كرة القدم.. ترفض التكنولوجيا

احتفظت بقوانينها لأكثر من 100 عام وألغت تجارب «الكرة الذكية» مفضلة الاعتماد على العنصر البشري

TT

كرة القدم لعبة تحظى بهيام جنوني من كافة اطياف شعوب العالم، لا احد يعرف لماذا هي عن غيرها من سائر الرياضات الاخرى لها هذا التأثير السحري لجمع البشر دون النظر الى دين او لغة، او عرق، او مذهب. محتفظة بقوانينها ثابته من مائة عام، رافضه للتعديلات حتى وان كانت قمة ما وصلت اليه التكنولوجيا.

اختلف الناس على العولمة في الاقتصاد والسياسة وامور اخرى، لكن كرة القدم وحدها التي طبقت هذه الفلسفة دون اعتراض من أحد، لأنها اللعبة التي بنيت على الجهد والعرق والإثارة واستعراض المواهب، وقوانينها إنسانية فورية لا تخضع للتأجيل، لذلك لا مكان للحديث عن التكنولوجيا او التدخلات التي من شأنها التأثير على دور الحكام.

لقد أصبحت كلمة تكنولوجيا تثير حساسية القائمين على لعبة كرة القدم، وكلما طرحت فكرة للاستعانة بتقنية حديثة سواء لمساعدة الحكام او حاملي الراية، تقابل بجدل كبير، دائما ما ينتهي بالرفض القاطع لتنفيذها.

لذلك لم يكن غريبا ان يصدر مجلس اتحادات كرة القدم الدولية «ايفاب» الذي يعد الوصي على قوانين اللعبة قراره قبل ايام بإيقاف جميع التجارب على استخدام تكنولوجيا «الكرة الذكية» لحسم تجاوز الكرة خط المرمى، ولكن المجلس وافق على الاستعانة بحكم مساعد إضافي خلف كل مرمى.

ومع اقتراب بطولة امم اوروبا التي ستقام الصيف المقبل في كل من سويسرا والنمسا عاد الجدل حول التحكيم والتكنولوجيا وانقسم الخبراء ما بين مؤيد ومعارض لأية افكار من شأنها التأثير على القرار البشري للحكام.

كثير من المدربين يؤيدون الاستعانة بالتكنولوجيا التي من شأنها حسم الخلافات على الاخطاء والاهداف التي يحوم حولها الشكوك، ومنح الحكم الرابع او مراقب المباريات صلاحيات اكبر للتدخل، لكن على الجانب يرفض الاتحاد الدولي وكذلك مجلس الاتحادات كل ما من شأنه التقليل من دور الحكم او ايقاف المباريات لاجل الفصل في خلاف، ومعتمدين على ان الخطأ والخلاف هو جزء رئيسي في هذه اللعبة التي تعتمد على الاجتهاد الشخصي، طالما الجميع يسعون لتطبيق العدالة على الجميع.

غيروم فالكه الامين العام للفيفا اشار الى ان الاتحاد الدولي لم يقف ابدا ضد الافكار التي تساهم في تطوير اللعبة دون المساس بجوهرها، وقرار تجميد الاستعانة بتكنولوجيا «الكرة الذكية» جاء بعد تجربتين لم يقدما نتائج حاسمة، لذلك سنقوم بالاستعانة بحكمين إضافيين خلف المرميين لحسم الخلاف على الكرات التي تتخطى المرمى.

وكان مجلس اتحادات كرة القدم الدولية يبحث في إمكانية تطبيق نظامين تكنولوجيين احدهما كرة مزودة بشريحة الكترونية والنظام الآخر هو الاستعانة بكاميرا مثلما يحدث في لعبتي التنس والكريكيت، وكان الاتحاد الإنجليزي يؤيد هذه الفكرة بقوة، بينما أعربت رابطة الدوري الإنجليزي عن أملها في التوصل لنظام تكنولوجي لحسم تجاوز الكرة خط المرمى في بداية الموسم المقبل (2009).

السويسري جوزيف بلاتر رئيس الفيفا ظل دوما على موقفه الرافض تماما لاي تدخلات غير بشرية في اللعبة مؤيدا ايقاف اختبارات التكنولوجيا حتى التوصل الى حلول حاسمة. واذا كان بريان بارويك الرئيس التنفيذي لاتحاد الكرة الإنجليزي قد اعرب عن خيبة امله من إيقاف فكرة الاستعانة بالتكنولوجيا لحسم تجاوز الكرة خط المرمى، الا ان رجال الفيفا ومعهم الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الاوروبي قد شعروا بالارتياح لقرار التجميد بل طالبوا بعدم طرح الأمر مجددا سواء للتجارب او المناقشة».

