العلويون في لبنان.. الملف الملغوم

يؤكدون أنهم ليسوا طائفة جديدة أو غرباء عن النسيج اللبناني.. لكن شعاراتهم تبين ولاء دفينا للنظام السوري

سيدة لبنانية تعبر عن صدمتها من الدمار الذي لحق ببيتها جراء معارك بين مليشيات السنة والعلويين في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

فتحت الاشتباكات بين منطقتي التبانة وجبل محسن في عاصمة الشمال اللبناني طرابلس ملفا حساسا، لطالما كان اللبنانيون يتجنبونه. هذا الملف يحمل عنوان الوجود العلوي في لبنان. فالملف ينبض بمقادير كبيرة من المبالغات التي تنسج عادة حول الاقليات في اي دولة من الدول لتبقى الحقائق في مكان آخر أكثر واقعية.

أولى هذه الحقائق أن العلويين في لبنان هم إحدى الطوائف الإسلامية المعترف بها وفق القانون 60/ ل ر بتاريخ 13/3/1936. وهم يتمركزون تحديداً في محلة بعل محسن (أو جبل محسن) في طرابلس بنسبة 60%، إضافة إلى تجمّعات متناثرة في بلدات المسعودية والسماقية وحكر الظاهري والحوشة وتل حميرة في سهل عكّار بنسبة 38%. أمّا عددهم فيربو على 65 ألف نسمة تقريباً حسب سجلات النفوس. يمثلهم نائبان في مجلس النوّاب حالياً هما عضو كتلة المستقبل بدر ونوس في طرابلس، ومصطفى حسين في عكّار، الذي أعلن العام الماضي انسحابه من كتلة الحريري.

الحقيقة الثانية ان العلويين عانوا، كما معظم الاقليات في العالم العربي، إهمالا من دولتهم، لا سيما انهم موجودون أصلا في مناطق تصنف محرومة بامتياز ليتساووا في الحرمان مع ابناء محيطهم من السنة في طرابلس وعكار.

أما الحقيقة الثالثة فهي ان تحكم النظام السوري في مفاصل الحياة السياسية اللبنانية منحهم امتيازا خاصا وسمح لهم بفرض هيمنتهم على محيطهم طوال فترة وجود القوات السورية في لبنان، لتنحسر هذه الهيمنة بعد خروج هذه القوات، ويعودوا الى الواجهة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان. أما الحقيقة الرابعة فهي ان الحرمان الذي لحق بالعلويين دفعهم الى المثابرة لتحسين اوضاعهم وللاندماج في المجتمع الطرابلسي واثبات وجودهم من خلال العلم والثقافة. وقد نجحوا في هذا الاتجاه الى حد بعيد، لولا دخول العامل السوري على الخط وتحولهم من نخب تساعد قواعدها الشعبية، الى طرف سياسي يرتبط بقوى الامر الواقع، ويستغله متجاهلا تأثير هذا الاستغلال على المدى الطويل. والزائر لمنطقة جبل محسن حاليا، بعد الاشتباكات التي شهدتها المنطقة، يخرج بانطباع متناقض حول هذا الملف الملغوم، بين الصورة التي يرغب العلويون في تكريسها مقابل الواقع الفعلي لهذا المجتمع داخل محيطه. ويحاول البعض رسم ملامح هذه الاقلية باعتماده «المثالية المفرطة» في حديث الصالونات حيث يتم التأكيد على عدم وجود فقر وأمية وعمالة أطفال وما الى ذلك من العلل الاجتماعية التي تشير الدراسات والاحصاءات الى وجودها، وتحديدا في التبانة وبعل محسن، في حين لا يختلف الشارع العلوي عن غيره من شوارع الضواحي المحرومة، سواء لجهة البطالة الظاهرة على ملامح الشباب المتجمعين ظهرا حول النراجيل او لدى تراكض النساء والاطفال خلف شاحنة محملة بالبطاطا. وعند سؤالهم ماذا تفعلون؟. تجيب امرأة: «يقدمون إعاشة بطاطا». من يقدمها ؟ تتلعثم المرأة قبل ان تقول: «لا اعرف». لترد ابنتها: «كيف لا تعرفين. قدمها (الرئيس السوري) بشار الاسد». ثم تسرعان لتمسك كل واحدة منهما بطرف كيس البطاطا. هنا ايضا تكمن حقيقة أخرى. وهي ان العلويين ورغم تأكيدهم انهم لبنانيون حتى العظم، لا يستطيعون إخفاء ولائهم للنظام السوري. ولعل شعاراً على جدار في جبل محسن خير دليل على ذلك. الشعار هو: «لن تموت أمة زعيمها بشار الاسد وقائدها حسن نصر الله». في عودة الى الجغرافيا يعلمنا أهالي المنطقة ان جبل محسن كان إسمه جبل الزيتون. وهو الاسم الرسمي حتى اليوم في السجلات العقارية. ذلك ان بساتين الزيتون كانت تغطي المنطقة التي اشتهرت ايضا بزراعة القمح. آنذاك كان العلويون يعيشون تحت في التبانة. اما تسمية المكان المرتفع حوالي 200 متر عن سطح البحر فتعود الى اسم صاحب الارض تيسير محسن وعائلته. وهو من طرابلس. ساعد العلويين على التملك في «الجبل» مع التمدد العمراني.

