مخزن الأسرار

سارة الفاضل أول فتاة سودانية تبعث للتعليم في أميركا.. المحرك الخفي لحزب الأمة ومنتقدوها أخذوا عليها سيطرة «آل المهدي» على الحزب

TT

جرياً وراء حكمة هندية تسود في شبه الجزيرة الهندية، ملخصها ان الكلام المنطوق باللسان، تعبيرا عن موقف او فكرة، ما هو إلا ربع الكلام، فيما يبقى الباقي، ابدا، أمشاجا ممتدة في الشعور والاحاسيس، وليس في وسع الانسان تجسيده في معان ملموسة منطوقة. جريا وراء هذه الحكمة فقد لاحظ من أدوا واجب العزاء للصادق المهدي زعيم حزب الامة السوداني وإمام طائفة الانصار ـ الذراع الديني لحزب الامة ـ في وفاة زوجته الثانية وبنت عمته، السيدة سارة الفاضل محمود، والتي غيبها الموت فجأة الاسبوع الماضي، ان الرجل على استعداد للحديث عنها بلا توقف، وان ما يقوله عنها ليس اكثر من «ربع» ما يجيش في صدر المهدي من كلام عنها. طوال ايام العزاء، ظل المهدي يتحدث عن سارة الزوجة والأم والسياسية بإسهاب وأريحية. حديث لا تقطعه سوى تنهيدة تجدد فيه الرغبة في مواصلة الحديث. ومن يهم بمغادرة سرادق العزاء، بعد اداء الواجب، لابد انه يلاحظ ان كلاما غير منطوق عن سارة يحاول المهدي، مرارا، ان يستنطقه، لكن هيهات، فكل محاولاته قاصرة عن الوصول الى كل ضفاف «سارة الخضراء»، كما يحب ان يسميها. والكلام حول سارة الفضل يطول، فهي واحدة من أهم الناشطين السياسيين في السودان خلال العشرين عاما الاخيرة، وهي المحرك الخفي من وراء الستار لحزب الأمة بزعامة المهدي، لدرجة ان البعض وصفها بأنها «ليست السيدة الاولى في حزب الامة بل هي الرجل الاول في الحزب». لكن نشاطها غير المحدود وانشغالها بالعمل السياسي والمدني والخيري صنعا لها اعداء ومنتقدين يأخذون عليها مثلا سيطرة «آل المهدي» على الحزب، لدرجة وصفه بحزب الاسرة الواحدة. الموت المفاجئ لسارة الفاضل ـ مسؤولة العمل المدني في حزب الأمة، و«اسطورة» العمل السري في الحزب، كما يسميها انصار الحزب ـ أصاب الصادق المهدي واسرته بالحزن العميق والصدمة، فالمهدي تركها بعد اجتماع في الحزب ولم يكن تبدو عليها آثار التعب، ثم توجه الى موعد آخر، وبعد انتهاء موعده، توجه المهدي للمنزل ليجد جثمان سارة محمولا بعد اصابتها على ما يبدو بأزمة قلبية، ولكن رحيلها فجع ايضا كلَّ من عرف سارة في العائلة وفي الحزب وطائفة الانصار.

وقال ابراهيم علي مدير مكتب الصادق المهدي ان رحيل «ام الانصار»، وهذا اسمها وسط الطائفة «ليس فجيعة لزوجها وباقي افراد اسرتها والحزب وطائفة الانصار، بل لكل القوى السياسية الوطنية، وانما سيفقدها بشدة هذا المكان الاخضر وهذه الالوان الزاهية»، مشيرا بيده الى حديقة المنزل بما فيها من اشجار متنوعة وزهر بألوان الطيف. واضاف «هي التي تقف وراء كل هذا الجمال في المنزل.. انا على يقين ان اكثر من يفقدها هو الصادق لانها مخزن اسراره». ويشاركه في هذا الرأي محمد زكي، السكرتير الصحافي للصادق، الذي قال لـ«الشرق الاوسط» من خلال «وجودي كحلقة الوصل بينها وبين الإمام في بعض امور الحزب، أجزم بأنها كانت تحمل معه كل الاثقال يداً بيد».

