قصة العلاقة بين الظواهري وبن لادن

الظهور الإعلامي المتكرر للرجل الثاني في التنظيم طرح تساؤلات حول خلافات وتنافس بين الرجلين

بن لادن
TT

نوعية الاسئلة الالكترونية التي ارسلت الى الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري خلال الايام الماضية التي تخطى عددها المئات في خطوة غير مسبوقة لمؤتمر صحافي مفتوح عبر المواقع الاصولية، كشفت انه قد يكون سحب البساط من تحت أقدام زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، وانه على الارجح الزعيم «مكرر» الذي يدير دفة أمر التنظيم عبر إثباته سلامة البنية التحتية لـ«القاعدة» بعد سنوات من الحرب على الإرهاب. ويؤكد أصوليون اقتربوا في فترات زمنية من الظواهري سواء في مصر او خارجها أن لا جفوة ولا منافسة بين الرجلين الملاحقين اميركيا، والمسألة هي في إطار توزيع الادوار. وكانت مجموعة محدودة من وسائل الإعلام العربية والأجنبية قد نالت في السابق فرصة لقاء قائد تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ونائبه الظواهري خلال إقامتهما في أفغانستان، لكن تلك المقابلات انقطعت تماماً بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقال الدكتور كمال الهلباوي، الناشط الاسلامي والمتحدث الاعلامي السابق باسم التنظيم العالمي للاخوان في الغرب: «لا توجد حساسيات بين الرجلين وإنْ كنت اعتقد ان الظواهري مؤهل اكثر للخروج والحديث الى الاعلام».

واشار الى ان الظروف الامنية قد تكون العائق امام تكرار خروج بن لادن إلا انه اكد ان الظواهري لم يبق له سوى الالتزام والالتصاق بابن لادن بعد موجة مراجعات «الجماعة الاسلامية» ثم «الجهاد» التي خرجت من السجون المصرية تحت اسم «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم» لمؤسس الجهاد الدكتور فضل. وأعرب الهلباوي عن اعتقاده بأن «القاعدة» ستكون مثل باقي الملل والنحل التي خرجت عن مجموع علماء الامة، مشيرا الى ان «الجماعات الاصولية التي خرجت عن مفهوم ونهج الوسطية دمرت غيرها ثم دمرت نفسها قبل ان تندثر وتتوارى في التاريخ». الظواهري هو الطبيب الجراح الذي ساعد في تأسيس جماعة الجهاد الإسلامي في مصر، والذي عادة ما ينظر إليه على أنه الساعد الأيمن لابن لادن والمخطط الآيديولوجي لتنظيم «القاعدة». ويعتقد خبراء مكافحة الارهاب أن الظواهري كان العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة، كما انه يحتل المرتبة الثانية بعد أسامة بن لادن في قائمة المطلوبين الـ22 التي أعلنتها الحكومة الأميركية في عام 2001. من جهته يضع محامي الاصوليين، منتصر الزيات، النقاط على الحروف في توضيح خفايا العلاقة بين الرجلين. الزيات اقترب كثيرا من الظواهري في قضية الجهاد الكبرى عام 1981 وكان نزيل الزنزانة المجاورة له في سجن القلعة بمصر وحكمت المحكمة العسكرية ببراءة الزيات من التهم التي وجهت اليه فيما عاقبت الظواهري بالسجن ثلاث سنوات. أما الظواهري فقد أفرد فصلا خاصا في كتابه «فرسان تحت راية النبي» للزيات والذي نشرته «الشرق الاوسط» على حلقات قبل اربعة اعوام ورد عليه الزيات بكتاب «الظواهري الذي عرفته» طبع عدة مرات بالعربية والانجليزية. يقول الزيات في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط»: «ساعدت عوامل كثيرة في صنع العلاقة بين الرجلين على النحو الذي أزعج العالم كله. وكان تأثير كلا الرجلين بالآخر مهماً واستراتيجياً، فمن جهة كان الظواهري لفترات طويلة يردد أن الشكل الوحيد المقبول للجهاد هو الكفاح المسلح، وأن المسلم الصادق ينبغي عليه أن يواجه أولاً الكفر الداخلي (العدو القريب) وبعدئذ يواجه الكفر الخارجي (العدو البعيد). لكن الظواهري فاجأ العالم كله في فبراير (شباط) سنة 1998 بانضمامه إلى «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» تحت زعامة بن لادن والتي حددت أهدافها في صورة فتوى شرعية توجب على المسلمين قتل الأميركيين، مدنيين وعسكريين، ونهب أموالهم، واعتبرت ذلك الأمر فرضا على من استطاع من المسلمين في كل أنحاء العالم، فكانت تلك الوثيقة كاشفة وليست منشئة لتحولات الظواهري الفكرية والحركية معاً بنقل المعركة من المواجهة ضد العدو القريب إلى المواجهة ضد العدو البعيد ممثلاً في اميركا وإسرائيل.

