الحالم الذي أيقظ العالم

مارتن لوثر كينغ: أحلم أن يوما سيأتي يعيش فيه أولادي الأربعة الصغار في وطن يحكم عليهم حسب شخصيتهم.. وليس حسب لونهم

TT

يوم الاثنين الماضي، احتفل الاميركيون، بيوم الاسقف الاسود مارتن لوثر كينغ، قائد حركة الحقوق المدنية. في واشنطن، أخذت السوداء تانيا براون ابنتيها التوأمتين الطالبتين في المدرسة المتوسطة الى مركز «نان فايلونس» (ضد العنف) الذي يؤوي المشردين. وقضوا اليوم ينظفون المكان، ويطبخون للمشردين.

وفي أتلانتا (ولاية جورجيا)، تجمع اكثر من ألفي شخص داخل وخارج كنيسة «ابنزير» المعمدانية، والتي كان كينغ قسيسها، قبل وبعد ان اشترك في مظاهرات الحقوق المدنية. وخطب في الكنيسة كيسي كيغل، نائب حاكم الولاية (ابيض). وخطبت شيرلي فرانكلين، حاكمة المدينة (سوداء). قال الاول: «فهم كينغ ان الحياة ليست عن خدمة النفس، ولكن عن خدمة الآخرين». وقالت الثانية: «لا حلم بدون كينغ، ولا كينغ بدون حلم».

وفي غرينسبورو (ولاية نورث كارولينا)، احتفل مركز كينغ للعمل ضد العنف بالمناسبة. وقال ايزاك فاريس، ابن اخت كينغ، ومدير المركز: «لنطعم الجوعي، ونؤوي المشردين بدلا من غزو العراق».

وفي ميرتل بيتش (ولاية ساوث كارولينا)، اقيمت مناظرة تلفزيونية بين السناتور باراك اوباما والسناتورة هيلاري كلنتون، من مرشحي الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية. ورغم ان الاثنين بدآ المناظرة بالاشارة الى ذكرى كينغ، سرعان ما توترت المناظرة، وتحولت الى اتهامات شخصية.وقال لها اوباما: «انت وزوجك تقولان اشياء عنى لم اقلها، مثل حديثكما عن معارضتي لحرب العراق». وقالت هيلاري: «صعب جدا الاشتراك معك في نقاش لأنك لا تتحمل مسئولية كلامك، وتصويتك في الكونغرس».

وفي واشنطن، خرج الرئيس بوش، في يوم بارد جدا، من البيت الابيض الى مكتبة مارتن لوثر كينغ» القريبة. وجلس وسط أطفال سود، واشترك في قراءة كتاب عن سيرة حياة كينغ.

لكن، لكل قاعدة شواذ. في جينا (ولاية لويزيانا) تظاهر حوالي خمسين ابيضا عنصريا يكرهون السود. ورفعوا لافتات ضد كينغ، وضد الاحتفال بيومه. وقالت لافتة: «نو كينغ اون أص» (لا ملك علينا، اشارة الى ان اسم «كينغ» معناه «ملك»). لكن، كانت السلبيات (من البيض) نادرة، وكانت الايجابيات (من البيض والسود) شاملة في ذكرى كينغ.

ورغم أن الأميركيين يحتفلون بيوم كينغ كل ثالث يوم اثنين في شهر يناير (كانون الثاني)، وكان يوم الاثنين الماضي هو الثاني والعشرين في الشهر، ولد كينغ في اليوم الخامس عشر في الشهر. (يختار الأميركيون يوم الاثنين لكثير من اعيادهم لتكون عطلة نهاية الاسبوع ثلاثة ايام متواصلة). ومثلما لم يكن نضال كينغ سهلا، لم يكن اختيار يوم ذكراه سهلا. في سنة 1968، بعد ان قتل ابيض عنصري كينغ، تبنت نقابات العمال حملة ليكون يوم ميلاده يوما وطنيا. لم يكن كينغ يساريا، ولا نقابيا، لكن ايدته نقابات العمال، واشتركت معه في المظاهرات. غير ان قادة السود قاموا بالدور الاكبر لتخليد يوم ميلاده. تقدم عضو الكونغرس جون كونيار (ديمقراطي، من ولاية ميشيغان) باقتراح للكونغرس. واشتهرت اغنية «هابي بيرثداي» (عيد ميلاد سعيد)، للمغني الاسود ستيفي وندر. واشترك ممثلو وممثلات السينما والتلفزيون في هوليوود في حملة توقيعات جمعت اكثر من ستة ملايين توقيع، وأرسلت الى البيت الابيض.