ولدت سارة الفاضل محمود عبد الكريم في أمدرمان في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1933، جدها عبد الكريم أحد امراء الثورة المهدية في السودان، ووالدتها السيدة عائشة هي البنت الثانية للإمام عبد الرحمن المهدي زعيم طائفة الانصار ومؤسس حزب الامة، الى جانب السيدة شامة والدة زوجة الصادق المهدي الاولى حفية مامون حسن شريف والامام الصديق والد الصادق المهدي. وتعرف سارة نفسها بأنها «من آل المهدي ولدت في بيئة سياسية نشطة، ترعرعت في هذا البيت الذي عرف بالنضال والكفاح من اجل الدين والوطن». تلقت سارة تعليمها قبل المدرسي في روضة الراهبات في أمدرمان، والابتدائي في مدرسة أمدرمان الابتدائية، والثانوي العالي في مدرسة أمدرمان الثانوية، ثم انتقلت الي الولايات المتحدة في بادرة لافتة في تعليم المرأة بالسودان لتنال درجة البكالوريوس في علم اجتماع جامعة Western College for Women بأكسفورد أوهايو، قسم الدراسات والبحوث الاجتماعية عام 1961، وكان سفرها لأميركا بدافع وتشجيع من الإمام عبد الرحمن جدها لأمها عام 1958. وتعتبر سارة أول فتاة سودانية تبعث للتعليم الجامعي بأميركا. كما تشير دراسة متداولة حول تعليم المرأة في السودان، وواصلت دراستها في الولايات المتحدة فنالت درجة الماجستير في جامعة نيويورك (ولاية نيويورك) عام 1962، وحصلت عام 2004 على الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية من جامعة الأحفاد للبنات. وفي عطلات الدراسة في اميركا، كانت تعمل في مستشفيات معالجة الإدمان ومعاهد العناية بالكبار والمعاقين 1958- 1962.

