«البوت» الأميركي.. شرطي العالم

أكثر من ربع مليون جندي أميركي منتشرون في العالم لوقف عدوان أو عزل حاكم دكتاتوري أو محاربة إرهاب

جندي أميركي خلال عملية تدريب في كنساس قبل ارساله الى افغانستان (إ.ب.أ)
TT

جمع البنتاغون، قبل اسبوعين، سفراء من 43 دولة افريقية في منتجع في وارنتون (ولاية فرجينيا)، بالقرب من واشنطن العاصمة. نقلهم البنتاغون، واستضافهم، وذلك لتلطيف الاجواء، بعد ان رفضت اغلبية الدول الافريقية بناء قيادة عسكرية اميركية افريقية (افريكوم) فيها. بسبب هذا الرفض، غير البنتاغون خطته، وقرر ان تكون القيادة الافريقية في المانيا. كانت الدول العربية في افريقيا شمال الصحراء على رأس الدول التي عارضت. وقادت نيجيريا وغانا معارضة قوية وسط الدول الافريقية جنوب الصحراء. ورفضت جنوب افريقيا، وترددت اثيوبيا، لكن ليبيريا (التي اسسها، سنة 1847، الرقيق الذين اعيدوا من اميركا الى افريقيا) كانت الدولة الوحيدة التي رحبت ترحيبا حارا بأن تكون القاعدة فيها.

في منتجع وارنتون، قال الجنرال وليام وورد، قائد القيادة الافريقية، للسفراء الافارقة، وهو نفسه اسود: «نريد ان نتعاون معكم. ولا نريد ان نفرض اي شيء عليكم». واضاف: «لا نريد عسكرة السياسة الخارجية الاميركية. ولا نريد عسكرة علاقاتنا مع الدول الافريقية. انا لا اضع السياسة الخارجية الاميركية. ليست هذه وظيفتي، وبصراحة، لا اريدها».

في اول اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، تأسست القيادة الافريقية الاميركية. وفي اول اكتوبر القادم ستبدأ نشاطاتها. لكن، بسبب الاعتراضات الافريقية، صارت القيادة الافريقية خليطا من نشاطات عسكرية وانسانية. لهذا، في منتجع وارنتون، كانت هناك ماري ييتز، سفيرة في وزارة الخارجية وصارت مساعدة الجنرال وود للشؤون الانسانية. هذه اول مرة يؤسس فيها البنتاغون مثل هذا المنصب. ولا بأس، قرر ان تشرف عليه امرأة.

في الاسبوع الماضي، قال هنري جيمساتونيا، صاحب موقع في الانترنت ينتقد البنتاغون: «صار البوت العسكري الاميركي هو رمز توسعاتنا في العالم. لا يحلم جنرالات البنتاغون بشيء مثل ان تقف القدم العسكرية الاميركية في كل دولة. واذا لم تقف، لا بأس من ان تترك أثرها. وكأنها تقول: بوت عسكرى اميركي مر من هنا».

وفي السنة الماضية، توقعت مجلة «ايكونوميست» البريطانية ان يهرول الافارقة نحو فكرة القاعدة العسكرية الاميركية، وقالت: «هذه فرصة ذهبية. فيها وظائف، ومساعدات، وبعثات تدريبية، وخبراء اميركيون». لكنها في هذه السنة، قالت: «تردد عمرو ياردوا، رئيس نيجيريا، لانه شعر ان صلة القاعدة الاميركية بالحرب ضد الارهاب ستغضب المسلمين في شمال نيجيريا». لكن، حتى نواب سود في الكونغرس الاميركي عارضوا الخطة. قال دونالد بين: «يقول اخواننا الافارقة اننا لم نهتم بهم في الماضي. وها نحن، فجأة، نريد ان نرسل طائراتنا ودباباتنا. هناك شكوك كثيرة». اكبر قواعد عسكرية اميركية خارج اميركا هي قواعد جوية، واكبرها في المانيا: في انباخ، ورامستاين، بالاضافة الى قوات في قاعدة حلف الناتو في غايلنكيرشن. وتوجد اربع قواعد في بريطانيا. وثلاث قواعد في اليابان. وقاعدتان في كل من: ايطاليا، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وبنما. وقاعدة في كل من: تركيا، وهولندا، وكيرخستان.

