نساء حماس

تجدهن في المؤسسات والمساجد والشوارع وعلى الحدود وفي كتائب القسام

شرطيات من حماس في حفل تخرجهن («الشرق الأوسط»)
TT

نجحت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى حد كبير، في كسب معظم معاركها الاخيرة (السياسية، والعسكرية)، وحتى في كسر الحصار المفروض على غزة، من خلال هدم الحدود، مع مصر. ولم يكن رجال الحركة، الذين يصفهم خصومهم، بالمتشددين، وحدهم يقفون وراء كل هذه النجاحات، بل ان الفضل احيانا كثيرة، يعود لـ «جيش» منظم، ظهر في مقدمة بعض هذه المعارك، وقاتل احيانا مثل جندي مجهول، واحيانا، كان رأس حربة حماس. انه جيش «نساء حماس».

ولا نبالغ اذا قلنا «جيش نساء حماس»، وهو جيش، منظم، وقد ظهر دوره جليا وقويا، في دعم حركته للفوز في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006، وهو نفس الجيش الذي اقتحم معبر رفح الحدودي، الشهر الفائت، لخلق رأي عام، وكسب التعاطف، قبل ان يحضر الرجال، ومعهم المتفجرات. وفي مهرجانات حماس «الاسلامية»، بخلاف، فتح «العلمانية»، واثناء المعارك الانتخابية، وفي الجامعات والمدارس، والمدن، والقرى، والشوارع، تجد نساء حماس يشكلن حضورا كبيرا ولافتا، وداعما. يرفعن الرايات، ويكّبرن، ويدعمن، ويخرجن في المسيرات. ويشكلن وفودا متفرقة، تزور، وتشجع، وتساند، وتقيم حلقات النقاش، في البيوت والمساجد، وكثير منهن يرأس ويدير جمعيات ومدارس ومؤسسات خيرية، اسلامية. وهي مفارقة، لم يجد كثير من المراقبين لها تفسيرا منطقيا، اذ يفترض، حسب ما يعتقد خصوم الحركة «ان حماس اكثر تشددا وانغلاقا»، مقابل الحرية التي يمكن ان تمنح لنساء فتح، وهي حركة، تؤكد دوما على حق المرأة في المساواة ودروها القيادي. وربما بدا الخلاف، بين فتح وحماس، جوهريا، مع بداية الانتفاضة الثانية. اذ سمحت فتح لنسائها بالمشاركة الفعالة في مقاومة الاحتلال، ولم يكن الامر مستغربا، او محل جدل، فالحركة كانت ارسلت دلال المغربي عام 1978 مع 11 فدائيا، عبر البحر لتنفيذ إحدى اشهر العمليات. وقتل فيها 36 اسرائيليا. وفي العام 2002، ارسلت كتائب شهداء الأقصى الذراع المسلح لفتح، مع بدايات الانتفاضة الثانية، اول فتاة، فجرت نفسها، خلال الانتفاضة. وكانت وفاء ادريس ناشطة في الحركة، وجميلة، وتعمل في الهلال الاحمر الفلسطيني. فجرت نفسها في 27 ـ 1 ـ 2002، واصابت أكثر من 70 إسرائيليا بالقدس الغربية، وأعلنت كتائب الاقصى في 30 ـ 1 ـ 2002 مسؤوليتها عن العملية، وقالت «إن الشهيدة البطلة، ابنة الكتائب الأبيّة، وفاء علي إدريس، البالغة من العمر 26 عاما، ومن سكان قلعة الصمود مخيم الأمعري، قضاء رام الله، نفذت العملية». كانت حماس، ما تزال، آنذاك، تمنع اشتراك النساء في المقاومة، وخاصة تنفيذ هجمات تفجيرية. وارجع قياديون في الحركة ذلك، الى طبيعة البيئة المحافظة للمجتمع الفلسطيني، وتعاليم الدين، التي تمنع غياب المرأة أو سفرها بدون مرافقة رجل محرم. ولم يكن هذا موقف كل الحركات الاسلامية، فحركة الجهاد الاسلامي، مثلا، ارسلت نساءها لتنفيذ مثل هذه العمليات.

