شبح مونيكا

أطل من جديد مع حملة الانتخابات الأميركية

TT

أطل شبح مونيكا لوينسكي من جديد على الساحة السياسية في اميركا، بعد ان كانت هذه الفتاة قد توارت في ظلال الذاكرة عقب ان ارتبطت بفضيحة جنسية مدوية كادت ان تؤدي الى ضياع سلطة رئيس هو بيل كلينتون وشرعية عهد وهيبة بلد. ويتوقع ان يستمر شبحها حتى خلال الفترة المقبلة يطارد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، من خلال وثائق للبيت الابيض يجري حالياً نزاع قانوني بشأن نشرها كاملة.

وكانت إدارة «الأرشيف الوطني والوثائق الادارية»، وهي مؤسسة فيدرالية، قد رضخت لمطالب منظمة تعمل على محاربة الفساد داخل الادارة الاميركية لكشف النقاب عن جميع الوثائق المتعلقة بالفترة التي امضتها المرشحة هيلاري كلينتون في البيت الابيض، وهي تحمل لقب «السيدة الأولى». واقتصرت الوثائق التي نشرها الارشيف الوطني على جدول مواعيد كلينتون، والتي من خلالها اتضحت تفاصيل جديدة حول فضيحة مونيكا.

بيد أن منظمة «جوديشال واتش» تخوض حالياً معركة قضائية مع إدارة «الأرشيف الوطني والوثائق الادارية»، لما تعتبره تماطلاً في نشر نص المكالمات الهاتفية التي اجرتها هيلاري كلينتون من البيت الابيض في عهد زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون. واذا ما نجحت المنظمة في مسعاها فإن شبح الموظفة المتدربة أيامئذ سيطل من جديد، خاصة ان هناك مكالمات لا يرد فيها اسم مونيكا لوينسكي، لكن ربما يدور حديث عنها من دون تسميتها، وبالتالي تتضح تفاصيل جديدة مما يزيد في إحراج هيلاري كلينتون التي تخوض معركة «كسر عظم» مع المرشح الديمقراطي باراك اوباما لكسب اصوات ولاية بنسلفانيا في 22 ابريل (نيسان) المقبل، آخر الولايات المهمة في الانتخابات التمهيدية.

وكانت منظمة «جوديشال واتش» قد كسبت معركتها ضد إدارة «الارشيف الوطني والوثائق الادارية» بنشر جدول اعمال هيلاري كلينتون الذي سجل على 11 ألفا و46 صفحة تعرضت 4 آلاف و800 صفحة منها لرقابة على اعتبار انها تمس بالحرية الشخصية لآخرين. وقال كريس فاريل مدير الابحاث في «جوديشال واتش» إن المنظمة اقامت دعوى قضائية في يناير (كانون الثاني) 2006 تهدف الى إلزام الارشيف الوطني ومكتبة كلينتون الرئاسية في اركنساس، وهي تابعة للارشيف الوطني، بنشر مواعيد وجدول اعمال هيلاري كلينتون عندما كانت «سيدة اولى».

وقال فاريل لـ«الشرق الاوسط» إن إدارة الارشيف الوطني لم ترضخ إلا بعد مرور 18 شهراً لطلب المنظمة، وقررت في 19 مارس (آذار) الماضي الافراج عن تلك الوثائق. لكن إدارة الارشيف الوطني قالت إنها لن تنشر نص المكالمات الهاتفية إلا بعد مرور سنة او سنتين، واشار فاريل الى ان هذا الموقف «غير المفهوم دفعنا الى إقامة دعوى قضائية جديدة، حيث قرر القاضي ان يستدعي مسؤولين في إدارة الارشيف للمثول امام محقق ويشرحون تحت القسم الكيفية التي يعملون بها». واوضح فاريل أن هذا الامر سيتم في الاسبوع الاول من الشهر المقبل.

