عرين المقاتلين

تفاصيل زيارة سرية لـ«الشرق الأوسط»إلى مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل.. بعد رحيل القوات التركية

أحد البيوت المدمرة جراء الغارات التركية في قرية اينزي (تصوير: كامران نجم)
TT

رغم انتهاء معارك الايام التسعة الضارية التي دارت راحاها قبل اسبوعين بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والقوات التركية التي انسحبت بشكل مفاجئ وغامض من اقليم كردستان بخلاف معظم التوقعات التي رجحت بقاءها في الاقليم لمدة طويلة، الا ان الحظر الشامل والمحكم الذي فرضته حكومة اقليم كردستان قبل بدء المعارك الاخيرة على مناطق تواجد معاقل ومقاتلي حزب العمال في سلاسل جبال قنديل الشاهقة وقراها النائية ما برح قائما ومتواصلا.

وتخضع كل سيارة تتجه من قصبة «سنكسر» التابعة لبلدة قلعة دزة ضمن محافظة السليمانية او المتجهة من بلدتي سوران ورواندز ضمن محافظة اربيل لتفتيش دقيق وتحقيق مطول مع ركابها عن اهداف زيارتهم لقرى قنديل، والجهة التي تتبع لها سواء كانت اربيل او السليمانية. ويتركز الحظر على وسائل الاعلام وخصوصا العالمية منها اذ لا تسمح الجهات الامنية بوصول الصحافيين الى جبال قنديل مهما كانت الحجج والذرائع.

الامر الذي دعانا الى التنكر بزي القرويين من ابناء قرى المنطقة والاستعانة بسيارة اجرة تترد يوميا على تلك القرى تفنن سائقها في اخفاء اجهزة التصوير والتسجيل التي بحوزتنا في الجيوب السرية لسيارته التي تصدر صوتا مزعجا ينخر الآذان. وتصادف وصولنا ونحن بصحبة عدد من القرويين الى آخر نقطة للتفتيش تابعة لقوات البيشمركة في منطقة سنكسر مع موجة عاتية من الامطار الغزيرة فوتت على رجل الامن فرصة التدقيق في هوياتنا وتفتيش السيارة بعد انزال ركابها جريا على العادة، فعبرنا النقطة بلا مشاكل حتى قرية ليوزي التي كانت قبل المعارك المعقل الرئيسي لمقاتلي حزب العمال.

تلك القرية المؤلفة من نحو 35 بيتا سوي معظمها مع الارض اسوة بخمس قرى اخرى في المنطقة جراء الغارات التركية التي سبقت العمليات البرية بنحو ثلاثة اسابيع، والتي طالت اضافة منازل القرويين المستشفى الوحيد في المنطقة والتابع للحزب والذي كان جميع سكان قنديل يحصلون فيه على العلاج والدواء مجانا. وقد اسفر صاروخ لإحدى الطائرات التركية وقع على مسافة 50 مترا من مبنى المستشفى عن تدمير المبنى على نحو شبه كامل، فيما لازال صاروخ آخر منغمسا في الوحل امام بوابته وبعمق 5 امتار تقريبا بدون ان ينفجر ما يحول دون اعادة بناء المستشفى او البيوت المجاورة له خوفا من احتمال انفلاق الصاروخ العملاق الذي يتصور العديد من سكان المنطقة بانه موقوت وقد ينفجر في اية لحظة.

هناك وبعد اتصالات بجهاز عسكري صغير اجراها مقاتل كلف بمرافقتنا حتى انجاز مهمتنا، حضرت سيارة تابعة للمقاتلين نقلتنا الى مكان آمن وعصي في سفح الجبال محاط بصخور كبيرة، وهناك التقينا برجل اسمر فارع القامة في الاربعين من عمره يدعى «احمد دنيز» الذي تولى قبل المعارك باسابيع قليلة مسؤولية مكتب العلاقات الخارجية في اتحاد المنظومات الكردستانية ـ الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني خلفا لزميله السابق «عبدالرحمن جادرجي» الذي تولى مهام اخرى في منطقة بعيدة حسب ما قال احد المقاتلين، وقد بادر دنيز الذي قال انه انضم الى الحزب عام 1991 بالسؤال بعد الترحيب بنا عن ما تقوله الصحافة العالمية وخصوصا العربية عن حزب العمال وقضيته، ثم اتاح لنا المجال لنحاوره بخصوص الموقف الراهن للحزب ومعنويات المقاتلين بعد ان وضعت الحرب اوزارها ولو مؤقتا. وسألناه اولا عن حصيلة خسائر الطرفين فقال «التقارير الرسمية التي تلقينا من قيادة قوات الدفاع الشعبي ـ الجناح العسكري للحزب بعد انتهاء المعارك تؤكد بان الجيش التركي تكبد 125 قتيلا واكثر من 150 جريحا ناهيك عن فرار المئات من الجنود والمراتب وترك الخدمة في الجيش، وكل ذلك جاء نتيجة المقاومة الصلبة والدفاع المستميت لمقاتلي الحزب في المقام الاول وبرودة الطقس ثانيا، اما خسائرنا البشرية خلال الاسبوع الاول من المعارك التي بدأت في 21 فبراير (شباط) 2008 فقد بلغت 5 اصابات و9 جرحى وفي اليوم الثامن سقط 4 مقاتلين آخرين خلال المعارك الاخيرة لترتفع الحصيلة النهائية الى 9 قتلى و9 جرحى.

