فخ الإقراض

الملايين مقيدون بالديون في أوروبا باتوا ضحايا عدم السداد.. وأزمة الدولار ألقت بتداعيات على الاقتصاد العالمي يدفع ثمنها المستهلك

البطاقات الائتمانية تتسبب أحيانا في حمى الشراء (رويترز)
TT

أزمة الدولار والرهون العقارية في الولايات المتحدة وأزمة الائتمان العالمية كلها أمور ضربت بقوة الاقتصاد العالمي، ويدفع ثمنها المستهلكون في كل ارجاء المعمورة.. غلاء.. وتراكما في الديون.. وخسارة تصل الى حد فقدان العقارات وبيعها في اوروبا وأميركا.. أو في المقابل التعايش مع الديون.. باعتبارها جزءا من الحياة اليومية العصرية. وصارت بطاقات الائتمان، لا غنى عنها اطلاقا لدى الملايين من البشر.. فلا غرو ان تخطى سقف الديون الشخصية في بريطانيا وحدها حاجز 1.3 تريليون جنيه استرليني (2.6 ترليون دولار) للمرة الأولى في أغسطس (آب) الماضي، حسب وزير الخزانة البريطاني خلال طرحه الميزانية العامة للبلاد امام البرلمان الاسبوع الماضي.

وقد تفجرت في اغسطس (آب) من العام الماضي أزمة الائتمان العالمية، وما تزال أصداؤها تتردد في القطاعات التمويلية ولعديد من المراكز المصرفية القيادية إلى الآن، بل من المتوقع ان تستمر لعام آخر. وما بين حالات التعثر للمدينين او بحث المصارف والمؤسسات المالية على تحصيل معدلات أعلى للربح، ظهرت الأزمة وان كانت الى الان لم تؤثر بشكل كبير على حركة التعامل لان المصارف لم تصل بعد لمرحلة الخسائر الحقيقية.

فالائتمان المصرفي هو المحور الرئيسي لإيرادات البنوك والمؤسسات المالية مهما تعددت وتنوعت مصادر إيراداتها الأخرى، وهو بمثابة الوسيط المالي والدليل على اتجاهات الاقتصاد الحر، لكنه في نفس الوقت يمثل الاستثمار الاكثر مخاطرة، بسبب القروض والتسهيلات التي ربما تتعرض للتعثر وبالتالي تعريض البنوك للخسائر.

وكانت المصارف الكبيرة قد اعلنت ان متوسط ارباحها بلغ نسبة 38 في المائة عام 2006، وهو الناتج عن الفوائد المركبة على القروض والغرامات التي توقع على المستخدمين في حالات السحب على المكشوف، او تخطي الحد الائتماني. وأدت نسب الأرباح المرتفعة التي حققتها البنوك إلى توسيع الإطار الاقراضي، ووضع معايير مرنة لاستيعاب قدر أكبر من العملاء. وقدرت هيئة الخدمات التمويلية البريطانية حجم الغرامات البنكية التي وقعت على مستخدمي الحسابات الخاصة والائتمانية العام الماضي بـ570 مليون جنيه أسترليني، وهو الرقم نفسه الذي حدده مكتب التجارة الحرة في قضية إعادة تحصيل الغرامات لصالح المستخدمين، أمام المحكمة العليا في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. تداول مفهوم الائتمان في بادئ الأمر بين البنوك والمؤسسات التمويلية الكبرى والمصانع والمشروعات التي تمتلك ضمانات ولديها القدرة على سداد سلفيات البنوك، ولكن اتسعت رقعة عمليات الائتمان ليتعرف عليها المستهلك في الاستخدام الشخصي في أواخر الثمانينات ولا يمكن الاستغناء عنها. ويعرّف الائتمان بأنه الثقة التي يوليها المصرف لشخص او مؤسسة ما بمنحه مبلغاً من المال لاستخدامه في غرض محدد، خلال فترة زمنية متفق عليها وبشروط معينة لقاء عائد مادي متفق عليه وبضمانات تمكن المصرف من استرداد قرضه في حال توقف العميل عن السداد، حتى يستطيع المصرف استرداد أمواله في حال توقف العميل عن السداد بدون أية خسائر. وفي ظل التقدم التكنولوجي خلال السنوات العشر الاخيرة وانفتاح حركة البنوك على المستوى الدولي، ارتفعت أرقام الائتمان بالقروض أو بطاقات الأفراد الشخصية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة المستهلك اليومية في معظم أنحاء العالم. وكشفت التغيرات الحياتية ان هناك تحول في استخدام بطاقات الائتمان الشخصية من احتياطي قد يحتاجه الفرد في الأزمات إلى ضرورة يومية تتمثل في بطاقات الائتمان البلاستيكية والقروض السريعة التي توفرها البنوك، دون الحاجة إلى الانتظار طويلا للحصول عليها. وتمثل »تسهيلات مغرية» من البنوك لإعادة السداد للبنك التي أطلق عليها «اشتر الآن وادفع لاحقا»، مما يعني أن المستخدم قد يشتري ما يحتاجه من منتجات ويسدد 10 في المائة فقط من قيمتها بعد 55 يوما من الشراء من دون احتساب أية فوائد على المستخدم.

