التحالفات العراقية.. الرمال المتحركة

منها طائفية وأخرى قائمة على أسس مصلحية

TT

مثل بقعة رمال راكدة، بقيت العملية السياسية العراقية دون حراك حقيقي منذ ما يقرب من عام، الحكومة تعمل في واد، ومجلس النواب في واد آخر. الكتل والائتلافات السياسية تتحاور مرة فيما بينها وتختلف مرات، تلتقي مرة لغرض الاتفاق وتختلف مرات اكثر، وبين هؤلاء كلهم يحاول الرئيس جلال طالباني وبحكم حنكته وخبرته السياسية وصبره الواسع بين الفترة والثانية ان يطرح مبادرة سياسية او يجمع بين عدة اطراف او يتحاور مع الجميع لصالح خير العراق. حتى ان المقولة الشهيرة التي تصف الساسة العراقيين بانهم يتفقون دائما على ان يختلفوا هي الاكثر دقة في وصف ما يجري في الساحة السياسية العراقية.

سياسيون عراقيون تحدثت اليهم «الشرق الاوسط» عبر الهاتف من لندن، اجمعوا على ان العملية السياسية العراقية تعيش منذ فترة ليست قصيرة حالة من الركود، ولا بد من حراك سياسي ينقذ العملية السياسية برمتها من التدهور الجاري فيها.

ولعل مبادرة الرئيس طالباني والتي كشف عنها لاول مرة لـ«الشرق الاوسطش نهاية العام الماضي الدكتور فؤاد معصوم، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس الكتلة الكردية في مجلس النواب (البرلمان) العراقي، والتي يعمل الرئيس طالباني اليوم على تحقيقها، هي اول الغيث، حيث تنطلق هذه المبادرة التي لم تعلن مفرداتها حتى اليوم من آليات عمل حقيقية وواقعية بعيدا عن السجالات والتنظيرات السياسية.

وبداية الاسبوع الماضي كانت نحو 12 كتلة وشخصية من الشيعة والعرب السنة داخل البرلمان العراقي، قد وقعوا مذكرة تفاهم وصفت بانها «ترمي الى حلحلة اكثر مشاكل البلاد جدلا؛ وهي المادة 140 من الدستور المتعلقة بتطبيع الاوضاع في كركوك، مطالبين بالتوصل الى حل لها عن طريق التوافق السياسي، كما تطرقت الى موضوع العقود النفطية التي وقعتها حكومة اقليم كردستان العراق، مما جعل غالبية من الرأي العام والرأي العام الكردي خاصة يعتقدون بان هذه المبادرة موجهة ضد اكراد العراق المطالبين «باستعادة كركوك وضمها الى اقليم كردستان وبشرعية استغلال مواردهم الطبيعية كالنفط والغاز كون الدستور العراقي يقر مبدأ النفط ملكا للشعب العراقي».

إلا ان احدا من الموقعين على بيان الكتل السياسية وغير الموقعين لم يصف هذه التواقيع باعتبارها كتلة او تحالف او ائتلاف سياسي جديد سوف يفكك بقية الكتل والتحالفات ويجمعها في تحالف واحد. وحسب عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق العراقية التي تضم بينها المجلس العراقي للحوار الوطني برئاسة خلف العليان الموقع على البيان التحالفي، وصف الدليمي هذا البيان قائلا «بانه مجرد توقيع على بيان لا يرتقي الى تشكيل كتلة برلمانية او تحالف سياسي»، بينما قال معصوم ان «هذا البيان لا يمكن ان يكون نواة لتحالف سياسي كون الخلافات الموجودة بين الموقعين هي اكثر من نقاط الاتفاق، ومثلما يقول المثل الشعبي (احدهم مشرق والاخر مغرب) فهناك من يدعو الى مشاركة البعثيين في العملية السياسية بينما الاخرون لا يطيقون سماع كلمة البعث»، مشيرا الى «نحن لا نجد أي وضوح في هذا البيان، فإذا كانوا هم بصدد تشكيل كتلة سياسية تساعد تسيير العملية السياسية الى أمام، فمن الممكن تفهم ذلك، لكننا لا نعتقد ان ما صدر سيساعد بتسيير العملية السياسية وحل اشكالاتها لاسيما ان جميع الكتل الموقعة وعلى رأسها العراقية هي مشاركة بالعملية السياسية من خلال مشاركتها في مجلس النواب».