وللجيش الاميركي اربع قواعد في المانيا، وقاعدة في ايطاليا. وللمارينز قاعدة في كل من الفلبين، واسبانيا، ودييغو غارسيا (في المحيط الهندي)، وكوبا (غوانتانامو). من جملة مليون وربع مليون جندي اميركي، يعسكر ربعهم في قواعد خارج اميركا. وفي الوقت الحالي، مع احتلال العراق وافغانستان، يوجد 170 الف جندي في العراق، (و30 الفا من دول اخرى)، و20 الف جندي في افغانستان (و20 الفا من دول اخرى).

يوجد في اليابان ثلاثون الف جندي اميركي، وفي اليابان خمسون الفا، وفي المانيا ستون الفا، وفي ايطاليا اثنا عشر الفا، وفي بريطانيا عشرة آلاف، والف في كل من: البحرين، وقطر، والكويت، وعمان، والامارات.

بعد اعلان الرئيس بوش الحرب ضد الارهاب سنة 2001 (بعد هجوم 11 سبتمبر) انتشرت القوات الاميركية في العالم مثلما لم تنتشر في تاريخها. وساعد على ذلك مطاطية تفسير «الارهاب». حسب القانون الجنائي الاميركي رقم 18، هو «كل عنف بهدف التخويف، وتغيير سياسات، وتأثير على حكومات، باغتيالات، وتفجيرات، وخطف، وابادة شاملة». وبعد ذلك، اضاف الرئيس بوش تفسيرا عقائديا، قال فيه: «حرب الارهاب مثل الحرب الباردة. انها صراع عقائدي مع عدو يكره الحرية، ويريد انظمة استبدادية. سنظل نواجههم بثلاث طرق: اولا: بالقضاء عليهم. ثانيا: باعتقالهم ومحاكمتهم. ثالثا: بنشر الحرية».

لأول مرة في تاريخ القوات العسكرية الاميركية، صار نشر «الحرية» هدفا من اهدافها. ويبرر ذلك للعسكريين الاميركيين ان يفعلوا اي شيء في اي مكان. وصار ذلك واضحا في شعارات عملياتهم العسكرية.

في سنة 2001، نزل «البوت الاميركي» في افغانستان تحت شعار «المسعى الايجابي» (كان شعارهم هو «الخلاص المقدس»، لكنهم غيروه عندما قال مسلمون ان هذا فيه اساءة للارادة الالهية). وفي سنة 2002، نزل «البوت الاميركي» في الفلبين (لمواجهة المقاتلين في مانديناو) تحت شعار «الحرية الدائمة». وفي نفس السنة، وبنفس الشعار، نزل في جورجيا (لمواجهة المقاتلين في الشيشان)، وفي جيبوتي (لمواجهة المقاتلين في الصومال).

وفي سنة 2003، كان شعار غزو العراق هو «حرية العراق». وفي سنة 2006، كان شعار ارسال قوات الى دول الصحراء في افريقيا هو «الحرية الدائمة».