واعتبر العديد من المحللين الاقتصاديين أن السبل والاختيارات المتعددة التي تتوفر للمستهلك، هي طعم لوقوعه في فخ الاقتراض. وظهر غضب بعض البنوك، بعد ان طرح بنك «لويدز تي اس بي» البريطاني في فبراير (شباط) العام الماضي، غرامة قدرها 35 جنيها استرلينيا (حوالي 70 دولارا) سنويا على المستهلكين الملتزمين بتسديد أقساط البطاقات الائتمانية في أوقاتها دون تأخير، في حين تم رصده لـ55 ألف مستخدم من هذه الشريحة. وبغض النظر عن خدمات التمويل العقاري التي مكنت أصحاب الدخل المتوسط من تملك وحدات سكنية، لم يكن ليمتلكوها دون توفر هذه الخدمة التي تسللت إلى الحياة اليومية، والتي عرفها الغرب منذ عشرات السنين. وكانت قد تفجرت في بريطانيا منذ أيام أزمة حول الديون المعدومة جراء القروض التي فشلوا في إعادتها للبنوك سواء بسبب حالة الغلاء وارتفاع نسبة الفائدة كما في قروض الإسكان او بسبب فقدان وظائفهم. ويذكر أن الولايات المتحدة الاميركية تعرضت لازمة كبيرة بسبب القروض الائتمانية ومازالت تداعياتها مستمرة منذ أغسطس (اب) الماضي وحتى الان. وكانت الولايات المتحدة تقدم تسهيلات كبيرة للراغبين في الحصول على قروض التي تندرج تحت وصف «عالية المخاطر». وللائتمان العديد من الفوائد، أهمها المساعدة على الرواج الاقتصادي وفتح مجالات أوسع للبيع والشراء، وتساعد المستهلك اليومي في حل الأزمات التمويلية على المدى القصير والمتوسط، ولكن عواقبها وخيمة في حالة الإفراط في الإنفاق، وإصابة مستخدميها بـ«حمى الشراء». وكان قد أوضح اليستاير دارلينغ، وزير الخزانة البريطاني أثناء طرح الميزانية الجديدة لعام 2008 قبل أسابيع قليلة بمجلس العموم البريطاني، أن سقف الديون الشخصية في بريطانيا تخطى حاجز 1.3 ترليون جنيه استرليني للمرة الأولى في أغسطس (آب) الماضي، وفقا لبيانات صادرة عن بنك انجلترا المركزي. وأشار في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» متحدث باسم البنك المركزي البريطاني ان حجم القروض القصيرة الأمد وانفاقات البطاقات الائتمانية مثلت ما نسبته 20 في المائة من الرقم الذي عرضه الوزير خلال طرحه الميزانية، وقيمته حوالي 260 مليار جنيه استرليني (525 مليار دولار).

من الجانب الأوروبي أشار فيكتور بلام من المكتب الصحفي بالبنك المركزي الأوروبي أن حجم الديون الشخصية سجلت العام الماضي، وأوائل العام الجاري 4.8 ترليون يورو (7.5 ترليون دولار)، لتحتل الاستخدامات الشخصية، المتمثلة في البطاقات الائتمانية، والقروض القصيرة والمتوسطة نسبة 20 في المائة من اجمالي المبلغ، والذي يقدر بحوالي 759.1 مليار يورو . ورصدت هيئة المستهلكين الوطنية البريطانية (NCC)، ظاهرة الارتفاع الهائل في استخدام البطاقات الائتمانية أثناء عيد الميلاد الماضي، التي تعد من أكثر فترات الشراء ذروة، واكثرها جذبا للمواطنين، وهي الفترة التي يمكن من خلالها استبيان لمستوى الاقتصاد بدقة.

وذكر بيان للهيئة تم نشره على الموقع بالانترنت ان حوالي 6 ملايين مستخدم لبطاقات الائتمان فشلوا في سداد المستحقات المسجلة منذ يناير(كانون الثاني)، وحتى مارس الحالي، وان الرقم قد يرتفع لاكثر من ذلك مع قدوم فترة الصيف التي يزداد فيها الاقبال على السفر والرحلات. وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» مارجريت جون ـ 45 عاما، مواطنة بريطانية وأم لثلاثة أطفال، أنها تمتلك 3 بطاقات ائتمانية من 3 بنوك مختلفة، توفر لها ما قيمته حوالي 7.5 ألف جنيه استرليني، وانها لم تجد بديلا عن ذلك عن تخفيف مشتريات العام الجديد لها ولاولادها، موضحة انه أصبحت من أساسيات الحياة التي لا تقدر الاستغناء عنها.

وعلى الصعيد الخليجي توفرت العديد من العروض المصرفية التي تتسلل إلى حياة المستهلك اليومية، التي أصبح يعتمد عليها الافراد بنسبة كبيرة في الوقت الحالي.

