يوسف جيلاني.. المبدأ قبل الحزب

رئيس الوزراء الباكستاني الجديد قضى 5 سنوات في السجن للضغط عليه لتغيير ولائه بدون جدوى.. واختلف مع بوتو ولم يتراجع

TT

تتذكر الدوائر السياسية في باكستان الفترة التي قضاها يوسف رضا جيلاني، رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، عندما كان يشغل منصب رئيس مجلس النواب.. بالإعجاب والفخر، لا سيما بسبب الدور المحايد وغير الحزبي الذي لعبه خلال السنوات الثلاث التي قضاها في هذا المنصب في الفترة ما بين 1993 الى 1996. وخلال تلك الفترة، زار العديد من العواصم العالمية لحضور مؤتمرات دولية ولقاء نظرائه في عديد من العواصم العالمية. لكن بالرغم من الاهمية الوطنية والتجربة الدولية التي تلقاها خلال تلك الفترة، بقي جيلاني زعيما سياسيا من الدرجة الثانية في ظل الشخصية القوية لرئيسة حزب الشعب الباكستاني المغتالة بي نظير بوتو، لكنه ورغم ولائه التام لبوتو وحزبها إلا انه ظل يمارس عمله بمهنية عالية، مغلبا مبادئه حتى على مصلحة الحزب أو زعيمته.

وقد تغير كل ذلك يوم السبت الماضي عندما رشحه آصيف علي زرداري زوج بي نظير بوتو لمنصب رئيس الوزراء. وخلال 48 ساعة انتخب المجلس الوطني الباكستاني المنتخب جيلاني رئيسا للوزراء بأغلبية عظمى لم تحدث من قبل في تاريخ باكستان.

ينتمي يوسف رضا جيلاني الى اسرة ذات نفوذ سياسي وروحي كبير في مدينة مولتان الباكستانية التي تعتبر واحدة من اقدم المستوطنات البشرية في العالم. واحتل خلال حياته السياسية التي استمرت 30 سنة العديد من المناصب الحكومية المهمة من بينها منصب الوزير الفيدرالي ورئيس مجلس النواب.

مسعود أنصاري، المحلل السياسي في اسلام اباد، قال لـ«الشرق الاوسط»: «اذا ما تركنا نضاله على مدى ثلاثين سنة جانبا، وحسن حظه في انه كان يقف الى الجانب السليم لأصيف زرداري عندما كان يختار رئيس الوزراء، فأعتقد ان حظه كان وافرا».

وذكر عدد من اعضاء الحزب أن ولاء جيلاني الذي لم يتزعزع لحزب الشعب الباكستاني جعله المرشح المفضل لمنصب رئيس الوزراء في عيون زرداري ونشطاء الحزب.

وقد قضى جيلاني خمس سنوات في السجن بتهمة اساءة استخدام السلطة، وواجه خلال وجوده في السجن ضغوطا من الحكومة لتغيير ولائه. وقد حكم عليه في بالسجن في اعقاب ادانته بتهمة تعيين اشخاص في مناصب حكومية بطريقة غير قانونية. وقد حوكم جيلاني من قبل محكمة ضد الفساد شكلها الرئيس برويز مشرف في اطار الاجراءات التي اتخذها لتنظيف المجال السياسي في البلاد من العناصر الفاسدة. وقال جويد هاشمي، زعيم الرابطة الإسلامية (مجموعة نواز شريف) الذي كان معتقلا في زنزانة واحدة مع جيلاني في سجن روالبندي المركزي، إن مسؤولين حكوميين زاروا يوسف رضا جيلاني أربع مرات على الأقل في السجن محاولين إقناعه بترك حزب الشعب الباكستاني والانضمام للرابطة الإسلامية مجموعة برويز مشرف، لكنه ظل يرفض ذلك. رفضُ جيلاني إبرام اتفاق مع الرئيس برويز مشرف لقي إعجابا في أوساط حزب الشعب الباكستاني، وفي هذا السياق يقول نذير دوكي، الناشط في حزب الشعب الباكستاني وعضو سكرتاريته المركزية، إن ولاء جيلاني لحزب الشعب أكسبه احتراما من جانب ناشطي الحزب. عندما عمل جيلاني رئيسا للمجلس الوطني في السابق واجه مسألة قانونية حاسمة حول ما إذا كان يتعين عليه إصدار قرار بإطلاق سراح أعضاء في البرلمان يتبعون للمعارضة كانوا معتقلين بموجب قرارات اتخذتها الحكومة التي كان يسيطر عليها حزب الشعب عام 1995. أصدر جيلاني قرارا بإطلاق سراح النواب المعتقلين، الأمر الذي أثار استياء بي نظير بوتو، التي كانت في ذلك الوقت رئيسة للحكومة. وعندما رفضت وزارة الداخلية إطلاق سراح أعضاء المعارضة قال جيلاني إن الحكومة لا تنصاع لأوامر رئيس المجلس الوطني. وحول تلك الحادثة يقول المحلل السياسي سهيل ناصر إن ما قام به جيلاني كان خطوة غير مسبوقة. وفي ربيع عام 1995 أوردت الاستخبارات الباكستانية ان رئيسة الحكومة آنذاك، بي نظير بوتو، قالت ان رئيس المجلس الوطني (جيلاني) على صلة بأحزاب المعارضة السياسية وانه يتآمر ليحل محلها رئيسا للحكومة. أرسلت بي نظير تقرير الاستخبارات الباكستانية إلى جيلاني لممارسة المزيد من الضغوط عليه بغرض حمله على العدول عن موقفه بشأن إطلاق سراح أعضاء البرلمان المنتمين للمعارضة. وأعاد جيلاني تقرير الاستخبارات إلى مكتب رئيسة الوزراء وكتب عليه تعليقا مقتضبا: «الزمن وحده كفيل بإثبات ولائي للحزب». واصل جيلاني، بوصفه رئيسا للمجلس الوطني، ضغطه من أجل إطلاق سراح أعضاء المعارضة. يعتقد كثير من المحللين السياسيين أن ثقة جيلاني وثبات مواقفه، كما يتضحان في مواقفه السياسية، ينبعان من الأصل الذي يتحدر منه. إذ ان الجد الأكبر لأسرة جيلاني هو الشيخ أبو الحسب موسى باك شهيد الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي. وتقول كتب التاريخ ان الشيخ أبو الحسب موسى باك شهيد، حفيد الشيخ عبد القادر الجيلاني العراقي، الذي سافر إلى الهند لنشر الإسلام. أحفاد موسى باك شهيد، الذي لا يزال ضريحه في موتلان يعتبر مزارا مقدسا للكثيرين من باكستان، صار يطلق عليهم اسم الجد، جيلاني، وأصبحت الأسرة بارزة في مجال السياسة في بلدة موتلان. وأصبح المنتمون من أسرة جيلاني من أبرز ملاك الأراضي والزعماء الروحيين في الجزء الجنوبي من البلاد. بروز الأسرة ومكانتها المرموقة أقنعا يوسف رضا جيلاني بالمشاركة في المنافسة على السلطة السياسية.