ويوضح الزيات: «لا شك أن أسباب تحول الظواهري الى جبهة بن لادن يرجع لاسباب عديدة منها الإخفاقات العسكرية في العمليات التي قام بها أفراد تنظيمه الجهادي داخل مصر باستهداف رموز في الحكومة المصرية ومنها الخلل الإداري العميق في الجماعة والذي أسفر عن ضبط أعداد كبيرة من أعضاء التنظيم داخل مصر، وما سببته تلك العمليات الفاشلة من ضبط كثيرين من أعضاء الجماعة من العناصر النائمة التي لم تكن مرصودة أمنياً ومنها ايضا نقص الدعم المالي اللازم للإنفاق على أنشطتها وتحركات بعض قياداتها ومعيشة كثير من أعضائها خاصة في بعض محطات الخارج مثل اليمن والسودان، وعدم قدرة الظواهري على تدبير رواتب معيشية لقيادات تنظيمه وعوائلهم، فصدرت تعليمات في ذلك الوقت الى العديد من تلك العناصر بمحاولة البحث عن مصادر مالية وتسببت تلك الأزمة المالية في توتر العلاقة بين أيمن الظواهري وحليفه بن لادن لعدم قيام الأخير بواجباته التي وعد بها في الإنفاق على التنظيم وعناصره الموجودة بالخارج». ويقول الزيات: «حدثني بعض الثقات الذين كانوا قريبين من صناعة القرار في جماعة الجهاد المصرية وقتها أن الظواهري كتب مقالا في أحد أعداد نشرة «كلمة حق» قال فيه ـ إشارة إلى بن لادن ـ «جاد الشباب بأرواحهم وضنّ الأغنياء بأموالهم».

ولقد قص القيادي أحمد النجار، المحتجز في مصر حاليا، قصصا مؤلمة عما حدث من تدهور لأحوال أفراد جماعة الجهاد أثناء إقامتهم في اليمن والسودان ونقص المال اللازم لمعيشتهم حيث هام كثيرون منهم على وجوههم طلبا للرزق وللبحث عن فرصة عمل تكفل لهم الحياة حتى عقد بن لادن اتفاقا مع حركة طالبان وفَّر بمقتضاه مائة دولار شهريا لكل عائلة من أعضاء الجهاد إذا قدمت إلى أفغانستان. وإذا كان الظواهري قد استطاع أن يحدث تحولات جذرية واستراتيجية في فكر بن لادن بعدما التقيا معاً في أفغانستان منتصف عام 1986، ولعل مما ساعد في اتمام تلك التحولات لدى بن لادن ـ رغم تكون مرجعيته الإسلامية السلفية قبل تعارفه على الظواهري ـ هو العلاقة الإنسانية التي نشأت وتطورت بين الاثنين إلى درجة الصداقة، فقد استطاع الظواهري أن يقنع بن لادن بالفكر الجهادي الانقلابي وحوله من داعية سلفي يهتم بأمور الإغاثة إلى مقاتل جهادي يعني بأحكام الجهاد ضد الطواغيت وضرورة إجلاء القوات الأميركية عن بلاد العرب.

