العلم العراقي.. مسلسل التغيير

تم تغييره 5 مرات منذ الملكية وحتى الغزو.. وتجري مسابقة لتغييره للمرة السادسة.. ونواب يريدونه خالياً من إشارات للقوميات

عراقي يلوح بالعلم خلال مظاهرة بالحلة أخيرا (أ.ب)
TT

أُعلن أول مرة مع تأسيس الملكية.. وتم تغييره مرتين بشكل جذري، عند إعلان الجمهورية، وعند وصول البعث للسلطة. ثم تعرض لثلاثة تحويرات، مرة بإضافة عبارة «الله أكبر» بخط صدام حسين، ثم استبدلت بالخط الكوفي، وأخيرا رفعت النجمات الثلاث.. وتجري الآن مسابقة لتغييره للمرة السادسة، وسط جدل لا ينتهي.. وهكذا يستمر مسلسل تغيير العلم العراقي.

لم تجر عمليات تغيير على أعلام الدول العربية بقدر تلك التي جرت على العلم العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي ولغاية الآن، فبمجرد وصول حكام جدد للسلطة في البلاد تبدأ عملية تغيير العلم تحت ذرائع وحجج تختلف باختلاف النهج وطريقة التفكير او الخلفيات السياسية التي تسير عليها القوى التي تسلمت مقاليد الحكم. لكن الفترة الحالية من تاريخ العراق والتي لا يزال فيها البلد قابعا تحت سيطرة القوات الاميركية هي اكثر الفترات التي شهدت تجاذبات وسجالات حول قضية المطالبة بتغيير العلم، إذ ترى اطراف وقوميات رئيسية في الموزاييك العراقي ان غالبية الأعلام السابقة التي اتخذها العراق رمزا له على مر تاريخه لم تمثله وانما كانت تعبر عن الاحزاب الحاكمة.

وفكرة تغيير العلم العراقي في أعقاب سقوط النظام العراقي السابق جاءت بضغوط كردية، ورفض رئيس اقليم كردستان بشكل قاطع رفع العلم العراقي في الاقليم باعتباره يمثل فترة حكم حزب البعث للعراق منذ عام 1968 ولغاية عام 2003، وان «المجازر» التي ارتكبها النظام السابق في المحافظات الكردية الثلاث نفذت تحت هذا العلم. وبعد مضي خمسة اعوام على سقوط النظام العراقي السابق لم يتمكن الساسة العراقيون من ان يقروا علما لبلادهم سواء بالإبقاء على العلم الجديد او باختيار آخر جديد. وتمثل المسابقة التي اعلن عنها البرلمان العراقي لتصميم علم وشعار ونشيد وطني للعراق خيرَ دليلٍ على حدة التجاذبات والاختلافات حول هذه القضية بين الاطراف والقوى السياسية في البلاد، فالبعض يشدد على ضرورة أن يتضمن العلم العراقي الجديد رموزا ودلائلَ تشير الى المكون الذي ينتمي اليه، أو ابقائه خاليا من أي اشارات قومية، والبعض الآخر يرفض اجراء اي تعديلات على «علم القومية العربية»، اي العلم الحالي، فيما ترى فئة ثالثة ان لا ضرر من الإبقاء على العلم المؤقت الحالي من دون إجراء اي تغييرات عليه كعلم نهائي للعراق.

وقال مفيد الجزائري، رئيس لجنة الثقافة والاعلام في البرلمان العراقي والمشرف على لجنة اختيار العلم والنشيد الوطني، «قريبا سيتم الاعلان عن مسابقة تصميم العلم والنشيد الوطني من قبل لجنة العلم البرلمانية التي لا تزال مستمرة بالعمل من اجل اختيار تصميم جديد للعلم الوطني»، مؤكدا ان هذه المسابقة ستتضمن مجموعة من الشروط والتفاصيل الدقيقة التي سيتم على ضوئها الاختيار. واضاف الجزائري لـ«الشرق الاوسط» ان «مسألة تصميم علم وشعار ونشيد وطني مسألة استحقاق دستوري، لانه يوجد في الدستور الجديد نص على صدور نشيد وشعار جديدين، وبعد ان تغيرت الامور في العراق بسقوط النظام السابق ليس من المعقول ان تبقى رموز وشعارات ذلك النظام ليستخدمها النظام الجديد، لذلك لابد من تغيير يتناسب والمرحلة الجديدة والأفكار التي تتضمنها».

