«الرئيس.. الشيخ»

جون ماكين.. طيار حربي.. جعلت منه سنوات الأسر والتعذيب في فيتنام مرشحاً استثنائياً في الانتخابات الأميركية

TT

الطيارون عادة لديهم القدرة على معاينة الأمور التفصيلية على الأرض حتى وهم على علو شاهق. جون ماكين طيار عسكري لكنه يفضل الطيران المنخفض، والإقلاع بطائرته في آخر اللحظات. كما فعل في الحروب.. وجرب في السلم الأسلوب نفسه. أي التمهل في اتخاذ القرار. قرر ان يدخل السياسة على مهل، ترشح للكونغرس، بعد تردد، نائباً وسيناتوراً. ترشح ضد جورج بوش للحصول على دعم الحزب الجمهوري في عام 2000 بعد أخذ ورد. دخل التنافس هذه المرة في محاولة ثانية للحصول على ترشيح الجمهوريين بعد أن ظن الناس انه لن يترشح. تمهل كثيراً قبل ان يبدأ حملة جمع تبرعات. انطلق بطيئاً في حملته الانتخابية حتى اعتقد كثيرون انه سينسحب، لكه ها هو الآن يحلق بطائرته على علو منخفض، وأصبح هو الوحيد القادر على الهبوط على المدرج متيقناً انه سينافس نفسه في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سينعقد في ولاية مينيسوتا في سبتمبر (أيلول) المقبل. جون ماكين شخصية ليست جذابة على الاطلاق، لكنه تحديدا السياسي الذي يستقطب اعجاب الاميركيين المحافظين، على الرغم من انه لا يحسب في عداد الجناح اليميني للأميركيين المسيحيين. عاش ماكين في بيئة عسكرية لكن لا تبدو على ملامحه تلك الصرامة التي يعرف بها العسكريون، الأمر الوحيد الذي يدل على ماضيه العسكري هو تلك الآثار الى تركتها سنوات التعذيب عندما كان أسيراً لدى الفيتناميين. كثيراً ما يستعمل لغة الإشارة بالغمز، بل احياناً وخلال جولاته الانتخابية الحالية يغمز الجمهور كناية عن المودة ورغبة في تواصل حميمي.

يتحدر جون ماكين من جد عمل في البحرية كما عمل والده كذلك في سلاح البحرية ووصلا معاً الى رتبة ادميرال بحري. وهو نفسه ولد داخل قاعدة عسكرية في اغسطس (آب) عام 1963 في منطقة قناة بانما وكان والده يدعى جون س. ماكين يعمل ضابطاً في تلك القاعدة، وأسرته تتحدر من أصول اسكوتلندية وآيرلندية.

تنقل كما هو شأن شقيقته ساندي وشقيقه جو، في عدة قواعد عسكرية داخل الولايات المتحدة والمحيط الهادي. وبسبب هذه التنقلات درس جون ماكين في قرابة 20 مدرسة، وعرف في صغره بمزاجه الحاد وميله نحو الشدة في التنافس ورغبة التفوق على الآخرين. درس المرحلة الثانوية في مدينة الكسندريا (تقطنها حالياً الكثير من الجاليات العربية) في ولاية فرجينيا المحافظة والمجاورة للعاصمة واشنطن. سار ماكين على خطى جده ووالده وانضم بعد الثانوية الى الأكاديمية البحرية. عاش حياة متناقضة داخل الاكاديمية، وكان ينزع الى التمرد. ومارس هناك هواية الملاكمة، عندما تخرج من الأكاديمية كان ترتيبه متأخراً. وفي عام 1960 عاد ليدرس الطيران بعد ان عمل لفترة في البحرية، وتخرج طياراً مقاتلاً. عمل بعد ذلك في عدة مواقع في المحيط الهادي وفي البحر الابيض المتوسط، وخلال هذه الفترة نجا مرتين من موت محقق بعد ان تحطمت طائرته في عمليات تدريبية.

خلال الحملة الانتخابية كثيراً ما يردد المرشح الديمقراطي اللامع باراك اوباما بشيء من البرود «نحن نحترم تاريخ جون ماكين كواحد من أبطال الحرب والدور الذي قام به في خدمة بلاده ولكن..»، ثم لا يلبث ان يلسعه بسياط النقد المقذع. يحاول ماكين الآن ان يوظف السنوات التي امضاها طيارا مقاتلا، ثم أسيراً بعد ذلك في حملته الانتخابية.