وحول ما اذا كان الحزب يتوقع قيام الجيش التركي بعمليات اخرى ضده في الربيع والصيف القادمين قال دنيز «القوات التركية تستعد لشن الهجوم ضدنا منذ فترة طويلة وكانت قد اجرت تدريبات عنيفة في منطقة سمارت الجبلية وفي ظل ظروف مناخية قاسية ما ادى الى مقتل عدد كبير من جنودها جراء البرد الشديد رغم تجهيزهم بكل المستلزمات الضرورية لخوض المعارك في الثلوج واحضان الجبال الشاهقة»، واضاف «لقد منيت تركيا بهزيمة عسكرية وسياسية واقتصادية كبرى وتاريخية وقتل العديد من كبار قادتها العسكريين عرض التلفزيون التركي مشاهد من مراسم دفنهم، لكن النتيجة النهائية لتلك المعارك والتي لم يكن احد يتوقعها كانت المقاومة الباسلة التي ابداها ابناء الشعب الكردي في كل اجزاء كردستان والتي جسدت اسمى معاني الروح الوطنية الوثابة التي تحظى باحترامنا وتقديرنا العاليين، ونحن نتوقع دوما هجوم العدو علينا».

وحول ما اذا كان المقاتلون يحتفظون بجثث قتلى الجنود الاتراك ام لا قال دنيز «مفارز قوات الدفاع الشعبي تقوم حاليا بمسح شامل للمنطقة التي دارت فيها المعارك بغية ازالة الالغام الكثيرة التي زرعها الجيش التركي هناك والتفتيش عما اذا كانت هناك جثث لقتلى العدو في ارض المعركة».

وبخصوص ما اذا كان الحزب يتوقع ان تبادر تركيا الى فتح قناة للحوار معه بعد تلك المعارك قال دنيز «تركيا تخوض حربا ضروس ضدنا منذ عام 1984 وبمؤازرة القوى العظمى كالولايات المتحدة واسرائيل ومازالت انقرة تنتهج سياستها الثابتة القائمة على ابادة الشعب الكردي والتنكر لوجوده وحقوقه وترفض بشدة لغة الحوار والتفاهم السياسي بالرغم من اعلان حزب العمال حالة وقف اطلاق النار من طرف واحد خمس مرات متتالية بغية قطع الطريق امام العنف وفتح باب الحوار، لذلك لا نتوقع أية مبادرة للحوار من جانب تركيا طالما ظلت متمسكة بتلك السياسة التي ترفض تحقيق اي انجاز للشعب الكردي في اجزاء كردستان الاربعة، لكننا نتوقع ان تعمد انقرة الى تغيير تكتيكها الحربي ضدنا للحفاظ على ماه الوجه لاسيما انها كانت قد اعلنت قبل المعارك انها ستعمل على حل قضيتي حزب العمال وكركوك دفعة واحدة لكن الرفض الذي لمسته من جانب الرأي العام جعلها تتراجع عن قضية كركوك وتبقي على قضية حزب العمال مع الاحتفاظ ببعض الاهداف السرية غير المعلنة.

وعن استراتيجية العمليات الاخيرة يقول انها «تمثلت في الدفع بالقوات نحو مناطق برزان في جنوب كردستان وبسط السيطرة الكاملة على منطقة الزاب التي تتواجد فيها معاقل ومراكز قوات الدفاع الشعبي ومواصلة التقدم نحو جبال قنديل وابقاء القوات هناك لفترة طويلة كي تصبح تركيا شريكا حقيقيا وفاعلا في تنفيذ المشروع الاميركي الخاص بالشرق الأوسط الجديد لكنها اخفقت في ذلك ومنيت بهزيمة منكرة، عليه ربما ستعمد تركيا في اطار تكتيكها العسكري الجديد الى شن سلسلة اخرى من الغارات الجوية على المنطقة بموازاة تحريك جزئي لقواتها للقيام بعمليات خاطفة لتوجيه ضربات موجعة للمقاتلين خلال يومين او ثلاثة ثم الانسحاب نحو العمق بغية الايحاء للعالم بانها لا تستهدف اقليم كردستان بل قوات حزب العمال وغايتها في ذلك طبعا هي جس نبض الرأي العام المحلي والعالمي قبل الاجهاز على مكاسب الشعب الكردي في جنوب كردستان».

