10.. ضد واحد

كاسترو.. واجه خطةً أميركية وراء خطة.. وتحدى الرؤساء الأميركيين.. وكتب نهايته بيده

TT

منذ قبل استقلال أميركا، ومنذ قبل استقلال كوبا، كان هناك توتر وعداء بين البلدين.

تطور هذا العداء ليشكل مواجهة بين جارين: ديمقراطية رأسمالية راسخة، وثورة شعبية مستمرة.

في سنة 1776، عندما قاد الجنرال الأميركي جورج واشنطن حرب الاستقلال، انتقده الجنرال الإسباني هوزيه سان ديو، حاكم مستعمرة كوبا، لأنه رأى في الثورة ضد الاستعمار البريطاني تشجيعا للثورة ضد الاستعمار الإسباني. وفي سنة 1836، قال الرئيس جون ادامز: «سنستولي على كوبا خلال خمسين سنة. اذا لم يكن بالقوة العسكرية، فبقوة الجاذبية. وذلك لأن كوبا مثل تفاحة في شجرة اسبانيا. عندما  تسقط، ستسقط على أرض أميركية».  وفي سنة 1860، عندما حرر الرئيس أبراهام لنكولن عبيد أميركا، سمى الإسبان كوبا «فديلزما اسلا» (الجزيرة المخلصة)، لتأكيد بقائهم هناك، ولاستغلالها (لإنتاج السكر، والقهوة، والتبغ)، رغم ان مستعمرات كثيرة (مثل هايتي) تمردت، ونالت استقلالها.

وفي سنة 1848، وقعت اول ثورة في كوبا ضد الاستعمار الإسباني. لكن الاميركيين خافوا من انتقال الثورة نحو الولايات الجنوبية، حيث كانت تمارس تجارة العبيد. وسراً، أرسل الرئيس الأميركي بولك مندوبا الى اسبانيا لشراء كوبا بمائة مليون دولار، وتأكيد استمرار استغلال العبيد هناك. (رفضت اسبانيا).

وبعد عشرين سنة (سنة 1868) قاد الكوبي كارلوس سيسبيس ثورة اخرى، استمرت عشر سنوات، وعرفت بـ«حرب العشر سنوات».  وانقسم الأميركيون: هل يؤيدونها؟ أم يعارضونها؟ وانتصرت كفة حكام الولايات الجنوبية الخائفين من ثورة العبيد (رغم أن دولا في أوروبا أيدت الثورة. بل اعترفت بالحكومة الجديدة، التي هزمتها إسبانيا في النهاية).

ولم تمض سنوات قليلة، حتى قامت ثورة ثالثة (بقيادة كاليكسو غارسيا)، وسميت «الحرب الصغيرة»، لكنها لم تستمر طويلا، بسبب اتفاق بين إسبانيا والرئيس الأميركي آرثر بعدم مساعدة الثوار.

وفي سنة 1895، قاد هوزي مارتي الثورة التي كانت قدوة لثورة فيدل كاسترو (بعد ذلك بخمسين سنة). مثله، درب رجاله في المكسيك. ومثله، نزل على ساحل كوبا ليلا. ومثله، شك في نوايا الأميركيين.  كان الرئيس في ذلك الوقت كروفر كليفلاند. ورغم أن مارتي عاش في أميركا قبل ثورته، وقال انه عائد الى كوبا لتأسيس الحرية، تردد الرئيس كليفلاند في تأييده تأييدا كاملا. وحتى مارتي نفسه سمى كليفلاند «جالوت» (اشارة الى جالوت الجبار في قصص التوراة).  وصدقت شكوك مارتي في الاميركيين. يوم 15 ـ 2 ـ 1898 وقع انفجار في المدمرة الأميركية «مين» في ميناء هافانا. واستغل الرئيس ماكنلي الحادث، وغزا كوبا. (في وقت لاحق، شكك مؤرخون في حقيقة ما حدث). وعندما قاوم الكوبيون الغزو الأميركي، اكتفى الأميركيون بالقاعدة العسكرية في «غوانتانامو» (بعد هجوم 11 سبتمبر على أميركا، اعتقل فيها أكثر من خمسمائة مسلم بتهمة الإرهاب). وحتى هذه استأجرها لهم توماس بالما، الأميركي الذي نصبوه رئيسا للجمهورية. لهذا فإن الكوبيين، حتى اليوم، يعتبرون «غوانتانامو» أرضا محتلة.