في ربيع عام 1967 انضم ماكين الى عمليات القصف ضد فيتنام الشمالية (هانوي) والتي كان يطلق عليها أيامئذٍ «عملية الرعد المتواصل». كانت عمليات القصف تلك من أكثر العمليات احباطاً للطيارين الاميركيين، إذ انها لم تحقق شيئاً يذكر، لذلك كتب ماكين في يومياته حول تلك الفترة من حرب فيتنام قائلا «كانت الأهداف مقيدة ومحددة جداً لذلك كنا نعود الى مهاجمة الاهداف نفسها مرات ومرات، وكان معظم طيارينا يعتقدون ان الاهداف التي حددت لنا لا قيمة لها. كنا نعتقد ان قادتنا المدنيين يتصفون بالحمق ولم يكن لديهم أدنى تصور لكيفية الانتصار في الحرب».

تعرض ماكين الى حادثة في يوليو (تموز) 1967، وكادت تلك الحادثة ان تودي بحياته وذلك عندما انطلق صاروخ نحو بعض الطائرات الرابضة في قاعدة قرب «خليج تونكين»، وأصيب عدد من الطائرات من بينها طائرة ماكين، وعندما حاول ماكين مساعدة طيار آخر انفجرت قنبلة واصابته شظية في صدره وساقيه.

بيد ان أكثر فترات جون ماكين قساوة هي بالتأكيد الفترة التي وقع خلالها في الأسر في ايدي الفيتناميين بعد ان اسقطت طائرته. كان ماكين يقوم بطلعات جوية متكررة لقصف مواقع في فيتنام الشمالية. في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1967، سيقوم بطلعته الجوية رقم 23 بطائرة قاذفة من طراز «سكاي هوك» حيث كان مطلوبا منه قصف بعض المواقع في العاصمة هانوي، وبعد ان أكمل المهمة واستدار للعودة الى قاعدته انطلق صاروخ من طراز «سام 2» وأصاب طائرته، وسرعان ما هوت فوق بحيرة «ترك باك» في مدينة هانوي التي ستعرف لاحقاً باسم «هو شي منه» تخليداً لذكرى الرئيس الفيتنامي الذي قاد الحرب ضد الأميركيين.

وزعت هانوي يومها صورة نادرة تبين مجموعة من الفيتناميين وهم ينتشلون طياراً اميركياً من وسط حطام طائرة مهشمة، وقالت إن الطيار يدعى «جون سدني ماكين»، وان طائرته اسقطت بعد ان كانت تقصف الأبرياء في هانوي. ما تزال هناك آثار واضحة بادية على ماكين بسبب ذلك الحادث، إذ ان هناك اعوجاجا واضح في الذراعين، كما انه يمشى بخطى متعثرة بسبب إصابته في ساقيه نتيجة سقوط الطائرة. أمضى ماكين فترة ظل فيها فاقداً للوعي وبعد ان أفاق من تلك الغيبوبة تعرض للركل من طرف فيتناميين غاضبين، إذ كانوا يتعرضون لوابل من القنابل بما في ذلك قنابل النابالم الحارقة والمحرمة دولياً. جرد ماكين من ملابسه وجرح كتفه بواسطة سكين بندقية، كما جرح باطن قدمه اليسرى، وتعرض للإهانات والشتم. بيد ان تلك كانت مجرد بداية لفترة صعبة سيمضيها في الاعتقال كأحد أسرى الحرب في سجن «هوا لوا» وهو أحد أشهر السجون في هانوي كانت يوضع فيها الأسرى الأميركيون وأطلقوا عليه تندراً اسم «هيلتون هانوي».