تقول سارة عن رحلة تعليمها: «نشطت في منظمة الامم المتحدة قسم العلاقات الخارجية كمساعدة بحوث ورجعت بعدها الي السودان وقدمت للعمل بوزارة الخارجية لكن اعترض اهلي على ذلك، واصروا على ان اعمل في التدريس، فعملت لمدة اربعة اشهر كمدرسة للانجليزي والتاريخ بمدرسة الامام المهدي الثانوية، ولكن لم يدم عملي طويلاً حيث تزوجت في 28/3/1963 من المهدي». وحول قصة زواج المهدي من سارة، يذكر المخضرمون من انصار حزب الامة ان زواج المهدي من سارة الذي انجب لها ثلاث بنات وولدين، وهم: الدكتورة مريم، وعبد الرحمن، والمهندسة رباح، والدكتورة طاهرة، ومحمد احمد، فإنها (قصة الزواج) بدأت منذ ان تزاملا في العمل الحزبي أواخر الخمسينات بسبب تقاربهما في الطرح والأفكار. لكن الزواج جاء متأخراً بسبب سفر سارة للدراسة في اميركا، فتزوج زوجته الاولى وبنت عمته ايضا حفية. لكن عندما أنهت سارة دراستها وعادت للسودان، تقدم المهدي للزواج منها. ويروي المهدي القصة قائلا «حفية قالت لي إن أنت أردت أن تتزوج سارة فمرحباً وأهلا، وأنا أخطبها لك»، موضحا ان سارة نفسها قالت إنه إذا لم توافق حفية فلا زواج. ويوضح المهدي: «موقف حفية وموقف سارة وموقفي، جعلت لهذه العلاقة مع ما فيها من صعوبات ومشاكل الطبيعة، بركة تسري في الذرية، بحيث ولله الحمد زال عنهم الإحساس بأن هذا ابن الضرة وهذه بنت الضرة. وأنا أعتقد أنها وأختها حفية مع ما كان بينهما من مخاشنات الفطرة إلا أن هذه البركة منعت تماما أي نوع من العداء، أي نوع من الشحناء بين أبنائهما وبناتهما». وحسب مقربون من بيت المهدي فان سارة ولجت ابواب العمل السياسي الى جانب حزب الامة بشكل متدرج رغم انها تنتمي لفكرة الحزب منذ الصغر. أخذ انتماؤها اولا الطابع الاجتماعي لتنتقل الى السياسي المباشر. وتتفق مع روايتها هذه رواية زوجها الصادق، حيث قال الاخير لـ«الشرق الاوسط»: «سارة زميلتي في الحزب منذ ان كنا صغارا وقبل ان تسافر للدراسة في اميركا.. كنا انا وسارة شريكين في كل عمل بتفاهم تام وبأفكار شبه متطابقة». فيما يقول عبد الرسول النور، أحد قيادات حزب الامة المقربة من الصادق وسارة، والذي عمل معهما لسنوات طويلة في المكتب الخاص للصادق، انه رأى سارة الفاضل لأول مرة اوائل عام 1967 إبان حكومة كان يرأسها الصادق، وهي تتحرك بنشاط داخل دار حزب الأمة وتعمل في خدمة الطلاب، فهي عالمة وعاملة». وتقول وثائق حزب الامة ان سارة بدأت نشاطها الاجتماعي والسياسي منذ الخمسينات، ثم واصلت بعد عودتها من اميركا. كما عملت بجمعية نهضة المرأة في قسم محو الأمية الأبجدية والأمية الحرفية قبل سفرها لأميركا، ثم سكرتيرة لجمعية الحفيد الثقافية التي كونها شباب أسرة المهدي برئاسة السيد الصادق لتكون ملتقى هادفا للشباب من أسرة الإمام عبد الرحمن المهدي. وهي تحمل بطاقة عضوية لاكثر من 15 جمعية سودانية عربية وافريقية وعالمية من بينها، جمعية الخريجات السودانيات، وجمعية الصحوة النسوية الخيرية في فترة الديمقراطية الثالثة، وجمعية مكافحة المخدرات، والجمعية العالمية الخيرية للنساء، والمجلس الطوعي الإنساني بالرياض بالمملكة العربية السعودية للعمل وسط سودانيي المهجر عام 2002 وحتى الآن. وأخيرا مؤسسة ورئيسة «جمعية الناس للناس» 2003. ويقول المهدي حول عملها في الجمعية: «انها مخصصة للم شمل الناس». لمع نجم سارة في سماء حزب الامة من خلال نشاطها السري في الحزب في الخمسينات من القرن الماضي، ويسجل لها في هذا الشأن انها كانت عضوا متعاونا مع مجموعة العمل السري بحزب الأمة ضد نظام 17 نوفمبر 1958 بقيادة الفريق عبود، ورصدت مشاركتها في جميع المظاهرات أيام ثورة أكتوبر، وقامت أخريات في ديسمبر(كانون الأول) 1964 بتكوين أول أمانة للمرأة في حزب سوداني تقيم مؤتمرها العام وتكتب دستورها وتصبح ذات طابع مؤسسي لا عمل موسمي. كما جرت العادة قبل ذلك، وقامت عام 1975 مع اخريات بتكوين أول أمانة نسوية لهيئة شؤون الأنصار. وكانت والسيدة رقية عبد الله المهدي عضوين في المجلس الاستشاري لهيئة شؤون الأنصار.