واضاف معصوم في حديثه لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد أمس قائلا «ان الكتل السياسية نفسها ابدت عدم موافقتها على توقيع بعض الاسماء المنتمية اليها على هذا البيان مثل حزب الفضيلة والكتلة الصدرية»، متسائلا ان كان «اسامة النجيفي (عضو مجلس النواب عن القائمة العراقية التي يترأسها الدكتور اياد علاوي والذي تلا بيان الاتفاق) يمثل القائمة العراقية كلها ام كان قد وقع بصفته الشخصية لاسيما ان هناك مجموعة من العراقية قالت انها ليست مع البيان».

واوضح معصوم قائلا «نحن لا نجد أي وضوح في هذا البيان، فإذا كانوا هم بصدد تشكيل كتلة سياسية تساعد تسيير العملية السياسية الى أمام فمن الممكن تفهم ذلك، لكننا لا نعتقد ان ما صدر سيساعد بتسيير العملية السياسية وحل اشكالاتها لاسيما ان جميع الكتل الموقعة وعلى رأسها العراقية هي مشاركة بالعملية السياسية من خلال مشاركتها في مجلس النواب.

واكد باسم شريف عضو المكتب السياسي لحزب الفضيلة الاسلامي وعضو مجلس النواب بان حزبه «ليس مع من وقع على البيان»، جاء ذلك خلال حديثه لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد أمس، ان «حزب الفضيلة دخل في حوارات مع جميع الكتل والاحزاب السياسية المشاركة في الحكومة او التي هي خارج الحكومة وقررنا ان لا نشارك باي تحالف ما لم يكن ناضجا سياسياش، واصفا الحوار بين الكتل والاحزاب السياسية بـ«الامر الجيد».

وكان النجيفي، عن القائمة العراقية قد تلا الاحد الماضي بيانا أثار الكثير من الجدل، جاء فيه «ان الوضع المعقد في كركوك والحرص على حفظ مصالح كل المكونات الاجتماعية فيها من عرب وكرد وتركمان استنادا للدستور وبما يعبر عن توافق سياسي وطني، يجعل من هذه المدينة نموذجا للوحدة الوطنية والتعايش والتكامل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد، هو الهدف الاساس الذي تسعى اليه القوى السياسية الموقعة على هذا البيان». وشدد البيان على ابقاء الصلاحيات في ادارة ثروة البلاد للحكومة الاتحادية المركزية».

ثم تطرق النجيفي الى موضوع يثير حساسية اكراد كردستان العراق الا وهو موضوع استغلال النفط والغاز الذي جاء عنه في توقيع هذا البيان، ان «النفط والغاز وبقية الثروات الطبيعية هي الثروة الرئيسة للشعب العراقي، ولكون ادارة هذه الثروة من الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية بالتعاون مع السلطات الاقليمية حسب الدستور، نشعر بالقلق الشديد ازاء أي تدبير انفرادي في هذا المجال من دون الرجوع الى الحكومة المركزية». ومن هذه التدابير اورد «إبرام العقود مع جهات اجنبية مهما كان المبرر لذلك الاجراء»، في اشارة الى العقود التي ابرمتها حكومة اقليم كردستان دون الرجوع الى الحكومة العراقية المركزية. وأبرز الكتل الموقعة على البيان هي الكتلة الصدرية (30 مقعدا) والقائمة العراقية بزعامة اياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق وحزب الدعوة/ تنظيم العراق (15 مقعدا) والجبهة العراقية للحوار الوطني بزعامة صالح المطلك (11 مقعدا) ومجلس الحوار الوطني احد مكونات جبهة التوافق (ثمانية مقاعد) بالاضافة الى كتلة مستقلة في البرلمان.

واعترف اياد جمال الدين عضو مجلس النواب عن القائمة العراقية قائلا لـ«الشرق الاوسط» بأن «ما صدر هو ليس تحالفا او تشكيل تكتل سياسي جديد، بل اتفاق على نقاط مشتركة بين الكتل السياسية والاعلان عما هو مشترك بين هذه الكتل، إذ بالمقابل هناك نقاط اختلاف بين قائمتنا وهذه الكتل، لكننا حرصنا على الاتفاق حول ما هو مشترك، لكن هذا لا يرتقي الى التنسيق لتشكيل كتلة سياسية». الاكراد اعتبروا التطرق الى مسالتي كركوك وتوقيع العقود النفطية تدخلا في شان اقليم كردستان وان ما جاء في البيان يشكل خرقا للدستور العراقي، وهناك من يعتقد ان هذا البيان هو بداية لتشكيل تحالف عربي ضد الاكراد، واول من اشار الى ذلك الدليمي الذي قال ان «الاكراد سيفهمون ان هذا البيان ضدهم»، فيما ردت ميسون الدملوجي، عضو مجلس النواب عن القائمة العراقية قائلة لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد، بان «القائمة العراقية تعتبر نفسها حليفة قوية للاكراد»، مشيرة الى ان «الاكراد يستعجلون الامور» فيما يخص قضية كركوك، «وانهم لا بد ان يعطوا للقضية مداها الزمني»، بينما يرى الشريف (حزب الفضيلة) بان «على الاكراد ان يتنازلوا عن بعض الامور».

