الكويت: من ضحية من؟

25 حكومة منذ الاستقلال.. عمر بعضها لم يتعد أشهراً.. و11 برلمانا.. تم حل 5 منها

الشيخ ناصر الصباح رئيس وزراء الكويت والى يمينه جاسم الخرافي رئيس البرلمان (أ.ف.ب)
TT

إن كانت هناك نتيجة وحيدة، خرجت بها الكويت من الأزمات السياسية التي مرت بها منذ استقلالها، وخصوصا الأزمة الأخيرة، التي انتهت بحل البرلمان للمرة الخامسة في تاريخه، فهي حتما ستكون «الانتصار للديمقراطية»، فقد عمل أمير البلاد بموجب الدستور لحسم الأزمة السياسية، ما عزز من دور هذه الوثيقة التي طالما حاولت الحكومة الالتفاف عليها، ومحاولة تهميشها.

والسبب الشائع أو المتكرر، الذي قاد الكويت الأسبوع الماضي الى أزمة سياسية، هو تقديم وزراء الحكومة استقالتهم بداعي وجود خلل يعتري العلاقة التي تربطهم بالبرلمان.. وعدم قدرتهم على التعاون مع النواب، بعد اعتراضهم على تنامي ظواهر المساس بالوحدة الوطنية، والتجاذب والتأزيم، وتجاوز الأصول البرلمانية.. وهو سبب يكاد يكون قاسما مشتركا، لدواعي الاستقالات الحكومية الجماعية، أو حل البرلمان منذ سنوات، حتى صار البعض يرى ان البرلمان هو ضحية للحكومات، غير ان وزراء الحكومة يرون انهم هم ضحايا لسلوك النواب في البرلمانات. والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة في السابع عشر من مايو (أيار) المقبل، هي الثانية في عهد الشيخ صباح منذ توليه مقاليد الحكم قبل عامين، وقبل أن يكمل البرلمان عامه الثاني.

وبالغوص تاريخيا نرى ان الكويت التي تقوم على أساس صيغة الحكم المشترك بين الأسرة الحاكمة والشعب تحولت إلى النموذج الديمقراطي عام 1962، بعد استقلالها من الحماية البريطانية قبلها بعام، وانتخب مواطنوها أول برلمان لهم في بداية 1962، ليضع الدستور في العام ذاته، ويبدأ العمل به منذ يناير 1963، باختيار خمسين نائبا يشكلون أول مجلس أمة تكون مهمته التشريع والرقابة، في نظام سياسي هجين يمزج بين النموذجين الرئاسي والبرلماني، مع ميل ناحية الأخير.

ويضم دستور دولة الكويت 183 مادة تغطي أساسيات ومقومات الدولة ونظام الحكم، والمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، والحقوق والواجبات العامة، وآلية عمل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتحدد هذه الوثيقة آلية العمل في البلاد، من خلال رسم الخطوط الفاصلة بين حدود السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلى جانب تحديد صلاحيات أمير البلاد، وشروط اختيار ولي عهده، ومهام كل سلطة وأعضائها. ولكن يبدو أن خللا ما يعتري العلاقة بين اللاعبين الأكثر منافسة في الكويت، إذ شهدت هذه الإمارة الصغيرة، الواقعة على رأس الخليج العربي غربا، أكثر من أزمة سياسية بين البرلمان والحكومة، أدت إلى حل البرلمان خمس مرات، كان آخرها نهاية الأسبوع الماضي.

فيما عُلق العمل بالدستور مدة عشر سنوات، كانت الحكومة فيها هي المتسيد على إدارة الدولة، تشريعا وتنفيذا، حينما عُطل وقتها العمل بالبرلمان، بعد حله بشكل غير دستوري، في الفترتين الواقعتين بين 1976 ـ 1981، و1986 ـ 1992.

وشكلت الحكومة عام 1980 لجنة للنظر في تنقيح الدستور، إلا أن مقترحاتها لاقت رفضا شعبيا دفع إلى إلغائها. ودائما ما شهدت الكويت وقت تعطيل العمل بالبرلمان بشكل غير دستوري مواجهات بين قوى الأمن والمعارضة، وخروج التجمعات الشعبية المطالبة بإعادة العمل بالدستور، إلى جانب تعرض الحريات العامة خلال فترات الحل غير الدستوري للتقييد من قبل السلطات الأمنية، وفرض الرقابة المسبقة على الصحف اليومية.

وتشكلت في الكويت منذ بداية العمل بالدستور عام 1962 خمس وعشرون حكومة، قابلها أحد عشر برلمانا، يضاف إليها مجلس وطني، حاولت الحكومة فرضه بديلا عن البرلمان عام 1990، إلا أن الغزو العراقي على دولة الكويت، واتفاق الكويتيين مع أسرة الصباح الحاكمة في مؤتمر شعبي عقد بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر من العام ذاته، أدى إلى إلغاء المجلس الوطني وإعادة العمل بالدستور والدعوة لانتخابات برلمانية بعد تحريرها عام 1991.

وحُل البرلمان منذ عام 1963 خمس مرات، ثلاث منها تمت بشكل دستوري استلزم الدعوة لانتخابات مبكرة أعوام 1999 و2006 و2008، فيما حُل البرلمان مرتين بشكل غير دستوري، عُلق خلالها العمل بالدستور عامي 1976 و1986.

وتعطي المادة 107 من الدستور الحق لأمير البلاد وحده بحل البرلمان «بموجب مرسوم تبين فيه أسباب الحل، كما لا يجوز حل البرلمان لذات الأسباب مرة أخرى، ومتى ما حُل البرلمان وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يتجاوز الشهرين من تاريخ الحل، وإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة، يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويواصل أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد».