يروي أحد الوجوه البارزة في المنطقة، كمال زاهر، حكاية العلويين، فيقول: «المناطق الجديدة في جبل محسن عمرها عشر سنوات. نمت مع الامتداد السكاني. نحن طائفة اسلامية علوية من ضمن الطوائف المعترف بها في العام 1936. كان هذا التصنيف الطائفي اكبر هدية قدمها لنا الانتداب الفرنسي، وهي هدية ملعونة. فالتقسيم الطائفي لا يزال يؤثر علينا وندفع ثمنه غاليا. نحن نحمل جنسيات لبنانية منذ العام 1932 عندما اجري المسح السكاني. لسنا طائفة جديدة ولسنا غرباء عن النسيج اللبناني، ولسنا متقوقعين. لم يكن لدينا الحق بالتوظيف. نقوم بواجباتنا ولا تمنحنا الدولة حقوقنا بسبب التوزيع الطائفي ووفق المحاصصة الطائفية في لبنان. حتى اليوم ليس لدينا قانون للاحوال الشخصية». عن بداية النهضة في صفوف المجتمع العلوي يوضح زاهر: «عام 1970 بدأت نخبة من الشباب العلوي المتعلم والمثقف تصطدم بالواقع اللبناني. من يريد ان يتوظف يجب ان يكون سنيا او شيعيا او مسيحيا ليحظى بالوظيفة، وحتى في هذه الحالة الحظوظ واحد على مليون. رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية قال لنا: لا حقوق لديكم قبل تنظيم وضعكم الطائفي». في 23/9/1973 انشئت «حركة الشباب العلوي» برئاسة النائب السابق علي عيد. وكانت الانطلاقة لتحصيل حقوق الطائفة في لبنان. عندما تخرج عيد من الجامعة الاميركية تقدم بطلب توظيف الى وزارة المالية. رد طلبه مع عبارة «كون الطائفة العلوية غير معترف بها من الناحية القانونية». لا يفسر خالد كيف يكون العلوي حامل الهوية اللبنانية وغير معترف به من الناحية القانونية؟

