كيف يتم اختيار الناخبين الكبار؟

للعراق تأثير قليل على أصواتهم.. وسيختارون من يفوز على ماكين

الناخبون الكبار يحسمون اختيار مرشح الرئاسة الأميركي عن الحزب الديمقراطي («الشرق الأوسط»)
TT

قال، يوم الاحد، السناتور باراك اوباما، الذي يتنافس مع السناتور هيلاري كلينتون للترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي، انه متأكد بانه سيفوز عليها لانه يتمتع بأغلبية وسط «سوبر ديليقتز». على طريقة «سوبرمان»، تترجم «سوبر ديليقيت» الى «مندوب معجزة»، وعلى طريقة «سوبرماركت»، تترجم الى «مندوب كبير». وعلى طريقة «سوبر دوبر»، تترجم الى «مندوب عملاق». ويبدو ان كل هذه الاوصاف يمكن ان تطبق على حوالى 800 شخص سيقدرون على تحديد مصير كل من اوباما وهيلاري، وذلك لأن الانتخابات الاولية التي تجري حاليا ربما لن تحسم المنافسة.

يوجد اكثر من سبب يرجح كفة اوباما وسط المندوبين الكبار:

اولا: حتى الآن، يفوز اوباما على هيلاري بأصوات المندوبين الكبار ثانيا: يتأثر المندوبون الكبار بموضوع العرق اقل من تأثر عامة المواطنين، وذلك لأنهم اكبر سنا، واكثر ثروة، واعلى تعليما.

لهذا، قال اوباما يوم الاحد: «هل يلعب العرق دورا في هذه الانتخابات؟ نعم. لا يقدر اي انسان على انكار ذلك. هل يلعب العرق دورا مهماً في هذه الانتخابات؟ لا. لأني على ثقة بأن الشعب الاميركي يعرف انني اقدر على حل مشاكله، مهما كان لون بشرتي».

واضاف: «لا يحتاج حزبنا الى مرشح ليهزم السناتور ماكين (مرشح الحزب الجمهوري). يحتاج حزبنا الى مرشح ليقود اميركا. انا اقدر على ذلك، مهما كان لون بشرتي. وسأقول ذلك للمندوبين الكبار، عندما ينعقد مؤتمر الحزب». سينعقد المؤتمر العام للحزب في دنفر (ولاية كولورادو). ويراهن اوباما على هؤلاء لأن نتيجة الانتخابات الاولية، في الاسبوع الماضي، في ولاية بنسلفانيا، اوضحت ان اغلبية البيض صوتت لهيلاري، وليس له.

تسمي اللوائح الداخلية للحزب الديمقراطي (ومثلها للحزب الجمهوري) «المندوبين الكبار» بأنهم «بليو». هذه هي الاحرف الاولى من العبارة الانجليزية: «قادة الحزب ومسؤولون منتخبون يصوتون لمن يريدون». وطبعا، لا يقدر الحزب (وأي حزب) على تقسيم المندوبين في مؤتمره العام الى كبار وصغار، خاصة ان كل المندوبين يتساوون في الاصوات حسب شعار: «الصوت الواحد للمندوب الواحد».

لكن، هناك نوعين من المندوبين:

النوع الاول: «ايليكتيد» (منتخبون). ويمثلون الولايات حسب تصويت كل ولاية في الانتخابات الاولية. ويجب ان يصوتوا حسب تصويت كل ولاية يمثلونها. اي انهم ملتزمون. واسمهم غير الرسمي هو «مندوبون عاديون».

النوع الثاني: «ابوينتيد» (معينون). ويمثلون قيادة الحزب. ويصوتون لمن يريدون. اي انهم ليسوا ملتزمين. واسمهم غير الرسمي هو «مندوبون كبار». وينقسم هؤلاء الكبار الى نوعين: النوع الاول: رؤساء، ونواب، ومساعدون، وكبار المسؤولين في اللجنة الوطنية للحزب، وفي لجان الحزب بكل ولاية.

