الملاذ الآمن.. يهتز

إمارة ليختنشتاين: لا تتعدى مساحتها 160 كيلومترا تفجر أكبر فضيحة ضريبية تهز ألمانيا وتمتد لعشرات الدول

TT

إمارة ليختنشتاين الاوروبية الصغيرة، التي تقع بين سويسرا والنمسا، نادرا ما تجذب انتباه وسائل الاعلام الدولية، او حتى يتحدث عنها الناس، إلا ان التحقيق الذي تجريه المانيا في مزاعم التهرب الضريبي سلط الاضواء على هذه «الجنة الضريبية» والقوانين المصرفية السرية الصارمة التي تطبقها الامارة التي لا تزيد مساحتها عن 160 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكانها نحو 35 الف نسمة فقط.

ولعل ما منح القضية إثارة أكبر هو اعتراف الحكومة الالمانية بأن دائرة الاستخبارات الاتحادية في البلاد، أو جهاز الـ(بي إن دي)، دفع لأحد المخبرين نحو 4.2 مليون يورو (6.2 مليون دولار اميركي) للحصول على قائمة أسماء اصحاب الحسابات المصرفية من المواطنين الالمان في ليختنشتاين. المعلومات أدت الى سلسلة من عمليات التفتيش البارزة ضد الافراد والمؤسسات التجارية في جميع انحاء المانيا وكان من ابرزها مداهمة بيت رئيس مؤسسة البريد الألمانية بطريقة اعادت الى الذاكرة مسلسل جيمس بوند ولكن هذه المرة ضمن شخصية «جيمس بوند الاقتصادي» الذي يلاحق المتهربين من دفع الضرائب.

وربما يعتبر ذلك The investigation into the tax evasion scandal, considered one of the biggest in German history, began earlier this month with raids on the home and offices of Klaus Zumwinkel, the high-profile boss of Deutsche Post, Europe"s largest postal service, who is suspected of having dodged taxes to the tune of 1 million euros.التحقيق في عمليات التهرب من دفع الضرائب من اكبر القضايا في التاريخ الالماني الحديث. Ever since, German authorities have been conducting raids across the country on private individuals for allegedly hiding money in accounts Liechtenstein"s biggest private bank, the LGT Group, which specializes in setting up foundations and is owned by Liechtenstein"s royal family.كما The affair has also raised questions about banking secrecy laws enjoyed by some European nations.القضية الالقووكما طرحت القضية تساؤلات حول قوانين السرية المصرفية التي تتمتع بها بعض البلدان الاوروبية، فضلا على علامات استفهام Liechtenstein is one of only three countries on the OECD"s tax-haven black-list, alongside Andorra and Monaco.، فضلا حول الطريقة التي استخدمتها الاستخبارات الالمانية في الحصول على معلومات تجارية. وزادت تلك الفضيحة التوتر بين البلدين، فقد طالبت المستشارة الالمانية، انجيلا ميركيل، بالمزيد من الشفافيه المالية، بينما وجهت ليختنشتاين أصابع الاتهام الى النظام الضريبي المعقد في المانيا نفسها. ودخلت اطراف عديدة على الخط لتضفي ابعادا دولية على القضية.

تداعيات الفضيحة ستكون لها بكل تأكيد آثار واسعة النطاق قد تشمل الساحة السياسية في المانيا خصوصا مع تنامي سخط الناخبين على نخبة قطاع الاعمال والذي قد يدفعهم نحو التحول للتصويت لأحزاب اليسار. وفي المقابل تتزايد الضغوط الدولية على إمارة ليختنشتاين والملاذات الضريبية الاخرى من اجل فتح ملفاتهم المصرفية وأدراج بنوكهم السرية وانتهاج معايير الشفافية المالية التي تطالب بها المؤسسات الدولية.

المستشارة الالمانية اتهمت بنوك ليختنشتاين بـ«تشجيع خرق القانون» وطالبت الامارة بتخفيف قواعدها الصارمة السرية المصرفية وذلك لتوفير قدر اكبر من الشفافية المالية. وفي المقابل لفت الانتباه الهجوم العنيف الذي شنه الأمير ألويس على ألمانيا فاتهمها «بشن عدوان غير مسبوق» واستخدام العضلات على إمارته، مشيراً إلى ان هجومها «لا يحل مشكلتها مع المتهربين من دفع الضرائب». وانتقد الأمير ألويس بشدة طريقة تصرف جهاز الاستخبارات الألمانية، معتبراً ان هذه الطريقة «تتناقض مع مبادئ دولة القانون القائمة على أسس ديمقراطية». وبعد ان قال ان الاستخبارات الألمانية دفعت مالاً «إلى منتهك سابق للقانون» اعتبر ان ما نفذّته ألمانيا «غير مقبول قانونياً لا في إمارته ولا في دول أخرى».

