بورصة التنبؤات: تجارة أسهم أوباما وماكين

لها مراكز وخبراء ومجموعات عمل وقواعد.. ترصد المعلومات والصور والظروف وتحللها.. وتصدر النتائج

اوباما وماكين خلال لقاء انتخابي (رويترز)
TT

في الاسبوع الماضي، أعلن «ايوا بوليتيكال ماركيت» (سوق ايوا السياسي) ان المساهمين والمستثمرين اشتروا اسهم السناتور باراك اوباما، مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية، اكثر من اسهم السناتور جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري. وان ذلك «يؤكد ان اوباما في طريقه للفوز في انتخابات الرئاسة في نوفمبر».

اشترى المستثمرون اسهم فوز اوباما بنسبة ستين في المائة (ستين سنتا للدولار). ويعني هذا انهم «يؤمنون» بأن هذه ستكون نسبة فوز اوباما. في نفس الوقت، بلغ سعر سهم ماكين واحدا واربعين في المائة (اربعين سنتا للدولار). ويعني هذا انهم «يؤمنون» بأن هذه ستكون نسبة اصوات ماكين.

قبل اسهم الفوز برئاسة الجمهورية، كانت هناك اسهم الفوز بترشيح كل حزب. حتى قبل ان تتنازل السناتور هيلاري كلينتون، كان سعر سهمها 4 سنتات فقط للدولار. وكان سعر سهم اوباما 94 سنتا للدولار. في الجانب الآخر، كان سعر سهم ماكين 94 سنتا، مقابل سنت واحد لكل من منافسيه: طومسون، ورومني، وجولياني.

ولكن، لان الصيف في بدايته، سيستمر السوق مفتوحا صباحا ومساء لبيع وشراء اسهم كل من اوباما وماكين خلال الاربعة شهور التالية.

ما هو «ايوا بوليتكال ماركيت» (سوق ايوا السياسي)؟ انه جزء من «ايوا الكترونيك ماركيت» (سوق ايوا الالكتروني). يشبه الاسواق المالية (مثل التي في «وول ستريت» ـ شارع المال في نيويورك) وفي الوقت نفسه لا يشبهها.. يشبهها في طرق الاستثمار وبيع وشراء الاسهم. ولا يشبهها لانه اكاديمي اكثر منه تجاريا. تديره كلية الاعمال في جامعة ايوا، حسب شروط، اولها: ان لا يزيد حجم استثمار كل شخص عن خمسمائة دولار.  ثانيا: لا تعرض الاسهم في الاسواق المالية، مثل «وول ستريت». ثالثا: لا تتدخل هذه الاسواق في «سوق ايوا».

بدأت الفكرة في سنة 1988، عندما قرر مجموعة من اساتذة العلوم السياسية وادارة الاعمال في الجامعة تأسيس السوق لتشجيع الطلاب على الاهتمام بالعمل السياسي، وخاصة بالانتخابات، ونتائجها. وقالت جويس بيرج، مديرة السوق، لـ«الشرق الاوسط»: «بعد تأسيس السوق، وخلال السنوات التالية، برهن السوق على قدرة غير عادية على التنبؤ بنتائج الانتخابات. بل تفوق على الاستفتاءات الشعبية التي تعود عليها الاميركيون. بل تفوق على نتائج الانتخابات الفعلية» (تقصد ان نزاعا ربما يحدث حول نتائج انتخابات، بسبب مشاكل في التصويت، او في عد الاصوات، ولكن سوق الاسهم لا يضع اعتبارا لذلك).

كيف يستثمر المستثمرون؟ اولا: يذهب الى موقع السوق الالكترونية، وهو مفتوح اربعا وعشرين ساعة في اليوم، الى كل العالم. ثانيا: يكتب شيكا باسم جامعة ايوا. وترسل له الجامعة شيكا اذا ربح، او تبلغه بخسارته اذا خسر. ثالثا: يشرف على السوق المراجع العام الذي يراجع مؤسسات الجامعة. رابعا: تحذر الجامعة كل مستثمر بأن الاستثمار مرتبط بالانتخابات. وينتهي بالنصر او الهزيمة. خامسا: لا يجب ان يكون الاشتراك ماليا، ويقدر اي شخص على التنبؤ، لكنه لن يربح او يخسر.

ليس سوق ايوا هو المؤسسة الوحيدة التي تحاول التنبؤ بنتائج الانتخابات (لكنها الوحيدة التي تعمل ماليا). هناك مراكز الاستفتاءات التقليدية (مثل «بيو» و«غالوب»، وصحف وتلفزيونات). وهناك مراكز التنبؤات الاكاديمية، مثل الجمعية الدولية للتنبؤ، التي تتنبأ بكل شيء تقريبا: انتخابات، اسهم، أمطار، فيضانات، زلازل، الخ..