وأكد الجزائري، وهو أول وزير ثقافة في عراق ما بعد صدام حسين، بأن مسألة الإبقاء على العلم المؤقت الحالي كعلم وطني نهائي للعراق لتمثيله في المحافل الدولية لابد ان يتم تقريره والاتفاق عليه فيما بين الكتل والقوى السياسية الممثلة للشعب داخل البرلمان، وليس من صلاحية اللجنة البرلمانية تقرير ذلك، موضحا أن الاعلان عن المسابقة سيتم خلال النصف الاول من الشهر يوليو (تموز) القادم. وأوضح النائب العراقي بانه لغاية هذه اللحظة لا توجد أية تصاميم وصلت للجنة العلم، ولن يتم التقيد بألوان معينة عند تصميم العلم، وانما سيتم فتح الباب واسعا أمام المشاركين في المسابقة من اجل حرية الاختيار، مشيرا الى انه من المفترض ان يكون المشاركون في المسابقة من الفنانين العراقيين اضافة الى امكانية ان تأتي بعض التصاميم من متسابقين اجانب، لكن مسألة قبولها او رفضها سيحدده البرلمان.

والتغييرات التي طرأت على العلم العراقي لم تحمل القدر الكبير من التحولات حول طبيعته وتراكيبه المتنوعة والالوان الرئيسية التي يتشكل منها، الا في فترة ادارة مجلس الحكم للبلاد تحت ظل سلطة الائتلاف المؤقت برئاسة الحاكم الاميركي، بول بريمر، حيث اريد تغيير العلم القديم من خلال مقترحات قدمت في تلك الفترة لعلم جديد صممه التشكيلي العراقي رفعت الجادرجي، إلا ان تلك المحاولة باءت بالفشل بعد رفض شعبي كبير للعلم المقترح.

من جهته، قال النائب حميد معلة، عضو لجنة الثقافة والاعلام في البرلمان والقيادي في المجلس الإسلامي الاعلى، «سيتم عرض مسابقة من قبل البرلمان حول شعار الدولة والعلم أمام الفنانين والمصممين وإعطائهم الخطوط العريضة لما ينبغي ان يتضمنه العلم الجديد من شواهد لتاريخ العراق وحضارته وموقعه الجغرافي وارتباطه بالعلم العربي والاسلامي وكذلك الاخذ بنظر الاعتبار المكونات الطائفية والاثنية للمجتمع العراقي، ثم يتم عرض التصاميم على مجلس النواب للمصادقة على أحدها».