ولعل انتقاد الأمير لأسلوب المخابرات الالمانية يسلط الضوء على قضايا التجسس الاقتصادي برمته، فمع زيادة التنافس بين الدول والشركات زادت نفقات التجسس الاقتصادي الذي يتم عبر عدة طرق، مثل سرقة المعلومات او الوثائق او التصميمات او الرسومات المتعلقة بالمشاريع او برامج الكومبيوتر وحتى اساليب الادارة، عبر اشخاص او عملاء يعملون بتلك المؤسسات او من خلال اساليب تجسس الكترونية معقدة ومتطورة جدا.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد رجحت في تقريرها عن الجيش الصيني عام 2007، انه يدير خلايا سرية لقراصنة الكومبيوتر «الهاكرز» وجاء فيه: «أسس الجيش الصيني وحدات لحرب معلومات، تعكف على تطوير فيروسات لمهاجمة أنظمة كومبيوترات وشبكات العدو». ورغم ان الصين فندت التقرير لكنه يوضح ابعاد القضية وخطورتها.

فدول مثل الصين، الى جانب روسيا وكوبا وايران والهند وباكستان والارجنتين وحتى اسرائيل، والعديد من الدول الاخرى، دول يتهمها الغرب بانها تسعى للتجسس للحصول على اسرار عسكرية واقتصادية من اجل تطوير صناعاتها المحلية. حتى ان الدول الغربية لا تثق ببعضها البعض، وكلنا يذكر الضجة الكبيرة التي اثارتها فرنسا اخيرا عندما أمرت الرئاسة الفرنسية الموظفين العموميين بالتوقف عن استخدام هواتف «بلاكبيري» في الاجتماعات خوفا من تسرب المعلومات الى اجهزة الامن البريطانية والاميركية التي تتحكم بـ«خوادم» الشركة المصنعة لتلك الهواتف.

كما تعتمد الدول، او حتى الشركات الوطنية، غالبا على من يمكن تسميتهم بـ« متعهدي التجسس»، وهم مهندسون او فنيون او خبراء او مسؤولون يستغلون مواقعهم في الشركات التي يعملون لديها للحصول على معلومات مهمة وحساسة. ولكن المدهش بالموضوع حاليا هو وجود شركات متخصصة في هذا المجال، تركز نشاطها في تقديم هذه الخدمة إلى الشركات الصناعية والخدمية والحكومية مقابل أجر، حيث أن هذه الشركات لديها العديد من العملاء الذين يطلبون هذه الخدمة، كما أنها توظف لديها العديد من الكوادر المدربة من المحاسبين والمراجعين والمحللين الاقتصاديين. لكن Bildunterschrift: المانيا من جانبها تؤكد انه من حق اجهزة الامن ملاحقة مخالفي القانون، وتعتبر أن القضية لا تتعلق بسيادة ليختنشتاين او بقضايا التجسس ولكن بالتهرب الضريبي لبعض الأثرياء، حيث تطالب برلين بأن تكشف لختينشتاين معلومات مصرفية حول الألمان الذين يستثمرون فيها مثلما تفعل بالنسبة للمستثمرين الأميركيين. ومن المعروف أن مصلحة الضرائب الأميركية تمكنت منذ عام 2002 من أن تفرض على لختينشتاين رفعا جزئيا لسريتها المصرفية. وفي الحقيقة فقد بدأ تسارع إيقاع أكبر فضيحة تهرب ضريبي في تاريخ المانيا في منتصف الشهر الحالي، حيث تشتبه السلطات الالمانية في إقدام مئات الأشخاص على التهرب من دفع الضرائب عبر إيداع أموالهم في إمارة ليختنشتاين. فقد كشف النقاب عن أن جهاز الاستخبارات الألمانية دفع الى أحد الاشخاص 4.2 مليون يورو (6.2 مليون دولار) لقاء تقديم الحماية الشخصية والحصول على قرص مدمج يتضمن أسماء مديرين ورؤساء شركات ومؤسسات عامة وربما سياسيين. وأطلق المحققون الألمان تحقيقا واسعا بشأن نحو 750 شخصا من دافعي الضرائب الألمان الذين يشتبه في إخفائهم حوالي أربعة مليارات يورو (حوالي 5.3 مليار دولار) من امام مصلحة الضرائب الألمانية، عبر إيداعها في لختينشتاين.