مارتي، قائد تلك الثورة (وشهيدها) هو الذي كتب قصيدة «غوانتاناميرو»، التي لا تزال النشيد الأول لكوبا (وللثوار في كل مكان)، ويقول مطلعها: «يا بنت غوانتانامو. أنا رجل صادق. جئت من حيث ينمو شجر جوز الهند. أريد، قبل أن أموت، أن أنشد هذا النشيد الروحي. نشيد أخضر فاتح. نشيد أحمر مشتعل. نشيد ظبية مجروحة، تبحث عن ملجأ في الجبال».

* الرئيس آيزنهاور:

يوم 8 ـ 1 ـ 1959، عندما دخل كاسترو، وثلاثمائة ثائر، هافانا، وساروا في شوارعها، غنوا اغنية «غوانتاناميرو».

في ذلك الوقت، كان الرئيس الأميركي آيزنهاور من كبار مؤيدي الرئيس الكوبي باتيستا (رغم انه وصل الى الحكم بعد انقلاب عسكري على حكومة ديمقراطية). ولم يقدر الرئيس آيزنهاور على ان يحمي الرئيس باتيستا الذي هرب الى اسبانيا. بعد ثلاثة أشهر من نجاح الثورة، وتعيين كاسترو رئيسا للوزراء، زار كاسترو الولايات المتحدة بدعوة من جامعة برنستون (ولاية نيوجيرسي). وكان كاسترو عاش في اميركا لسنوات، وكان لاعبا ماهرا في فريق «بيسبول». واستأجر كاسترو مكتبا للعلاقات العامة في نيويورك، رتب له جولة في ولايات اميركية اخرى استمرت اسبوعين. واحضر معه من كوبا مائتي صندوق نبيذ، وعشرة آلاف سيجار، لتوزيعها على الاميركيين، تحت شعار «صفحة جديدة مع جارنا في الشمال».  لكنه، عندما وصل الى واشنطن، رفض الرئيس آيزنهاور مقابلته، بحجة انه ذاهب الى ولاية نورث كارولينا للاشتراك في لعبة «غولف».  وهكذا، منذ البداية، صار واضحا ان الشكوك التاريخية بين كوبا والولايات المتحدة ستستمر، بل ستزيد.

وكتب لازو ماريو، مؤلف كتاب «خنجر في القلب: فشل السياسة الأميركية في كوبا»: «لم يرتح كثير من الأميركيين، حماة الحرية والمدنية في العالم، من ذقن كاسترو الكثيف، ومن ملابسه العسكرية. في الحقيقة، نصح مكتب العلاقات العامة كاسترو بأن يحلق ذقنه، ويلبس ملابس مدنية قبل زيارة اميركا. لكنه رفض. في جانب، تحمس الأميركيون، وخاصة المثقفون والشباب لهذا الثاثر الشاب. وفي الجانب الآخر، توقعت شركات السكر، والشاي، والمطاط، والسيجار، والنبيذ الأميركية ان يؤممها كاسترو (فعل ذلك بعد ان عاد الى كوبا، وبعد ان تأكد له ان الرأسماليين الأميركيين لن يرضوا عنه، مهما فعل).

* الرئيس كنيدي:

يوم 12 ـ 8 ـ 1961، بعد سبعة أشهر من فوزه برئاسة الجمهورية، اتهم الرئيس كنيدي كاسترو بأنه يريد تأسيس نظام شيوعي في كوبا. وقال كنيدي في مؤتمر صحافي: «إذا كنت أعارض الشيوعية في مهدها في موسكو، لا بد أن أعارضها هنا بالقرب من ساحل ولاية فلوريدا».

ورد كاسترو، في واحد من خطبه الطويلة، وقال انه، عندما زار الولايات المتحدة (قبل ذلك بسنتين) سئل أسئلة كثيرة عن ميوله الشيوعية، ونفى انه شيوعي، أو يريد أن يؤسس نظاما شيوعيا في كوبا.

ويوم 15 ـ4 ـ1961، غزت الولايات المتحدة كوبا (غزوة خليج الخنازير). لكن، كانت خطة الغزو بدأت في عهد الرئيس آيزنهاور، تحت إشراف الاستخبارات المركزية، التي قالت له انها سوف تنجح في اسقاط كاسترو، مثلما نجحت في اسقاط محمد مصدق، رئيس وزراء ايران، سنة 1953 (لأنه أمم شركات البترول الأميركية). لكن، الغزو الاميركي على كوبا فشل.

