البرلمان البحريني.. «الحل» أم «العقدة»

الجلسات معطلة منذ أربعة أسابيع.. والحكومة تتابع.. والترقب سيد الموقف

برلمانيون بحرينيون خلال إحدى الجلسات (أ.ف.ب)
TT

صحيح أن ملك البحرين «لا يفكر» في حل برلمان بلاده كما حدث مع الجارة الكويت، حسب مصدر بحريني رسمي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، لكن ما يجري من تجاذبات سياسية داخل المجلس النيابي لا يجعل الشارع البحريني في موقف تفاؤل، وقد وجد نفسه، وللمرة الأولى منذ عودة الحياة البرلمانية في عام 2002، في موقف لا يكاد يتبين من خلاله أفق حل الأزمة، فشاعت بالتالي شائعة «الحل»، حل البرلمان، ويقول البعض انه آت لا ريب فيه رغم الوعود والتصريحات هنا وهناك.

وسبب طرح فكرة الحل للمجلس النيابي البحريني جاء بعد أزمة بين جمعية الوفاق الوطني الاسلامية (شيعة وسط) وبين رئيس المجلس النيابي خليفة الظهراني، ومن خلفه باقي الكتل البرلمانية السنية. فالوفاق تقول إنها قدمت استجوابا بحق وزير شؤون مجلس الوزراء الشيخ احمد بن عطية الله، وأن رئيس البرلمان لم يدرج الاستجواب في جدول أعمال المجلس، وهو ما تراه الوفاق يعطل المجلس من استخدام أدواته الدستورية، فيما يرد خليفة الظهراني بأن الاستجواب فيه شبهة دستورية، ولهذا السبب الرئيسي لم يدرج على جدول أعمال المجلس. المهم أن الوفاق لم يرق لها هذا الاجراء الذي اعتبرته تعسفيا ويسنّ سنة غير حسنة بالبرلمان، فأقدمت على مقاطعة أي جلسة لا يدرج فيها الاستجواب، والمقاطعة هنا يقصد بها المقاطعة الكلامية لاستمرار الجلسة دون أن تتضمن بند الاستجواب. وتكررت المواجهة الوفاقية مع رئيس البرلمان والكتل البرلمانية الأخرى لمدة شهر كامل وعلى مدى أربع جلسات متتالية، فما أن يبدأ رئيس المجلس بافتتاح الجلسة حتى يهب أعضاء كتلة الوفاق النيابية، وهم سبعة عشر نائبا من اربعين نائبا في البرلمان البحريني، بمقاطعة رئيس المجلس بإصرارهم على ادراج بند الاستجواب، فيطرق رئيس المجلس بمطرقته الشهيرة معلنا إيقاف الجلسة حتى إشعار آخر. وهذا الإشعار الآخر ما زال مستمرا، وتكرر أربع مرات متتالية.

رئيس المجلس يعتبر «مقاطعات النواب» إخلالا باللائحة الداخلية للمجلس، والوفاق ترى ان الرئيس لم يترك لها مجالا لاستخدام حق من حقوقها الدستورية، وبالتالي لا يبقى لها إلا هذا الحل بالحضور يوم الثلاثاء من كل أسبوع، ومن ثم عرقلة سير الجلسة، ما أدى إلى توقف عمل البرلمان فعليا لمدة شهر كامل.

واذا كانت القيادة البحرينية «لا تفكر» بحل البرلمان حاليا، فإن هذه الـ«لا» بالتأكيد ليست الجازمة، فالمسألة تتعلق بالتوقيت الحالي، لكن من يضمن بقاء الأمور على ما هي عليه وعدم تصعيدها إلى الخيار الأسوأ خلال الأيام المقبلة، فكل الاحتمالات واردة طالما أن البرلمان لا يعقد جلساته وكل طرف مصر على رأيه بالرغم من محاولات أطراف مختلفة بالتوفيق لحل هذه الاشكالية البرلمانية. دستوريا.. فإن من حق الملك حمد بن عيسى حل البرلمان بمرسوم مسبب، كما يشترط الدستور الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في موعد لا يتجاوز 4 أشهر من تاريخ حل البرلمان، لكن من المهم التذكير أن الأزمة البرلمانية جاءت من داخل البرلمان وليس من خارجه، أي أنها على عكس المواجهات البرلمانية في العالم التي تكون دائما مع السلطة التشريعية، فالحكومة، في هذه الأزمة، بعيدة عن أي تأزم مكتفية بالتفرج على اللعبة من الخارج.