عارض الحملة الرئيس ريغان وقادة الحزب الجمهوري. وسأل السناتور جيسي هلمز (جمهوري من ولاية نورث كارولينا): «كيف نخلد ذكرى يساري، وربما شيوعي، خان القوات الاميركية المسلحة عندما عارض حرب فيتنام؟ لكن، في سنة 1983، وافق الكونغرس، واضطر الرئيس ريغان ليوقع على قانون الاحتفال بيوم ميلاد كينغ. وبعد ثلاث سنوات، وقع الرئيس بوش الاب قانون الاحتفال بشهر اسهامات السود في تاريخ اميركا.

ثم انتقلت الحملة الى الولايات. ورغم ان اغلبية الولايات وافقت على تخليد الذكرى، عارضت ولايات قليلة، مثل ولاية اريزونا. ولم تغير رأيها الا بعد ان الغى اتحاد كرة القدم منافسات نهائية كانت ستجرى هناك. وبعد ان اشتهرت اغنية هيب هوب للمغني «بابلك اينمي»، يقول مقطع فيها: «عندما اصل الى ولاية اريزونا، سأقتل حاكمها».

وفي سنة 1993، اضطر الحاكم للتوقيع. (في وقت لاحق، اضطر لأن يستقيل من منصبه بعد ان ادين بتهمة الرشوة والمحسوبية).

من هو هذا الاسود الذي ربما صار اهم اسود في التاريخ؟

لم يغير فقط اميركا، لكنه غير العالم (وخاصة شعوب العالم الثالث، وخصوصا الافارقة). لانه اثبت ان عقيدة الحرية والعدل ليست فقط غربية، وليست فقط بيضاء. قبل يوم الاثنين الماضي، يوم الاحتفال الرسمي، بستة ايام، وفي هدوء وبدون كاميرات تلفزيون، ذهب ابناء كينغ الى مقبرته، ووضعوا اكليلا من الزهور. ذلك ان كينغ ولد يوم 15 ـ1 ـ 1929، في مدينة اتلانتا (ولاية جورجيا)، بالقرب من كنيسته التاريخية، كنيسة «ابنزير». كان جده رقيقا. لكن، كان والده قسيسا. وسار الولد على خطى الوالد، القسيس في نفس كنيسة «ابنزير».

كان اسم الوالد مايكل كينغ. وسمى ولده مارتن كينغ. لكن، عندما بلغ عمر الولد ست سنوات، وداخل الكنيسة، وعظ الوالد الناس، وقال لهم ان ابنه سيكبر، وسيقود حركة اصلاح لم يسبق لها مثيل، مثلما فعل مارتن لوثر، القسيس الألماني الذي قاد في القرن السادس عشر، حركة الإصلاح الديني («ريفورميشن» التي قسمت المسيحيين الى كاثوليك وبروتستانت). وتأكيدا للنبوءة، غير الأب اسم الابن من مايكل كينغ الى مارتن لوثر كينغ.

وهكذا، ربى الوالد مارتن الصغير تربية دينية، في المنزل وفي مكان العمل. وبدأ مارتن الصغير يرتل الأناشيد الدينية في كنيسة «ابنزير» مع شقيقته الكبرى «ويلي»، ومع شقيقه الأصغر «الفرد».

في سنة 1939، وعمر مارتن الصغير عشر سنوات، عرضت الكنيسة فيلم «ذهب مع الريح». كان ممنوعا على السود مشاهدة الأفلام في نفس دور السينما مع البيض. لكن، حرص السود على مشاهدة الفيلم لأنه عن قصة عائلة ارستقراطية بيضاء، ولأنه اهمل السود، ولم يصورهم الا خدما (وخدما مخلصين). قبل عرض الفيلم، صلى مارتن الصغير صلاة دعا فيها الله ليساوي البيض بالسود. وكأنه كان يعرف ان هذه ستكون اجندة حياته.