عرفت سارة وسط طائفة الانصار وحزب الامة بانها «اسطورة العمل السري» في الحزب خلال العهود الدكتاتورية في البلاد، حيث تعرض زوجها وقيادات في الحزب؛ وعلى رأسهم الراحل الدكتور عمر نور الدائم للاعتقال. «كانت تتفرد بانجاز العمل السري في الداخل والخارج»، حسب البروفسور حماد بقادي القيادي في الحزب الذي تحدث لـ«الشرق الاوسط» حولها. واضاف «كانت كاتمة اسرار الصادق». كما كانت تمتلك سرعة فائقة في توصيل المعلومات أثناء العمل السري «بحسب الصادق ابو نمر، الناشط في حزب الأمة، وأحد المقربين من سارة، والذي وصفها في حديث لـ«الشرق الاوسط» بأنها «كانت عنصر توازن داخل الاسرة والحزب وفي حالات السر والعلن».

من ناحيته، قال عبد الرسول النور ان «الصادق إما سجين او معتقل او منفي، فلم يكن هناك فراغ في الحزب لان السيدة سارة رابضة متوثبة تدير حركة الحزب من وراء الستار». ويروي النور ان سارة كانت لديها اثناء المعارضة شبكة عنكبوتية تربط بها الحزب شرقا وغربا وجنوبا وساهمت بدور فاعل ومفصلي في هجرة اصحاب الصادق المهدي الى الحبشة إبان خروج الحزب لمعارضة نظام نميري. وتحفظ لها قيادات حزب الامة في مضمار العمل السري لحزب الامة انها هي التي سربت كتاب الصادق المهدي «ديمقراطية رابحة» الذي كتبه في عهد نميري و«تحديات التسعينات» الذي كتبه في عهد الانقاذ الى خارج البلاد، وتم نشرهما في الصحف قبل طباعتهما. سافرت سارة الى انجلترا بعد المصالحة الوطنية 1977 بين الرئيس السوداني الاسبق نميري وتحالف المعارضة السودانية آنذاك، مستصحبة السيدة رحمة عبد الله والدة المهدي، في رحلة علاجية لانجلترا، ولكن الرحلة، على ما يبدو، كانت بالنسبة لها فرصة لتدشين عمل معارض لنظام نميرى في العاصمة البريطانية لأن الحزب لم يوف بعهوده نحو اتفاق المصالحة، والحق ذلك بإعلانه القوانين الاسلامية في البلاد المعروفة بقوانين سبتمبر 1983، وزج بكل من عارضها في السجون، ومن بين من تعرضوا للسجون في تلك الفترة قيادات الأنصار وحزب الأمة. أنشأت سارة مكتب المعارضة بلندن والذي قام، فيما بعد، بإصدار المنشورات واستفتاء علماء المسلمين حول الحكم الشرعي في معارضة قوانين سبتمبر، واتصل بجميع منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والعالمية، ولاحقت هي والفريق العامل بالمكتب من كوادر حزب الأمة، النظام في كل المحافل الإسلامية وغيرها، فاضحة أمر النظام ومفندة حججه. ويعتقد المحامي علي محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، ان الحديث عنها بوصفها زوجة لرئيس او أماً لابناء مقتدرين لا ينصفها فقد كانت في ذاتها زعيمة وقائدة. وتابع «سارة سبق ان اعتقلت معنا عام 1976 ابان حركة الجبهة الوطنية وقدمت لمحاكمة عسكرية بالقيادة العامة وكانت فارسة وشجاعة».

جلب لها العمل السري الذي تجيده، حسب تعبير البروفسور بقادي، الكثير من المشكلات، اذ تعرضت للسجن في فترتين في عهد الرئيس نميري؛ مجموعهما سنتان قضتهما بسجن أمدرمان. وفي الاخيرة كانت حاملا بابنها محمد احمد وولدته وهي سجينة، كما تمت محاكمتها أمام محكمة عسكرية بالإعدام بعد إخفاق انتفاضة يوليو (تموز) 1976 المسلحة التي نظمتها المعارضة السودانية آنذاك منطلقة من ليبيا، وتعرضت خلالها لكثير من التعذيب الجسماني والنفسي. وكانت التهمة الموجهة اليها هي «انها شاركت مع آخرين لتنسيق الانتفاضة المسلحة ضد نميري».

