أوباما.. وهوس الاغتيال

الحديث عن الاغتيالات السياسية في الولايات المتحدة عاد بعد تصريحات كلينتون المثيرة للجدل

أوباما محاطا برجال الامن في احدى جولاته الانتخابية («الشرق الاوسط»)
TT

في الاسبوع الماضي، قالت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي تنافس باراك اوباما للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية، ان واحدا من الاسباب التي تجعلها ترفض التنازل والانسحاب من السباق، علما بانه يتقدم عليها، هو «ما حدث لروبرت كنيدي»، وقالت: «نتذكر كلنا انه قتل في شهر يونيو (حزيران)، في كاليفورنيا» (قبل شهرين من انعقاد المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، الذي اضطر لأن يرشح مرشحا غيره).

وفي الحال، انتشرت في التلفزيونات والاذاعات والانترنت صيحات غضب واستغراب. وفهم كل الناس تقريبا، ان هيلاري قالت ان هناك احتمالا ان يقتل أوباما، وفي هذه الحالة، ستكون هي مرشحة الحزب. اما اذا انسحبت الآن، وقتل اوباما، فعلى الحزب ان يبدأ من جديد عملية اختيار المرشح.

وفي اليوم التالي، حاولت هيلاري تدارك زلة لسانها، فعقدت مؤتمرا صحافيا اعتذرت فيه، الا ان اعتذارها هذا لم يكن صادقا لأنها قالت: «اعتذر اذا اخطأت».

وكان ايوجين روبنسون، وهو كاتب عمود من اصل افريقي في صحيفة «واشنطن بوست» من بين الذين ردوا عليها. وسأل في تهكم: «هل حقيقة قالت هيلاري ذلك؟ لننس هل ستفوز هيلاري او تسقط امام اوباما. هناك مشكلة اكبر، وهي انها ربما فقدت اخلاقياتها». واضاف: «يتفق الذين يعرفون هيلاري معرفة قوية انها عبقرية، وملتزمة، وعاقلة. لكن، يدل ما قالته على انها ليست عبقرية، وليست ملتزمة، وانها مصابة بخلل عقلي».

وقد أعادت تعليقات هيلاري الى الاذهان مأساة آل كنيدي التي صدمت الاميركيين. فجون كنيدي الذي ترشح في عام 1960 لرئاسة الجمهورية، كان مثل اوباما، شابا فصيحا وطموحا، ووعد باميركا «الابعاد الجديدة». وفاز في الانتخابات لهذه الاسباب. لكنه وبعد ثلاث سنوات أمضاها في البيت الابيض، قتل في دالاس في ولاية تكساس.

وبعد خمس سنوات على اغتياله، ظهر كنيدي آخر: شقيقه السناتور روبرت. ومثل شقيقه، ترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي. لكنه هو أيضا قتل في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، قبل ان ينهي المعركة. في تلك السنة، تنافس على الترشيح، بالاضافة الى روبرت السناتور يوجين ماكارثي. لكن الحزب اختار في مؤتمره هيوبرت همفري، نائب الرئيس جونسون، غير انه سقط امام نيكسون، مرشح الحزب الجمهوري. ولو لم يقتل روبرت كنيدي، لكان من المؤكد ان الحزب كان سيرشحه، وربما كان سيفوز على نيكسون.

روبرت كنيدي هو السيناتور الذي قصدته هيلاري كلينتون في حديثها، والذي قرأ فيه الكثيرون الى انها تلمح الى امكانية اغتيال أوباما، وهكذا يمكنها ان تحصد هي تسمية الحزب الديمقراطي. فروبرت كيندي ترشح مثل اوباما في شهر يناير (كانون الثاني). في البداية، كان الطريق شاقا امام كنيدي لأن الرئيس جونسون كان ترشح مرة ثانية، وكان كل الناس تقريبا يعتقدون انه سيفوز (مثلما ان الطريق كان شاقا امام اوباما في يناير لأن كل الاستفتاءات اوضحت ان هيلاري كلينتون ستفوز بترشيح الحزب).

ومثلما نصح بعض الناس اوباما الا يترشح، لانه صغير في السن، ولأن خبراته قليلة، ولانه لن يقدر على منافسة هيلاري كلينتون، نصح بعض الناس كنيدي بانه لن يقدر على منافسة جونسون.

لكن، هناك من نصحه بان يستمر. مثل بيت هاميل، صحافي وكاتب روايات، الذي نشر خطابا ناشده الا يغير رأيه. كتب فيه: «يضع ملايين الناس صورتك في منازلهم. باسم تلك الصور، انت تتحمل مسؤولية اخلاقية لتلبي رغبات هذه الملايين».

في مارس (آذار)، فاز كنيدي في الانتخابات الاولية في ولاية نيوهامبشير. وقال بعد فوزه: «لا اريد ان اكون رئيسا للجمهورية لأني ضد شخص معين. ولكن، لأني اريد وضع سياسات جديدة، ولأني اؤمن بأن هذا الوطن يسير على طريق خطأ، ولأني اعرف ماذا يجب ان نفعل، ولأني سأبذل كل ما استطيع لتحقيق ذلك».

في ذلك الوقت، كانت لهذه العبارات انعكاسات تشبه العبارات التي يرددها اليوم اوباما. ومثل اوباما، خاطب الشباب اكثر من غيرهم. ودعا الى المساواة بين البيض والسود. وانتقد الشركات العالمية الكبيرة. وفي ندوة سياسية، سأله طالب جامعي: «تقول انك ضد الشركات. من يدفع تكاليف حملتك الانتخابية هذه؟». ورد كنيدي سريعا: «يدفعها المواطنون، مثلك».