وحسب كتاب «خنجر في القلب»، اقنع الغزو الأميركي كاسترو بأن الولايات المتحدة لن ترضى عنه ابدا «حتى لو ركع وقبل الأرض عند باب البيت الأبيض». وفي سنة 1963، أعلن كاسترو أن كوبا «ستصبح قلعة للشيوعية، وخنجرا في قلب اميركا». (ربما من هنا اخذ المؤلف اسم كتابه).   لكن، قبل ذلك، حدثت المواجهة النووية التاريخية (التي كادت ان تهلك العالم)، عندما اكتشف الأميركيون ان الروس وضعوا صواريخ في كوبا، وزودوها بقنابل نووية، ووجهوها نحو واشنطن. (تراجع الروس، وسحبوا صواريخهم). لكن، لا فشل غزوة خليج الخنازير، ولا حل مشكلة الصواريخ، أوقف الأميركيين عن وضع خطة بعد خطة للقضاء على كاسترو. وباعتراف روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع في ذلك الوقت، في كتاب مذكراته: «نظرة الى الخلف»، وضع البنتاغون سيناريوهات لاتهام كوبا: إما بقتل سياح اميركيين، أو بتفجير زورق أميركي، او بالتآمر لاغتيال رئيس اميركي (مثل مؤامرة لاغتيال الرئيس كنيدي)، وذلك لتبرير غزوها.

* الرئيس جونسون:

يوم 29 ـ 10 ـ 1965، اعلن كاسترو تحالفا بين ثورته وبين الحزب الشيوعي الكوبي (كان تأسس قبل ثورة كاسترو بعشرين سنة). وعلق الرئيس جونسون: «وكأننا نريد دليلا آخر على أن الرفيق كاسترو ليس شيوعيا». لكن، قبل تسع سنوات، كشفت دار الوثائق الأميركية ان كاسترو، بعد اغتيال الرئيس كنيدي (سنة 1963)، حاول كسب الرئيس جونسون. وانه أرسل له خطابا، جاء فيه أولا: نفي كاسترو اي صلة باغتيال كنيدي (كانت وكالة الاستخبارات المركزية نشرت اشاعات تقول ذلك، للحصول على حجة لغزو كوبا). ثانيا: عرض كاسترو مساعدة جونسون للفوز في انتخابات الرئاسة سنة 1964.  لماذا؟  قالت الصحافية ليزا هاوارد، مندوبة تلفزيون «اي بي سي» التى اجرت، في ذلك الوقت، مقابلة تلفزيونية مع كاسترو في كوبا، وحملت الرسالة السرية الى الرئيس جونسون: «قال كاسترو ان فوز الحزب الديمقراطي افضل من فوز الحزب الجمهوري، لان الأخير يريد الانتقام للشركات الأميركية التي كان كاسترو قد اممها، وان يجعل ذلك حجة لغزو كوبا».

لم يكن منطق كاسترو غريبا، لأنه قبل ذلك بنصف قرن تقريبا، وفي انتخابات سنة 1900، كان شعار الحزب الجمهوري: «سنرفع العلم الأميركي فوق كوبا».

* الرئيس نيكسون:

يوم 5 ـ 1 ـ 1968، غزت قوات روسية تشيكوسلوفاكيا، وقضت على ثورة ليبرالية هناك. لكن، شذ كاسترو عن كثير من قادة العالم، وأيد الغزو. في انتخابات تلك السنة، فاز الرئيس نيكسون الذي كان من أكثر الرؤساء الأميركيين عداء للشيوعية والشيوعيين. ويبدو أن كاسترو أحس أن فوز نيكسون لن يجلب إلا مزيدا من الشر له. وانتقاما، زار كاسترو موسكو، وهنأهم بغزو تشيكوسلوفاكيا، وقدم لهم خططا لإرسال قوات كوبية الى دول العالم الثالث للمساعدة على نشر الشيوعية.

في عهد نيكسون، بدأ كاسترو يرسل قوات ومستشارين عسكريين لمساعدة حكومات شيوعية ويسارية: في أنغولا، وإثيوبيا، واليمن (مستشارين). لكن، اضطر نيكسون لفتح اتصالات مع كاسترو، وذلك بسبب زيادة خطف الطائرات بين البلدين (كوبيون خطفوا طائرات الى اميركا، وطلبوا اللجوء السياسي.  وأميركيون خطفوا طائرات الى كوبا، وحرضوا الأميركيين ضد كاسترو).

