نار تحت رماد

الحوثيون في اليمن اتفقوا مع الحكومة على بنود لم تعلن.. والمراقبون يقولون إن العبرة في التنفيذ

رجال قبائل يمنيون يحملون اسلحتهم في احدى الاسواق العامة شمال منطقة مأرب (إ.ب.أ)
TT

عادت أجواء الهدوء الحذر من الحرب إلى محافظة صعدة في شمال اليمن بعد عودة استئناف الوساطة القطرية الساعية إلى وضع أوزار الحرب هناك منذ نحو أربع سنوات بين القوات الحكومية والحوثيين الشيعة. وكشف مصدر في اللجنة اليمنية التي شكلها الرئيس علي عبد الله صالح أخيرا ـ وهي اللجنة الثالثة ربما منذ اندلاع التمرد والأزمة ـ للإشراف على تنفيذ الاتفاق الموقع مطلع فبراير (شباط) الماضي في العاصمة القطرية (الدوحة) بين الحوثيين والحكومة اليمنية أن قيادات في «تنظيم الشباب المؤمن» وهو الجناح العقائدي المسلح للحوثيين في اليمن شاركوا ولأول مرة في الاجتماعات التفاوضية التي تعقد في القصر الجمهوري بمدينة صعدة، عاصمة المحافظة، بين اللجنة الرئاسية اليمنية ووفد الوساطة القطرية من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، وضمن هذه القيادات صالح هبرة وهو الذي وقع مع الحكومة اتفاقية الدوحة وهناك تواصل مع عبد الملك الحوثي.

وحسب المراقبين فإن تلك الخطوة تعد تطورا نوعيا، خاصة ان طبول الحرب توقفت بصورة لافتة وبالأخص فيما يتعلق بالتراشق الإعلامي بين الطرفين خلال الأيام الماضية. ورافق ذلك صمت لأصوات المدافع وآلات الحرب المتنوعة مع أنباء عن فك الحصار عن كتائب تتبع للجيش اليمني كانت محاصرة لأسابيع طويلة ولا تصلها الإمدادات سوى عبر المروحيات.

ووقع الجانبان، الحكومة اليمنية والحوثيون، الاثنين الماضي اتفاقا في صعدة يتعلق بآلية تنفيذ الاتفاقات السابقة وأهمها وآخرها الاتفاق الموقع في الدوحة مطلع الشهر الجاري. ويؤكد عبده محمد الجندي، عضو اللجنة الرئاسية الخاصة بصعدة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» ان الاتفاق الموقع تضمن آلية زمنية لتنفيذ الاتفاقات وإيقاف حرب صعدة، وأن من أهم بنود الاتفاق «تأكيد العفو العام الذي أصدره الرئيس علي عبد الله صالح عن الحوثيين والإفراج عن المعتقلين من عناصرهم وان يقوم الحوثيون بإخلاء المواقع التي يسيطرون عليها والعودة إلى مناطقهم ومنازلهم ومزارعهم آمنين مثلهم مثل غيرهم من مواطني الجمهورية اليمنية». ويتوقع الجندي أن تباشر السلطات اليوم (الجمعة) الإفراج عن الدفعة الأولى من المعتقلين وعلى دفعات خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وينظر الجندي، عضو اللجنة العليا للانتخابات سابقا، زعيم احد الأحزاب الناصرية اليمنية الصغيرة المعارضة، إلى الأجواء السائدة في صعدة بأنها ايجابية وتبعث على الأمل بعودة الأمن والاستقرار إلى المناطق. ويقول في تصريحاته إنه سيتم تشكيل عدد من اللجان الفرعية للانتقال من العمل النظري إلى الواقع العملي. كما يرى الجندي أن اللجنة الرئاسية مستوعبة لكل الأطراف.

ويقول الجندي مؤكدا أن الاتفاق الموقع بين الحوثيين والحكومة منذ فترة هو نفس الاتفاق الحالي وما وقع الآن من اتفاق ليس سوى بشأن الخطوات الإجرائية الخاصة بتنفيذ بنود الاتفاق السابق. وفي اليومين الماضيين تسربت بعض المعلومات بشأن بنود الاتفاق مع الحوثيين بالرعاية القطرية واهم ما سرب ولم يتم نفيه حتى اللحظة هو الاتفاق على أن ينشئ الحوثيون منتديات ثقافية خاصة بهم ويرددون الشعارات الخاصة بهم والمناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل» وان ينشئوا قناة فضائية خاصة بهم تمثل صوتهم إلى العالم إضافة إلى تأسيسهم لجامعة دينية (شيعية ربما) على غرار جامعة الإيمان السنية في اليمن التي أسسها الشيخ عبد المجيد الزنداني وغيرها من البنود الغامضة حتى اللحظة. وعندما واجهت «الشرق الأوسط» الجندي بهذه المعلومات قال: «إن هذا الكلام غير وارد»، و«الحوثيون ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم من مواطني الجمهورية اليمنية، يعني سيكون هناك عفو عام، وسيعودون إلى الحياة الطبيعية ولكن ليس بامتيازات خاصة، سيعودون خاضعين لقوانين الجمهورية اليمنية، لان غاية الاتفاقية هي بسط سلطات الدولة ونظامها على كافة المديريات في المحافظة بحيث تكون صعدة مثل غيرها من المحافظات». وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عما إذا كان يمكن القول اليوم إن الحرب في صعدة وضعت أوزارها وتوقفت فعليا، رد الجندي بالقول: «أحيانا الجوانب النظرية يتفق عليها لكن يحدث الخلاف في التطبيق ونأمل أن تنفذ كافة الأطراف ما اتفق عليه، نحن متفائلون، لكن يظل الواقع أحيانا يفرض نفسه بأشياء غير ما اتفق عليه، والاتفاق هو أفضل الحلول.. والخيار الثاني هو استمرار الحرب وهو ليس في مصلحة أي من الطرفين». ويقول إن حصر الأوضاع الإنسانية في صعدة أمر يندرج في إطار الاتفاقات وسيتم ضمن عمل الهلالين الأحمرين اليمني والقطري.