النائب السابق طلال المرعبي تقدم عام 1970 الى مجلس النواب بمشروع قانون لمنح العلويين ممثلين لهم في البرلمان. مع اتفاق الطائف عام 1989 اعطيت الطائفة نائبين في طرابلس وعكار. لكن ترتيب أمور الطائفة لا يزال معلقا. ويوضح زاهر: «التاريخ العلوي الحديث بدأ في العام 1992 مع منح الطائفة حق 2% من نسبة التمثيل البرلماني. وقد اخذنا هذا الحق بفضل اتفاق الطائف. بعد التسعين اصبح في الجيش اللبناني ضباط من الطائفة». ويشير الى ان العلويين يتبعون المذهب الجعفري الاثني عشري. يؤكد الامر مصدر قضائي شرعي لبناني. يقول: «من الناحية القانونية يتبع العلويون المذهب الاثني عشري في أحوالهم الشرعية»، ويضيف «ان محاولات تشييعهم لا تتصل بالشأن السياسي وانما بالشأن العقائدي. وقد بدأها مفتي بعلبك الشيخ حبيب آل ابراهيم، الذي كان يحمل لقب «شمس العراقين» وكان مرجعا دينيا معروفا في اربعينات وخمسينات القرن الماضي. فقد اتجه الشيخ حبيب آنذاك الى جبل العلويين وساحله في سورية. وأثمرت جهوده آنذاك فأعلن 40 ألف علوي التشييع. وفي مرحلة لاحقة حصل تقاطع افكار بين الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد والإمام موسى الصدر حول ان لا يكون للعلويين وضعهم الطائفي الخاص في لبنان، بدليل ان المحاكم الجعفرية هي مرجعيتهم». ويضيف المصدر: «كان النائب السابق علي عيد قد قدم مشروع قانون الى مجلس النواب بشأن الوضع القانوني للطائفة. وحاول الايهام انه قدم مشروع القانون بتأثير من الرئيس الاسد. لكن الرئيس الاسد سارع الى تجميد القانون. وقد لاحظنا في دعوة رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال سليمان ان الدعوة لم توجه الى اي مرجعية علوية». كثير من العلويين غيروا هوياتهم في فترة سابقة. وتحولوا الى المذهب السني. حتى ان بعض بطاقات هوياتهم تحمل في خانة المذهب عبارة: سني علوي. عاد بعضهم واسترجع هويته. سابقا كانت تتم عقود القران في المحكمة السنية، اما حاليا فهي تتم في المحكمة الجعفرية. والسبب كما يقول البعض هو رغبة سورية مبنية على خلفية العلاقات الجيدة التي تجمع النظام السوري بالقوى الشيعية اللبنانية. هذا الطرح يزعج الشباب العلويين. فهم يعتبرون ان استخدامهم بهذا الشكل يسيء اليهم. ولدى سؤال اي منهم عن خلفية ما يجري يحافظ الشباب في جبل محسن على خطاب موحد عن مسؤولية «طابور خامس» و«غرباء» تمركزوا في التبانة وتسببوا بالتفجير الامني. يجهدون لعرض المسألة برباطة الجأش، قد ينهار الهدوء لحظات ليتصاعد خطاب صدامي، لكن هذا الخطاب سرعان ما ينحسر لمصلحة التهدئة والعقلانية.

كذلك قد يتردد أحدهم قبل ان يعرف عن نفسه. يطلب ان نستمع اليه اولا. يقول: «نحن مثل الجميع في طرابلس. لا فرق بين سني وعلوي. لا أحد يستطيع ان يقتلع الآخر. هناك يد غريبة دخلت على الخط لتقتلعنا. لكن هذا كلام فارغ. عليهم ان يتركونا بسلام لنعيش معهم. نحن لسنا دخلاء على المجتمع الطرابلسي، وكذلك هم. طول عمرنا نعيش مع بعضنا ونأكل معاً. نحن لا نستغني عنهم واولادهم رفاقنا. متاجري في طرابلس وانا اعمل هناك. ولدينا محبون كثر في المدينة لا يسمحون لأحد ان يمسنا. الغرباء هم الذين يفتعلون المشاكل. اهل التبانة الاصيلون لا يقبلون ان يحمل احدهم بندقية ويوجهها الينا».

بعد ذلك يعرف عن نفسه. انه علي مرعي من جبل محسن. وهو يؤكد ان عائلات سنية كثيرة تعيش في الجبل بأمان. يضيف: «لم نكن نعرف هذه التفرقة بين علوي وسني. انا في الهوية سني. ثلاثة ارباع أهل طرابلس السنة هم علويون. غيروا مذهبهم منذ زمن لأن الطائفة العلوية كانت مستهدفة. المراكز ممنوعة على ابنائها وفرص العمل المحترم معدومة. لا مجال لدخولهم سلك الجندية. ولا توظيف. لا دور لدينا في الانتخابات. الاكثرية السنية تنتخب نوابنا. كما يريدون حقهم نريد حقنا».