ويعتقد ان كشف النقاب عن المكالمات الهاتفية لهيلاري كلينتون سيثير عاصفة وزوبعة اكبر بكثير مما أثارته أجندتها اليومية ومواعيدها وارتباطاتها الرسمية. بيد ان الامر ربما يتطلب وقتاً طويلاً حتى تستطيع منظمة «جوديشال واتش» ان تلزم بقرار قضائي جديد إدارة الارشيف الوطني بالافراج عن سجلات المكالمات الهاتفية لهيلاري، ويقول المحامي ادوارد سبرانتو من ولاية فرجينيا، وهو متخصص في قضايا الحريات الشخصية، إن إدارة المتحف الوطني مطلوب منها فقط ان توضح الكيفية التي تعمل بها طبقاً للدعوى التي اقامتها «جوديشال واتش».

وقال سبرانتو لـ«الشرق الاوسط»: «إدارة الارشيف الوطني تقول إن موظفيها يعملون على مراجعة الوثائق صفحة صفحة بل وكلمة كلمة من أجل ضمان عدم تسرب معلومات تضر بالامن الوطني والحياة الشخصية لآخرين او تطبيق القانون، وذلك بناء على قانون صدر عام 1978، وأمر تنفيذي من رئيس البيت الابيض لتطبيق ذلك القانون». ويعتقد سبرانتو ان هناك عملية قانونية طويلة ومعقدة على منظمة «جوديشال واتش» السير فيها إن هي ارادت نشر سجل المكالمات الهاتفية لهيلاري بصفتها «السيدة الاولى».

وعلى الرغم من ان نشر تفاصيل مواعيد وارتباطات هيلاري كلينتون سبب لها حرجاً وأبان عن تناقضات بين ما كانت تفعله وهي «سيدة اولى» وما حدث بالفعل خلال ممارستها مهامها كزوجة للرئيس بيل كلينتون، وما تقوله الآن خلال الحملة الانتخابية وهي مرشحة تطمح للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي. لكن الملاحظ ان وسائل الإعلام الاميركية ركزت على ايام العلاقة بين كلينتون ومونيكا. لكن فريق المرشح باراك اوباما ركز على الجوانب السياسية وما زال يرد على افكارها من خلال وقائع ابانت عنها يومياته وأنشطتها في البيت الابيض. وقال أحد مساعدي اوباما إن هيلاري كذبت على الناخبين عندما قالت لهم إنها عارضت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة ودول اميركا الشمالية (نافتا).

وقال إن هيلاري شاركت في خمسة اجتماعات لحث اعضاء من الكونغرس التصويت لصالح الاتفاقية، كما انها حضرت عام 1993 اجتماعا في البيت الابيض للتعبير عن «مساندتها القوية» كما جاء في جدول اعمالها لاتفاقية «نافتا». وقال ديفيد اكسلورد المستشار الاستراتيجي لأوباما «هذا الامر يجعلنا نتساءل اذا كان ذلك هو سبب التردد في نشر جدول اعمالها» واضاف اكسلورد «هناك مشكلة واحدة، وهي انها لم تقل الحقيقة للناخبين في أوهايو عندما زعمت انها كانت تعارض الاتفاقية».

ودحض مستشار اوباما ان تكون هيلاري قد لعبت اي دور في السياسة الخارجية، حيث تقول الآن إنها راكمت خبرات خلال رئاسة زوجها في العلاقات الدولية، مشيراً الى ان جدول اعمالها يشير الى مساهمة محدودة للغاية في الاجتماعات والاتصالات التي كانت تجري حول كوسوفو وآيرلندا الشمالية على سبيل المثال. وكان قرار كلينتون بالتدخل الاميركي عسكرياً في كوسوفو قد أدى الى استقلال الاقليم في نهاية المطاف في حين استطاع كلينتون ان يدفع باتجاه التوصل ورعاية اتفاق سلام في آيرلندا الشمالية. كما يتبين من مواعيد هيلاري ان قضية الرعاية الصحية لم تحظ بالاهمية التي تتحدث عنها حالياً. وكان لها دور ضئيل جداً بعد ان فشلت مبادرة بيل كلينتون من أجل برنامج شامل للرعاية الطبية.

لكن جميع هذه الملاحظات ضاعت وسط غبار الموضوع الاكثر إثارة، أي موضوع مونيكا لوينسكي. وعلى الرغم من هذا الجانب المثير لم تبادر اية وسيلة إعلام اميركية لتقديم معلومات آنية عن مونيكا، التي اعتمدت على قانون يحمي الحريات الشخصية لإبعاد الصحافيين الفضوليين عن اخبارها. وطبقاً لمعلومات استقتها «الشرق الاوسط» من عدة مصادر فإن مونيكا لم تستطع حتى الآن الحصول على وظيفة مهمة، إذ ان فحص وثائقها من طرف اية جهة يبين انها ارتبطت بفضيحة.