ومنذ توقيع الاتفاق الجديد في الدوحة بين الحوثيين والحكومة اليمنية من قبل اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، وقريب الرئيس صالح، والدكتور عبد الكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس اليمني ورجل المهمات الصعبة من جهة، والحوثيين ممثلين بصالح هبرة، والمعارضة اليمنية ترفع صوتها مطالبة بإعلان بنود الاتفاق، خاصة أنها المرة الأولى التي تهمل أو تستبعد أطراف قيادية في المعارضة من المشاركة في أي مساع لإحلال السلام في صعدة، فقد أشركت قيادات بارزة في المعارضة اليمنية في معظم اللجان التي شكلت من الرئيس اليمني للتفاوض مع الحوثيين وكانت أبرزها تلك اللجنة التي التقت زعيم التمرد السابق حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل بعد وقت قصير من فشل عمل اللجنة في مهامها قبل نحو ثلاث سنوات من الآن.

ونزولا عند مطالبة المعارضة بمعرفة بنود الاتفاق مع الحوثيين التقى رئيس الوزراء اليمني الدكتور علي محمد مجور الاثنين الماضي زعماء أحزاب المعارضة وأطلعهم على الاتفاق. وعندما سألت «الشرق الأوسط» محمد الصبري، الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك اليمنية المعارضة إن كانوا فعلا اطلعوا على بنود الاتفاق وطلب منهم عدم إعلانها، أكد ذلك وقال إن رئيس الوزراء اطلع زعماء المعارضة على بنود الاتفاق ولكنه أكد لهم أنها «سرية» ولم توزع لهم مكتوبة، بمعنى أنهم على اطلاع بها. لكن القيادي في المعارضة اليمنية يعتقد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «من حق الرأي العام والأحزاب ومجلس النواب (البرلمان) الذي فوض الحكومة بالحسم العسكري في صعدة، الاطلاع على بنود الاتفاقات مع الحوثيين وفي المقدمة اتفاق الدوحة وان موقف تكتل المعارضة هو مع أي اتفاق يحقن دماء اليمنيين».

ويضيف الصبري أن «هذه الحرب طالت واستنزفت قدرات الدولة وجهودها ومست بسمعتها وهيبتها وأضرت بحقوق المواطنين، وان تكتل أحزاب المعارضة مع الحل السلمي وليس مع الحرب والقوة». وبشأن ما سرب بشأن بنود الاتفاق رفض القيادي اليمني المعارض «التعامل معه» لأن «هذا نزاع طويل والسلطة تتحمل المسؤولية كاملة عن أية حلول تعيد الحرب أو تفتح مشكلات جديدة على خلفية هذه الحرب». ويؤكد الناطق باسم المعارضة اليمنية أن مطالبتهم الرئيسية هي «إعلان ما تم الاتفاق عليه لأنه حق دستوري ليقول الشعب فيه كلمته، لأن الدولة ليست ملكا للمؤتمر الشعبي العام الحاكم أو الحوثيين أو الدكتور الإرياني أو اللواء علي محسن (الموقعين على اتفاق الدوحة عن الحكومة) وإنما ملك لليمنيين جميعا».

ويعلن محمد الصبري رفض المعارضة اليمنية لأي اتفاق سري مع الحوثيين وغيرهم «من منطلق قراءة رئيس الوزراء اليمني أمام قادة المعارضة لورقة قيل إنها الاتفاق مع الحوثيين وهي سرية.. نطالب بإعلان هذا الاتفاق» كما يؤكد أنهم غير قادرين على إفشاء ما اطلعوا عليه.

وفي الوقت الذي تحدثت فيه بعض التقارير عن أن الأوضاع الإنسانية في محافظة صعدة غاية في الصعوبة وسيئة وان الأطفال واليافعين والشباب يعانون من حالة صدمة بسبب هذه الحرب، فان دولة قطر تكفلت ـ كما أعلن في صنعاء ـ بدفع تكاليف إعادة الإعمار للمناطق المتضررة ودفع التعويضات. وإذا ما صحت التسريبات بشأن بنود الاتفاق المذكورة آنفا، فهل ستقبل الأطراف السنية النافذة في الحكومة اليمنية أو التي تتحالف معها الحكومة، بما ذكر، وهو أمر غير مستبعد فعلا؟ بالأخص ان اليمن وبحسب المراقبين لا تنقصه مدارس دينية شيعية تضاف إلى السنية المنتشرة في معظم أرجاء البلاد.