تقول سارة حول متاعبها الناجمة عن العمل السري: «لقد اتهموني بأني احمل بيان انقلاب حسن حسين الضابط في الجيش والذي حاول الانقلاب على نميري.. وظللت في السجن حتى مارس (آذار) 1976. بعدها سجنت مرة أخرى في 2 يوليو 1976 اثناء الانتفاضة التي قادها حزبنا مع احزاب اخرى من الخارج، وكانت بقيادة العقيد محمد نور سعد، وكان السجن قاسياً في هذه الفترة والمعاملة لا تليق بسجين حيث تعرضت لمحاكمة عسكرية قاسية عانيت اثناءها من تجلط في رجلي بدون علاج. ورغم الألم، اقتادوني من سجن أمدرمان واقفة في عربة حتى نصل لمقر المحاكمة بالقيادة العامة. وبعد فترة طويلة لاقيت فيها من الألم ما لاقيت واوشكت رجلي اليمنى ان تنشل، حكمت المحكمة ببراءتي، لكن جهاز الامن جدد فترة اعتقالي ولم يعترف بالبراءة حتى ظهرت ارهاصات المصالحة الوطنية». كما ان اصرارها على ممارسة العمل السري دفع الرئيس نميري باتخاذ قرار نفيها إلى الخارج، وحينها عقد مؤتمرا صحافيا وقال فيه للصحافيين الاجانب إن إعطاءكم «فيزا» لدخول السودان مرهون بعدم نشركم لأي خبرٍ من مكتب حزب الأمة في لندن.

وترد سارة على من ينفون بأن اسرة المهدي عاشت حياة الفقر بسبب نشاطها السياسي، فتقول «كيف ما عشنا.. الانقلابات كلها عشنا فيها فقراً.. زمن مايو (أيار) كله كنا عايشين الفقر لانهم بعد احداث الجزيرة أبا شالوا مننا أي حاجة لدرجة بعنا أي حاجة عندنا عشان نعيش بعدما منعوا الناس حتى انهم يدونا هدية.. حتى الهدية صادروها مننا». وكغيرها من السياسيين لها خصوم، فهناك من يرى انها صعدت الى اعلى حزب الامة بسبب زوجها وليس بسبب عطائها داخل الحزب. ويردد آخرون ان الراحلة كانت تسعى بقدر ما وسعت لأن يدور كل شيء في فلك اسرة المهدي. ويقولون ان تلك السياسة أدت الى إبعاد الكثيرين من القيادات الطموحة التى تنشد الوصول الى مقدمة الحزب بما لديها من كسب وعطاء، ويذهبون الى ابعد من ذلك حين يرون ان حزب الامة الآن اشبه بحزب الاسرة الواحدة، في اشارة الى بروز ابناء وبنات المهدي في مواقع مفصلية بالحزب في السنوات الاخيرة. وظل المهدي يرد الاتهام عن اسرته بالقول: «اولادي ليسوا سحاسيح»، بلغة الشارع السوداني الكلمة تعني «المنعمين». ايضا من ضمن الاتهامات لسارة هو انها هي التي تسير الحزب وليس زوجها الصادق المهدي. وفي هذا السياق، قال الزعيم السياسي الراحل الشريف حسين الهندي في لحظة غضب من المهدي «سارة ليست السيدة الاولى في حزب الامة بل هي الرجل الاول في الحزب». ورغم ذلك فإن هناك مقربين منها ينفون الاتهام، حيث قالت بلقيس يوسف بدري عنها «انها وفية وكريمة ومجاملة تناصر الفقراء وتساعد الأهل وذات أفكار ومن القيادات المهمة ليس لأنها زوجة الصادق بل لحسها السياسي منذ زمن مبكر». كما تنفي زوجة المهدي الاولى حفية التهمة وتقول لـ«الشرق الاوسط» «ان سارة تساعد كثيرا على دفع العمل السياسي الجمعي في الحزب». كما تنفي بشدة بأنها كانت تفرق بين ابنائهما في المجالين السياسي والأسرى. وتقول: «نحن واحد ولسنا ضرتين فقد تربينا في بيت واحد وعشنا في بيت واحد وسنظل». ويؤكد الصحافي محمد عبد السيد، وهو مقرب منها، ان «سارة تجيد التعامل مع الآخر في القوى السياسية، وهي الاقدر على الحصول على ما تريد من محدثها.. وساعدتها على ذلك اجادتها للغتين العربية والانجليزية والتعبير بهما بسلاسة فضلا عن ذكائها».