وأخيرا، اصدرت هذه الجمعية تقريرا كتبه جيمس كامبل، استاذ علوم سياسية في جامعة بافالو، ومايكل لويس بيك، استاذ علوم سياسية في جامعة ايوا، قالا فيه ان انتخابات الرئاسة المقبلة «ستكون اكثر انتخابات اثارة في تاريخنا الحديث». وقالا انه، لحسن الحظ، اسس علماء وخبراء التنبؤ بنتائج الانتخابات منهجا قويا لمتابعة هذه الانتخابات، وان هذا المنهج يعتمد على عوامل تاريخية، وسياسية، واجتماعية، وجغرافية، واقتصادية، مثل سعر الفائدة، والعجز في الميزانية الحكومية، والعجز في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات. لكن كامبل قال: «نخطئ خطأ كبيرا اذا اعتقدنا بأن الحملة الانتخابية لم تعد مهمة في تحديد النتائج. ليس كل شيء ارقاما واحصائيات. هناك مصافحة الناس، والحديث معهم، وجها لوجه او عبر الاعلام. ويظل المرشح نفسه اساس التنبؤ». وقال «هذه الارقام والاحصائيات، في نفس الوقت، تساعد علماء وخبراء التنبؤ بالنتائج». ويضيف: «لا تقدر الارقام وحدها على حسم النتائج، ولا يقدر المرشح وحده على حسم النتائج.. نحن الذين نتنبأ بالنتائج نعرف انها ليست مضمونة مائة في المائة. ولكن، ليست الحملة الانتخابية نفسها مضمونة مائة في المائة». حسب نظرية الجمعية العالمية للتنبؤ، يتعقد الوضع في هذه السنة للاسباب الآتية: اولا: لن يعيد رئيس الجمهورية ترشيح نفسه. ثانيا: ليس واحدا من المرشحين نائبا لرئيس الجمهورية. ثالثا: ليس اي من المرشحين حاكم ولاية. كانت هذه عوامل مهمة في الماضي. لكن، لا السناتور اوباما ولا السناتور ماكين كان نائبا للرئيس، او حاكما لولاية. بالاضافة الى ان الانتخابات الاولية وسط مرشحي الحزب الديمقراطي استغرقت وقتا طويلا، وكانت قاسية، خاصة بين اوباما وهيلاري كلينتون. واضافت هذه تعقيدات اجتماعية ونفسية.

في الجانب الآخر، صار واضحا ان نسبة غير قليلة من الجمهوريين لا تتحمس للسناتور ماكين، خاصة المسيحيين المتطرفين. وقال بعضهم انهم لن يصوتوا في الانتخابات، لا له، ولا لأوباما. ويتوقع ان يعرقل هذا العمليات الحسابية التي يقوم بها خبراء التنبؤ بالنتائج. لكن، حسب هذه النظرية، سيظل عاملان مهمان اساس التنبؤ: اولا: نسبة النمو الاقتصادي خلال النصف الاول من سنة انتخابات الرئاسة. ثانيا: الاستفتاءات الشعبية بعد مؤتمري الحزبين. منذ سنة 1988، كان هذان العاملان مهمين جدا، واثبتا القدرة على التنبؤ تنبؤا صحيحا.

وهناك مجموعة اخرى من الذين يتنبأون بنتائج الانتخابات، تضم خبراء وعلماء يكتبون في مجلة «فورسايت» (التنبؤ). وضعت هذه المجموعة «تسعة مفاتيح»، وطبقتها خلال الانتخابات الرئاسية منذ سنة 1996، واثبتت صحتها. وخلال هذه السنة، استعملت المفاتيح في الانتخابات الاولية. وتنبأت بفوز ماكين بترشيح الحزب الجمهوري، وبفوز أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي. يعتبر الآن ليتشمان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في واشنطن، ابو «نظرية المفاتيح»، هذه، وقد طبقها على كل انتخابات رئاسية منذ سنة 1860. وتعتمد هذه النظرية على اعادة انتخاب الحزب الحاكم.

وقال ليتشمان: «يتصرف الاميركيون تصرفات براغماتية (واقعية)، ويحددون مواقفهم من كل شيء حسب عوامل معينة خلال وقت معين. ليسوا من النوع الذي يلتزم بنظرية او فلسفة خلال كل حياته، وفي كل تصرفاته. وفي موضوع الانتخابات، تلعب ظروف الشهور القليلة قبل يوم التصويت دورا مهما في تحديد الشخص الذي سيصوت له الشعب الاميركي».