راؤول سايمون المحرر الرياضي في جريدة «ايفننج ستاندر» الانجليزية ادلى برأيه في هذا الجدل وقال في اتصال تليفوني مع الشرق الاوسط: «أي تكنولوجيا من شأنها التقليل من الدور الانساني للعبة مرفوضة تماما في كرة القدم، انها لعبة اعتمدت منذ بدايتها على الاجتهاد الشخصي، والخطأ غير المتعمد ظل جزءا مقبولا لا اعتراض عليه من المنافسين». واضاف: «الخشية من ان الضغط المتوالي للاعتماد على التكونولوجيا قد يحول كرة القدم الى لعبة جامدة ليس بها الحس الادمي». وقد أيد ايضا ديفيد كولينز أمين عام الاتحاد الويلزي لكرة القدم هذا الكلام، مؤكدا رفضه تطبيق أي نظام تكنولوجي يعيق انسيابية اللعبة التي تمارس من قبل اشخاص واعتمدت على العامل البشري في ادارتها.

أشهر حكم في العالم الايطالي بيير لويغي كولينا سبق ان تحدث في لقاء نظمه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عام 1999 عن استخدام التكنولوجيا لمساعدة الحكام، واكد انه نيابة عن كل زملائه الذين شاركوا معه في مونديال 1998 ليس لديهم اعتراض على أي تكنولوجيا تساعدهم ولكن بشرط الدقة التامة ودون القبول بنسبة واحد في المائة من الخطأ. ورفض كولينا تماما مبدأ الاستعانة بالإعادة التلفزيونية لحسم الخلافات على بعض الالعاب لان ذلك سيكون دعوى لتعطيل المباريات، واشار الى انه اثناء ادارته لمباراة بين فيورنتينا ويوفنتوس في الدوري الايطالي اتخذ قرارا في اقل من جزء من الثانية لمخالفة احدثت جدلا، وبعد اللقاء قمنا بمتابعة الصور التلفزيونية التي ايضا لم تكن قادرة على توضيح ما حصل، ما يهمني بالفعل هو أن يحكم على أداء حكم المباراة تبعا لما يراه هو وليس تبعا لما توثقه 40 كاميرا، فمن المفترض أن يرى الحكم، اللاعبين، المدربين، والجماهير في مباراة حقيقية، لا يجب مقارنة قدراتنا بما يعرض على شاشات التلفزيون، فلا يوجد تحت تصرفنا 40 كاميرا لمشاهدة ما يحدث في الملعب من جميع الزوايا.

لكن كولينا لم يعترض على استخدام الكاميرات لمعاقبة اللاعبين الذين يقومون بحركات عنف أو حركات غير قانونية داخل الملعب دون ان يراها الحكم، وقال: «لدينا عينان فقط، ولا يمكننا رؤية كل ما يجري على أرض الملعب، واذا اخطأ لاعب بعيدا ولم يراه الحكم فيجب عقابه اذا اثبتت الكاميرات ذلك».

اما نجم الكرة البرازيلي رونالدو مهاجم ميلان الايطالي الذي تعرض مؤخرا لإصابة خطيرة في الركبة، فقد انتقد كل الافكار الداعية لاستخدام التكنولوجيا في كرة القدم، وقال في برنامج تليفزيوني: «كل الافكار الداعيه لاستخدام التكنولوجيا ستعمل على تشتيت فكر الحكام واللاعبين، نحن ندعو للتمسك بكرة القدم التي عرفناها منذ زمن طويل».

واشار النجم البرازيلي الى انه كان مستاء جدا عندما كان يلعب في صفوف ريال مدريد عندما استخدم مدرب فريقه حينها فاندرلي لوكسومبورغو جهازا تقنيا جديدا لسماعات الاذن موصولا بينه وبين قائد الفريق راؤول جونزاليس يعطي فيها الارشادات للاعب، وكيف انه شتت الاخير واضاع تركيزه في المباراة». ورغم ان كرة القدم مرت بمراحل تطوير متعددة الا ان اللعبة ظلت محتفظة بقوانينها التي وضعها مجلس اتحاد كرة القدم الدولي الذي تأسس عام 1882، حتى بعد انشاء الاتحاد الدولي (فيفا) والاتحادات القارية ظلت هذه اللعبة بمنأى عن التدخلات التي قد تغير من طابعها، وبقيت التعديلات شكلية لأجل مزيد من النظام والإثارة.

ومع دخول عصر النقل التلفزيوني زادت رقعة المشاهدة وكثر الجدل حول مخالفات لم يحسمها الحكام، لكن رغم ذلك لم يطالب احد بتغيير أي من قواعد اللعبة التي ظلت محكومة بالقرار الانساني، الى ان شهدت الفترة من ثمانينات القرن الماضي وحتى الان قفزات في تكنولوجيا الاتصالات والنقل التلفزيوني، حتى ان بعض المباريات باتت تنقل بأكثر من 20 كاميرا وصفها البعض بانها عيون لمراقبة الحكام.

وفتح النظام التكنولوجي الذي اطلق عليه اسم «عين الصقر» لمتابعة الكرة في مباريات التنس، الباب لمطالبة البعض بمحاولة الاستفادة من ذلك في كرة القدم خاصة في ظل الانتقادات الكثيرة للتحكيم الذي باتت كل حركاته وأخطائه مرصودة بشكل لافت، حتى ان باحثين في جامعة اكسفورد البريطانية فتحوا ملف مباراة انجلترا والمانيا في نهائي كأس العالم عام 1966 مستفيدين من التقنيات الحديثة لمعرفة ما اذا كانت الكرة التي سددها اللاعب جيف هيرست واصطدمت بالعارضة ثم بأرض الملعب قد تجاوزت خط المرمى ام لا بعد اكثر من 40 عاما على الواقعة.

