الهند: نساء المعابد

يطلق عليهن اسم دافاداسي ولا يسمح لهن بالزواج أو الإنجاب

ناشطات من الهندوس خلال تمارين لإحدى المناسبات القومية في بومباي (رويترز)
TT

ظلت الهند لعدة قرون يطاردها شبح ممارسة هندوسية دينية قديمة، يتم عن طريقها تزويج الفتيات للآلهة، حسب زعمهم. ويطلق على الفتيات اسم «دفاداسي» التي تعني باللغة السنسكريتية القديمة الفتيات اللائي يعملن كمساعدات للآلهة. وكن في الماضي جزءا اساسيا من المعابد الهندية. ويشاركن في الاحتفالات ويرددن الأناشيد الدينية ويرقصن للآلهة. ويشير المؤرخ المعروف ادجار ثرستون، في كتابه «تعليقات اثنية في جنوب الهند» انه من الناحية التقليدية ان الفتيات يكرسن في احتفال للآلهة في المعابد المحلية. ولا يسمح لهن بالزواج ويتسم وضعها كامرأة غير متزوجة بالقانونية من ناحية العادات. غير انه يسمح لها بالحياة بطريقة طبيعية واقامة علاقات جنسية وانجاب الاطفال من رجال من اختيارها. ونفس التقاليد التي تؤكد خدمتها للمعابد تلزمها ايضا بتدريبات جسدية وعاطفية على الرقص التقليدي.

وفي الواقع فإن تكلفة نفقات تكريس الفتاة للمعبد يدفعها رجل يسعى للحصول على خدمات من دفاداسي بعينها، عندما تصل الى سن البلوغ. وكان وضع الفتيات اللائي يكرسن انفسهن لخدمة المعابد يؤدي الى حصولهن على القيمة الاجتماعية والمميزات. ويجري دائما اختيار شريك دفاداسي بترتيبات خاصة مع أمها وجدتها. ويرى بعض العلماء ان عادة تكريس فتيات لخدمة المعابد أصبحت منتشرة في القرن السادس بعد الميلاد، لأن معظم الاشارات اليهن بدأت في تلك الفترة. ومع نهاية القرن العاشر، كان عدد الفتيات الدفاداسي في العديد من المعابد الهندية مرتبطا ارتباطا مباشرا مباشرة بثروة وقيمة المعابد. وخلال العصور الوسطى كنا يعتبرن جزءا من المؤسسة الطبيعية للمعابد، وكان وضعهن يأتي في المرتبة الثانية بعد الكهنة، وكان عددهن كبيرا. وكان الملوك والحكام المحليون يدعون الفتيات للرقص في احتفالاتهم.

ويلاحظ أن صعود وأفول نجم فتيات الدفاداسي يرتبط بصعود وأفول المعابد الهندية. فخلال فترات الغزو من غرب آسيا بدأ وضع المعابد الهندية في الانهيار بعدما اصبحت فقيرة وفقدت رعاتها من الملوك، وفي بعض الحالات دمرت تماما. وأدى ذلك الى انتشار الفقر والبؤس بين فتيات الدفاداسي وممارستهن للدعارة.

وكتب عدد من المؤلفين من امثال بانرجي، ان اقامة علاقات مع المسلمين والمسيحيين أو الطبقات المنبوذة، كان محظورا بينما كان البرهم وهو الكاهن الهندي أو واحد من أبناء الصفوة، مفضلا بسبب خلفيته الاجتماعية وثروته. وكانت الطبيعة غير المتعلقة بالخدمة في التعاقد، مفهومة ضمنا مع الدفاداسي ولا تدين للرجل بأي خدمات منزلية، ولا حتى أولاده. ولا يمكن للأطفال الحصول على أي شيء قانوني فيما يتعلق بأملاك الأب الذي كانوا يلتقونه في منزل امهم عندما يأتي لزيارتها.

وكشفت دراسة لأشا راميش حول هذه الممارسة، عن ان تكريس الفتيات للاله كان مبررا من منطلق، انه اذا كان الوالدان بلا أطفال، فيتعهدان بأول فتاة للمعبد اذا ما انجبا اطفالا. واذا لم يكن للأسرة اولاد ذكور، فإن الفتاة تكرس للمعبد ولا يمكنها الزواج، لأنها اصبحت «ابن» الاسرة (المسؤولة عن دخل الاسرة).

ويوجد سبب آخر ساهم في هذا التكريس. اذا كان لدى اسرة الفتاة بعض الاملاك، فإن الاسرة تضمن انها تبقى ضمن الاسرة بتحويل الفتاة الى صبي، للحفاظ على الثروة. ومن خلال جميع السجلات التاريخية، يبدو أنه حتى القرن الثامن عشر كانت الدفاداسي فردا محترما في المجتمع. وكانت تبشر بالحظ السعيد. فقد كان الناس في الأعراس يأخذون جزءا من طرحة الزفاف التي تعدها والتي تثبت عليها بعضا من أجزاء قلادتها. وكان وجود الدفاداسي في أية مناسبة دينية في بيت فرد من الطبقة العليا، يعتبر شيئا مقدسا، وتعامل باحترام وتقدم لها الهبات. من الناحية التقليدية ليس هناك عار يرتبط بالدفاداسي أو بأطفالها، أو أفراد آخرين ممن يستقبلونها في اطار المساواة. وكان أطفال الدفاداسي يتمتعون بالشرعية وهي نفسها غير مميزة عن النساء المتزوجات في مجتمعها.