توجد في «المفاتيح التسعة» عوامل مثل: الوضع الاقتصادي، الوضع الخارجي، فضائح أخلاقية، ابداعات سياسية مثل «مفاجأة اكتوبر». قبل اسابيع قليلة من يوم التصويت، يتخذ رئيس الجمهورية قرارا مهما لمصلحته. وتحدد هذه «المفاتيح» ما اذا كان الحزب الحاكم سيبقى في البيت الابيض، او لا.

مثلما قال اصحاب نظرية «سوق ايوا السياسي»، قال صاحب نظرية «المفاتيح» ان نتائج الانتخابات لا تعتمد على الحملة الانتخابية، والمحاضرات، والمناظرات، والاعلانات، والتلفزيونات، والاستراتيجيات. لكن على «المفاتيح التسعة». اذا حصل الحزب الذي في البيت الابيض على ستة مفاتيح منها، يبقى في البيت الابيض، واذا لم يحصل على ذلك، يخرج منه.  لهذا، ليست للمفاتيح علاقة بالارقام، مثل: سعر الفائدة، والعجز في الميزانية، والميزان التجاري. وكما قال ليتشمان: «كل مفتاح له كيانه الخاص، انه قائم بذاته، ويلعب الدور الذي يجب ان يلعبه. لكن، في النهاية، تحدد جملة المفاتيح مصير الحزب الذي يحكم في البيت الابيض». لكن، كما اكد ليتشمان، تحدد الشهور الاخيرة النتيجة. مثل انتخابات سنة 1984، عندما كان دوكاكيس يتفوق على بوش الاب بعشرين نقطة خلال الصيف. ولكن، مع اقتراب يوم التصويت، تغيرت الموازين (واكدت ذلك نظرية «المفاتيح»).

وقال ليتشمان انه تعاون مع فلاديمير بوروك، خبير نظرية التنبؤ بالزلازل في اكاديمية موسكو للعلوم الجغرافية. وان النظريتين تعتمدان على «مفاتيح» مستقلة عن بعضها البعض، لكن تقدر جملتها على تحديد النتيجة. في سنة 2005، قرر ليتشمان، المحاضر الجامعي، ان يترشح للكونغرس من ولاية ماريلاند، قال ان ذلك ليست له صلة بنظريته في التنبؤ. ورفض تطبيق «المفاتيح» على نفسه. لكنه، على اي حال، فشل، رغم انه رهن منزله، وعارض حرب العراق، وكان تقدميا، واعتقل مع زوجته مرة بتهمة عرقلة اجتماع سياسي.

وهناك نظرية سكوت آرمسترونغ، استاذ في كلية وارتون لادارة الاعمال في جامعة بنسلفانيا، التي تقول بأن التنبؤ يمكن ان يعتمد على «عوامل نفسية» تكون، احيانا، اهم من الاحصائيات والارقام، ومن الحملة الانتخابية، ومن «المفاتيح التسعة». في نهاية السنة الماضية، اجرى آرمسترونغ، بالتعاون مع كاستين غرين، استاذ جامعي في نيوزيلندا، تجربة للتنبؤ حسب صورة المرشح. عرض الثاني على مجموعة من النيوزيلنديين صور المرشحين لرئاسة الجمهورية من الحزبين: الديمقراطي والجمهوري (بعد ان ابعد كل من يعرف صورهم). وطلب من كل واحد اختيار المرشح (الذي لا يعرف عنه اي شيء). نالت صورة ماكين نسبة ثلاثين في المائة من الاصوات، وصورة جولياني خمس عشرة في المائة، وصور الباقين اقل من ذلك. وفي جانب الحزب الديمقراطي، نالت صورة اوباما اربعا وعشرين في المائة وصورة هيلاري كلينتون اربعين في المائة. وصور الباقين اقل من ذلك.

طبعا، لم تفز هيلاري، لكن، عندما اجريت تجربة الصور لم يكن احد يتوقع ان اوباما سيكون مرشحا رئيسيا، ناهيك من ان يفوز. ليست هذه خدعة، ولا نكتة. لكنها نظرية علمية، نشر العالمان نتائجها في مجلة «ساينس» (علوم) في نهاية السنة الماضية.

ماذا يوضح ذلك؟ لا يعتمد «تنبؤ الصور» على الوسامة، او القبح، ولكن على ملامح الوجه. وكان العلماء قد اجروا تجارب على صورة كاملة يظهر فيها الطول والوزن. لكنهم، في النهاية، اعتبروا هذه عوامل فرعية، وركزوا على ملامح الوجه. الآن، وبعد ان تأكد ان اوباما سينافس ماكين، بدأ العالمان، الاميركي والنيوزيلندي، يستعدان لتجربة «تنبؤ الصور» مرة اخرى.