ولد جيلاني في التاسع من يونيو (حزيران) عام 1952 في كراتشي ولكن عائلته تنحدر من البنجاب. وكان أجداده قد التحقوا برابطة مسلمي عموم الهند، وهي حزب سياسي قاد الحملة من أجل تأسيس باكستان. ويفتخر يوسف رضا جيلاني بحقيقة أن جده كان من الموقعين على قرار باكستان عام 1940. وكان ذلك هو القرار الذي أدى، في نهاية المطاف، الى تأسيس باكستان. وكان جد جيلاني الأكبر، مخدوم راجا بخش جيلاني، عمدة لموتلان عام 1921 وعضوا في الجمعية التشريعية المركزية للهند. وعمل كعضو في الجمعية من عام 1921 حتى وفاته عام 1936، وعرف باعتباره أب الجمعية التشريعية الهندية. وعمل والده حسين جيلاني كوزير محلي في سنوات الخمسينات.

وبعد وفاة والده دخل يوسف رضا جيلاني عالم السياسة في عام 1978. وبدأ مسيرته السياسية بالالتحاق بالرابطة الاسلامية التي كانت عندئذ تقدم الدعم السياسي لحاكم باكستان العسكري الثالث الراحل ضياء الحق. وكان هذا مباشرة بعد حصوله على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة البنجاب.

وكان اول عمل لجيلاني في الخدمة العامة بترشيح من ضياء الحق الذي حكم باكستان من 1977 حتى 1988. فقد أختير جيلاني رئيسا لمجلس الاتحاد عام 1983.

وبعد عامين انتخب للبرلمان الفيدرالي. وخلال التعيين الأول كعضو في البرلمان برزت ظروف ادت الى تركه الرابطة الاسلامية. واختلف جيلاني مع رئيس الوزراء عندئذ محمد خان جونيجو الذي كان يعمل وزيرا في حكومته. وهمش جيلاني في الحزب وأبعد عن الحكومة. وفي سيرته الذاتية كتب يوسف رضا جيلاني بأنه شعر بالعجز بعد أن أبعده رئيس الوزراء عن الوزارة.

وشعر جيلاني بالإهانة وقرر أن يقيم صلات مع رئيسة حزب الشعب الباكستاني بي نظير بوتو التي كانت تقود، في حينه، حملة انتخابية ضد الحكومة العسكرية للجنرال ضياء الحق ورئيس وزرائه الذي اختاره محمد خان جونيجو. ويقول يوسف رضا جيلاني في سيرته الذاتية «ذهبت مباشرة للقاء بي نظير بوتو وقدمت عرضي للالتحاق في الحال بحزب الشعب الباكستاني». وكانت قبضة الجنرال ضياء الحق على البنية السياسية لباكستان قوية جدا في ذلك الوقت، وكان حزب الشعب الباكستاني يواجه مستقبلا غير مؤكد. وسألت بي نظير بوتو الشاب جيلاني «لماذا تريد الالتحاق بحزبنا بينما لا أستطيع أن اقدم لك شيئا».