واكد معلة أن هناك احتمالا ورغبة من قبل كتل وأطراف داخل البرلمان، بان يبقى العلم الحالي الذي تمت المصادقة عليه في بداية العام على ما هو عليه خلال الفترة المقبلة، قائلا «لم أجد رافضين كثيرين للنموذج الحالي للعلم داخل مجلس النواب او حتى من قبل القوى السياسية الاخرى، وهو ما يدل على درجة من المقبولية لهذا العلم الذي لم يتم إجراء تغييرات كبيرة على ما كان عليه العلم العراقي في مراحله المختلفة». واوضح النائب العراقي أنه رغم وجود بعض الاصوات التي تطالب بتغيير العلم وتعارض صيغته الحالية، إلا ان الاغلبية داخل البرلمان ترى أن النموذج الحالي للعلم متفق عليه ويمكن ان يكون وفق شكله الحالي هو العلم النهائي للبلاد في المستقبل. واضاف «هناك دوافع غير سياسية لتغيير العلم، منها الدافع الثقافي ومطالبة بعض القوميات والاثنيات وشرائح المجتمع العراقي بتمثيلهم في شعار وعلم الدول المستقبلي، لذلك تراهم يدعون لإجراء تغييرات ولو بسيطة على العلم الحالي». واشار المعلة الى ان التغيير الجزئي الذي طرأ على العلم العراقي لبى بعض طموح الاكراد الذين اعترضوا على العلم السابق بسبب حصول «مجازر بحق شعبهم تحت ظل هذه الراية ولا زالوا يطالبون باضافة اللون الاصفر له كرمز لقوميتهم، اما بقية القوميات فيمكن الاتفاق معها على صيغة ترضي جميع الاطراف». اما النائب التركماني عباس البياتي فقد قال ان «النص الدستوري يشير الى ضرورة ان يتم تنظيم علم وشعار ونشيد العراق بقانون ولا بد ان يرمز الى جميع المكونات والشرائح العراقية، والتركمان مكون رئيسي في المجتمع لذا فهم يطالبون بأن تتم الاشارة اليهم في علم ونشيد وشعار الدولة العراقية الجديدة كبقية المكونات الاخرى». واضاف البياتي لـ«الشرق الاوسط» أن «مطالبنا بهذا الخصوص تنسجم مع الدستور والتعديدية، فما دامت هناك اشارة الى قوميات وأطراف اخرى فانه لا بد ان يتم الاشارة الى التركمان كقومية رئيسية في المجتمع العراقي، لانه لا يمكن القبول بوجود طيف قوس قزح في العلم القادم يرمز للاقليات والمكونات العراقية من دون الاشارة بشكل واضح وصريح للقومية التركمانية». ودعا البياتي اللجنة التي شكلها البرلمان من اجل تصميم العلم وشعار الدولة للفترة القادمة، للنظر في مطالب ابناء القومية التركمانية والالتزام بالنص الدستوري واستشارة الكتلة التركمانية داخل مجلس النواب حول هذا الموضوع، مؤكدا أن كتلتهم البرلمانية لا يمكن ان تقبل بعلم جديد يرمز الى المكونات الاخرى ولا توجد فيه اشارة الى القومية التركمانية. وتابع «نحن أمام حالتين، إما ان يكون هناك علم عراقي مشترك من دون الاشارة الى اي اقلية او قومية يمثل تراث او تاريخ او عقيدة العراق، لكن اذا تضمن العلم الجديد أي رمز او اشارة الى المكونات الاخرى من دون الاشارة الى التركمان فسوف لا نقبل به ونعترض عليه الا اذا تم التعبير عنا فيه». واوضح البياتي عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب أن فترة العمل بالعلم الحالي مدتها عام واحد تنقضي بنهاية العام الجاري ما لم يتم تعديل القانون الذي بموجبه تم اعتماد العلم المؤقت، مشيرا الى انه ما اذا اريد الاستمرار بالعلم الحالي فلا بد من تعديل قانوني يجري قبل موعد انتهاء فترة العمل بالعلم المؤقت. الى ذلك، قال خالد شواني النائب عن كتلة التحالف الكردستاني بمجلس النواب العراقي ان «العلم كشعار ورمز للدولة العراقية الجديدة منصوص عليه بالدستور، ولا بد ان يمثل جميع مكونات الشعب بعربه وكرده وتركمانه اضافة الى القوميات الاخرى، ولا بد ان يستمد هذا العلم بطبيعته وتركيبه وألوانه الجزء الكبير من الحضارة والتاريخ العراقي وينبغي ان يمثل الوحدة بين مكونات الشعب». ولا يزال العلم العراقي السابق، بألوانه المعروفة الاحمر والابيض والاسود والنجمات الخضراء الثلاث، وعبارة «الله أكبر» التي كتبت بخط الرئيس السابق صدام حسين، يرفرف فوق منصات بعض المؤسسات الحكومية وأسطح البنايات والمنازل وواجهات المحلات ومركبات الجيش والشرطة، وكذلك في الرسومات على الجدران الكونكريتية والدوائر الرسمية ومقرات الجيش ونقاط التفتيش والسيطرات الحكومية والطرق الرئيسية بحكم تمسك العديد من العراقيين به ورفضهم للعلم الجديد لأسباب سياسية  كما هو الحال مع  الكثيرين ممن يرفضون التغيرات التي حصلت في العراق بعد عام 2003.