جلسة هذا الأسبوع حملت في البداية قليلا من التفاؤل، عندما حضرت الوفاق الجلسة ووافقت مع بقية النواب على تمرير القانون المنظم لصرف علاوة الغلاء التي طرحها مجلس الشورى، وقالت إن هذا الحضور هو «تقديم منها للمصلحة العامة ومن اجل تسريع استلام المواطنين لهذه العلاوة في أسرع وقت ممكن». غير أن الوفاق أكدت في الوقت ذاته عدم التنازل عن «صلاحيات النواب الرقابية التي يسعى البعض لتقليصها للأسف الشديد»، فلم تستمر الجلسة كالعادة.

ولعل ما يشير إلا أن العقدة ما زالت تستحكم حلقاتها واحدة فوق الأخرى، هو إعلان الوفاق، بعيد جلسة الثلاثاء الماضي، بأنها قدمت طلبا آخر لاستجواب وزير شؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله لمكتب رئيس المجلس النيابي بتهم «إخفاء معلومات مهمة وحيوية عن أجهزة الدولة والتي ينعكس عليها تدني الخدمات العامة المقدمة للمواطنين»، لينضم هذا الطلب لطلب الاستجواب السابق. وفي الوقت الذي يسجل هذا التجاذب سابقة أولى للبرلمان البحريني في نسخته الثانية، بعد المشروع الإصلاحي الذي أطلقه الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 2001 بعد عامين من وصوله لسدة حكم بلاده، كما يعيد هذا التعطيل لجلسات البرلمان، بصورة أو بأخرى، ما يحدث في البرلمان اللبناني منذ شهور طويلة، فإن مصادر مطلعة تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الحل هذه المرة، بمعناه الإيجابي وإيجاد الحلول، في الطريق إلى البرلمان وأن حكاية تعطيل جلساته «لن تستمر طويلا وهناك من العقلاء من داخل البرلمان سواء من المعارضة أو من الأكثرية البرلمانية من يمكن الوثوق بحكمتهم في الخروج من هذا المأزق الذي وضعوا فيه».

قانونيا.. وصف وزير الدولة الأسبق للشؤون القانونية حسين البحارنة دعوات بعض النواب للحل الدستوري للبرلمان بأنها «غير قانونية وليس لها أساس دستوري».

ويستند الخبير القانوني البحريني الكبير إلى أن دستور بلاده يشترط أن يكون حل البرلمان لخلاف بين السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية وليس بسبب خلاف داخلي بين أعضاء السلطة التشريعية الذي يجب أن يحل وفقا للدستور والقانون واللائحة الداخلية لمجلس النواب. ويؤكد البحارنة أن الحل الدستوري للبرلمان «يجب أن يكون بعد أن تجد الحكومة صعوبة في التعامل والتعاون مع البرلمان بهيئته القائمة، أي أن تجد صعوبة في التعاون مع السلطة التشريعية».

غير أن البحارنة هاجم هيئة مكتب مجلس النواب واعتبرها المتسبب في وضع الاستجواب على جدول أعمال المجلس، ما أدى إلى إسقاط حق الاستجواب، واصفا هذا الإجراء بأنه «انقلاب دستوري أدى إلى مصادرة حق من طلب الاستجواب».

وإذا كانت الجارة الكويت قد حلت برلمانها في نفس التوقيت ودعت لإنتخابات عامة، فإن الشيء بالشيء يذكر، باعتبار أن التجربة البرلمانية في البحرين استمدت الكثير من تشريعاتها من التجربة الكويتية، بل ان خبيرا دستوريا لمجلس الأمة الكويتي ساعد لجنة وزارية في وضع الدستور البحريني، لكن يمكن القول إن التجربة البحرينية لا يمكن وصفها بالنضج حتى الآن، والسبب بسيط جدا، فهي لم تعط فرصة الممارسة حتى تنضج، فالخطوات الأولى لبرلمان 1973، وهو الأول في تاريخ البحرين، قتلت في مهدها بحله بعد عامين فقط، وتعطلت الحياة البرلمانية حتى عام 2002، أي أن كل عمر التجربة البحرينية لا يتجاوز الثماني سنوات فقط.

