أولمبياد.. في مهب الريح

الاعتداءات على التبت وعلى المسلمين في شينجيانغ والسجل الحقوقي.. وموقف الدولة الصينية من ميانمار ودارفور أطفأ شعلة المناسبة

محتج من التبت يحمل لافتة مناهضة لاقامة الالعاب الاولمببية في الصين (أ.ف.ب)
TT

ثمة تهديدات لخطط الصين الطموحة بشأن تنظيم أولمبياد على أراضيها لا تشوبه شائبة؛ فقد تسببت الشعلة الأولمبية خلال رحلتها التي تبلغ 85 الف ميل من أثينا إلى بكين لاحتجاجات في مختلف أنحاء العالم بسبب سجل الصين في مجال حقوق الإنسان والاعتداءات التي شهدتها منطقة التبت، وموقفها من قضيتي ميانمار التي تدعم نظامها العسكري، وإقليم دارفور بالسودان حيث تساند الخرطوم في موقفها هناك.

ووجدت الجماعات المناهضة للصين والمؤيدة لاستقلال اقليم التبت، مسيرة الشعلة الاولمبية في اوروبا خير وسيلة للاعتراض على حكومة بكين التي ستستضيف دورة الالعاب في شهر أغسطس (آب) المقبل.

وواجهت مسيرة الشعلة احتجاجات من قبل الكثير منذ انطلاقها من اليونان نهاية الشهر الماضي، حيث حاولت مجموعة مؤيدة لإقليم التبت إفساد حفل إيقاد الشعلة وطالبت بمقاطعة دولية للألعاب. وتواصلت الحملات المناهضة لحكومة بكين في لندن قبل 4 أيام، بالمظاهرات. وتكرر الأمر وسط العاصمة الفرنسية، باريس، في اليوم التالي مما اضطر مسؤولي الأمن إلى إلغاء المسيرة وإطفاء الشعلة وحملها في سيارة الى جنوب البلاد. ولهذا دلالة واضحة؛ فمن المفترض أن تبقى الشعلة مضيئة خلال رحلتها عبر القارات الست قبل أن تصل للصين في الرابع من مايو (ايار). ولكن يبدو أن مشاكل الصين لن تنتهيَّ. فقد اندلعت أعمال العنف من جديد في التبت عندما كان الجيش الصيني يحاول منع مجموعة من سكان التبت من الانضمام لموكب ديني للرهبان البوذيين في إقليم سوتشوان. وحدثت بعض المواجهات كما أفادت بعض التقارير بوقوع أعداد من القتلى بين سكان التبت. وبدأت الاضطرابات في التبت في 14 مارس (آذار)، كما تقول التقارير، عندما وقعت مجموعة من الاحتجاجات ضد الحكم الصيني في التبت، خلال الذكرى الـ49 بانتفاضة لم تكلل بالنجاح ضد الحكم الصيني عام 1959. وكانت الاحتجاجات تستهدف جذب الانتباه لمشكلة التبت خلال الاستعدادات لأولمبياد بكين. كما تم استدعاء قوات من الجيش وأدى هذا إلى مقتل 140 شخصا من أهالي التبت على الأقل وتدمير العديد من الأديرة والممتلكات الأخرى. ومع هذا، يبدو أن التبت ليست هي مشكلة الصين الوحيدة. فالرغبة في الانفصال انتشرت بصورة كبيرة إلى منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم التي تقع على حدود التبت، والتي يسكنها عدد كبير من المسلمين وأفراد من مجموعة اليوغور العرقية الذين لديهم عادات ودين يختلف عن قومية الهون. وقد قاد هؤلاء المسلمون مظاهرات في مارس بعد انتفاضة التبت يدعون لحركة انفصالية ضد الصين، ولكن الصين ردت سريعا واندفعت قوات من الجيش تجاه منطقة شينجيانغ واعتقلت العشرات من اليوغور في رد فعل فوري لمنع تحول الاحتجاجات إلى نوع من عدم الاستقرار مثل ما حدث في مناطق التبت. وتعمق العداء تجاه الصينيين بين اليوغور، الذين يمثلون أكبر مجموعة عرقية في منطقة شينجيانغ، وهم يشعرون بالضيق من تحكم الصين في ممارستهم للعقيدة الإسلامية التي يعتنقونها والقيود على الحريات المدنية. ويقول اليوغور إنهم يعانون من تفرقة عنصرية اقتصادية من قبل الأغلبية التي تتبع قومية الهون. خلال الاستعمار البريطاني في آسيا، تمكنت منطقة الهيمالايا في التبت من الحفاظ على استقلالها وسيادتها، ومع هذا، لم تستطع صد الهجوم الصيني الشيوعي الضاري. ومنذ عام 1949 تعيش المنطقة تحت الاحتلال الصيني وليس لديها ممثلون في الأمم المتحدة. وتظهر العلاقة الوحيدة بين التبت والعالم الخارجي من خلال شخصية الدالاي لاما، القائد الروحي والسياسي لسكان التبت. وقد سافر الدالاي لاما عبر العالم للتعريف بمشكلة التبت، بعد أن هرب مع 80 الفا من أتباعه من أهل التبت باحثا عن ملاذ في الهند عام 1959. ويعد الدالاي لاما رئيسا لحكومة التبت في المنفى بولاية هيماتشال براديش الهندية ويستشيره سكان التبت في كل مشاكلهم السياسية والروحية. وأعلنت الحكومة الصينية أن الدالاي لاما هو الذي قام بعملية تخطيط وتنسيق الاضطرابات، كما أعلنت شنّ «حرب الشعب» ضد المنظمين البوذيين للمظاهرات. وكان أهل التبت يكافحون من أجل استعادة أرضهم، ولكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا. وفي الحقيقة، فإن الوقت الحاضر يشهد تسربا بطيئا للمهاجرين الصينيين من أصل هوني إلى التبت. وإذا لم تتم معالجة الأمر على الفور، فيمكن أن يفقد أهل التبت أرضهم إلى الأبد. وتتمتع أرض التبت بأهمية استراتيجية من الناحية الجغرافية. فبعد اكتشاف عمليات سرقة المواد الخام التي تعتبر جوهرية بالنسبة للاقتصاد الصيني (يأتي على رأسها خام اليورانيوم) والتي حوّلت التبت إلى مجرد مخزن للنفايات، وجدت التبت أن عليها احتمال السياسات الديموغرافية للحكومة الصينية، والتي تفرض اللغة الصينية كجزء من خطة عامة تم إعدادها للشرق الأقصى. وتعمل الحكومة الصينية على تطبيقها منذ الستينيات، دون خوف من استخدام أعمال القمع في سبيل تحقيق ذلك بالقوة. ومنذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، تركزت السياسة الصينية نحو التبت على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتمثل ذلك في بناء خط السكة الحديدية الذي يربط بين شنغهاي والتبت، والذي تم افتتاحه منذ عامين بين جولمود في إقليم شنغهاي ولازا. يقول بي رامان، وهو خبير في الشؤون الصينية ويقيم في دلهي: «إن ما يحدث اليوم في التبت هو رد فعل للقمع العنصري الذي كان يحدث في التبت لما يزيد على نصف قرن منذ احتلال الصين لهذه المنطقة الاستراتيجية. وترجع صعوبة دمج التبت في الصين إلى مفاهيم مختلفة تتعلق بالهوية القومية لكل من الصينيين الهون وأهل التبت. ونظراً لتأثر أهل التبت بتاريخهم وعلاقتهم بالإمبراطورية الصينية، فإنهم يعتقدون أنهم ينتمون إلى التبت في المقام الأول وليس إلى الصين. وتوضح الأحداث الجارية أنه لم يكن هناك أي اندماج روحي بين أهل التبت والمستوطنين الهون في التبت».