ويوضح تطور قوات الصحراء تذرع اميركا، بأي سبب، لنشر نفوذها العسكري: في البداية، كانت لمواجهة تهريب المخدرات من شمال افريقيا الى جنوب اوروبا. ثم صارت لمواجهة منظمة «القاعدة» في شمال افريقيا والصحراء الكبرى. ثم جاءت «مبادرة الساحل الصحراوي» لمواجهة تهريب الاسلحة. ثم اعلن الكونغرس «مبادرة مواجهة الارهاب في الصحراء»، ورصد لها 500 مليون دولار. ثم جاءت خطة قاعدة «افريكوم» لضمان وجود مستمر وكبير في صورة قيادة في دولة افريقية. وعندما رفضت اغلبية الافريقيين، تأسست القيادة، قبل شهرين، في شتوتغارت، في المانيا، واضيف لها «وجه انساني»، واختير لها «وجه نسائي» هو السفيرة ماري ييتس. قال زولتان كروسمان، استاذ جغرافيا في جامعة ويسكونسين: «توجد، دائما، وراء توسعات البنتاغون اهداف انسانية، حتى اذا لم تكن انسانية». واشار الى ثلاثة اهداف: اولا: وقف عدوان. ثانيا: عزل حاكم دكتاتوري. ثالثا: وقف ارهاب.

وقال: «لا يقدر انسان على ان يدافع عن حاكم دكتاتوري، ولا عن زعيم ارهابي. لكن، بالنسبة للبنتاغون، هذه مسألة علاقات عامة. الهدف الحقيقي هو وضع قدم عسكرية اميركية في مكان لم تكن فيه».

يتخصص كروسمان في الجغرافيا الاستراتيجية، ولهذا، نظر الى الموضوع نظرة ابعد. وقال ان الصراع الاكبر هو بين الدولار، واليور، والين. اي ان العسكريين الاميركيين وضعوا سيناريوهات حروب محتملة، ليست بعد ثلاث او خمس سنوات، ولكن بعد ثلاثة او خمسة عقود.

وقال: «تأسيس قواعد عسكرية نتيجة للحروب اهم من الحروب نفسها. وتأسيس قواعد عسكرية قبل الحروب اهم من الحروب نفسها». مثلا: تحرير الكويت كان هدفا ثانويا لهدف اهم، وهو تمركز قوات اميركية في الخليج. مثلا: اسقاط صدام حسين كان هدفا ثانويا لهدف اهم، وهو اخراج العراق من نفوذ روسيا، ونفوذ بريطانيا.

وقال: «لا اؤمن بنظرية المؤامرة. ولم تكن هناك مؤامرة. ولن تكن. كل شيء مكشوف في وضح النهار. لكن، نعم، العسكريين الاميركيين انتهازيون. ويستغلون اية فرصة لتوسع نفوذهم». واشار الى حقيقتين: «اولا: صار البوت الاميركي موجودا الآن من جبال البلقان الى جبال هندوكوش. ثانيا: ظهرت منطقة نفوذ اميركي جنوب روسيا، وشرق اوروبا، وغرب الصين».  في كتابه «ما بعد النفط»، قال كينيث دوفيس ان خمسة في المائة فقط من نفط الخليج يذهب الى اميركا. ولكن، عكس وعود قدمتها الحكومة الاميركية لحكومات في الخليج، لم ترحل القوات الاميركية التي ارسلت لتحقيق هذا الهدف او ذاك (تحرير الكويت، اسقاط صدام حسين، والآن، مواجهة ايران). ولا تقدر حكومات خليجية على شيئين: اولا: اجبار هذه القوات على الرحيل. ثانيا: تحاشي وجودها على مسافات قليلة من قصور الحكام. وقال: «ليست هذه انتهازية. هذه تجارة (رأسمالية) من الدرجة الاولى». واشار كروسمان الى تدخل القوات الاميركية في البوسنة (1995)، وفي كوسوفو(1999). وسأل: «صحيح، تدخلنا لاسباب انسانية، وقلنا ان الصرب يمارسون تنظيفا عرقيا. لكن، لماذا لم نتدخل في كرواتيا، وكان هناك تنظيف عرقي؟ لأنهم ليسوا سلافيين. ولماذا لم نتدخل في البانيا، وكان هناك تنظيف عرقي؟ لأنهم ليسوا سلافيين». واضاف: «لم تكن مواجهتنا مع المعسكر الشرقي مع دول صغيرة مثل كرواتيا والبانيا. كانت مع العملاق السلافي الذي سيطر على يوغسلافيا، والذي سيطر عليه الاتحاد السوفيتي. ها نحن الآن، عندنا وجود عسكري في كوسوفو وفي البوسنة. وقليلا قليلا نريد واحدا في صربيا نفسها». واضاف: «لا يكاد العسكريون الاميركيون يخفون سعادتهم لانهم، اخيرا، انتقموا».

