«هيئة الفضيلة» في اليمن: مشروع يثير الجدل

أصحابها يتحدثون عن «منكرات» في البلاد ومعارضوها يعتبرونها تحتاج الى تعديلات

TT

تشهد الساحة اليمنية جدلا واسع النطاق بعد تسرب معلومات عن سعي عدد من العلماء إلى تأسيس هيئة للفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقد تسرب الخبر عن لقاء جمع الرئيس علي عبد الله صالح بنحو 15 عالما رفعوا إليه رسالة استعرضوا فيها جملة مما سموها «منكرات» في المجتمع اليمني بحاجة إلى تصحيح وتصويب.

ومن ابرز العلماء الذين يسعون لتشكيل هذه الهيئة الشيخ عبد المجيد الزنداني، رئيس جامعة الإيمان والشيخ حمود الذارحي، عضو الهيئة العليا (المكتب السياسي) لحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض وعدد آخر من العلماء المعروفين في الساحة اليمنية. وقد خلق مثل هذا المسعى ردود فعل متباينة.

ويتحدث الشيخ حمود الذارحي احد ابرز الساعين لتشكيل الهيئة، لـ«الشرق الأوسط»، عن بدايات التأسيس لمشروعهم ويقول إن الهيئة التي يسعون إلى تشكيلها تسمى، «الهيئة الوطنية لحماية الفضيلة والتصدي للمنكرات»، وان عددا من العلماء اجتمعوا قبل أشهر واستعرضوا «ما يحصل من مظاهر تهريب الأطفال واستغلالهم وما يحدث في الفنادق من بث للقنوات المشفرة لهدم الأخلاق والخمور المصرح لها. ولذلك رأى «العلماء أنهم إذا سكتوا سيواجهون غضب الله وبالتالي اتفقوا على توجيه رسالة للرئيس علي عبد الله صالح ومقابلته لوضع هذه المظاهر أمامه واقتراح إنشاء الهيئة وقد وافق على ذلك».

ويكشف الشيخ الذارحي عن هيكلية هيئة الفضيلة التي يسعون لتشكيلها وهي أنها تتكون من 25 عالما إضافة إلى النائب العام وأربعة وزراء هم: الداخلية، الإعلام، الثقافة والإدارة المحلية. ويعتبر إنشاءها مثله مثل إنشاء هيئات لمكافحة الفساد المالي والإداري وهيئات لحقوق الإنسان ويتساءل: «لماذا الجانب الأخلاقي ظل مهمشا والناس منشغلون بالجانب السياسي فيما الجانب الأخلاقي يفتك بالأمة ويدمرها؟».

وردا على مخاوف المنتقدين من تحول الهيئة إلى «شرطة دينية» يقول الذارحي إن الهيئة «لن تقوم بهذه الأمور وإنما هي عبارة عن أداة لتنبيه الأجهزة الرسمية بواجبها الذي عليها، مثلا لا يحق لوزارة الداخلية أو وزارة السياحة أن ترخص لاستيراد الخمور، لكن الأجهزة الرسمية قصرت في واجبها، والهيئة ستقوم ببرامج توعية عبر الندوات والحلقات التلفزيونية لتحصين الشباب والأمة من هذا الاختراق في مجال الأخلاق».

ثم يضيف «الهيئة لن تلاحق الناس.. هيئتنا لا تحتاج إلى ذلك بل تحتاج إلى توعية وقناعة على مستوى الأفراد». وينتقد الشيخ الذارحي وبشدة المعارضين لإنشاء مثل هذه الهيئة ويقول إن «بعض الذين هاجموا العلماء ربما يكونون على صلة بتلك المؤسسات وقيام مثل هذه الهيئة سيفوت عليهم أشياء ومصالح». وردا على من يتساءل: لماذا لا يتحرك العلماء ويرفعون أصواتهم بشأن ما يتعلق بهموم الناس المعيشية وغيرها؟ يقول رجل الدين اليمني إن «أول ما طرحه العلماء على الرئيس صالح هو قضية الغلاء والوضع الاقتصادي قبل طرح الجانب الأخلاقي وإنهم اقترحوا عليه موضوع الأمن الغذائي وطالبوه بطرحه كمقترح على القمة العربية المنصرمة».