ويصر علي على نفي وجود أي ارتباط عضوي مع النظام السوري. يقول: «نحن ذبحنا على ايدي السوريين أكثر من غيرنا. كانوا يسحبوننا سحبا من بيوتنا. لسنا سوريي الهوى. لا أحد ينكر هويته اللبنانية. تلقينا ضربات أكثر من كل الناس.. كلنا مسؤولون عما حدث من اضطرابات. نحن ندمر وطننا. ونحن محاطون بأياد غريبة تنهشنا وتسبب الفتنة. ليتركونا يومين بهدوء نعود الى سابق علاقاتنا مع بعضنا». ويضيف: «لا خلاف مع السنة. قرآننا واحد. احتفالاتنا تتم في مناطقهم. لا حياة خاصة لدينا في مناطقنا. لا تطرف لدينا. لا اعياد خاصة لدينا ونحتفل بالاعياد الدينية مثل جميع المسلمين. لا تطرف لدينا. لسنا متقوقعين. في جبل محسن شخص اسمه علي عيد هو على رأسنا. نحن لبنانيون ولسنا سوريين. لكننا لسنا ضعفاء. اذا راجعوا حساباتهم سيجدون انهم سيخسرون اذا استمروا في الكلام الطائفي والنعرة الطائفية. ولدنا وكبرنا مع بعضنا وهذا الامر يساوي الدنيا وما فيها. المنطقة مختلطة. نسبة كبيرة من اهالي اكروم العكارية تقيم هنا. وهم اهلنا وخلال كل الاحداث لم يتركوا المنطقة». يؤكد الشباب ان حالات الزواج المختلط بين العلويين والسنة اكثر من ان تحصى. ويعرضون اصطحابنا الى العائلات التي تؤكد هذا الامر. يقول الاستاذ الجامعي المتخصص في الحركات الاسلامية الدكتور عبد الغني عماد: «الوجود العلوي عريق في طرابلس. لهم العادات نفسها وهم مندمجون مع غيرهم. المدينة لم تكن تميز بين سني وعلوي وهناك طبقة اطباء ومهندسين ومحامين. وهم من العناصر الناجحة في المجتمع الطرابلسي. لكن الأحوال تغيرت وبرز الوجود السياسي للعلويين عام 1976، عندما حصل انفصال بين الفلسطينيين والسوريين، إثر الصراع بين الطرفين. آنذاك دعم السوريون علويي جبل محسن، وفي المقابل دعم الفلسطينيون من خلال وجودهم أهالي التبانة. انفجر الصراع في ذلك الوقت انعكاسا للصراع السوري ـ الفلسطيني. بعد الاجتياح الاسرائيلي وعودة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى طرابلس تأسست حركة التوحيد لتكون حليفة لعرفات على خلفية الصراع السوري ـ الفلسطيني. بقيت الجبهة مفتوحة اثناء هيمنة الحركة على طرابلس. وتحولت المنطقة بؤرة صراع وخطوط تماس. وبعد صراع كبير خرج ابو عمار من طرابلس ودخل السوريون المدينة بعد حصار 35 يوما. بعدها بسط العلويون هيمنة كاملة وحملة اعتقالات شاملة طاولت كل من له علاقة بالتوحيد. ثم اتهم علي عيد وجماعته بارتكاب مذبحة قتل فيها مئات في التبانة. تمت لفلفتها ولم يحاسب احد عليها ولم يتم تداولها لزمن. الفرق بين المنطقتين شارع عرضه خمسة امتار والكثير من الدماء. لا أحد من أهالي التبانة إلا وفي قلبه جرح نتيجة قتل احد افراده او جرحه او اعتقاله او اختفائه. طالما كان السوريون موجودين كانت القضية مكبوتة. خرج السوريون وتركوا الاحقاد. خاصة مع الحديث عن سلاح قدمه «حزب الله» الى جبل محسن. الواضح ان هناك من يمول. العلويون فقراء وكذلك اهل التبانة. من اين للجميع المال لشراء للاسلحة؟».

خلال الثمانينات ومعظم التسعينات اصبح علي عيد صاحب النفوذ في المدينة. واستمر وضعه كذلك خلال فترة وبقي الجرح مفتوحا ولم تتم مصالحة حقيقية بين جبل محسن والتبانة. وأصبح العلويون اصحاب كلمة نافذة عند السوريين. لا احد كان يجرؤ على التعرض لهم. كلمتهم تمشي وتفك المشنوق». مع دخول قيادات سورية في طرابلس على خط التحالف مع سورية تغير وضع علي عيد. لم يعد الحاكم بأمره كما كان في الاعوام الاخيرة من الثمانينات. برزت قيادات سنية حليفة. تم استبدال علي عيد بالنائب السابق أحمد حبوس الذي لم يستطع الامساك بالشارع العلوي. جاءت الانتخابات 2005 وفاز الدكتور بدر ونوس. لكن العلويين المجنسين لا يعترفون به. في حين يحظى بتأييد النخبة العلوية المثقفة والواعية والمتعلمة والعائلات العلوية الطرابلسية.