لم يدم موقف حماس طويلا، ونفذت ريم رياشي، اول عملية تفجيرية نسائية لحماس، في يناير (كانون الثاني) 2004، وكانت مفاجأة، وقال الشيخ احمد ياسين مؤسس حماس وزعيمها الروحي، تعقيبا على العملية «ان عهد جهاد المرأة الفلسطيينة قد بدأ». وكشف مقربون من ياسين انه اراد الضغط على الاسرائيليين بالقول ان نساءنا ايضا قد ينفجرن في وجوهكم. وتلعب المرأة في أدبيات حركة حماس، دوراً مساعداً في «الجهاد». وتعتبر مسؤولة عن تربية النشء، وتقوم بدور المساندة والتشجيع كما تمارس دوراً في التعليم والعلاج أثناء المعارك، والحروب وغيرها.

اتسع الدور النسائي الحمساوي، واخذ ابعادا أعمق، وأكثر شمولية. ويقول المحلل السياسي عبد الستار قاسم، لـ«الشرق الاوسط »: «انهم يستندون الى تعاليم الاسلام، وهي، تعاليم تشجع على العمل العام». وحسب قاسم، فان حركة حماس «أكثر التزاما وانضباطا، من حركة فتح، وهي انجح في استثمار كل طاقاتها». ويشير قاسم، الى ان حماس، حركة عقائدية منضبطة، وقد نجحت في حمل نسائها على لعب دور مهم ومحوري. وتابع «لقد بذلن جهدا مضاعفا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، واقمن حلقات دراسية وارشادية في المساجد والمؤسسات، ونظمن زيارات ميدانية للمدن والقرى والمخيمات». ويشدد قاسم على وجود سببين مهمين من وجهة نظره، لنجاح نساء حماس؛ التقيد بتعاليم الاسلام، والتقيد بتعاليم الحركة التنظيم، ويضيف، لا يمكن المقارنة بين فتح وحماس فالأول تنظيم والثاني لا.

وتكشف جميلة الشنطي، وهي احد ابرز القيادات النسوية لحماس، وعضو المجلس التشريعي، عن تنظيم نسوي داخل التنظيم، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لنا تنظيمنا، لسنا تابعين في حماس، لنا مواقفنا، واحيانا كثيرة نعارضهم (اي الرجال) ولا نقبل، ونقترح، ونخطط، ونقرر ونجادل ونقول لا، وننفذ ايضا ما نراه مناسبا». وحسب الشنطي فلا شيء عفوي على الاطلاق، وهي تعتقد اصلا ان العفوي لا ينجح. وقالت «نحن اقرب الى الجماهير من النساء العلمانيات، نحن في المساجد ومنازل الشهداء والجرحى وفي المسيرات وفي المواجهات، وفي اقتحام الحدود (في اشارة الى اقتحام معبر رفح بين غزة ومصر). ولا ترى الشنطي في ذلك اي جديد وتقول انه نهج حماس، وبحسبها، فان الشيخ المؤسس احمد ياسين كان يعمل على تنظيم الرجال، وعينه على تنظيم النساء بخط متوازي. وتريد الشنطي القول انهن يشكلن تنظيما قائما بحد ذاته. وضربت مثلا عن التجهيزات التي سبقت خوض الانتخابات التشريعية، وقالت « جهزنا نحن خطتنا الكاملة للعمل، وجهز الرجال خطتهم، وحين تبادلنا الخطط للاطلاع اكتشفوا ان خطتنا هي الافضل». وردا على سؤال اذا ما كانوا يتنافسون مع الرجال؟ قالت «نعم، لكنه تنافس في اطار الحركة الواحدة، وهم (الرجال) يشجعونا على مثل هذا التنافس».

وتتفق الشنطي، مع الدكتور قاسم، بان الاسلام هو الدافع والمحرك الرئيسي، وتقول «هكذا علمنا الاسلام وهو يحثنا على التواصل مع الناس، وقضاياهم ومشكلاتهم، وهمومهم». وتضيف «نحن في حماس طبقنا المساواة التي يطالب بها العلمانيون، نحن النساء نجلس مع الرجال، في المستوى السياسي والعسكري وفي مجالس الشورى واتخاذ القرار، وفي كتائب القسام أيضا، ولنا مؤسساتنا الخاصة كذلك، التي نديرها وحدنا». وترجع الشنطي كل هذا الدعم النسوي لحماس «للثقة البالغة» لتي منحتها الحركة أساسا لنسائها، في كل الميادين، وتضيف «لسنا مستضعفين في حماس، لنا قرارنا وموقفنا». ووفق الشنطي فان نساء حماس هن اللواتي قمن بتطوير مفهوم «المسجد»، وقالت «كل النساء حتى من الفصائل الأخرى يأتين للمساجد، المسجد ليس للصلاة فقط، وسماع الخطب الدينية، انه للندوات السياسية والتثقيفية والصحية والاجتماعية، ولعرض الفيديو ايضا، لقد حولناه الى مفهوم «النادي». وتتحدث الشنطي بكثير من الفخر عن تجربة نجاح النساء داخل حماس، وعن قدرتهن على تشكيل «تنظيم»، «قادر على احداث التغيير».