السؤال الراهن هو هل ان التحالفات السياسية الجديدة ستحكمها المصالح المشتركة، وهل ستتحول هذه التحالفات من الصراع السياسي الطائفي الى القومي، العرب ضد الاكراد؟ عضو المكتب السياسي لحزب الفضيلة يؤكد ان «التحالفات الجديدة قائمة على مصالح جزئية بينما نحن نعيش مشكلة سياسة كبيرة، وربما هذه التحالفات ستقوم على اساس جمع اكبر عدد من الاصوات في الانتخابات القادمة على ان يكون الدفع باتجاه تعديل قانون الانتخابات او اقامة انتخابات مبكرة».

ويعتقد الشريف بان «التحالفات السياسية اذا ما انتقلت من الصراع السياسي الطائفي الى الصراع السياسي القومي فهذا سيشكل مؤشرا خطيرا في العملية السياسية»، منوها الى «اننا يجب ان نعمل بجدية كي لا تصل الامور الى هذا الحد ويجب تركيز الحوار مع الاكراد الذين يعتقدون بانهم لا يستطيعون التنازل عن بعض المكتسبات او الانجازات التي حققوها ولا يمكن ان يعودوا الى الوراء، لكنني اقول ان الوضع الديمقراطي هو خير ضمانة لهم ولانجازاتهم».

ولا يعتقد الشريف «بان الوضع الحالي يسمح بانضمام حزب الفضيلة لأي تحالف جديد»، موضحا بان «الوضع وصل الى حد التقاطع».

واكد عضو المكتب السياسي لحزب الفضيلة الاسلامي ان «حركتنا انسحبت من الائتلاف العراقي الموحد لتفكيك التحالفات القائمة على اسس طائفية او قومية باستثناء التحالف الكردستاني الذي له ظروفه الخاصة».

ويستبعد معصوم قيام أي تحالف عربي ضد الاكراد باعتبار ان «التحالف الكردستاني له تحالفات مع احزاب سياسية وتكتلات برلمانية عربية»، متوقعا قيام المزيد من التحالفات القائمة على اساس وطني من شانها ان تدفع العملية السياسية الى امام».

وكشف معصوم عن ان «التحالف الرباعي الذي كان يضم الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والمجلس الاسلامي الاعلى وحزب الدعوة قد تحول الى تحالف خماسي بانضمام الحزب الاسلامي»، متوقعا ان «يكون هذا التحالف سداسيا بانضمام القائمة العراقية ويتوسع كذلك بانضمام احزاب اخرى مثل الفضيلة والتوافق». وقال «ان هناك تحالفات بين احزاب قد تنفض مثلما يحدث مع العراقية حيث خرج بعض الاعضاء ويتخذ الحزب الشيوعي مواقف مغايرة لمواقف العراقية وبهذا يعتبر خارج القائمة».

ويرى مثال الالوسي، عضو مجلس النواب عن حزب الأمة العراقية بعدم «وجود صراع عربي كردي او سني شيعي، بل هناك احزاب سياسية تختلف في اجنداتها السياسية وهي بحاجة الى التريث».

وقال الالوسي لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد أمس ان «البيان الذي وقع من قبل احزاب عراقية مؤخرا فيه هوية عراقية وطنية وارجو ان لا يضغط على الاكراد لان ذلك سيقود الى الاحتدام».

ويرى الدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة اقليم كردستان ان «قيام أي تحالف ضد الاكراد سيكون مصيره الفشل كونه قائما ضد المشروع الوطني العراقي الذي يؤمن به الاكراد ويعملون من اجله».

ويتفق الكاتب السياسي عدالت عبد الله، سكرتير تحرير صحيفة كردستان نويه التي يصدرها الاتحاد الوطني الكردستاني مع راي حسين قائلا ان «من حق أي احزاب سياسية عراقية ان تقيم تحالفات وتكتلات فيما بينها من اجل المصالح الوطنية العراقية».

واضاف قائلا لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من مكتبه في السليمانية «اما اذا كانت هوية هذه التحالفات طائفية او قومية ضد قومية اخرى فهذا يعني انها تعمل ضد المشروع الوطني العراقي وان أي تحالف ضد الاكراد سيكون مصيره الفشل».