بعد نقله الى السجن رفضت إدارة المعتقل ان تقدم له اي علاج إلا إذا أدلى لهم بمعلومات عسكرية، وتعرض لاستجواب عنيف وتعذيب قاس. ولم يقدم له العلاج الا حين علم الفيتناميون ان والده ادميرال في الجيش الأميركي، فأعلنت هانوي انه أسير حرب. ولعل من مفارقات علاقة جون ماكين مع صحيفة «نيويورك تايمز» ان الصحيفة خصصت له حيزاً يزيد على نصف صفحتها الاولى مرتين، المرة الأولى كانت عام 1967 عندما تبين انه أسير حرب بعد ان كان وضع تحت خانة «مفقود»، والمرة الثانية كانت قبل أسبوعين، لكن هناك فارق كبير بين الموعدين. في المرة الأولى اعتبرته «نيويورك تايمز» أحد أبطال حرب فيتنام، وقالت إنه على الرغم من تعرضه للتعذيب واعتقاله وهو جريح وعدم عرضه على طبيب، فإنه صمد امام التعذيب ورفض الادلاء بمعلومات عسكرية.

لكن في المرة الثانية وكانت قبل اسبوعين، فإن الحكاية كانت مخزية تماماً، إذ ان الصحيفة النافذة نشرت هذه المرة قصة «علاقة غرامية» ربطت المرشح الجمهوري مع موظفة علاقات عامة في إحدى مجموعات الضغط التي تعامل معها ماكين عندما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية عام 2000. بيد ان ماكين دحض خلال مؤتمر صحافي وكانت الى جانبه زوجته، رواية «نيويورك تايمز»، وقال إن الموظفة «صديقة» وان مزاعم الصحيفة بوجود علاقة وطيدة تربطه بها ترتب عليها تقديمه خدمات خاصة لزبائنها هي مزاعم زائفة، وأكد أنه لم يفعل أي شئ «غير أخلاقي». وعبر ماكين عن غضبه من الحكاية وقال «إنني أشعر باستياء شديد مما جاء في هذا المقال». وقالت «نيويورك تايمز» إن علاقته الوثيقة مع الموظفة التي تدعى فيكي آيسمان، 40 سنة، أزعجت مساعديه اثناء الحملة الانتخابية عام 2000. وحضرت آيسمان مع ماكين حفلات لجمع التبرعات، كما زارت مكتبه وسافرت معه على متن إحدى طائرات زبائن الشركة التي تعمل بها. وقالت الصحيفة إن مستشاري ماكين عندما أزعجتهم علاقته معها، أصدروا تعليماتهم بمنع دخول آيسمان ونصحوها بالابتعاد عن ماكين، كما واجهوا ماكين في العديد من المرات حول هذه العلاقة. وقال أحد مساعديه يومئذٍ إنه حث ايسمان على الابتعاد عن ماكين. والمفارقة ان فريق حملة جون ماكين في الانتخابات الحالية كان يعيد توزيع التقارير التي نشرتها «نيويورك تايمز»، والتي تصف جون ماكين بأنه «بطل حرب»، لكن بعد نشر حكاية ايسمان، انتقد ريك ديفيز، مدير حملة ماكين، المقال ووصفه بأنه «أسوأ شكل للصحافة الصفراء في صدر صحيفة نيويورك تايمز». ودافع بيل كلر، رئيس التحرير التنفيذي لـ«نيويورك تايمز» عن المقال مشيراً إلى ان إعداده «استغرق فترة طويلة»، وقال «إن هذه القصة تتحدث عن نفسها، وسياستنا هي نشر القصص عندما تنضج».

وأشارت «نيويورك تايمز» إلى وجود رسائل كتبها وتشريعات أيدها ماكين، خلال عضويته في اللجنة التجارية في مجلس الشيوخ، ربما كانت من أجل صالح شركات التي تمثلها ايسمان. ومما ألقى ظلالاً من الشك حول نفي ماكين أن الرجل عرف عنه «حبه للنساء»، فقد تزوج لأول مرة عام 1965 من كارول شيب وهي عارضة ازياء من فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا) وكانت تزوجت قبله برجل آخر وأنجبت منه ولدين، وأثمر زواجهما عن ابنة تدعى سيدني. ثم تزوج مرة ثانية من زوجته الحالية التي تظهر معه في الحملة الانتخابية والتي تبدو أصغر منه بكثير، وتدعى سندي لو هنسلي وهي مدرسة من ولاية اريزونا. وبغض النظر عن موقف «نيويورك تايمز» تجاه الواقعتين، فإن قصة جون ماكين كأسير حرب، لم يأت من يفند وقائعها. والواضح أنها صحيحة. بعد أن أمضى ماكين ستة أسابيع عقب إسقاط طائرته في معتقل «هيلتون هانوي» تلقى خلالها علاجات طفيفة وفقد 22 كيلوغراما من وزنه، وتحول لون شعره الى البياض، نقل بعدها الى سجن آخر مع اميركيين آخرين ولم يكن يتوقع أحد يتوقع له ان يستمر على قيد الحياة. وفي يوليو (تموز) 1968، عين والده قائداً للجيوش الاميركية، وعرضت فيتنام إطلاق سراحه لتحقيق غرضين، الأول ان تبدو بهذه الخطوة وكأنها تتخذ مبادرة انسانية، وفي الوقت نفسه ان تخلق شعوراً بالاستياء وسط أسرى الحرب الأميركيين، بالايحاء بان ابناء الطبقة العليا من الأميركيين لديهم امتيازات لا تماثل امتيازات وأوضاع الأسرى العاديين.