تشبيه اوباما بكنيدي اذا ليس غريبا. فنقاط الشبه بينهما كثيرة. وحتى ان آل كنيدي، تيد كنيدي وكارولين كنيدي، قالوا ان اوباما يذكرهم بروبرت. واذا كان هذا التشبيه يحضر في عقول الاميركيين بقوة، فان الكثيرين لا يروق لهم الامر، وعلى رأسهم هيلاري كلينتون.

في يناير الماضي، ومع بداية الانتخابات التمهيدية، كانت هيلاري كلينتون تنظم مهرجانا خطابيا في دوفر وقالت فرانسيس تورغي، المرأة التي قدمتها: «يقول بعض الناس ان مرشحا آخر (تقصد اوباما) يشبه جون كنيدي. لكن جون كنيدي قتل. وجاء بعده لندون جونسون». واضافت: «جونسون هو الذي اعلن قانون الحقوق المدنية».

بعد ذلك بشهرين، تحدثت هيلاري كلينتون، ليس عن اغتيال اوباما، ولكن عن انجازات جونسون لانهاء التفرقة العنصرية. وقالت ان جونسون، وليس الزعيم الاسود مارتن لوثر كينغ، هو الاهم في حركة الحقوق المدنية. وكأن هيلاري تريد ان تقول ان ابيض هو الذي حرر السود، وانها كبيضاء، افضل للسود ولاميركا، من اوباما الاسود.

سارا هويتون، كاتبة عمود في صحيفة «نيويورك تايمز»، قالت بعد تصريحات هيلاري الاخيرة عن كنيدي: «هزتنا هيلاري كلينتون مرتين بما قالت: المرة الاولى: لأنها قالت علنا ما كان يقول بعض الناس سرا، وهو ان لون اوباما يرشحه ليكون هدفا للقتل، وذلك عكس بقية المرشحين، وكلهم بيض. والمرة الثانية: لأنها ربطت بين قتل اوباما وفرصها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي. وما كان يجب ان تفعل ذلك».

وكتبت ليبي كوبلاند، كاتبة عمود في صحيفة «واشنطن بوست» : «ليست هناك مبالغة في الحديث عما قالت هيلاري كلينتون عن اغتيال روبرت كنيدي. نعم، لم تقصد ان تقول ان اوباما سيغتال. لكن، مجرد الحديث عن الموضوع يعيد الى الاذهان ظاهرة قبيحة في السياسة الاميركية، وهي ان سياسيين اميركيين اغتيلوا في الماضي. نحن نخاف مما قالت هيلاري لأن التاريخ يؤكد لنا انه يقدر على ان يكرر نفسه». واضافت: «من فضلكم، لا تذكرونا بالماضي. ومن فضلكم، لا تقولوا مثل هذا الكلام للمجانين والمتطرفين».

تأدبا، او خوفا، او الاثنين معا، صار واضحا ان البيض، بمن فيهم هيلاري كلينتون، لا يتحدثون، ولا يريدون ان يتحدثوا عن «اغتيال». لكن، يتحدث عن الموضوع علنا قادة سود لا يخفون ان اقلية غير قليلة من البيض لا تزال تكره كل شخص اسود، حتى لو كان في مرتبة اوباما، ويريد ان يكون رئيسا للجمهورية. قبل ثلاثة شهور، خلال حملة الانتخابات التمهيدية في ولاية ساوث كارولينا، قال بعض القادة السود في الولاية انهم لن يصوتوا لاوباما خوفا من ان يفوز بترشيح الحزب، ثم يقتله ابيض، ثم تتحطم كل انجازات الحقوق المدنية.

وخلال الانتخابات الاولية في ولاية تكساس، قال عدد من السود ما قال اخوتهم في ولاية ساوث كارولينا. وفي ولاية انديانا قالت بنت سوداء ان امها طلبت منها الا تصوت لاوباما حتى لا يفوز، ثم يغتاله ابيض.

في مايو (ايار) الماضي، بدأت الشرطة السرية (التي تحرس الرئيس وكبار المسؤولين ورؤساء الدول الذين يزورون اميركا) حراسة اوباما. ولم يحدث في تاريخ اميركا ان حرست الشرطة السرية مرشحا لرئاسة الجمهورية في مثل هذا الوقت، لان الشرطة السرية، عادة، تنتظر حتى يعلن رسميا ترشيح شخص لرئاسة الجمهورية قبل ان تحرسه. في البداية، رفض اوباما الحراسة. لكن زملاءه في الكونغرس، وخاصة السيناتور ريتشارد ديربن، الذي يمثل ولاية ايلينوي مثل اوباما في مجلس الشيوخ، نصحوه بالقبول.

وطبعا، اكثر القلقين على سلامة اوباما هي زوجته، ميشيل. قبل اربع سنوات، عندما كان اوباما عضوا في المجلس التشريعي لولاية ايلينوي، اعلنت قلقها من ان شخصا يكره السود يمكن ان يغتال زوجها. وقبل ثلاث سنوات، كررت قلقها عندما فاز زوجها بعضوية مجلس الشيوخ. ماذا يقول اوباما عن احتمال اغتياله؟ قال أخيرا: «لا اقضي كل اليوم افكر في مثل هذه الاشياء». واضاف: «قررت، بكامل قواي العقلية، ان اترشح لرئاسة الجمهورية. واعتقد ان كل سياسي يصل الى هذه المرحلة يجب ان يتوقع ان هناك مغامرة، مثلما هناك مغامرة في كل شيء في الحياة».