وعادة ما تؤدي طلبات الاستجواب وما يعقبها من طلبات بحجب الثقة عن الوزير المستجوب في الغالب إلى استقالة الوزراء المستجوبين، أو الحكومة مجتمعة، إن لم تقد إلى حل البرلمان بشكليه الدستوري وغير الدستوري.

وشهد تاريخ الكويت الدستوري تقديم 41 طلب استجواب نيابي، واحد منها بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد عام 2006، وكان الأول من نوعه تاريخيا رغم أنه قُدم ولم يُناقش، إلى جانب ثمانية استجوابات بحق وزراء من أبناء الأسرة الحاكمة، أدت إلى حل البرلمان مرتين، واستقالة الحكومة مرتين، واستقالة الوزير مرتين، وسحب طلبين.

كما كان نصيب البرلمان المنحل الأسبوع الماضي سبعة استجوابات، أدت إلى استقالة خمسة وزراء بينهم اثنان من الأسرة الحاكمة، وإقالة وزير في سابقة هي الأولى بتاريخ الكويت، كما ساهمت في تقديم الحكومة استقالة جماعية مرة، وتعديلها بشكل موسع في أخرى، بينما استطاعت وزيرة التربية نورية الصبيح وحدها الصمود أمام طلب الاستجواب المقدم بحقها، وتمكنت من مناقشته والحصول على ثقة البرلمان، في آخر طلب قدم بهذا الشأن مطلع العام الجاري.

يذكر أن أيا من الحكومات الثلاث الأخيرة في الكويت برئاسة الشيخ ناصر المحمد أكملت عاما كاملا من عمرها، إذ استقالت حكومته الأولى بعد أن دفعت لحل البرلمان صيف 2006، ولم تكمل حكومته الثانية تسعة أشهر، بعد أن استقالت إثر استجواب وزير الصحة السابق الشيخ أحمد العبد الله. وأجرى بعدها الشيخ ناصر المحمد أكتوبر الماضي تعديلا موسعا طال ثلث الحقائب التي أعلنها في مارس (آذار) من العام الماضي، وهي ذاتها الحكومة التي استقال وزراؤها الأسبوع الماضي بداعي عدم تعاون البرلمان.

وستقوم الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها السابع عشر من مايو (أيار) المقبل، وفقا لنظام الدوائر الانتخابية الخمس، التي تتيح لكل ناخب وناخبة اختيار أربعة مرشحين كحد أقصى، على أن يمثل كل دائرة عشرة مرشحين حصولا على الأصوات الإجمالية، ليؤلفوا في مجموعهم خمسين نائبا منتخبا يشكلون مجلس الأمة.

وكان البرلمان، الذي حُل نهاية الأسبوع الماضي، هو أول برلمان تشارك فيه المرأة، بعد إقرار حقوقها السياسية في مايو (أيار) من عام 2005، وجرت انتخاباته في 29 يونيو 2006 وتنافس على مقاعده الخمسين 249 مرشحا ومرشحة. ويقدر عدد الناخبين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات المقبلة بحسب إحصاء رسمي وزارة الداخلية حتى منتصف مارس الجاري، بـ 361 ألفا، منهم حوالي 200 ألف ناخبة.

وحتى فتح القيود الانتخابية للتسجيل في فبراير (شباط) الماضي، توزع الناخبون على خمس دوائر رئيسية، تضم الدائرة الأولى 19 منطقة، وهي: الشرق، الدسمة، المطبة، دسمان، بنيد القار، الدعية، الشعب، جزيرة فيلكا وسائر الجزر الكويتية، حولي، النقرة، ميدان حولي، بيان، مشرف، السالمية، البدع، الرأس، سلوى، الرميثية، ضاحية جابر المبارك، وعدد ناخبيها 64784، منهم 28774 ناخبا، و36010 ناخبة.

أما الدائرة الثانية فتضم 13 منطقة، وهي: المرقاب، ضاحية عبد الله السالم، القبلة، الشويخ، الشامية، القادسية، المنصورية، الفيحاء، النزهة، الصليبخات، الدوحة، غرناطة، القيروان، وعدد ناخبيها 39889، منهم 18393 ناخبا، و21496 ناخبة.

وتضم الدائرة الثالثة 15 منطقة، وهي: كيفان، الروضة، العديلية، الجابرية، السرة، الخالدية، قرطبة، اليرموك، أبرق خيطان، خيطان الجديدة، السلام، الصديق، حطين، الشهداء، الزهراء، وعدد ناخبيها 56258، منهم 24018 ناخبا، و32240 ناخبة.

وتتألف الدائرة الرابعة من 18 منطقة، وهي: الفروانية، الفردوس، العمرية، الرابية، الرقعي والأندلس، جليب الشيوخ، ضاحية صباح الناصر، الشدادية، صيهد العوازم، الرحاب، العضيلية، العارضية، اشبيلية، ضاحية عبد الله المبارك، الجهراء الجديدة، الصليبية والمساكن الحكومية، مدينة سعد العبد الله، الجهراء ومنطقة البر، وإجمالي ناخبيها 90882، ومنهم 37115 ناخبا، و53727 ناخبة.

أما الدائرة الخامسة والأخيرة فتضم 20 منطقة، وهي: الأحمدي، هدية، الفنطاس والمهبولة، أبو حليفة، ضاحية صباح السالم، الرقة، الصباحية، الظهر، العقيلة، القرين، العدان، القصور، مبارك الكبير، ضاحية فهد الأحمد، ضاحية جابر العلي، الفحيحيل، المنقف، ضاحية علي صباح السالم وميناء عبد الله، الزور، الوفرة، وناخبوها 94981، منهم 41852 ناخبا، و53192 ناخبة.