وفي هذه الأثناء، يشير المعلقون السياسيون إلى أن مخاوف الصين من الانفصال لا تقف عند حد انتشاره في المناطق الغربية فقط بل يتضمن ذلك هونغ كونغ التي رجعت إلى الصين عام 1997 بعد أكثر من 150 عاما من الحكم البريطاني. وتايوان ـ التي تزعم بكين أنها طفل مسروق آخر. ويقول راجا موهان، وهو خبير آخر في الشؤون الصينية، ويقيم في دلهي أيضا: «فيما يتعلق بالأوضاع في شينجيانغ، فإنها تشبه ما يحدث في التبت، حيث يرتكز الحكم الصيني على القوة العسكرية. وتسبب اختيار بكين لهذا الإقليم كموقع أساسي لاختبار الأسلحة النووية، وتطبيق سياسة الطفل الواحد لكل أسرة، والتمييز العنصري ضد أهله من قبل الصينيين الهون، في العديد من أعمال العنف والأنشطة الانفصالية من آن إلى آخر». وتغطي شينجيانغ نحو سدس مساحة الصين، وهي غنية بالنفط وغيره من الموارد.

وبينما يحدث كل هذا، فإن الصين ترغب في أن تستغل دورة الألعاب الأولمبية التي تقام في بكين، كدليل على أنها أصبحت قوة عظمى. وأولت أهمية كبرى لإنجاح دورة الألعاب الأولمبية هذه، حيث تنظر إليها على أنها مدعاة فخر قومي. ويرتقب أهل التبت كذلك هذه الدورة ويعتقدون أنها فرصة سانحة لإحراج بكين وإجبارها على مراجعة سياستها في هذا الإقليم. وتشير مظاهرات الشعلة إلى وجود دعم جماهيري لمقاطعة دورة الألعاب على الأقل في الغرب. ومع ذلك، فلم تجذب فكرة المقاطعة العديد من قادة العالم الذين يتشككون في جدوى الاستغناء عن شريك تجاري مهم ومقاطعة حدث رياضي من المفترض أنه يرمز إلى الانسجام الدولي. وانسحب بالفعل المخرج السينمائي ستيفن سبيلبيرغ من العمل كمستشار فني لحفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية بسبب دعم الصين للسودان، بشأن إقليم دارفور. كما يقود ممثل هوليوود والناشط في شؤون التبت ريتشارد جير حملة مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية في الصين، إذا لم تتصرف الصين «بطريقة جيدة» مع المظاهرات في التبت. ويجد المئات ايضا من المتظاهرين من معارضي النظام العسكري في ميانمار في عدد من الدول الغربية المساندة، وركبوا موجة الاحتجاجات لإطفاء الشعلة، متهمين الصين بدس انفها دعما للنظام الديكتاتوري هناك.

فمن تراه يفوز؟ وهل تكشف الأشهر المقبلة عن نتيجة ذلك؟