وشدد دنيز على ان الاوساط السياسية والعسكرية والاعلامية في تركيا تشهد الان سجالات حادة حول جدوى ونتائج المعارك الاخيرة وعن الاسباب والدوافع التي استدعت التضحية بكل تلك الخسائر البشرية والمادية الهائلة، حيث جوبه احد القادة العسكريين الاتراك حين ادعى القضاء على 240 مقاتلا من اصل 370 كانوا متواجدين في منطقة الزاب، بسخرية شديدة من احد الصحافيين عندما بادره بالسؤال قائلا لماذا لم تجلبوا معكم عددا من جثث القتلى؟ ولماذا لم تواصلوا التقدم نحو قنديل لتستقروا هناك مادام المقاتلون قد انتهوا؟

وحول ما اذا كان الحزب ينوي اخلاء مناطق قنديل والقاء السلاح قال دنيز «ليس في خطتنا شيء من هذا القبيل فمناطق قنديل الجبلية العصية كانت باستمرار ملاذا ومعقلا لكل القوى الكردية المناضلة، وهنا لابد ان اوضح امرا مهما ألا وهو ان قوات الدفاع الشعبي غير موجودة في جبال قنديل مطلقا باستثناء بعض المكاتب والمقرات التي تقوم بمهام سياسية وادارية للحزب، وينبغي الاشارة الى مناطق قنديل خاضعة لنفوذ وسيطرة مقاتلي حزب الحل الديمقراطي الكردستاني الذي هو حزب مجاز ومرخص ويناضل في كردستان العراق وكذلك لسيطرة مقاتلي حزب الحياة الحرة الكردستاني «بيجاك»، وحتى لو جاء بعض من مقاتلي حزب العمال الى المنطقة فانهم سوف لن يستقروا فيها، اما بشأن القاء السلاح فيجدر بنا التأكيد دوما بان الشعب الكردي شعب مسالم وينبذ العنف والحرب ومؤمن جدا بالديمقراطية ويناضل في ذلك السبيل، ومن جانبنا اوضحا مرارا وتكرارا بان قضية حزب العمال لا تحل بالعنف والوسائل العسكرية، لكنة تركيا تأبى الجنوح لمنطق العقل السليم وتواصل انتهاج سياسة الحرب والعنف وتصر على ذلك ربما حتى آخر شخص لديها، بمعنى ان تركيا كلما لمست من جانبنا مشروعا سلميا للحوار والتفاهم بادرت الى تكثيف هجماتها ضدنا تماما كما حصل قبل المعارك الاخيرة عندما بادرت قوات الدفاع الشعبي الى اطلاق مبادرة سلمية من عدة فقرات، لذلك تجد ان عدد الذين يسقطون منا ضحايا جراء العمليات التركية خلال حالات وقف اطلاق النار من قبلنا يفوق دوما عدد الذين يسقطون اثناء المعارك والهجمات على معاقلنا عليه فاننا سنضطر الى مواصلة حمل السلاح والدفاع عن انفسنا ووطننا طالما استمرت العمليات العسكرية التركية، أي اننا لا نعشق السلاح ولسنا مولعين به بل هو امر مفروض علينا». وحول الموقف والدور الايراني خلال الهجمات التركية الاخيرة قال دنيز «علمنا بان وفدا تركيا رفيعا زار ايران قبل المعارك ليطلب من ايران السماح للقوات التركية باستخدام اراضيها، واجوائها لشن الهجمات ضدنا لكن ايران رفضت ذلك الطلب، اما على الارض فلم نلمس اي دور ايراني او تعاون مع القوات التركية». اما بخصوص الخطط المستقبلية للحزب ونياته في ضوء ما تمخض عن المعارك الاخيرة، فقد اوضح دنيز «بلا شك نحن نحقق وندرس ما ترشح عن تلك المعارك التي تعتبر نتائجها بداية مرحلة جديدة بالنسبة لنا، لاسيما ان الهجمات كما اسلفت القول استهدفت تقويض مكاسب شعب كردستان في الجنوب وتغيير اتجاه حل قضية كركوك لصالح تركيا ولو كانت تركيا قد نجحت في تحقيق ذلك لكان الوضع الراهن في اقليم كردستان قد تغيير جذريا، عليه فاننا سنحقق في الامر ونعلن مجددا بان لا نريد الحرب ولن نفرضها على اي طرف وان قضيتنا ينبغي ان تحل سلميا وبخلاف ذلك فان السلام والديمقراطية والاخاء لن تتحقق في المنطقة مطلقا وفي ضوء ذلك ستكون لنا قراءة متأنية للمستجدات الحاصلة وبناء عليها سنتخذ مواقفنا القادمة».