وأوضحت تقارير لمؤسسة النقد السعودي (SAMA) على موقع الانترنت الخاص بها أن قروض البطاقات الائتمانية قفزت في الربع الأول من العام الماضي 2007 في السوق السعودي بنسبة 68.7 في المائة عما كانت عليه عام 2006، بمبلغ وصل الى 7.9 مليار ريال. وأوضح تقرير المؤسسة أن هناك ما يزيد عن 800 ألف حساب بطاقة ائتمانية في حين يصل عدد العمليات التي يشهدها السوق الى نحو 400 مليون عملية، لتقدر هذه العمليات من خلال الشبكة السعودية للمصارف بأكثر من 300 مليار ريال، مما يوضعان في مقدمة أسواق الائتمان في الشرق الأوسط، حيث تنشط مؤسسات اصدار بطاقات الائتمان الرائدة مثل فيزا، وماستر كارد وأميركان أكسبريس. وتسبب انتشار البطاقات، وبحد ائتماني كبير في بعض الأحيان إلى الإفراط في استعمالها، مما زاد من ولع الشراء عند المستخدمين، وتكبدهم لديون عالية، يصعب تسديدها. وتسعى جهات وهيئات بجهد مضني لإدخال نظام التمويل العقاري إلى السوق السعودية، وفقا للشريعة الإسلامية لاقتناع الكثيرين بأنها الوسيلة الأساسية لحل الأزمة السكانية التي تشهدها المملكة في الوقت الحالي، وتمنح الفرصة لمتوسطي لتملك وحدات سكنية. في مصر أوضح تقرير حديث عن البنك المركزي ان حجم الإقراض الائتماني وصل إلى 389.5 مليار جنيه مصري (71 مليار دولار) مرتفعا بنسبة 60 في المائة خلال الثلاث سنوات الماضية. وأوضح التقرير أن البنوك في مصر تحاول جاهدة لتوسيع الحدود الائتمانية الممنوحة من البنوك للقطاعات الاقتصادية بنحو 5.5 مليار جنيه.

وتعمل بنوك القطاع الخاص على توعية المواطنين بمفاهيم التمويل العقاري، كسلسلة مستمدة من القروض القصيرة الأمد والبطاقات الائتمانية المسماه بـ«بيع التجزئة». وأشار لـ»الشرق الأوسط» أحمد خشبه، من بنك باركليز مصر، ان بطاقات الائتمان انتشرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية ومازال الاقبال عليها كبير في ظل التوسعات في فتح حسابات شخصية للافراد بالبنوك. في إطار توسعي ومعرفي للخدمات الائتمانية، وطرح خدمات بنكية مختلفة.

ومن الصعب تحديد نسبة الارتفاع في حجم الاستخدام من من عام إلى آخر ولكنه أكد على الاقبال على بطاقات الائتمان في مصر يتزايد. وضعت البنوك الجديدة التي انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية في مصر، أساليب تأمينية للحيلولة دون فقدان أموالهم، بفتح حسابات للموظفين المشتركين لديهم قبل عرض الخدمات الائتمانية لتأكد من تحصيل المدفوعات فيما بعد، وخفض نسب الديون المعدومة. وأكد تقرير لشركة فيزا العالمية، رصد لزيادة في حجم الإقبال والاستخدام على بطاقات الائتمان في مصر بنسبة 30.8 في المائة من قيمة المعاملات الاجمالية في البلاد. وأفاد التقرير أن الاقبال على ماكينات الصرافة الاليه ارتفعت بنسبة 15 في المائة عن العام الماضي، لتحتل مصر المرتبة الثانية بعد السعودية من حيث عدد هذه الماكينات. وأوضحت شركة فيزا في تقريرها ان السعودية تحتل المركز الأول في حجم الإنفاق ببطاقات الائتمان في منطقة الشرق الأوسط، تليها الكويت ثم الإمارات في المرتبة الثالثة.

* تاريخ بطاقات الائتمان > أول استخدام لكلمة بطاقة ائتمان ورد في رواية ادوارد بيلامي looking backwards ناظرا للخلف، وتم استخدامها 11 مرة في الرواية. > صدرت أول بطاقات الائتمان عام 1920 في الولايات المتحدة عن شركة لبيع الوقود، منحتها لشركات تمتلك عددا كبيرا من السيارات، وعممتها العديد من الشركات الأخرى عام 1938. > بدأ التعامل بمفهوم البطاقات الائتمانية عام 1950 بإطلاق بطاقة داينرز كلوب «Diners Club» ومؤسسها فرانك شنايدر وفرانك ماكنامارا ثم بطاقة اميريكان اكسبريس «American Express» كشركة خاضعة لسيتي غروب.

> اعتمد بنك أوف أميركا في آخر الأمر بطاقة خاصة، ليتداخل النظام مع VISA ثم Master Card > أطلق بنك باركليز البريطاني أول بطاقة ائتمان خارج الولايات المتحدة عام 1966، وإمكانية التعامل بها دوليا دون الاستعانة بفروع المصارف. > أدخلت بريطانيا نظام التعامل بالرقم السري Chip & Pin، بدلا من الإمضاء، لتقليص عمليات الاحتيال التي نتجت عن استنساخ البطاقات.