النوع الثاني: قادة الحزب الذين صاروا قادة بعد فوزهم في انتخابات رئيسية: اعضاء الكونغرس، وحكام الولايات، وعمد المدن الكبيرة. ستكون نسبة المندوبين الكبار كلهم اكثر من 20 في المائة في مؤتمر الحزب الذي سيختار مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية. وطبعا، الباقون هم ممثلو الولايات حسب الانتخابات الاولية. ويظهر السؤال الآتي: اذا يقدر كل «مندوب كبير» من قادة الحزب على ان يصوت كما يشاء، ما هو الضمان بأن كل «مندوب عادي» من انتخابات الولايات سيصوت حسب تصويت ولايته؟ تقول المادة 12 «جي» من اللوائح الداخلية للحزب: «يلتزم المندوبون المنتخبون (ممثلو الولايات) بالتصويت لمرشح رئاسة الجمهورية في ضمير صادق لعكس احاسيس الذين صوتوا لهم. «معنى هذا ان قيادة الحزب تركت التزام الملتزمين الى ضمائرهم، لانها، حقيقة، لا تقدر على السيطرة على تصويتهم. لكن، جرت العادة، إلا في حالات استثنائية لم تؤثر على نتائج الانتخابات، ان يصوت مندوبو الولايات حسب تصويت ولاياتهم. في سنة 1968، انعقد في شيكاغو المؤتمر العام للحزب الديمقراطي لاختيار مرشح اللحزب في انتخابات رئاسة الجمهورية في تلك السنة. وانعقد، لنفس الغرض، في ميامي المؤتمر العام للحزب الديمقراطي. رشح الاول السناتور هيوبرت همفري، ورشح الثاني نائب الرئيس رتشارد نيكسون. وفاز نيكسون. لكن، ما كان ذلك اهم شيء حدث في المؤتمرين. غطت على الترشيح مظاهرات عنيفة في كل من شيكاغو وميامي. كانت تلك سنوات حرب فيتنام، وكانت اغلبية الشعب الاميركي وقفت ضدها، وخاصة طلاب الجامعات. وبالاضافة الى حرب فيتنام، كانت هناك قضايا اخرى، مثل: حقوق السود، وحقوق المرأة.

واشتكى المتظاهرون بان مؤتمر كل حزب اهمل تمثيل السود والنساء تمثيلا صحيحا (كانت نسبة 90 في المائة من المندوبين من الرجال البيض). وحمل المتظاهرون قيادة كل حزب المسؤولية. بالنسبة للحزب الديمقراطي، كان هناك مرشحان: السناتور همفري، والسناتور ماكفورن. وفضلت قيادة الحزب همفري، قائد الجناح «التقليدي» للحزب، بالمقارنة مع ماكقورن، قائد «المتمردين». وفوزه لمنافسة نيكسون. لكن، عندما هزمه نيكسون، ثار ماكفورن، وقال ان لابد من طريقة اكثر ديمقراطية لاختيار مندوبي الحزب في المؤتمر العام. وقال: «لا بد من وضع نهاية لمؤامرات غرف دخان السيجار وكؤوس الكونياك».

على ضوء ذلك، كون الحزب الديمقراطي لجنة برئاسة السناتور ماكفورن والنائب فريزر (سميت «لجنة ماكفورن وفريزر»). وفي سنة 1970، اوصت اللجنة بالآتي: اولا: إلغاء اختيار قيادة الحزب للمندوبين في مؤتمر الحزب العام. ثانيا: اجراء انتخابات حرة لاختيار المندوبين. ثالثا: حتى لا تؤثر قيادة الحزب على الانتخابات، تشرف لجنة الحزب في كل ولاية على هذه الانتخابات. وهكذا، ظهر الوجه الحديث لما صار يسمى «برايماري الكشنز» (انتخابات اولية). ما هو الوجه القديم؟ كان يسمى «كوكس» (لجنة)، حيث تختار لجنة الحزب في كل ولاية لجنة ترسلها الى مؤتمر الحزب العام. حتى اليوم، تختار بعض الولايات «كوكس»، لكنها تفعل ذلك عن طريق الانتخابات. بطريقة او اخرى، حدث شيء مشابه في الحزب الجمهوري.

منذ انتخابات الرئاسة سنة 1972، تأسس نظام الانتخابات الاولية الراهن.

لكن، من المفارقات ان السناتور ماكفورن نفسه، الذي اشترك في وضع القانون الجديد صار ضحيته. في سنة 1972، فاز ماكفورن في الانتخابات الاولية. وعلى ضوء ذلك، رشحه المؤتر العام للحزب، في نفس السنة، لمنافسة الرئيس نيكسون، الذي اعاد حزبه ترشيحه. وفاز نيكسون مرة ثانية.