كان كينغ صبيا ذكيا، وفي المدرسة الثانوية، تخطى سنتين، ودخل الجامعة (كلية مورهاوس) وعمره خمس عشرة سنة. ونال بكالوريوس في علم الاجتماع. ثم نال بكالوريوس في الدين من كلية بنسلفانيا الدينية. ثم نال دكتواره في الدين من جامعة بوسطن، وكان عمره خمسة وعشرين سنة. (بعد عشرين سنة من اغتياله، اثار معارضوه تزويرا في رسالة الدكتواره. واكدت جامعة بوسطن انه نقل ثلث الرسالة من آخرين، وادعاه لنفسه. لكن، لم تعاقبة الجامعة بسبب «الإسهام الفكري للرسالة»). في نفس السنة التي نال فيها الدكتواره، ويوم 1 ـ 12 ـ 1955، في السادسة مساء، في مونتغمري (ولاية الباما)، وقفت روزا بارك، سكرتيرة سوداء، تنتظر الحافلة لتنقلها الى منزلها بعد نهاية عملها. وعندما جاءت الحافلة، جلست في مقعد في الصف الثاني. لكن قال لها جيمس بليك، سائق الحافلة، انها يجب ان تجلس مع السود في المقاعد الخلفية لأن المقاعد الامامية محجوزة للبيض (حسب قانون عمره مائة سنة، في كثير من الولايات الجنوبية، يفرق بين البيض والسود في المدارس، والمستشفيات، والمطاعم، والحافلات).

اذا كانت خطب الاسقف كينغ هي فلسفة حركة الحقوق المدنية، فان تحدي السكرتيرة بارك كان اول خطوة عملية. (قبل سنتين، عندما توفيت روزا بارك، أبنها الكونغرس، وأعلن أنها «ام حركة الحقوق المدنية»، على اعتبار ان مارتن لوثر كينغ هو ابوها).

وقاد كينغ حملة مقاطعة حافلات المدينة. ولم يصدق البيض في المدينة ان السود يقدرون على التجرؤ على ذلك. ثم قاد كينغ اول مظاهرة شاملة للسود (وعدد قليل جدا من البيض، خاصة من رجال الدين) في شوارع مونتغمري (ولاية الباما). واهتزت كل اميركا. وربما يعود الفضل في ذلك للتلفزيون الذي نقل مناظر المظاهرة للشعب الاميركي. ثم نقل مظاهرات اخرى استخدمت فيها الشرطة البيضاء الكلاب لعض المتظاهرين.

وبدا وكأن ضمير الشعب الاميركي (ضمير الاغلبية البيضاء) استيقظ فجأة بعد مائتي سنة من بيع وشراء السود، وبعد مائة سنة من التفرقة ضدهم.

في سنة 1957، اسس عدد من رجال الدين السود «مؤتمر القادة الجنوبيين المسيحيين» (إس سي إل سي)، الذي صار اهم منظمة للحقوق المدنية. قبل ذلك بخمسين سنة، تأسست منظمة «الاتحاد الوطني لتطوير الشعب الملون» (إن إيه إيه سي بي)، وهي الاخرى لعبت دورا كبيرا في حركة الحقوق المدنية. لكن، كان قادتها سود اكاديميين، وعلمانيين. غير ان العامل الديني اعطي المنظمة الثانية اهمية خاصة. وكان كينغ واحد من قادتها. وفي السنة التالية، اصدر اول كتبه: «سترايف تووردز فريدوم» (اتعب من اجل الحرية). وشرح فيه نظرية «العصيان المدني»، واشار الى الزعيم الهندي مهاتما غاندي. (في سنة 1959، ذهب الى الهند، وزار قبر غاندي). لكن كينغ تأثر بأكثر من واحد من اشهر مثقفي اميركا في القرن التاسع عشر: هنري ثورو (توفي سنة 1862). في الحقيقة، تأثر غاندي نفسه بنظرية ثورو. كتب ثورو، عندما كان عمره 32 سنة، كتاب: «حقوق وواجبات المواطن نحو الحكومة.« وكتب فيه: «تشبه الحكومة ماكينة. عندما تسبب الماكينة ضررا، يجب ان توقف في الحال». واضاف: «في كثير من الحالات، تكون الحكومات (والسياسيون) اكثر سوءا، واقل محاسن. ارى ان الديمقراطية وسيلة لا غاية. اراها ليست الحل النهائي، وذلك لأن حكم الاغلبية ليس معناه حكم العدل والفضيلة».