ويضيف محامي الاصوليين لـ«الشرق الاوسط»: «لقد زرع الظواهري حول بن لادن نخبة من أخلص خلصائه ممن صاروا لاحقا أبرز العناصر المعاونة لابن لادن وقادة تنظيمه القاعدة، وهؤلاء كانوا يدينون بالولاء للظواهري شخصياً وتاريخياً مثل علي الرشيدي أمين الشرطة الذي فصل من الخدمة لانتماءاته الاصولية بعد «أحداث المنصة» في أكتوبر 1981 وأطلق عليه في أفغانستان «أبو عبيدة البنشيري» وأيضاً أبو حفص المصري، المكنى محمد عاطف، وهو صبحي عبد العزيز أبو سنة من مواليد محافظة البحيرة وكان قد ترك مصر في وقت مبكر من الجهاد الأفغاني بعد طرده من الخدمة العسكرية أيضاً لانتماءاته الدينية، وفي هذا السياق ينبغي أن نشير إلى خطأ اعتقاد كثيرين على غير الحقيقة أن سبب تحولات بن لادن الجهادية هو الشيخ عبد الله عزام، أمير المجاهدين العرب، داخل أفغانستان، فعزام كان يستخدم بن لادن في أغراض إغاثية ومالية لدعم المجاهدين في الحرب ضد الروس وكان تأثر بن لادن به مرتبطا بالحدود السياسية والفكرية والجغرافية بالجهاد ضد الروس لتحرير أرض أفغانستان لأن عزام كان حريصا على عدم التصادم مع الحكومات العربية التي تدعمه. ويمكن أن نقول إن ذلك ساعد الظواهري كثيراً في التحولات الجذرية داخل فكر بن لادن.

إلا ان الزيات يؤكد أن تأثير الظواهري في فكر بن لادن وخطته الحركية لم يكن أحادي الجانب وإنما يلزمنا الإنصاف أن نقرر أن أسامة بن لادن أثر أيضا في فكر ومنهج الظواهري وجماعة الجهاد، وقد سنحت لابن لادن تلك الفرصة حين وجه النصح للظواهري بضرورة وقف العمليات العسكرية المسلحة داخل مصر، وأن يتحالف معه ضد عدو مشترك هو الولايات المتحدة وإسرائيل، ولقد تزامنت تلك الفكرة مع عودتهما بتشكيلاتهما التنظيمية إلى أفغانستان بعد دخول حركة طالبان إلى كابل وسيطرتها على 95% من الأراضي الأفغانية، فأصبح بن لادن يتعهد بتوفير الحماية اللازمة للظواهري وأفراد تنظيمه داخل أفغانستان تحت لواء حركة طالبان إلى ان تأثر الظواهري بعرض بن لادن تكوين الجبهة الإسلامية ووقع على وثيقة تأسيسها في فبراير سنة 1998 وكان من الطبيعي أن يكون بن لادن هو زعيم هذه الجبهة وأن يبرع إعلامياً في الحديث عنها وأن يثير عواطف الشعوب العربية والإسلامية عند حديثه عن القضية الفلسطينية وتهديد الوجود الأميركي فى منطقة الخليج. وإذا كان بن لادن هو زعيم هذه الجبهة فإن الظواهري كان محركها الأول وراسم خططها بالاشتراك مع معاونيه من الجهاديين المصريين، مثل أبو حفص، وسيف العدل، ونصر فهمي (المكنى محمد صلاح) وطارق أنور سيد أحمد، وثروت صلاح شحاتة.

المهم أن الظواهري قبل بالتحالف مع بن لادن وحوّل أهدافه من مواجهة العدو القريب إلى مواجهة العدو البعيد ممثلاً في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل مع ما أدى إليه هذا التطور إلى إحداث تحول طبيعي لدى الكوادر التنظيمية التي بقيت تحت سيطرة الظواهري رهينة الظروف الضاغطة اجتماعياً وأمنياً ومالياً. وحققت تلك النقلة النوعية ارتباكاً نفسياً لدى كثيرين من أعضاء الجهاد لكنهم في النهاية قبلوا العمل ضمن اطار الجبهة حتى يحظوا بمزاياها من سهولة في التحرك في مناطق مختلفة من العالم خاصة داخل أفريقيا عوضاً عن الصعوبات التي اكتنفت أداء جماعة الجهاد داخل مصر نظراً للمطاردات الأمنية لها.