العالمون بالأمور يوضحون ان علي عيد كان حليفا لرفعت الاسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الاسد، وقد سمى ابنه رفعت تيمنا به. ليضيفوا «ان النظام السوري استخدم عيد وحزبه للقيام بتنظيف طرابلس وعكار من القوى التي تناهضهم، وبعد ذلك توسع في نفوذه وهيمنته ما ازعج السوريين الذين استغنوا عن خدماته وابعدوه». اليوم مع بزوغ نجم رفعت ابن علي عيد، يقول هؤلاء ان الحاجة فرضته في الظروف الراهنة لإحداث توازن في مواجهة الاكثرية و«تيار المستقبل» تحديدا. فالمواجهة الحالية لا تهدف الى اكثر من اراحة «حزب الله» في مواجهته مع «تيار المستقبل»، وبالتالي العلويون مرغمون على التزام بعض الجولات التي ترهق «المستقبل» وتخفف من حدة الصراع السني ـ الشيعي الذي لا يرغب الحزب في تظهيره.

يرفض خالد زاهر ما يقال عن ان علي عيد هيمن خلال الوجود السوري على طرابلس وفرض خوات على الناس. قال: «الهيمنة تعني الاعتداء على الناس واستخدام القوة في غير محلها. نحن قبل دخول سورية الى لبنان تعرضنا الى التهجير والاضطهاد. محلاتنا تعرضت الى السرقة على يد حركة التوحيد. نحن دفعنا ثمنا عن النظام السوري في طرابلس. تهجرنا عام 1976. ممنوع ان ننزل الى المدينة، وسقط لنا 600 شهيد خلال الحرب الاهلية».

يروي زاهر انه خلال الحرب الاهلية اوقف حاجز للقوات اللبنانية شباناً علويين وسألهم احد العناصر: «هل تمتون بصلة قرابة الى الرئيس السوري حافظ الاسد؟ اجابه احدهم: بقدر ما تمتون بصلة قرابة الى الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان. اللبنانيون من الطوائف الاخرى لا يميزون بين علوي لبناني وعلوي سوري. في سورية النظام بعثي وليس علويا. الا ان قناعتنا السياسية هي مع الخط السوري. عام 1994 تم تجنيس 12 الف علوي. يقول زاهر: «من تجنس كان يقيم في طرابلس، لكنه تهجر خلال الاحداث 1976 الى سورية. هناك اليوم 150 عائلة لبنانية علوية تقيم قرب حمص.

وهو يرى ان ما يحصل حاليا يهدف الى اقامة إمارة سلفية سنية في طرابلس. «داعية الاسلام الشهال يريد ان يطرد النصارى والعلويين والسنة المعتدلين ليقيم امارته». ويتمنى من الجيش ان يأخذ دوره الكامل ويسحب الغطاء السياسي عن الجميع. يريد مصالحة فعلية مثل تلك التي جرت في عهد الرئيس الراحل رشيد كرامي.

زكية عيد زاهر، رئيسة جمعية «وثبة الفتاة الخيرية»، تؤكد ان المجتمع العلوي نشيط ويسعى الى تطوير قدرات افرداه. وتقول ان الجمعية انشأت مشاغل خياطة لتعليم النساء والفتيات مهنة. كما ساهمت في تعليم البنات ونظمت دورات محو أمية واحضرت من وزارة التربية في سورية الكتب اللازمة التي قالت ان لا كتب مثلها في بيروت. كذلك نظمت الجمعية دورات لغات وتقوية في المواد التعليمية للشهادات الرسمية. تفتخر زكية بانها اول فتاة علوية حصلت على وظيفة في دائرة رسمية. وتصر على ان لا نسبة فقر كبيرة في جبل محسن ولا بطالة ولا عمالة اطفال، بل ان الاكثرية من الطبقة المتوسطة. المبالغة في اظهار المجتمع العلوي صافيا من المشكلات الاجتماعية تعكس خوف نخبة هذه الاقلية من النظرة العنصرية اليها. علي زاهر المتخرج حديثا من الجامعة يقول ان 97% من شباب جبل محسن حملة اجازات جامعية. لا نعرف من اين أتى بهذه النسبة التي لا تتوفر حتى في أرقى المجتمعات. في الشارع مشهد الشباب المتجمعين حول النراجيل يؤكد العكس. احدهم يشير الى ان ما يحصل يقطع أرزاقهم. ثم يلعن السياسة والسياسيين. ومع انحسار الهدوء تبقى الهموم ومشاكل البطالة والتوترات الامنية التي لا تفرق بين الاقليات والاكثرية، ولكنها وبكل أسف لا تجمعهم.