وكان أول الضحايا الكبار رئيس مؤسسة البريد الألمانية حيث تم إيقاف كلاوس زومفينكل، 64 سنة، وقامت الشرطة بتفتيش بيته والتحقيق معه بتهمة التهرب من دفع ضرائب بقيمة نحو مليون يورو. كما تمت مداهمة منازل ومكاتب 160 شخصا في المانيا اعترف حتى الان 91 منهم بممارسة التهرب الضريبي.

وهنا قال لـ« الشرق الاوسط» الدكتور كريستيان هومبورغ، المدير الاداري لمنظمة الشفافية الدولية ـ فرع المانيا «بالنسبة لنا، فان الفضيحة احدثت تصدعا آخر في جدار الثقة لقادة الشركات في بلدنا». ومع تعدد جنسيات الاشخاص في اللائحة، أخذت القضية تكتسب ابعادا دولية حيث The probe has expanded to at least five German states and the US and led to the resignation of Deutsche Post AG Chief Executive Officer Klaus Zumwinkel on Feb. 15.بدأ التحقيق يتسع ليشمل دولا اخرى مثل فنلندا والنرويج والسويد وفرنسا وايطاليا واسبانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا. أما في الولايات المتحدة فقد طالب عضو مجلس الشيوخ الاميركى كارل ليفين في الاسبوع الماضي بفتح تحقيق حول الموضوع والتأكد فيما اذا كان مواطنون اميركيون متورطين بتحويل اصول مالية في ليختنشتاين بعيدا عن اعين الحكومة الاميركية. وفي بريطانيا أكدت دائرة الضرائب انها دفعت مقابل الحصول على بيانات حول الحسابات المصرفية التي يحتفظ بها بريطانيون في ليختنشتاين وانها تسعى الى استعادة 100 مليون جنيه استرليني (نحو 200 مليون دولار) على الاقل من الضرائب التي لم تدفع.

ودعا ديف هارتنيت، رئيس وكالة الضرائب البريطانية، في بيان، الناس الذين لديهم دخول سرية الى الابلاغ عنها بسرعة «يجب ان يكون واضحا الان للجميع انه لا يوجد مكان إخفاء آمن لعائدات التهرب الضريبي».

وفي هذا الاطار قال بنك «ال جي تي»، وهو اكبر مجموعة مصرفية في البلاد، ومملوكة بالكامل للعائلة الحاكمة في امارة ليختنشتاين، في بيان تلقت «الشرق الاوسط» نسخة منه إنه سيرفع دعوى على شخص يشتبه في انه باع معلومات سرية الى الاستخبارات الالمانية. وحدد البنك الموظف بوصفه مواطنا من ليختنشتاين يدعى هاينريش كيبر، 42 سنة، عمل في البنك بقسم البيانات والكومبيوتر في ابريل (نيسان) عام 2001 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)، معتبرا ان استخدام تلك المعلومات عن 1400 من عملائه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون لان من المفترض ان تكون تلك المعلومات قد عادت لحوزة البنك. وكان الموظف المعني قد أدين سابقا بتهمة الاحتيال في قضية منفصلة. وقال البنك ان حوالي 600 من العملاء على القائمة، والتي يرجع تاريخها الى عام 2002، يعيشون في المانيا. وأكد البنك انه ليس لديه دلائل على تسرب معلومات اخرى منذ ذلك التاريخ.

وفي ردها على سؤال لـ«الشرق الاوسط» حول جنسيات بقية العملاء او اذا كان هناك افراد من منطقة الشرق الاوسط قالت كارين رومبيرغ من المكتب الاعلامي في بنك «ال جي تي» ان بقية العملاء يتحدرون من عدة بلدان اخرى، لكنها رفضت اعطاء بلدان محددة او ارقام تمشيا مع سياسية السرية التي ينتهجها البنك.

وأكد البنك ان اللائحة تتضمن اسماء 1400 من عملائه ونحو 4527 من المستفيدين، وانه يرفض رفضا قاطعا الايحاء الذي تم من خلال بعض التقارير الاعلامية ويظهر وكأن جميع الاشخاص الموجودين على اللائحة متهمون بعمليات التهرب الضريبي. يشار هنا الى ان عدد البنوك المسجلة في ليختنشتاين يصل الى 15 بنكا تدير اصولا مالية تقدر بنحو 160 مليار فرنك سويسري (حوالي 150 مليار دولار). لكن بنك «ال جي» هو الاكبر حيث يدير نحو 100 مليار فرنك سويسري من تلك الاصول.