لكن ما جعل ماكين يكتسب هالة «بطل الحرب» انه رفض الإفراج عنه قبل أن يفرج عن باقي الأسرى. هذا الموقف سيجلب له متاعب جديدة. لقد بدأ الفيتناميون برنامج تعذيب «منظم». كان هذا البرنامج يقضي بوضع الطيار الأسير مقيداً بحبل ويطلب منه ان يجلس في أوضاع صعبة، مع وجبة تعذيب كل ساعتين، وكان آنذاك يعاني مرض الديزونتاريا. وكان مرد تعذيب أسرى الحرب الأميركيين في بعض الاحيان، يأتي كرد فعل على ما يقوم به الأميركيون مع أسرى الحرب الفيتناميين.

تحت وطأة التعذيب اضطر ماكين للاعتراف بأنه «مجرم» وانه «قرصان جو». وبرر ماكين في وقت لاحق بأنه اضطر لهذه الخطوة لأنه وصل نقطة الانكسار التي يصل اليها أي شخص يتعرض للتعذيب. وكان من ننائج التعذيب والجروح التي أصيب بها انه لا يستطيع حتى الآن رفع ذراعيه أعلى من رأسه. وفي مرحلة لاحقة كان يتعرض للتعذيب بانتظام ثلاث مرات في الأسبوع لأنه لم يشأ إصدار اعترافات جديدة. رفض جون ماكين اللقاء مع مجموعات أميركية مناهضة للحرب كانت تزور فيتنام ويسمح لها اللقاء بالأسرى. وفي عام 1969 تحسنت معاملة أسرى الحرب بعد ان نشرت بعض قصص التعذيب التي كانوا يتعرضون لها. وكان ينقلون من معتقل الى آخر لتفادي القصف التي كانت تقوم به القاذفات الاميركية العملاقة من نوع «بي52».

أمضى جون ماكين خمس سنوات ونصف سجيناً قبل ان يطلق سراحه ضمن أسرى الحرب، بعد توقيع اتفاقية باريس للسلام في يناير (كانون الثاني) عام 1973، وعاد الطيار الأسير الى اميركا في مارس (آذار) عام 1973 وذلك بسبب التعقيدات التي ترافقت مع أبشع حرب عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وأدت الى تباطؤ عملية الإفراج عن الأسرى الأميركيين. وسيتعرف الأميركيون على الطيار الأسير، الذي أصبح يتوكأ على عكازين، بشعره وزيه الأبيض الذي يدل على انه يعمل في البحرية، لأول مرة، وهو يصافح الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، في احتفال خاص اقيم داخل البيت الأبيض، بعد الإفراج عنه.