وعندما وصل الأوروبيون أول مرة الى الهند، اندهشوا لرؤيتهم فتيات يغنين ويرقصن في المعابد. وقد سموا أولئك الفتيات «فتيات المتعة». وبالنسبة للعقل الأوروبي يمكن أن تكون الفتاة الراقصة مجرد مؤدية مسلية لتحقيق متعة الرجال الأغنياء. وفكرة الفن كتضرع الى الآلهة لم تكن معروفة لديهم. وأظهر فيلم وثائقي حول فتيات الدفاداسي، عرض مؤخرا على قناة تلفزيونية هندية نالاندا، التي كانت في التاسعة من عمرها، عندما كرست حياتها للالهة يلاما، وهي الهة الخصب الهندوسية التي ينظر اليها باعتبارها قوة فعالة. ويعتقد كثيرون ان اعطاء الفتيات الى يلاما سيخلق الحظ السعيد لدى العائلة.

وروت قائلة «جاءني رجل في احدى الليالي، عندما كنت نائمة. وقد أخذت منجلا وهددت بقتله. وترك الرجل المكان ولكن فتيات الدفاداسي الأخريات أوضحن انه لا معنى للتمرد، ذلك ان هذه هي الحياة التي تعين علي أن أحياها، طالما أن لدي مسؤولية لرعاية عائلتي. وقد اصبحت حاملا في عمر الخامسة عشرة وولدت بنتا».

وفي الهند الحديثة عندما تكرس الفتيات لـ «الآلهة» فإنهن يرغمن على التضحية بعذريتهن مع رجل أكبر سنا. وما يتبع ذلك هو حياة عبودية جنسية، اذ يصبحن عاهرات مقدسات. وتذهب الأموال التي تحصل عليها الدفاداسي مباشرة الى أولياء أمرها. وقالت ايلما التي ضحت بعذريتها قبل 30 عاما في معبد محلي، إن «والدي لم يكن لهما أي ابناء، ولهذا لم يكن هناك أي شخص يعيل العائلة». وقالت الأخصائية السوسيولوجية أبارنا شارما انه «بما أن نظام الدفاداسي يتمتع بقدسية اجتماعية، فإنه ما من أحد في العائلة، يشعر بالذنب من الأموال، التي تأتي من ممارسة الدفاداسي الجنس. ولهذا النظام أساس اقتصادي واضح. فالقدسية التي يوفرها العرف الاجتماعي، وكذلك الدين مقترنة مع الضغوط الاقتصادية دفعت فتيات العوائل الفقيرة الى أن يصبحن زوجات للآلهة. وبالتالي فإن العوامل الدينية والاجتماعية والاقتصادية تتداخل».

وجرى حظر طقوس تكريس الفتيات الصغيرات كفتيات دفاداسي، قبل ما يزيد على 50 عاما، ولكنها ما تزال تجري. ويقدر أن هناك ما لا يقل عن 50 ألفا من الدفاداسي في الهند، ومعظمهن في اقليم كارناتاكا. كما تسود هذه الممارسة في أقاليم أخرى مثل أندرا وبراديش ومهاراشترا وأوريسا.

وينخفض عدد الفتيات الصغيرات المنذورات. ولكن الطقوس الاحتفالية تجري الآن بصورة سرية، ولهذا من المستحيل معرفة العدد الدقيق. وعلى الرغم من أن معظم الفتيات المنذورات خلال السنوات أو العقود القليلة الماضية يأتين من عوائل ليس لديها تقليد الدفاداسي، فإنهن جميعا يأتين من جاليات ذات تاريخ عريق في هذه الممارسة. وعلى سبيل المثال ففي قرية اسمها يلامبورا تقع في اقليم كارناتاكا جنوب الهند هناك 95 في المائة من العوائل لديها فتيات من الدفاداسي، وهي أعلى نسبة تتبعها قرية مادارز.

وتعمل اللجنة القومية للنساء في الهند، المكلفة حماية وتعزيز معيشة هؤلاء النساء، باتجاه الازالة الكاملة لهذه الممارسة كما تلعب دورا حاسما في السعي الى «اعانات حماية» من الحكومة لفتيات الدفاداسي السابقات. وقالت العضو في اللجنة سانثا ريدي ان «هؤلاء النساء في طريقهن الى صفحات التاريخ يطالبن بالعدالة. وفي محاولة للاساءة الى المعابد والهندوسية، جرى تشويه سمعة هؤلاء النساء بأسوأ طريقة ممكنة. انهن يطالبن بمكانهن الصحيح باعتبارهن ممارسات لفنون كلاسيكية. لنغير وجهة نظرنا بشأن التاريخ ونتغلب على التعصبات التي خلقها ماضينا الكولونيالي. ان اعادة فتيات الدفاداسي الى مكانهن الطبيعي في التاريخ ليس منة تقدم لهن».

وتساعد بعض المنظمات الاجتماعية الكثير من فتيات الدفاداسي، على اعادة صياغة حياتهن، والانتقال الى مواقع اخرى مثل التعليم والخياطة والحرف اليدوية. كما أنها تساعد على ابقاء اطفالهم بعيدا عن عالمهن ذلك ان لديهن المال في الوقت الحالي للدراسة، وممارسة حياة مختلفة.