طبعا ينبغي الاشارة هنا الى ان القوانين الهادفة الى حمايه الخصوصية والثروة في امارة ليختنشتاين ليست جديدة، بل يعود تاريخها الى عام 1926، ما يجعلها واحدة من أقدم الملاذات الضريبية في العالم. وبدأ ظهور ليختنشتاين كملاذ ضريبي في الثلاثينيات، حين كانت قوانينها تحمي اليهود الألمان الذين كانوا يسعون لوضع أموالهم بعيداً عن أعين العملاء النازيين. ولكن استمرار الوضع كملاذ ضريبي استرعى اهتماما متزايدا وانتقادات من أكبر البلدان التي تسعى الى كبح جماح التهرب الضريبي.

في الحقيقة فان تزايد التوتر بين ليختنشتاين وألمانيا، حول قضايا التهرب الضريبي، سلط الضوء على صعوبة كبيرة تعانيها الدول الكبرى في منع الاثرياء من ايداع اموالهم في «الجنات الضريبية» التي لا تزال توفرها البلدان والاقاليم الصغيرة. وحول هذا الموضوع قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان الكشف المزعوم عن التهرب الضريبي من قبل المواطنين الالمان من خلال حسابات مالية في ليختنشتاين «يبرز التحدي الاوسع في اقتصاد العولمة الذي نعيشه اليوم وهو: كيفية الرد على البلدان والاقاليم التي تسعى الى الربح من التحايل الضريبي من الاشخاص الذي يخضعون او يقيمون في بلدان اخرى».

وإمارة لختينشتاين لا تزال مصنفة «جنة ضريبية غير متعاونة» من قبل منظمة التعاون والتنمية في اوروبا، وهي تدافع عن سريتها المصرفية، فيما تسعى ألمانيا الى دفعها الى التعاون على المستوى الضريبي. كما تتهم «الشفافية الدولية» ـ وهي منظمة غير حكومية تهتم بمكافحة الفساد ـ إمارة ليختنشتاين بالتواطؤ في مجال التهرب الضريبي، وطالبت بأن يتم اتخاذ إجراءات. ويقول كاسبار فون هاونشيلد، ممثل منظمة الشفافية الدولية ـ فرع المانيا «يجب أن يتم وضع التهرب الضريبي في الاعتبار، يجب التوقّف عن منح السرية المصرفية لمواطني بلدان الاتحاد الأوروبي».  وفي السياق ذاته قال لـ«الشرق الاوسط» الدكتور كريستيان هومبورغ المدير الاداري لمنظمة الشفافية الدولية ـ فرع المانيا «اننا نحث على معالجة مسألة الملاذات الضريبية على مستوى دولي، حيث ان تلك الملاذات غالبا ما تكون المكان الذي تختفي فيه الاموال الناتجة عن عمليات الفساد».

من جانبها، توجه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية اللوم إلى ليختنشتاين ومقاطعة أندور وإمارة موناكو، لكونها ما زالت ضمن آخر الملاذات الضريبية الرافضة للتعاون لتحسين الشفافية. وهنا قال أنغيل غوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي تضم أهم البلدان الغنية والمتقدمة في العالم، في بيان تلقته «الشرق الاوسط» عبر البريد الالكتروني إن «السرية المصرفية الصارمة أصبحت من مخلفات الماضي، ويفترض أن لا تجد مكانا لها في العلاقات القائمة بين المجتمعات الديمقراطية». وسعت ليختنشتاين الى تهدئة اللعب مع الكبار قبل اجتماع ولي عهد الامارة الامير ألويس مع المستشارة الالمانية أول من أمس (الثلاثاء) وقال في صريحات صحافية «ليس لدي اي مصلحة في لعب كرة المضرب (بينغ ـ بونغ) سياسيا من خلال المؤتمرات الصحافية بين فادوز وبرلين. لقد حان الوقت للعودة الى العمل الطبيعي بين البلدين. نحن بلد صغير يعتمد على الصداقة، وعلاقات حسن الجوار». لكن الشظايا السياسية للقضية لا تزال تتطاير ولن تطال تلك الامارة الصغيرة فحسب، فهناك الكثيرون الذين سيدفعون الثمن في داخل المانيا وخارجها.