لكن، كما كشفت، قبل عشر سنوات، تسجيلات اجتماعات نيكسون في البيت الأبيض، لم يغب خيال كاسترو عن ذهن نيكسون.  كانت هناك إشاعات إن نيكسون وراء خطط وكالة الاستخبارات المركزية لاغتيال كاسترو لدوره المزعوم في اغتيال الرئيس كنيدي. مرات كثيرة في التسجيلات، قال نيكسون انه خائف من أن يتهمه احد، بسبب ذلك، بأنه وراء اغتيال كنيدي (خصمة العنيد الذي فاز عليه سنة 1960).

* الرئيس فورد:

يوم 18 ـ 12 ـ 1974، في مؤتمر صحافي، قال فورد: «بنفس روح التسامح ونسيان الماضي التي أدعو لها هنا (يقصد في أميركا، لأنه خلف نيكسون الذي استقال بسبب فضيحة «ووترغيت»)، أدعو الى فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع كوبا». رحب كاسترو بمبادرة فورد، لكن يبدو انه كان يخطط لشيء آخر. وذلك لأنه، بعد مرور شهور قليلة على المبادرة، أرسل قوات بحرية، وأرضية، وجوية، لمساعدة الحكومة الشيوعية في أنغولا، والتي كانت تحارب متمردين ايدتهم الاستخبارات المركزية الأميركية. لكن، روح التسامح في عهد فورد، بعد فضيحة «ووترغيت»، خدمت كاسترو من حيث لا يدري. وذلك لان الكونغرس بدأ تحقيقات في نشاطات الاستخبارات المركزية، ومنها خطط اغتيال كاسترو (بقلم حبر أميركي، وبسيجار كوبي، وبنبيذ فرنسي، الخ...).

* الرئيس كارتر:

انتقم كاسترو من مبادرة الرئيس فورد، وأرسل مزيدا من القوات لمساعدة حكومة أنغولا الشيوعية. ثم انتقم من مبادرة ثانية من الرئيس كارتر، وأرسل قوات لمساعدة حكومة إثيوبيا الشيوعية. ثم انتقم كاسترو بما هو أكثر من ذلك.  يوم 22 ـ 5 ـ 1980، وجه الرئيس كارتر خطابا عبر التلفزيون الى الشعب الأميركي، قال فيه: «بهذا أناشد المواطنين الأميركيين الذين أبحروا بزوارق من فلوريدا الى كوبا ألا يحضروا معهم أي مواطنين من كوبا».  كانت هذه إشارة الى «غزو» على أميركا أعلنه كاسترو. انتقد كاسترو ترحيب أميركا بكل كوبي يبحر بزورق الى ساحل ميامي (حسب قانون أصدره الكونغرس، كل كوبي يلمس الساحل الأميركي يعتبر لاجئا سياسيا.. لكن، كل كوبي يكتشف في عرض البحر يعاد الى كوبا). وانتقم كاسترو بأن فتح الباب أمام كل كوبي يريد أن يهاجر الى أميركا، إذا وجد طريقة لذلك. وفي الحال، أبحر مئات من المهاجرين الكوبيين الذين يعيشون في فلوريدا بزوارقهم الى كوبا لإحضار إخوانهم. واستطاع أكثر من مائة ألف كوبي أن يصلوا الى فلوريدا (تعمد كاسترو أن يطلق سراح السجناء والمتحجزين في مستشفيات الأمراض النفسية لينضموا الى المهاجرين).

* الرئيس ريغان: يوم 28 ـ 2 ـ 1983، بعد يومين من سحب قوات المارينز من لبنان (بعد انفجار ثكناتها الذي قتل 241 جنديا)، نزلت قوات المارينز في جزيرة غرينادا، في البحر الكاريبي. في وقت لاحق، قال مستشارون عملوا مع ريغان انه، وهو المعادي للشيوعية ربما اكثر من نيسكون، كان يريد، حقيقة، غزو كوبا. لكنه، مع بداية سنوات «الوفاق» مع قادة روسيا، لم يرد أن يغضبهم. ولهذا غزا غرينادا «حتى لا تكون غرينادا كوبا ثانية»، كما قال ريغان نفسه.

بل قال ريغان ما معناه ان غزو «خليج الخنازير» الذي فشل قبل ذلك بعشرين سنة، لم يكن خطأ. وشدد ريغان الحصار الاقتصادي على كوبا، ورفض مبادرات غير مباشرة من الرئيس كاسترو. ومنع حتى سفير كوبا لدى الأمم المتحدة من السفر الى نيويورك بدون اذن مسبق.  وأسس راديو «مارتي، لنشر الحرية في كوبا» (اشارة الى زعيم ثورة سنة 1895. رغم التناقض الواضح بأن مارتي كان غاضبا على اميركا، ووصفها بأنها مثل «جالوت»).