تركت فترة الأسر والتعذيب بصمات واضحة على أفكار جون ماكين، وهي الأفكار التي يعتقد المرشح الديمقراطي باراك أوباما إن تفنيدها لا يحتاج الى كثير من الجهد. ومن ذلك ان ماكين الذي يعتبر من أشد مؤيدي الحرب في العراق وانتهاج سياسة اميركية صارمة، يعتقد ان القوات الأميركية يمكن أن تبقى في العراق حتى 100 سنة أخرى إذا كان ذلك سيقود الى المحافظة على أمن الولايات المتحدة، ويعرف عن ماكين دعمه القوي لحرب العراق التي يعتبرها «قوية وعادلة». ويتهكم أوباما كثيراً من هذه الفكرة، ويقول «ماكين يقول لنا إن السلام سيأتي بعد 100 سنة». بيد ان ماكين المتشدد رد عليه مرة وفي لهجة ساخرة «قال اوباما انه سيتدخل في العراق إذا كان ذلك من اجل ضرب القاعدة، ولدي خبر اريد ان يسمعه اوباما وهو أن القاعدة توجد بالفعل في العراق». لكن اوباما رد عليه قائلاً «انا بدوري لدي أخبار لماكين وهو ان القاعدة لم تكن توجد في العراق حتى قرر الرئيس بوش غزو البلاد».

لكن ماكين الذي عرف قساوة الأسر والذي جاء من بيئة عسكرية، تعهد بأنه سيعمل في حال انتخابه على اعادة بناء القوة العسكرية الاميركية وتعزيز تحالفاتها، قائلا انه يعرف كيف يقاتل ويعرف كيف يصنع السلام ايضا. ويتهم ماكين الديمقراطيين بالاهتمام بالسياسة قبل أمن الولايات المتحدة وهو يؤيد قرار الرئيس جورج بوش زيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق. وعلى الرغم من أن كثيرين كانوا يعتقدون ان تأييد ماكين لحرب العراق غير الشعبية في اميركا سيؤدي الى خسارته الانتخابات التمهيدية للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، لكن نتائج ماكين راحت تفاجئ أقرب الناس اليه. وعلى الرغم من تبنيه شعارات متطرفة وتعثره في جمع أموال كافية لحملته الانتخابية، فإن الطيار الذي يفضل الطيران على علو منخفض، عرف كيف يقود طائرته الانتخابية. والواضح انه استفاد من تجربته السابقة عندما ترشح ضد بوش عام 2000.

يبدو حديث ماكين عن «القوة العسكرية الضاربة» أمراً طبيعياً، لأنه وعلى عكس عدد كبير من الأسرى فضل أن يعود الى الجيش بعد عودته من سجنه الفيتنامي. وهو سيقفز من الجيش الى السياسة عندما عمل ضابط ارتباط مع الكونغرس عام 1977، وفي عام 1981 تقاعد عن عمله في الجيش. وبعد تقاعده احترف جون ماكين العمل السياسي، حيث انتقل الى ولاية اريزونا، وانتخب نائباً عام 1982 ثم سيناتوراً (عضوا في مجلس الشيوخ) عن الولاية نفسها بعد فترتين في مجلس النواب، وأعيد انتخابه خلال أعوام 1992 و1998 و2004 لعضوية مجلس الشيوخ. سيكون جون ماكين اذا انتخب رئيساً ولا شك أكبر الرؤساء الاميركين سناً، حيث سيبلغ من العمر في مطلع السنة المقبلة وهو موعد تسليم السلطات من الرئيس الحالي الى الرئيس المنتخب، 72 سنة. لكن ماكين يتمتع بحيوية واضحة، وبنشاط ملحوظ، ولا يبدو عليه انه يحمل سبعة عقود فوق كتفيه. تاريخه العسكري جعله يملك شجاعة نمر، ومناوراته السياسة أقرب ما تكون الى حيل الثعلب. يدافع عن موقفه بغطرسة وشراسة، خاصة اذا كان الامر يتعلق بقضية مثار جدل مثل حرب العراق أو الحرب ضد الارهاب. وهو جريء حد الوقاحة. وظهر ذلك اثناء المناظرات التلفزيونية عندما انتقد موقفاً استسلامياً للمرشح المنسحب ميت رومني، حيث نفى انه صرح بعبارات تدعو للانسحاب من العراق، لكن ماكين كرر أمامه وفي أكثر من مناسبة «قلت ذلك.. أقول لك قلت ذلك». وبدا في هذا الموقف وكأنه يعتمد على تراكم أخطاء الخصوم. وهو لا يتراجع عندما يكون ضعيفاً ولا يتساهل عندما يكون قوياً. لا يحقق نفسه إلا عبر التصادم. جون ماكين طيار يحلق ويهبط لكنه لا يخمد. هل تهبط طائرته هذه المرة فوق مدرج البيت الابيض؟ سنرى.