رغم ان ماكفورن عارض حرب فيتنام، وتعهد بسحب القوات الاميركية من هناك، ورغم ان الشعب الاميركي كان يريد نفس الشيء، سقط ماكفورن لأن نيكسون نجح في ان يصوره كشخص «غير وطني»، ولا يهتم اذا انهزمت اميركا. ورفع نيكسون شعار «بيس وث اونر» (سلام مع شرف)، والذي لم يكن سوى مفاوضات غير مباشرة مع ثوار فيتنام، انتهت بانسحاب القوات الاميركية على اي حال. استغل نيكسون ليبرالية ماكفورن، وفاز عليه. واعترف بذلك قادة الجناح التقليدي في الحزب الديمقراطي. وخاصة السناتور همفري الذي لم ينس ان زميله ماكفورن قاد تغيير اللوائح الداخلية للحزب.

بعد سنوات، تكرر نفس الشيء.

اجريت انتخابات اولية، واكتسحها جيمي كارتر، حاكم ولاية فلوريدا. وعلى ضوء ذلك، رشح المؤتمر العام للحزب كارتر لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس فورد. وفاز كارتر. ثم جاءت انتخابات سنة 1980، ومرة اخرى، اكتسح كارتر الانتخابات الاولية. وعلى ضوء ذلك، رشحه المؤتمر العام للحزب لرئاسة الجمهورية ضد رونالد ريغان، حاكم ولاية كاليفورنيا، ومرشح الحزب الجمهوري. وفاز ريغان، بعد ان فعل نفس الشيء الذي فعله نيكسون قبله بثماني سنوات. صور كارتر بانه لييرالي، وانه ضعيف، وانه لم يقدر على مواجهة غزو الاتحاد السوفياتي لافغانستان سنة 1979.

ومرة اخرى، قال الجناح التقليدي في الحزب، بقيادة السناتور همفري، ان الانتخابات الاولية هي السبب. قال انها تختار مرشحين ليبراليين (او ضعفاء) لا يقدرون على مواجهة مرشح الحزب الجمهوري. (او، على الاقل، مواجهة وصف الحزب الجمهوري لهم بأنهم «ليبراليون»).

ما هو الحل؟

في سنة 1982، اختار قادة الحزب لجنة برئاسة جيم هانت، حاكم ولاية نورث كارولينا. وبعد سنة، اوصت اللجنة بتعديل لوائح الحزب ليحدث الآتي: اولا: تستمر الانتخابات الاولية لاختيار ممثلى الولايات في المؤتمر العام للحزب. ويلتزم هؤلاء بالتصويت حسب تصويت ولاياتهم.

ثانيا: تختار قيادة الحزب نسبة 15 في المائة من المندوبين في المؤتمر العام. ويصوت هؤلاء كما يريدون. هؤلاء هم «السوبر» (الكبار).

لماذا؟ قال هانت: «نحتاج الى مندوبين لا يتأثرون بنتائج الانتخابات الاولية، ويقدرون على التأمل اكثر، والنظر الى الوضع العام من زاوية اكبر، بالمقارنة مع اعتماد مندوبي الولايات على ولاياتهم». واضاف: «بالاضافة الى رأي الولايات، نريد رأي اميركا. نريد راي قادة الحزب في واشنطن».

في المؤتمر العام للحزب لانتخابات سنة 1984، كان المندوبون «السوبر» هم فقط رئيس اللجنة الوطنية للحزب في واشنطن، ونوابه، ومساعدوه، وكبار المسؤولين في اللجنة. وفي انتخابات سنة 1988، اضيف قادة لجان الحزب في الولايات. وفي سنة 1992، اضيف اعضاء الكونغرس. وفي سنة 1996، اضيف الرؤساء السابقون. وفي سنة 2000، اضيف اعضاء الكونغرس السابقون.

وهكذا، وصلت نسبة المندوبين «السوبر» الى 20 في المائة من جملة المندوبين في المؤتمر العام للحزب. ويظهر السؤال الآتي: هل سيرجح المندوبون الكبار اوباما او هيلاري كلينتون؟ اذا كان هدفهم هو ترشيح مرشح يقدر على مواجهة مرشح الحزب الجمهوري، لن تكن المهمة سهلة، وذلك لأن كلا من اوباما وهيلاري ينتميان الى الجناح الليبرالي في الحزب. بل، فعلا، بدأ مرشح الحزب الجمهوري، السناتور ماكين، في وصف الاثنين بأنهما «ليبراليان». وانه، مثل نيكسون قبله بثلاثين سنة، يريد انهاء الحرب (في العراق)، لكنه لن يستعجل، ولن يحول الانسحاب الى هزيمة. لأنه، مثل نيكسون، يريد «بيس ويذ أونر» (سلاماً مع شرف). التحدي الذي يواجه مرشح الحزب الديمقراطي سواء كان اوباما او هيلاري: هو مندوبون كبار او صغار، معينون او مختارون، ملتزمين او غير ملتزمين.