في آخر سنة لريغان في البيت الابيض، نشرت صحف ان بقايا الأميركيين الذين اشتركوا في غزو «خليج الخنازير» الفاشل لا يزالون يتدربون على غزو آخر.  لكن، حتى ريغان نفسه لم يكن، في ذلك الوقت، يريد ذلك، بعد ان شاهد بداية نهاية الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي السوفياتي.

* الرئيس بوش الأب:

يوم 12 ـ 12 ـ 1991، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» ان الاستخبارات المركزية حصلت على معلومات بأن روسيا (بعد سقوط الاتحاد السوفياتي) أبلغت كاسترو بأنها لن تقدر على استمرار مساعدته بمعدل خمسة بلايين دولار كل سنة (منذ سنة 1963، سنة أزمة الصواريخ). وقال التقرير إن الروس اضطروا الى ذلك لأن تأييدهم لكاسترو سيعرقل عهد التعاون مع الولايات المتحدة.

لهذا، يبدو أن الرئيس بوش الأب لم يكن يحتاج الى مزيد من الضغط على كاسترو. غير ان الضغط، هذه المرة، جاء من الكونغرس. وذلك بسبب زيادة قوة، وعدد، وتبرعات لوبي المهاجرين الكوبيين في ولاية فلوريدا: منع الكونغرس حتى زيارة الأميركيين الى أقاربهم في كوبا، ومنع حتى إرسال تحويلات اليهم.

* الرئيس كلينتون:

يبدو أن كاسترو كان يخاف من كل رئيس من الحزب الجمهوري (حتى لا يأمر بغزو كوبا)، لكنه، في نفس الوقت، كان يقلل من اهمية كل رئيس من الحزب الديمقراطي (لأنه لن يأمر بالغزو). لهذا، مثلما أعلن كاسترو، في عهد الرئيس الديمقراطي كارتر «غزو» أميركا بأن فتح الباب أمام أكثر من مائة ألف كوبي (نصفهم مصابون بالجنون) بأن يهاجروا الى أميركا، فتح الباب، يوم 2 ـ 8 ـ 1994، أمام ثلاثين ألف كوبي ليهاجروا الى اميركا في «غزو» جديد في عهد الرئيس الديمقراطي كلينتون.

ومثلما ظهر كارتر في التلفزيون يناشد عدم إحضار الكوبيين الى ساحل فلوريدا، ظهر كلنتون في التلفزيون، وأعلن: «لن نسمح لكاسترو بأن يحدد سياستنا الخارجية، وخاصة سياستنا نحو الهجرة والمهاجرين». وفي آخر سنة لكلينتون في البيت الأبيض، أثار أميركا والعالم الصبي الكوبي «اليان» (ست سنوات)، الذي عثر عليه حرس السواحل الأميركي يبحر، مع آخرين، من كوبا الى ولاية فلوريدا. طلب والداه في كوبا أعادته لهما. لكن، قال معارضون لكاسترو في أميركا انه يجب ألا يعود. ووصل الموضوع حتى الى المحكمة العليا التي أمرت بإعادته.

وأوضحت مشكلة الصبي زيادة قوة لوبي المهاجرين الكوبيين في ولاية فلوريدا.

* الرئيس بوش الابن:

يوم 10 ـ11 ـ 2000، فاز الرئيس بوش الابن برئاسة الجمهورية بعد منافسة حادة ضد آل غور. ووصلت المشكلة الى المحكمة العليا، وذلك بسبب جدل حول عد الأصوات في ولاية فلوريدا، حيث أغلبية المهاجرين من كوبا. ويبدو أن بوش لم ينس تأييد هؤلاء له في الانتخابات (أغلبيتهم يصوتون، عادة، للحزب الجمهوري). ولهذا، فرض بوش عقوبات إضافية على كوبا.

ويوم الثلاثاء الماضي، بعد إعلان خبر تقاعد كاسترو، قال بوش: «أؤمن أن هذه يجب أن تكون بداية فترة انتقالية ديمقراطية». وأضاف: «أقصد أن تجرى انتخابات حرة وعادلة. لا انتخابات مثل التي يريد شقيق كاسترو (راؤول) أن يقيمها ليبرر احتفاظه بالحكم».