وأضاف كينغ العبارة الآتية: «مع كل الاحترام للديمقراطية وحكم الاغلبية، يقدر ضمير شخص واحد على ان يكون احسن وافضل».

وأضاف: «يوجد ما هو اهم من اطاعة القانون، وهو إطاعة الحق».

كان ثورو من اوائل المثقفين الاميركيين الذين عارضوا تجارة الرقيق. ولهذا، لم يقتدي كينغ برأيه ضد تجارة الرقيق فقط، ولكن، ايضا، برأيه بأن الديمقراطية يمكن ان تكون غير اخلاقية.

خيبت الديمقراطية أمل كينغ (مثلما خيبت امل استاذه ثورو، قبله بمائة سنة). لكنها سمحت له بأن يقول ذلك، ان يقول انها خيبت امله. منذ اكثر من مائة سنة، كانت هذه نقطة جدل وسط المثقفين. بل ان ثورو ربما لم يكن سيكتب ما كتبه لولا انه كان يرد على فيلسوف آخر عاصره، هو وليام بيلي. كان هذا رجل دين، وكتب كتاب «الطاعة المدنية» (وليس «العصيان المدني»)، وخلط بين طاعة الله وطاعة الحكام. لكن، أثبتت قصة حياة كينغ ان الحكومة تقدر على ان تنتقم من المواطن الذي يتحداها (خاصة اذا رفع شعار الأخلاق اهم من الحكم)، وان تضع عراقيل امامه. لكن، اثبتت قصة حياة كينغ، ايضا، ان هذه العراقيل لن تقدر على ان توقف حرب الأخلاق.

مثل العراقيل التي وضعها مكتب التحقيق الفدرالي (إف بي آى) أمام كينغ، في سنة 1961، بدأ المكتب يتجسس على تلفوناته، وخطاباته، وأفراد عائلته، وأصدقائه.

وما أشبه الليلة بالبارحة. أسس المكتب قسما لمحاربة الشيوعية. وأعلن الحرب ضد كل من «يؤمن، او يشترك، او يؤيد، او يدعم». ثم أضاف «كل من له صلة». واستعل الإضافة الأخيرة للتحقيق في علاقة كينغ مع الشيوعيين:

أولا، اتهم المكتب كينغ بالشيوعية. وعندما لم يجد دليلا، اتهمه بتأييد الشيوعية. وعندما لم يجد دليلا، اتهمه بصلته بالشيوعيين. وعندما لم يجد دليلا، قال انه لا يتصل بالشيوعيين، ولكنهم اتصلوا به، وتغلغلوا داخل حركته.

سجل مكتب التحقيق اتصالات تلفونات كينغ لست سنوات (حتى بعد اجازة قانون الحقوق المدنية، وبثلاث سنوات).

وكدليل على نظرية ثورو (ونظرية تلميذه كينغ) بأن الحكومة الديمقراطية يمكن ان تكون غير اخلاقية، كان الرئيس جون كينيدي (سمي ايضا «الجذاب»)، وشقيقه وزير العدل روبرت كنيدي (سمي ايضا «المناضل») يعرفان ان مكتب التحقيق الفدرالي يتجسس على كينغ. بل امر وزير العدل بالتجسس.

تطور التجسس على كينغ، وشمل علاقاته الخاصة، وسجل لقاءات مع عشيقات.

طبعا، نفي كينغ، وهو رجل الدين، اي علاقات جنسية مع غير زوجته. لكن، حتى رالف ابارناثي، صديقه وزميل كفاحه، كتب في كتاب مذكراته «وسقطت الجدران» ان كينغ لم يكن مخلصا لزوجته (لكنه رفض التفصيل).

ويمكن القول ان خيانة القس كينغ لزوجته، وسرقته لأجزاء من رسالة الدكتوراه نقطتان سوداوان في تاريخه. لكن، على المدى البعيد، تتغلب الحسنات على السيئات.