ويبدو ان مشاركة نساء حماس لا تقف عند العمل الجماهيري، والتعبوي، والارشادي. بل ان نساء الحركة يتلقين مثل رجالها، تدريبات عسكرية متقدمة، في فنون القتال. وبينهن مقاتلات في كتائب القسام، الذراع المسلح لحماس. وتنفي الشنطي ان يكون هناك جيش مسلح نسوي كما يشاع، لكنها تقر بتلقي النساء تدريبات عسكرية لمواجهة الطوارئ، وتقول هناك بيوت كاملة تتلقى التدريب، الرجل وزوجته وشقيقاته وبناته، لكن طوعا ودون اكراه.

ويتضح، ان حماس، تحرص على القول، بأنها تقدر وتكرم وتعنى بدور المرأة، وقبل الانتخابات التشريعية اصدرت الحركة بيانا موجها للجماهير قالت فيه «آن الأوان للمرأة الفلسطينية أن تأخذ دورها الحقيقي، وآن للمجتمع أن يقدر حجم تضحياتها وجهادها، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة، التي تخرج المبدعين والأبطال والشهداء وأجيال المستقبل، وستسعى حماس إلى أن يكون للمرأة دورها في المجلس التشريعي، وأن تكون إلى جانب الرجل في إدارة الصراع مع العدو، وأن تسنّ التشريعات التي تحمي المرأة وحقوقها. وستقاوم حماس محاولات تهميش دور المرأة أو تسطيحه».

وهو فعلا ما كان، اذ حرصت حماس، وبذكاء لافت، على ادراج شخصيات أكاديمية ومؤثرة، وزوجات «شهداء» قياديين في الحركة. ما رأى فيه الفلسطينيون، آنذاك، تكريما ووفاء من الحركة لرجالها ونساءها الذين ضحوا. وكان من الصعب منافسة امرأة مثل، مريم فرحات، وهي والدة ثلاثة مقاتلين في حماس قضوا على أيدي الإسرائيليين، وقد ودعها أحد أبنائها على شريط مسجل قبل أن يهاجم مستوطنة إسرائيلية ويقتل خمسة اسرائيليين. وكما يحلو لحماس تسميتها بـ«خنساء فلسطين» او «أم الشهداء»، شوهدت في تسجيل مصور حاملة سلاحاً نارياً وهي تعلن عن ترشحها للانتخابات.

فازت 6 نساء من حماس في الانتخابات، وبعضهن تقلد مناصب وزارية بعد ذلك، مثل مريم صالح، التي اصبحت وزيرة شؤون المرأة، قبل ان تنهار حكومة الحركة بفعل الاقتتال في غزة، وتعتقلها اسرائيل اليوم، مع زملائها النواب. ورغم انهيار الحكومة وسيطرة فتح على الضفة الغربية، فان دور نساء حماس لم يتراجع، بل اخذ احيانا شكل المناكفات مع سلطة فتح، وقد اشتبكن، مع الاجهزة الامنية، في رام الله ونابلس غير مرة، وترى الأجهزة الأمنية في امرأة مثل منى منصور وهي زوجة القيادي البارز في حماس جمال منصور الذي اغتالته اسرائيل، امرأة محرضة وتعمل ضد استتباب الامن في الضفة. وتقر نساء في فتح بان الحركة انتبهت متأخرة الى دور المساجد في تعبئة الناس، وربما كانت فتح كما قال بعض عناصرها مطمئنة الى كسب اصوات النساء، على اعتبار انها تحمل راية التحرر. لكن الاصوات ذهبت رغم ذلك لحماس، التي تمارس رقابة اشد، وتلتزم بتعاليم صارمة مثلا في الزي النسائي، فلا يمكن ان تشاهد امرأة من حماس غير متحجبة ولا تلبس الزي الرسمي (الجلباب)، وبعضهن منقبات، وجميعهن لا يصافحن الرجال. وتقول الشنطي انهم (العلمانيون) لا يفهمون الاسلام، انه ليس متشددا، ونحن سيكبر دورنا اكثر، وسننقل صورة صحيحة عن الاسلام. هم لا يحترمون نساءهم كما تحترم حماس نساءها، ونحن اصلا ننطلق من قناعات دينية اولا، اهمها الوسطية في الدين، وهي قضية قد لا يفهما متدينون اصلا.