وعلى الرغم من معارضة المسؤولين عن اللعبة استخدام أي تقنيات حديثة من شأنها التأثير على عمل الحكام، الا ان الاتحاد الدولي (فيفا) امام الجدل المتكرر حول اداء التحكيم وبخاصة بعد مونديال 1998 في فرنسا، وافق على تجريب استخدام التكنولوجيا في كأس العالم للناشئين تحت 17 عام 2000 بوضع قطعة الكترونية داخل الكرة التي لعبت بها المباريات، لكن النتائج لم تكن على المستوى فتم تعليق الفكرة وايقاف تعميمها على مباريات الكبار لعدم دقتها. ولم يغلق الفيفا او الاتحاد الاوروبي الباب امام التدخل التكنولوجي غير المؤثر على اللعبة او استقلالية الحكام، وتم اعتماد نظام اتصال لاسلكي في بطولة اوروبا 2000 بين حكم الساحة وحاملي الراية وأيضا الحكم الرابع خارج الملعب لسرعة حسم المخالفات وإصدار قرارات فورية في الكرات او المخالفات التي تحتمل الشك. وعادت شركة اديداس للمنتجات الرياضية بالمشاركة مع شركة كايروس للالكترونيات تقديم الكرة ذات الشريحة الالكترونية التي واطلق عليها «الكرة الذكية» للتأكد من أن الكرة قد تجاوزت خط المرمى بشكل كامل، وقام الفيفا بتجربتها في بطولة كأس العالم للأندية التي استضافتها اليابان شهر ديسمبر الماضي، الا ان النتائج التي قدمت لم توضح الى أي مدى نجحت التجربة او فشلت. وامام ذلك قرر مجلس اتحادات كرة القدم الدولية «ايفاب» إيقاف جميع التجارب مجددا، والعودة للعنصر البشري بالاستعانة بحكمين مساعدين إضافيين في المباريات. وسيتم تجربة النظام الجديد في اول بطولة للناشئين او الشباب تابعة لاتحاد للفيفا أو الاتحاد الأوروبي خلال العام الحالي.

* نقاط من تطور قوانين اللعبة > بدأ وضع قواعد كرة القدم عام 1857 بشكل غير رسمي في نادي شيفيلد الانجليزي.

> تم اعتماد القانون الاول للعبة من الاتحاد الانجليزي عام 1863 للفصل بينها وبين الرجبي واعتمد خلاله عدد اللاعبين وحجم الكرة والملعب والمرمى وعدد اللاعبين وطريقة اللعب وزمن المباراة، لكن لم تكن هناك عارضة للمرمى ولا تحتسب ركلات ركنية.

> في عام 1866 وضعت عارضة افقية فوق القائمين، ولم يحدد ارتفاع القائمين وكانت العارضة الافقية عبارة عن حبل او اي شيء مشابه.

> قبيل عام 1873 حدد القانون ان يكون هناك حكم واحد للمباراة.

> في عام 1883 وضعت القوائم والعارضة من الخشب.

> في عام 1890 اصبح للحكم مساعدان > في عام 1894 تم تحديد سمك القائمين والعارضة ليكون 12,5 سم > في عام 1897 حدد وقت المباراة ليكون ساعة ونصف على شوطين متساويين.

> في عام 1903 نص القانون على ان يضاف بدل الوقت الضائع الى وقت المباراة الاصلي.

> في عام 1906 نص على انه في حالة تعادل الفريقين يلعبان وقتاً اضافيا مدته نصف ساعة على شوطين متساويين، وفي حالة التعادل مرة اخرى يستمر الفريقان في اللعب حتى يسجل احدهما هدف الفوز ثم تنتهي المباراة. > في عام 1920 تم وضع ابعاد الملعب كما يلي : الطول من 90 الى 120 متراً والعرض من 50 الى 90 متراً، مع ترسيم الخطوط.

> في عام 1925 توحدت ملابس اللاعبين بان تكون من لون واحد.

> في عام 1925 تم وضع الشبكة خلف المرمى > في عام 1937 حددت ابعاد المرمى بالضبط (العرض 7,32 متراً والارتفاع 2,44 متراً).

> في عام 1937 تم تعديل وزن الكرة ليصبح 396 جرام الى 453 (كما هو حالياً).

> في الستينات بدأ اعتماد ركلات الترجيح بعد انتهاء الوقتين الاصلي والاضافي بالتعادل > في أواخر التسعينات من القرن الماضي ابتكرت طرق لإنهاء المباراة بطريقة أسرع بدون الحاجة للوصول إلى ركلات الترجيح باسم الـ«هدف ذهبي» لكن تم الغاؤها لاحقا.