وفي الوقت الذي يعتبر البعض قيام مثل هذه الهيئة المزمعة كنشاط متشدد يتناقض مع وجود اليمن في الحلف الدولي للحرب على الإرهاب، فان الشيخ الذارحي يعتبر أن وجود الهيئة سيسحب البساط من تحت «الشباب الطائش والمتهور» وان عدم وجودها «سيؤدي إلى التطرف والإرهاب».

من جهته يعتقد الشيخ يحي النجار، وكيل وزارة الأوقاف اليمنية أن التحرك لإنشاء هذه الهيئة (الفضيلة) له دوافع سياسية من قبل بعض الأحزاب في الساحة، حسب قوله لـ"الشرق الأوسط"، لكن الشيخ الداعية في الوزارة جبري حسن إبراهيم لا يرى ضيرا من إنشاء الهيئة بشرط أن تتشكل من أهل الخبرة والإيمان والتوسط والعلم والعقلانية والموعظة الحسنة التي بينها الله تعالى. ويدعوا لان تكون الهيئة تحت إشراف جمعية علماء المسلمين أو جماعة الفتوى المكونة من خمسة علماء. ويضيف الشيخ جبري لـ"الشرق الأوسط" إن مثل هذه الهيئة سواء كانت تحت إشراف الدولة أو مستقلة ستحارب الفساد والانحراف وتحفظ البلاد من الانزلاق ومن كانت لديه تحفظات عليه أن يطرحها بالحسنى بشأنها.

وفي المعسكر المقابل والمعارض لإنشاء هيئة للفضيلة في اليمن هناك عدد كبير من الساسة والمثقفين والأدباء والصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان. ومن ابرز هؤلاء نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبد الباري طاهر الذي بدأ حديثه لـ«الشرق الأوسط» بإيراد قول مأثور هو «إذا رأيت العالم يتردد على الحاكم فاعلم انه سيئ وإذا رأيت الحاكم يتردد على العالم فاشهد له بالإيمان».

ثم يردف: مجتمعنا اليمني فيه عشرات المآسي مثل تجارة الأطفال والثأر والحرب والاختطاف والقتل في كل مكان والمجاعة والفقر.. والفقر هو الكفر الحقيقي، ومع ذلك يريدون أن يكونوا هيئة هي رقابة دينية.

ويقول طاهر إن «الشيء الفاجع ان اليمن يدخل صراعا دينيا طائفيا، ويراد قمع الحريات العامة والاحتجاجات في المحافظات الجنوبية ويراد تحالف سياسي لمواجهة الحرب في صعدة، ومن جديد هناك توجه إلى جر حزب الإصلاح المعارض إلى بيت الطاعة بوساطة تيار داخله وبالتالي شق تكتل أحزاب اللقاء المشترك ويراد أيضا الزج باليمن كل اليمن في حرب طائفية».

وفي ظل هذا الجدل ما هو موقف الحكومة أو الحزب الحاكم مما يجري ومن إنشاء هيئة الفضيلة؟، يرد على السؤال طارق الشامي، رئيس دائرة الفكر والإعلام في المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن بالقول إن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ هو مهمة كافة المسلمين دون استثناء، لكن الدولة هي المعنية بمحاسبة الناس من خلال مؤسساتها». ثم يقول لـ«الشرق الأوسط» إن إنشاء الهيئة مسألة تخضع للقانون الذي ينظم إنشاء المنظمات والهيئات» وأي منظمة خارج القانون لا اعتقد أنها ستمنح ترخيصا بإنشائها».