لهذا، يمكن القول ان كينغ انتصر على الحكومة مرتين: أولا: اوقف تفرقتها ضد بعض مواطنيها بسبب لونهم. ثانيا: رفض الاستسلام لضغوطها وتهديداتها.

كتب الأستاذ الجامعي ديفيد غارو في كتابه «إف بي آي ومارتن لوثر كينغ»، انه في سنة 1964، قبل شهر من سفر كينغ الى السويد لتسلم جائزة نوبل للسلام، أرسل له مكتب التحقيق الفدرالي خطابا «من مجهول»، جاء فيه الآتي:

«وصلت الى نهاية الطريق، أيها القسيس الاسود. أنت لست بطلا. أنت وحش شرير. أمامك شهر لتتخذ قرارا يريحك قبل أن نكشف فضائحك للشعب الأميركي، ولكل العالم. لا تنتظر حتى تتسلم جائزة نوبل...». وقال الكتاب: «كان واضحا ان الشرطة تريد اقناع كينغ لينتحر، خوفا من نشر فضائحه يوم ان يتسلم جائزة نوبل».

(في وقت لاحق، عندما كشفت وثائق مكتب التحقيق وجود هذا الخطاب، قال وليام سليفان، مدير المكتب في ذلك الوقت، ان الخطاب لم يضغط على كينغ لينتحر، ولكن ليستقيل من قيادة حركة الحقوق المدنية).

ولا حديث عن قيادة كينغ لحركة الحقوق المدنية بدون حديث عن خطابه في مظاهرة واشنطن سنة 1963. وتسمي «مظاهرة الحلم»، اشارة الى خطبة كينغ التي قال فيها:

«أحلم أن يوما سيأتي، سيعيش فيه أولادي الأربعة الصغار في وطن يحكم عليهم حسب شخصيتهم، وليس حسب لونهم... أحلم أن يوما سيأتي، سيجلس فيه معا، على تلال ولاية جورجيا الحمراء، وحول مائدة الإخاء، أولاد الذي كانوا رقيقا، وأولاد الذين كانوا يملكون رقيقا... أحلم أن يوما سيأتي، سيقدر فيه كل أبناء آدم، سودا، وبيضا، يهودا ومسيحيين، بروتستانتاً وكاثوليكاً، على ان يمسكوا بأيدي بعضهم البعض، ويغنون أغنية زنجية دينية قديمة تقول: «أحرار أخيرا، أحرار أخيرا، الشكر لله تعالى، نحن أحرار أخيرا».

عودة الى قدرة الحكومة (والسياسيين) على وضع عراقيل امام المواطن الذي يرى أن الاخلاق فوق القانون. حتى الرئيس «الجذاب» كنيدي عارض، في البداية، «مظاهرة الحلم». ومثل غيره من السياسيين، قال انه يخشى أن تعرقل «العملية السياسية» (اي مناقشات الكونغرس، ومناوراته، ومماحكاته). لكن، وافق كنيدي بعد ان وافق كينغ على ان تكون المظاهرة «من اجل الحرية والعمل» (اي ان السود يحتاجون الى العمل، وكأن العمل سينسيهم الحرية).

يوم الاثنين الماضي، يوم ذكرى كينغ، وخلال المناظرة التلفزيونية بين السناتور باراك اوباما، والسناتورة هيلاري كلنتون، استعمل باراك كلمة «كينغ» (تغيير) عشرة مرات. كانت هذه كلمة كينغ المفضلة: في «خطاب الحلم»، قال كينغ: «لن تقدر أميركا على أن تسير هكذا. لا بد ان تتغير اميركا».

وفي نفس يوم الاثنين، ذهب اوباما الى كنيسة «ابنزير» في اتلانتا: وقال: «أحب السجين سجانه. أحب كينغ الذي سجنه. ودعا المسجونين ليغفروا للذين سجنوهم. لنترك ما يقسمنا. ولنضمد جراحنا. ولنمسح الغضب عن قلوبنا». لهذا، يبدو ان التغيير تغييران: تغيير وضع السود، الذي دعا اليه كينغ قبل نصف قرن، وتغيير التوتر بين السود والبيض الذي يدعو اليه اوباما (وأمه بيضاء).