وقال: «لا نخاف نحن من اعدائنا فقط، ولكن من اصدقائنا، ايضا»، هذه اشارة الى ان القواعد العسكرية الاميركية الجديدة في البلقان تريد ايضا وقف، او تخفيف، النفوذ الاوروبي في البلقان. قبل اربع سنوات، اسست الدول الاوروبية «قوة سريعة التحرك»، وارسلت منها قوات الى البلقان. وكان واضحا انها تريد وقف الانتشار الاميركي.

ثم تأتي محاولات جورج بوش، الرئيس الاميركي، لاقناع فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، بأهمية تأسيس قواعد صواريخ اميركية في جمهورية التشيك وفي بولندا. يدعي بوش ان الهدف هو مواجهة صواريخ من ايران تستهدف غرب اوروبا. لكن، يعمل بوش، ويعلم بوتين، ان هذه مجرد اعذار حتى يصل «البوت العسكري الاميركي» الى حدود روسيا الغربية.

لكن، تنتقد شخصيات مرموقة نظرية «فول دوميننس» (سيطرة كاملة) التي تقف وراء هذه التوسعات، مثل هارولد برنتز، الذي فاز، قبل ثلاث سنوات، بجائزة نوبل في الأدب، الذي قال: «لم يكن الاميركيون صادقين مع انفسهم، ومع غيرهم، مثلما هم الآن. وضعوا كل كروتهم على المائدة، مكشوفة ليراها من يريد ان يراها. كرت «الجوكر» هو «فول دوميننس» (سيطرة كاملة)».

في الجانب الآخر هناك شخصيات مثل دوغلاس باندو، الذي كان مسؤولا كبيرا في وزارة الدفاع، وهو الآن خبير في مركز «كاتو» في واشنطن. قال: «قللت التكنولوجيا من مسرح الحروب، وجعلته قريبا وان كان بعيدا. وقللت مخاطر ارسال قوات في سفن بخارية لا نسمع شيئا عن انتصاراتها او هزائمها الا بعد شهور، في اوراق تنقلها خيول وبغال».

وقارن بين عمل الموظفين من منازلهم، والاتصال مع مكاتبهم بالانترنت، وقال ان العسكريين الاميركيين يقدرون على السيطرة على العالم الكترونيا مع قواعد عسكرية هنا وهناك. وهذا هو نفس رأي الرئيس بوش الذي قال مؤخرا، مفتخرا: «لأول مرة في تاريخنا، صرنا نقدر على ان نضرب في اماكن بعيدة». ربما يشير الى عسكريين في البنتاغون يتابعون طائرات «بريديتور» التي لا يقودها طيار، وهي تحلق فوق منطقة الحدود بين افغانستان وباكستان، تصور الناس، وتنقل لهم الصور مباشرة. واذا ضغطوا على زر امامهم تطلق الطائرات صواريخها على العدو.

* جنود أميركيون حول العالم (المصدر: البنتاغون) العراق: 170,000 افغانستان: 19,500 كينيا: 153 مصر: 29 كوريا الجنوبية: 26,500 اليابان: 48,800 سان دييغو: 311 اندونيسيا: 19 سنغافورة: 115 تايلاند: 113 استراليا: 26 المانيا: 63,958 اليونان: 386 ايطاليا: 11,693 بريطانيا: 10,967 اسبانيا: 1,268 النرويج: 3 تركيا: 1,365 بلجيكا: 1,367 البرتغال: 864 هولندا: 444 غرينلاند: 138 قطر: 158 البحرين: 2,333 الكويت: 10 عمان: واحد الامارات 37 كولمبيا 7 غوانتانامو: 1,457 اكوادور: 12