ويقول وميض الره يزلي، 49 عاما، استاذ العلوم السياسية، ان «الدول الرصينة لا تغير أعلامها لأنه رمز الحضارة والمجتمع وليس رمزا لنظام حكم بعينه، وعلم البلاد هو بمثابة الهوية الشخصية لكل مواطن». ويرفض عراقيون تغيير العلم لأسباب عدة تتعلق بحالات نفسية بحتة كونهم عاشوا تحت ظل هذه الراية لسنين طويلة وحملوها في مناسبات عدة وقتل من اجلها مئات الآلاف خلال الحرب العراقية – الايرانية التي دارت رحاها لثماني سنوات. ويقول ابو فراس الاعظمي، 42 عاما، «لا استطيع ان اتخيل نفسي أحمل وارفع العلم الجديد مثلما كنت احمل العلم السابق في التظاهرات والانتصارات التي حققها العراق، ولا ازال احتفظ بعدة نسخ من العلم السابق داخل منزلي وفي محل عملي». ومن المظاهر الاخرى التي تؤكد تمسك اعداد من العراقيين بعلمهم السابق هي مشاهد الجماهير المحتفلة داخل الملاعب الرياضية في خارج العراق وداخله وتلك التي تخرج للشوارع بعد تحقيق منتخبهم الكروي للفوز في أي مباراة يلعبها ضد الفرق الاخرى، وهي تحمل العلم القديم على الاكتاف وفوق الرؤوس وعلى السيارات والدراجات النارية. وخضع العلم لخمسة تغييرات منذ اعتماد اول علم في تاريخ الدولة العراقية منذ نشؤها في بدايات القرن الماضي. واعتمد العلم الاول عند تأسيس المملكة العراقية الهاشمية عام 1921، ويشبه في تصميمه علم الثورة العربية الكبرى بالالوان الاسود والابيض والاخضر. واستمر هذا العلم لنحو 40 عاما حتى الاطاحة بالنظام الملكي في العراق عام 1958. وبعد ذلك التاريخ عندما اعلنت الجمهورية العراقية، تم تغيير العلم لأول مرة بالاحتفاظ بالألوان ذاتها غير انه تمت اضافة دائرة صفراء الى مركزه تمثل شمس الحرية، ويبدي الاكراد اعتزازهم بهذا العلم باعتباره العلم الوحيد الذي فيه رمز للاكراد وهو الشمس الصفراء. وعندما وصل حزب البعث الى السلطة للمرة الاولى عام 1963 تم تغيير العلم للمرة الثانية، واحتفظ العلم الجديد بالالوان ذاتها تقريبا واضيفت اليه ثلاثة نجوم بعد اعلان الوحدة الثلاثية مع مصر وسورية، وصارت كل نجمة ترمز لإحدى الدول الثلاث. واستمر هذا العلم فاعلا حتى عام 1991، حيث اجري تحوير بسيط باضافة عبارة «الله أكبر» بخط يد الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين واقر التعديل بعد الاجتياح العراقي للكويت. كما تم تغيير رمز النجوم الثلاثة من الوحدة الثلاثية مع مصر وسورية الى اهداف حزب البعث «الوحدة والحرية والاشتراكية». وفي أعقاب الغزو الاميركي للعراق، قدمت مقترحات لتغيير العلم بشكل جذري. وقدم الفنان العراقي رفعة الجادرجي تصميما للعلم تخلى فيه عن الالوان التقليدية باعتماد اللون الازرق كرمز لنهري دجلة والفرات وخط باللون الاصفر رمزاً للاقلية الكردية وهلال اسلامي كبير ازرق اللون. غير ان التصميم واجه رفضا شعبيا كبيرا لخلوه من الالوان التقليدية التي ترمز للقومية العربية والاسلام. وشبه البعض العلم الجديد بالعلم الاسرائيلي لاحتوائه على خطين باللون الازرق، وادى الرفض الشعبي إلى الغاء المشروع المتهم بتعمد ابعاد العراق عن محيطه العربي والغاء هويته القومية. غير ان تحويرين اجريا على العلم العراقي، كان اولها ابدال عبارة «الله اكبر» من مكتوبة بخط صدام حسين الى الخط الكوفي. وجاء التحوير الثاني في 22 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي عندما أقر البرلمان قانون تغيير العلم بضغط من بارزاني لدى اقتراب موعد عقد مؤتمر البرلمانات العربية في أربيل، عاصمة الاقليم. ورفض بارزاني رفع العلم العراقي في المؤتمر ما لم يبدل، فتمت ازالة النجوم الثلاثة، التي كانت ترمز لحزب البعث والإبقاء على عبارة «الله اكبر» بالخط الكوفي. ومن المقرر الإبقاء على هذا العلم لسنة واحدة، وبعد ذلك سوف يتغير العلم للمرة السادسة لدى الاعلان عن نتائج المسابقة على أمل ان يحصل على اجماع رسمي وشعبي يحول دون تغييره للمرة السابعة.