لقد سلكت البحرين مسلك الكويت في إعداد دستور دائم للبلاد، فالدستور البحريني في نصوصه مستقى من الدستور الكويتي، فهو مطابق له ومشابه من حيث الأحكام والمواد والصياغة الحرفية، ويرجع ذلك إلى ان حكومة البحرين استعانت بالدستور الكويتي والاستهداء بمبادئه، وطلب مشورة خبرائه وما ينتج عنه وأعقبه من صدور مذكرة تفسيرية ووقائع تطبيقية أفرزتها الممارسة العملية في التطبيق أعانت على تنظيم الصياغة وإقرار الأحكام وسهلت للحكومة الطريق للبحث والدراسة والنقاش.

وربما عاش يوم الأحد 23 ديسمبر 1973يوما تاريخيا للبرلمان البحريني بعقده أولى جلساته العملية، فإن التجاذبات بين الحكومة والمعارضة ألقت بظلالها على مسيرة المجلس وأوصلته إلى أزمة كبرى، ومع تفاقم الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قدم رئيس الوزراء استقالة الوزارة إلى أمير البلاد، الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 24 أغسطس عام 1975، وقد جاء في خطاب الاستقالة «إن الوزارة لم تجد في المجلس الوطني عوناً لها»، وفي 26 أغسطس عام 1975 أصدر الأمير مرسوما تضمن حل البرلمان.

وفي عام 2001 انطلق المشروع الإصلاحي لعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بعد الاستفتاء العام على ميثاق العمل الوطني الذي بلغت نسبة التصويت عليه بكلمة «نعم» 98.4%، وهو ما سمح للبحرينيين بالدخول في مرحلة جديدة قوامها المشاركة الشعبية في القرار السياسي، استنادا لتشكيل مؤسسة تشريعية جديدة مكونة من مجلس يتكون من 40 عضوا منتخبا مباشرة من الشعب، ومجلس شورى معين، أيضا يتكون من 40 عضوا، يضم الكفاءات والخبرات الوطنية، سعيا وراء تمثيل المواطنين ومشاركتهم في إدارة شؤون الحكم. وجرت أول انتخابات تشريعية في عام 2002 وعقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب من دور الانعقاد السنوي العادي الأول من الفصل التشريعي الأول في الرابع عشر من ديسمبر (كانون الاول) 2002.

الشارع البحريني إذن غير متعوّد على حل البرلمان، بل حتى على تداول مثل هذا الحل، كما هو شقيقه وجاره الكويتي، وربما المسألة لا تعود إلى توافق كبير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بقدر ما هي بداية للتجربة البرلمانية التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما يمكن أن تكون عليه خلال الفترة المقبلة، مع التذكير بإن الصلاحيات المناطة بالبرلمان البحريني أقل بكثير من تلك التي يملكها نواب البرلمان الكويتي، خاصة مع وجود مجلس شورى معين ينازع المجلس المنتخب صلاحياته في إصدار القوانين، وهو ما يعتبره البعض انتقاصا من سلطة البرلمان وتمثيله الشعبي، في حين يراها آخرون بأنها صمام أمان يمنع من قيام المجلس بتأزيم الوضع السياسي بين حين وآخر، كما هو حاصل في الكويت.

الأسابيع المقبلة، أو بالأحرى جلسات البرلمان البحريني المقبلة، كفيلة بأن توضح المسار الذي سيسلكه المجلس النيابي، وفيما هناك من يتفاءل بحل قريب للعقدة من داخل البرلمان وتنازلات تخفف الاحتقان وتعيد الأمور إلى نصابها، هناك أيضا من لا يرى إلا التشاؤم في نظرته وأن ما يجري هو استراتيجية كسر العظم من كافة الأطراف تجاه منافسيها، وما بين تكسير العظام وإعادة الأمور إلى نصابها يبقى البرلمان البحريني، وخلفه شارع بحريني، بسنته وشيعته، بانتظار «حلّ» العقدة بالمنشار أو بغيره.