ويقضي النظام في اميركا بان يقدم اي شخص لطلب وظيفة نسخة من سيرته الذاتية مرفقة برقم «الضمان الاجتماعي»، ومن خلال هذا الرقم يمكن الحصول على جميع المعلومات الشخصية. وتعيش مونيكا متنقلة ما بين منزل أسرتها في ولاية ايوا ولندن. وكان آخر ظهور علني لمونيكا في بداية عام 2007 عندما حصلت على درجة الماجستير في علم النفس الاجتماعي من مدرسة لندن للاقتصاد، حيث كانت تدرس في هذه الجامعة منذ سبتمبر (ايلول) عام 2005، وكان عنوان رسالتها لنيل الماجستير «بحث عن المحلف المحايد: دور الطرف الثالث قبل المحكمة العلنية». وكانت قضية مونيكا، التي ولدت في كاليفورنيا عام 1973 لابوين هما في الاصل يهوديان هاجرا الى اميركا من روسيا، قد تفجرت بعد تسرب خبر علاقاتها غير الشرعية مع بيل كلينتون في الفترة ما بين 1995 و1996، الذي سيعترف في ما بعد بانه ربط معها «علاقة غير ملائمة» عندما كانت تعمل موظفة متدربة في البيت الابيض. وعرفت القضية بعد ذلك باسم «فضيحة لوينسكي». لكن مونيكا قالت في وقتها إن علاقتها مع كلينتون كانت عبارة عن «ممارسة شفهية» في المكتب البيضاوي، واتصالات جنسية لكن لم يحدث ان مارست الجنس مع الرئيس الاميركي الاسبق.

وكانت إدارة البيت الابيض قد قررت نقل مونيكا من البيت الابيض الى البنتاغون بعد ان لاحظوا انها تمضي وقتاً أكثر مما يجب في المكتب البيضاوي حيث كان الرئيس كلينتون يمارس مهامه داخل البيت الابيض. بعد ذلك أفشت مونيكا أسرار علاقتها مع الرئيس كلينتون الى صديقتها ليندا تريب التي كانت تسجل مكالماتهما الهاتفية. وحاولت مونيكا أن تكذب في قضية علاقة سابقة ربطت كلينتون مع باولا جونز عندما كان حاكماً لولاية اركنساس، وطلبت من صديقتها لندا ان تكذب تحت القسم، فبادرت الاخيرة الى تسليم تسجيل مكالماتهما للمحقق العدلي المستقل كينث ستار الذي تولى ملف الفضيحة. ومما أثبت تهمة العلاقة غير الشرعية مع كلينتون الهدايا التي كان يقدمها لها واحتفظت بها، ثم فستان ازرق بقيت فيه آثار من لقاء تم بينهما في حمام المكتب البيضاوي.

ثم راح الشعب الاميركي بعد ذلك يتابع مسلسلا طويلا حول الفرق بين «جنس كامل» و«جنس غير كامل».

وقبل أن تظهر ظلال مونيكا لوينسكي في الحملة الانتخابية الاخيرة، كانت آخر مرة تحدثت فيها علناً عندما اصدر بيل كلينتون كتابه «حياتي» عام 2004 يومها قالت مونيكا لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية تعليقاً حول ما اورده الرئيس السابق في كتبه عن علاقتهما «كنت اعتقد انه سيقول الحقيقة في الكتاب، لكنه لم يفعل ذلك. لقد حرف التاريخ وكذب.. لم اكن اتوقع ان يتحدث عن تفاصيل علاقتنا، لكن اذا كان قد سرد الوقائع بنزاهة لم أكن لاكترث للأمر، كنت اتوقع منه تصحيح البيانات الكاذبة التي أصدرها لحماية الرئاسة. لقد كنت أنا البوفيه وهو لم يكن يستطيع مقاومة الحلويات. كانت علاقة متبادلة على جميع المستويات منذ ان بدأت وبالكيفية التي سارت بها».