وحول المصير او الوجهة التي يتخذها الحزب مستقبلا قال دنيز من لم يطلع على نهج وفسلفة حزب العمال لن يفهم بسهولة سر قوة وصمود هذا الحزب الذي تتعزز ركائزه ودعائمه بعد كل عملية عسكرية ضده، فالنصر التاريخي الذي حققه المقاتلون قبل ايام والدعم والتعاطف الذي لمسوه من شعبهم في عموم اجزاء كردستان وطد من ثقتهم بانفسهم وضاعف من معنوياتهم وقوتهم على نحو يختلف غير مسبوق، ويمكن القول انه يتجه نحو المزيد من القوة والتماسك.

وبخصوص الوضع الصحي المتدهور لزعيم الحزب عبد الله اوجلان المعتقل في تركيا وما اذا كانت قيادة الحزب تفكر في ايجاد بديل له بعد رحيله قال دنيز «من فترة طويلة ونحن نقوم بحملة سياسية بعنوان ـ كفاية ـ ونبعث من خلالها برسالة مفادها بان اعتقال اوجلان وعمليات تسميمه ينبغي ان تنتهي واخضاع الشعب الكردي للاحتلال يجب ان ينتهي وان تقبل تركيا بارادة الشعب الكردي وهذه الحملة وشعاراتها توحي بالكثير من الامور، فالزعيم اوجلان يمثل بالنسبة لنا القيمة الاعظم فهو الذي علمنا النضال والتعبير عن امتنا وافهمنا معاني الحياة الحقيقية وقيادة الحركة بصورة سليمة والقيادة المسؤولة عن هذه الحركة جماعية وقائمة على اساس المجلس والانتخاب وهي التي تقرر ذلك».

وحول حقيقة الخلافات القائمة بين القائدين الميدانيين «مراد قرة ايلان وجميل بايك» قال دنيز «على الجميع ان يدرك ويتعرف حقيقة النظام التركي جيدا، فالحرب التي يشنها ضدنا متشعبة وليست مقتصرة على السلاح وحسب بل تشتمل على الوسائل النفسية والاقتصادية والاعلامية والفنية، بمعنى ان تركيا تريد القضاء علينا عسكريا واقتصاديا ونفسيا واعلاميا من خلال الترويج للانباء والتقارير المختلقة والمفبركة العارية عن الصحة بغية النيل من معنويات مقاتلينا ورفع معنويات القوات التركية المنهارة، واود التأكيد بان النظام الداخلي للحزب ديمقراطي وقائم على انتخاب القيادات من خلال المؤتمر الموسع ولا وجود لأية خلافات بين قيادي الحزب لسبب بسيط هو ان المواقع القيادية عندنا تعني مزيدا من التضحية ومزيدا من التفاني في سبيل الوطن والشعب وليس مزيدا من الامتيازات».

وبعد ذلك اتجهنا الى قرية «اينزي» وهناك ترجلنا ومشينا مسافة كيلومتر واحد باتجاه سفح الجبل حيث خندق حصين والتقينا هناك بفتاة جميلة تدعى «مزجين آمد» 37 عاما من اهالي مدينة ديار بكر قالت انها عضو قيادية في اتحاد المنظومات الكردستانية، برفقة زميلتها المقاتلة «صاريا درسيم»، 25 عاما، فراحت تشرح الاستعدادات التي تجريها القوات التركية على الحدود قائلة «انها انسحبت من منطقة واحدة لكنها تحشد في مناطق اخرى على الحدود وان الهجوم الذي حمل الرقم 25 لم يكن الاول ولن يكون الاخير» وعن دواعي الانسحاب التركي المفاجئ قالت مزجين «جاء ذلك الانسحاب قرارا انفراديا من جانب تركيا وقد اثبت الهجوم الاخير ان تركيا وجيشها فقدا القدرة على اتخاذ قراراتهما وبات الامر معروفا لدى العالم ، فالولايات المتحدة التي سمحت لتركيا بشن غاراتها الجوية على كردستان هي التي اعطت الضوء الاخضر للقوات التركية باجتياح جنوب كردستان وعندما ارادت ان تنهي العمليات اوعزت لها بالانسحاب ففعلت بمعنى ان القرار لم يكن تركيا وقد اتخذ في ضوء الهزيمة الساحقة التي منيت بها القوات التركية التي لو كانت قد انتصرت عسكريا على الارض لسمحت لها الولايات المتحدة بالبقاء مدة اطول».