وفي سيرته الذاتية سجل جيلاني رده على سؤال بي نظير بوتو بالكلمات التالية: «قلت لها، هناك ثلاثة انواع من الناس في هذا العالم.. عشاق الشرف والحكمة والثروة. انا من النوع الاول، وهذا كل ما أريده». ومنح قرار الانضمام الى حزب الشعب الباكستاني دفعة للسيرة السياسية ليوسف رضا جيلاني.

قتل الرئيس الجنرال ضياء الحق في حادثة تحطم طائرة عام 1988 فقررت القيادة العسكرية إجراء انتخابات نزيهة في البلد حيث أعطيت الأحزاب السياسية فرصة لشن حملاتها الانتخابية. وخرج حزب الشعب الباكستاني منتصرا في الانتخابات وكان جيلاني آنذاك عضوا عاديا في الحزب، وتمكن من هزم زعيم الرابطة الإسلامية نواز شريف. كان ذلك أكبر نجاح ليوسف رضا جيلاني وأعطاه دفعة قوية داخل الحزب لتقوية مركزه.

الأفراد الذين يعرفون جيلاني عن قرب يقولون إنه يتحدث بطريقة ناعمة لكنه حازم في قناعاته السياسية. وخلال الشهر الأخير انشغلت جماعات وشخصيات مختلفة داخل حزب الشعب في الضغط من أجل ترشيح هذا الشخص أو ذاك لمنصب رئيس الوزراء. ومنذ البداية تجنب جيلاني أن ينغمر في مناوشات سياسية داخلية لضمان تعيينه رئيسا للوزراء. وحينما كان التناوش في قمته داخل حزب الشعب قال جلياني للإعلام إنه غير راغب في أن يصبح رئيسا للوزراء. وقال محلل سياسي: «كان ولاؤه للحزب وابتعاده عن المناوشات الداخلية وراء تسميته لمنصب رئيس الوزراء».

كذلك يعرف جيلاني بوجهات نظره بما يخص القضايا السياسية الساخنة حاليا. فهو عارض بشدة إعادة انتخاب مشرف رئيسا للجمهورية لخمس سنوات في أكتوبر السنة الماضية. فأثناء الانتخابات الرئاسية أصدر بيانات علنية ضد إعادة انتخاب مشرف بينما كان مستمرا في توليه لمنصب رئيس أركان الجيش. وفي كتاب نشره في الفترة الأخيرة أكد جيلاني أنه مع وجود جيش قوي في باكستان لكن يجب أن يبقى بعيدا عن السياسة. كذلك كرس جيلاني جهوده من أجل منع الرئيس من كل السلطات الدستورية التي تمكن من طرد حكومة منتخبة وحل البرلمان. وقال إن ذلك ضروري لإعادة الديمقراطية البرلمانية للبلد.

ومن اللافت ان يوسف رضا جيلاني سيتسلم ولايته من الرئيس مشرف الذي اتهمه بالفساد وامضى خمس سنوات في السجن قبل ان يطلق سراحه. الا ان صديقه الحميم خواجه عدنان الذي كان هو ايضا نزيل سجن اديالا المخيف في روالبندي القريبة من اسلام اباد، يؤكد ان جيلاني لا يأخذ الأمر على محمل شخصي. وقال «يوسف رضا جيلاني ليس رجلا حقودا، انه باكستاني متحمس عانى جسديا وهو يناضل من اجل اقرار الديمقراطية في البلاد. انه رجل جم التواضع».

ويرى بعض المراقبين انه قد لا يصبح سوى رئيس وزراء بالوكالة في انتظار ان يأخذ صديقه آصف علي زرداري مكانه. ولا يستطيع زرداري التطلع لتولي هذا المنصب لانه لم يكن مرشحا في الانتخابات التشريعية في حين يجب ان يتم اختيار رئيس الوزراء من بين النواب. الا انه قد يترشح عن دائرة زوجته الراحلة حيث ستجرى انتخابات جزئية في مايو (ايار) ما يغذي الشائعات بتعيينه مستقبلا رئيسا للوزراء.

ويتوقع معظم المحللين السياسيين أن يكون لجيلاني مجال ضيق جدا لفرض سلطته كرئيس للوزراء حينما يعمل تحت ظل شخصيات قوية ثلاث هي الرئيس برويز مشرف وآصف علي زرداري ونواز شريف. ويرى بعض المحللين السياسيين أن جيلاني لم يملك بعد سلطته الحقيقية. ووصفه بعض الأفراد من عائلته بأنه «رجل أسرة». فهو حال انتخابه رئيسا للوزراء بأغلبية من المجلس الوطني الباكستاني يوم 24 مارس سافر إلى كراتشي جوا للمشاركة في حفل زفاف ابنه الأصغر عبد القادر جيلاني. ولجيلاني الأب أربعة أولاد وبنت واحدة.