وأهم ما يمكن أن يلفت نظر المراقبين في علاقة الرجلين، بحسب الزيات، هو بروز دور الظواهري على حساب دور بن لادن «بل ذهب البعض إلى تصور وجود جفوة بين الرجلين لكني أذهب إلى غير هذا وأؤكد تناغم العلاقة بينهما، لكن ظروفا أمنية أو صحية هي التي تعطي الظواهري فرصة الاطلالة الاعلامية أكثر من صديقه، وهذا بدوره يؤكد عدم وجودهما في مكان واحد». غير ان الدكتور هاني السباعي، من قيادات الجهاد المصري السابقة واللاجئ السياسي في اوروبا ومدير مركز المقريزي بلندن، الذي اقترب من فكر الظواهري في مرحلة سابقة من المراحل، ركز في حديثه مع «الشرق الاوسط» عن اسباب كثرة احاديث الدكتور الظواهري على الإنترنت والفضائيات في مقابل شحة ظهور بن لادن. وقال «أعتقد أن بعض المحللين ذهب بعيداً عندما ظن أن هناك منافسة بين الشيخين. اولا: لان بيعة الدكتور الظواهري لابن لادن عام 1998 «بيعة دينية» مستندها الشرع الحنيف وكان من ثمار هذه البيعة الاسم الجديد لتنظيم القاعدة هو تنظيم قاعدة الجهاد، وأيضا صار الظواهري نائب الأمير أي أنه الرجل الثاني بعد بن لادن في التنظيم». ثانياً: ينطلق تنظيم القاعدة من مبدأ مأخوذ من حديث في صحيح البخاري (إنما الإمام جنة يُقاتل من وراؤه ويتقى به) أي وقاية وحصن وحرز لمن وراؤه ولأتباعه، لذلك يتحتم الحفاظ على شخصه باعتباره أمير تنظيم القاعدة، ورأس القوم، والرجل الأول المطلوب عالمياً من قبل القوات الأميركية التي جندت جيوشاً جرارة من المخبرين والعملاء للقبض عليه. ثالثاً: كما لا ننسى أن تنظيم القاعدة أو أي تنظيم عقدي له أمير وله الكلمة العليا ولديه مجموعة من المعاونين والمستشارين أو ما يسمى بمجلس شورى التنظيم وهم صفة مختارة من المجاهدين السابقين وغالباً ما يكونون رؤساء اللجان المتفرعة عن التنظيم مثل اللجنة العسكرية واللجنة المالية واللجنة الإعلامية ولجنة شؤون الأسر وهكذا. ومن ثم فإن الأمير يأذن لأحد هؤلاء بالتحدث لوسائل الإعلام كما حدث مع الشيخ سعيد المحاسب القائد العسكري الحالي لتنظيم القاعدة».

واعرب السباعي عن أعتقاده بأن الدكتور أيمن والشيخ أسامة لا يقيمان في مكان واحد باعتبار أن هذا أمر من البديهيات الأمنية. وهناك تواصل بينهما عن طريق بعض الأفراد الموثوقين وليس عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني أو أية وسيلة حديثة قد تلتقطها بعض أجهزة التجسس الأميركية المتطورة.

واكد ان المسألة بكل بساطة هي توزيع أدوار، فالأمير (بن لادن) لا يتكلم كثيراً ويفوض أمر التعليق على كثير من الأحداث لنائبه (الظواهري) ولا يوجد أي نوع من التنافس لأن العلاقة بينهما علاقة عقدية مبنية على رابطة الدين فقط، وأن الظواهري عندما بايع بن لادن كأمير للتنظيم بايعه طائعاً مختاراً لم يكرهه أحد. وهو يعلم لسابق تجربته معه في باكستان وأفغانستان والسودان أن بن لادن كفؤ وأصلح وأنفع للمجاهدين.

وكشف السباعي ان الهدف من نشر احاديث الظواهري الصوتية او المرئية التي تجريها معه مؤسسة «سحاب» ـ الذراع الاعلامي لـ«القاعدة» الهدف منها التأكيد على نقاط اساسية ابرزها بقاء تنظيم «القاعدة» وقادته، وشحذ همم أنصار التنظيم، وتحريض المؤيدين له على القيام بالجهاد وقتال المحتلين لأراضي المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق وكشمير وغيرها، وتجنيد أعضاء جدد ينتمون فكرياً لتنظيم «القاعدة» وليس بالضرورة أن يكونوا منتمين عضوياً، ما يعد مكسباً لتنظيم «القاعدة» وحيوية فكرته.