناء على طلب الحكومة الهندية.

ولدى سري لانكا تاريخها الخاص من الاغتيالات السياسية. ففي العام 1959، قتل رئيس وزرائها سولومون باندرانيكا على يد راهب بوذي في كولومبو. ومنذ ذلك الوقت قتل عدد من الشخصيات السياسية في عديد من الاغتيالات والعمليات الانتحارية في سري لانكا. فقد اغتيل ثالث رئيس لجمهورية سري لانكا راناسينغ برماداسا عندما انفجرت شحنة متفجرة في يوم عيد العمال في العام 1993 على يد انتحاري ينتمي لنمور التاميل، في العاصمة كولومبو خلال احتفال جماهيري.

كما قتل مرشح انتخابات الرئاسة وزعيم المعارضة في سري لانكا غاميني ديساناياكي في عملية انتحارية مشابهة في العام 1994. وبعدها بخمس سنوات في العام 1999 نجت الرئيسة تاندريكا كوماراتونغا بإعجوبة من محاولة اغتيال مماثلة.

أما بنغلاديش ثالث اكبر دولة اسلامية التي تأسست في العام 1971 بعد نزاع دموي ضد الجيش الباكستاني فلها أيضا نصيبها من الاغتيالات. فقد قتل مؤسس البلاد واول رئيس وزراء الشيخ مجيب الرحمن في أسوأ حادثة اغتيالات عندما اقتحم عسكري غاضب مقر اقامته في 15 اغسطس (آب) في العام 1975 وقتله مع 20 من افراد اسرته. وقد نجت ابنته الشيخة حسينة واجيد رئيسة الوزراء السابقة والشيخة ريحانة التي كانت في زيارة لألمانيا الغربية آنذاك.

واصبح الرئيس العسكري ضياء الرحمن الذي يتهم بأنه كان وراء المذبحة الدموية اول حاكم عسكري للبلاد. الا ان التاريخ يتكرر، فقد قتل هو ايضا على يد ضباط الجيش في بلدة تشياغونغ الساحلية في 29 مايو 1981.

وليست الاسر السياسية وحدها هي التي تعرضت للتصفية، ففي نيبال المجاورة وهي دولة خالية من السواحل تقع وسط جبال الهيمالايا بين الهند والصين، وقعت مأساة قومية باغتيال 10 من الاسرة المالكة بمن فيهم الملك بيرندرا في القصر الملكي في يونيو 2001 على يد ولي العهد الامير دبندرا الذي قتل هو ايضا. وقد تبين ان السبب هو عدم موافقة عائلته على زواجه من صديقته.

ولا تنتهي القصة هنا، فبوتان وهي دولة صغيرة ومسالمة لها نصيبها هي الاخرى من الاغتيالات السياسية، فقد قتل رئيس وزرائها جيغمي وانغتشونك عام 1964 لإجباره ضباط الجيش على الاستقالة.

أما افغانستان، فقد شهدت عدة اغتيالات سياسية كان آخرها في العام 2002 عندما اغتيل عبد القادر نائب الرئيس في الحكومة الافغانية وشخصية سياسية لأكثر من خمس وعشرين سنة بإطلاق النار عليه.

وفي سبتمبر من العام 1996 شنقت ميليشيا طالبان في أفغانستان الرئيس السابق نجيب الله وشقيقه.

وقد لاحظ محلل القضايا الاجتماعية أشيس ناندي في بيان مشترك قضية الاغتيال السياسي انه على الدوام تصريح مشترك بين القاتل والضحية. ويجري الاعتراف بهذه المسألة في ضوء الأحداث الخيرة. فلو أن بي نظير بوتو اختارت البقاء في المنفى كانت ستبقى حية. ولكنها وقعت البيان في اللحظة التي عادت بها الى باكستان. ومن أجل ان نأخذ مثالا آخر لقلنا لو ان انديرا غاندي كانت قد اصغت الى بعض مستشاريها الأمنيين وسرحت حراسها السيخ لكانت قد نجت من الموت.

وفي ندوة جرت أخيرا في الولايات المتحدة حول عمليات الاغتيال قال المتحدث الهندي كريشنا ان «الاغتيالات ليست كما كانت في السابق. فقد كانت الاغتيالات «أخلاقية وسياسية» في بداية عهد الهند ما بعد الكولونيالي ولم تكن «جنائية» كما بات ينظر اليها في سنوات التسعينات بعد اغتيال راجيف غاندي.

وتنفذ الاغتيالات الأخلاقية لسبب أكبر ينطلق من فهم عميق للقضايا السياسية ويرتكب ضد زعماء خانوا مصالح الجماعة التي تقف وراء الاغتيال وفقا لما قاله كريشنا. وحسب رأي القاتل وجماعته فإن الزعيم يستحق القتل.

غير ان المفجرين الانتحاريين أغلقوا كتاب الجدل حول الوضع السياسي في بلد ما بدلا من «تدشين آخر» مثلما فعل غودز عندما القى خطابه في المحكمة، بعد اعلان وجهة نظره حول قتل غاندي بسبب خلافات سياسية، وفقا لما قاله كريشنا.