وحول ما اذا كان الحزب مستعدا لإلقاء السلاح قالت مزجين «لدينا شروط لإلقاء السلاح ينبغي تلبيتها، وعلى رأسها الاعلان عن حل قضيتنا بالوسائل السلمية والسياسية، والجميع يعلم اننا برفض الحرب وقد سبق لنا اعلان وقف القتال عدة مرات لكن الجانب التركي يصر على ادامتها، لذلك نضطر لخوض القتال دفاعا عن انفسنا ووطننا، وطالما اصرت انقرة على انتهاج سياسة محو الشعب الكردي فاننا سوف لن نلقي السلاح ابدا». وعن مصير الحزب ومستقبله قالت «ان حزب العمال غدا شعبا والشعب كله صار منه، بمعنى انه اصبح حركة شعبية واسعة ومتقدمة وتمثل ارادة الشعب الكردي، عليه فان حركة من هذا القبيل لابد انها ستكون ذات مستقبل مشرق». وعن توقعاتها حول قبول تركيا بشروط الحزب لإلقاء السلاح قالت «نتمنى ان ترتقي تركيا الى ذلك المستوى خصوصا ان تجارب التاريخ المعاصر برهنت ان اية قوة نظامية في العالم لن تستطيع القضاء على الحركات الثورية المدافعة عن الوطن ولن تهزم او تقهر ارادة الشعوب، لذلك نأمل ان تعترف تركيا بحقوق الشعب الكردي وتجنح الى منطق الحوار العقلاني وان ترى الحقائق كما هي وتتخلى عن سياسة ابادة الشعب الكردي واعدام واعتقال رموزه وقادته».

وفيما اذا كان الحزب مستعدا لتجميد نشاطه المسلح والانتقال الى مدن اقليم كردستان العراق على غرار الاحزاب الكردية الايرانية المعارضة قالت مزجين «وجودنا كحزب العمال لا يقتصر على الجبال فقط، وعلى القوى الكردية الاخرى ان تعي وتدرك هذه الحقيقة جيدا فالبيشمركة في كردستان العراق لم يلقوا السلاح حتى انتصار قضيتهم، ونحن الان موجودن على ارض وطننا ولم نحتل ارض شعب او بلد آخر والحدود الفكرية والجغرافية المصطنعة بين اجزاء كردستان لم تعد قائمة وليست هي اصل المشكلة بل ان القضية الكردية التي تتطلب حلا فوريا وجذريا هي الان محور الوضع القائم فاذا توفر الحل السلمي وضع السلاح جانبا، وبرأينا ينبغي عدم طرح اية فكرة من هذا القبيل لأن من شأنها كسر ارادة الشعب الكردي».

وعن مواقف الشعب الكردي وقواه السياسية حيال الاجتياح التركي الاخير لكردستان العراق قالت مزجين «مواقف شعبنا في كل ارجاء كردستان وخصوصا في الجنوب كانت مشرفة وتبعث على الفخر والاعتزاز، لكن مواقف الاحزاب الكردية كانت ضعيفة وهزيلة في بعض الاحيان حيال ما تعرض له حزب العمال من هجوم تركي شرس باستثناء مواقف الرئيس مسعود بارزاني التي كانت مشرفة جدا وجديرة بالاحترام والتقدير والامتنان».

بعدها قطعنا مسافة 10 كيلومترات بالسيارة في طريق وعر وصولا الى قرية «بر كرد كه» ذات 30 بيتا فحدثنا شيخها الحاج عمر حسين 54 عاما عن مشاعر الهلع والخوف التي لازالت تسيطر على نفوس سكانها الذين تربطهم صلة قرابة وثيقة، واضاف ان سكان قريتنا رغم كل تلك الغارات الجوية للطيران التركي لم يخلوا قريتهم، لكن الجهات الحكومية التي وعدتنا بالكثير من المساعدات لم تف بوعودها حتى الان.

اما ابن اخيه حميد حسين 38 عاما، فقد عاتب الاحزاب الكردية في كردستان قائلا «ان تلك الاحزاب عندما تفجر ثوراتها ضد انظمة الحكم في العراق تأتي الى مناطقنا فتجلب معها المآسي والويلات لكنها عندما تصل السلطة تنسانا وتدير لنا ظهورها».