بين نخلتين سامقتين في الركن الشمالى الشرقي لفناء قبة الإمام المهدي وسط مدينة أمدرمان، وهو ضريح الإمام محمد احمد المهدي، مفجر الثورة المهدية الاسلامية أواخر القرن التاسع عشر، يوجد الآن قبر سارة الفاضل التي دفنت بحضور الآلاف من السودانيين. وهناك سجل المهدي أمام حشود المشيعين اعترافاته، وقال: «ظلت سارة التقية بلا غلو، الوطنية بلا حدود، المعتدلة في آرائها، السمحة في اخلاقها، ظلت ترفع الراية وتنافح وتناضل حتى آخر رمق في حياتها. هذه السيدة انها زوجتي، فحسبوها صعدت لأنها زوجتي، ولكنها شخصية ذات عطاء وتضحية مستقلة في سبيل الوطن وفي سبيل الدين. هذه السيدة صحيح كانت لي الغذاء والدواء والكساء والكتب ومراجعة ما أكتب ولكن لها عطاؤها الذي ستجد ثوابه عند رب العالمين». وعن حبها له وحبه لها، قال المهدي: «أحبتني حباً أرهقها.. أرهقها لأنه جعلها تعمل فوق طاقتها في محاولة لإرضاء هذا الحب، وأيضاً أرهقني لأنها وضعت لي بمقياسه مقاييس لا أستطيعها، أرهقها وأرهقني، ولكنه أسعدها وأسعدني وأسعد معنا الناس لأن كل من خدم معها أو اقترب منها تبادله الحنان، ولذلك أنا أعزي هنا عزاءً حاراً بناتها وأبنائها.. كانت سارة سيدة متواضعة، مع كل هذا تكنس وتغسل وتطبخ وتمسح، ولا تتردد ولا تتكبر». ويتابع المهدي: «عندما امرض تمارضني بلطف وحنان، فهي تشهيني المرض بعد معافاتي.. واسميها سارة الخضراء لأنها مشدودة للخضرة فهي التي ترعاها في منزلنا، وتهدي الزهر للآخرين تختفي عنا لفترة. وبعد بحث نعثر عليها تسقي الزهور في منزلنا». لأول مرة منذ خمسة أعوام متصلة، حضر الصحافيون، الأربعاء قبل الماضي، وعددهم كان بالمئات منتدى «ما بين الصحافة والسياسة» الشهري في منزل الامام الصادق، ولم تكن سارة بينهم «تشاغلهم وتداخلهم» بمداخلاتها في القضية المطروحة. لم تكن بينهم من خلال وجبة إفطار شهي، درجت سارة على تقديمها لهم في ختام المنتدى. وربما عزاؤهم انها كانت حاضرة بينهم باحاديثهم في المنتدى عنها. وفي لحظات امتلأت فيها عيونهم بلون وأريج حديقتها الجميلة المطلة على منصة المنتدى. ترك الصحافيون الصادق؛ وعلى لسانه «ربع» من الكلام الذي يملأ جوانحه. وأما عبد الله، أحد معاونيها في المنزل، فقد كان يجلس هناك بعيداً عن المنصة شاردَ الذهنِ يحدق في اللاشيء، كأنه لا يدري ما الذي جرى.