«الأقصى» في مرمى النار

مسؤولون في المحطة التابعة لحماس يعتبرون قرار الكونغرس تصنيفها إرهابية سياسيا.. وبرامج الأطفال تعتبر الأكثر إثارة للجدل

مشهد من احد برامج الكرتون على محطة الاقصى يبدو فيها الفأر الذي يمثل فتح والاسد خلفه الذي يمثل حماس («الشرق الاوسط»)
TT

لم تبد فضائية الاقصى التابعة لحركة حماس اي قلق من قرار الكونغرس الاميركي بتصنيفها كـ«منظمة إرهابية تحرض على العنف». ولم تر القناة في القرار الا انه «سياسي ويأتي خدمة لمصالح الاحتلال الاسرائيلي». لذلك لا يبدو ان قرار الكونغرس سيغير شيئا من خط القناة التي تعادي اسرائيل والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية.

منذ انطلقت الفضائية في العام 2006، رسمت لنفسها خطا «محرضا» ضد «اعدائها» كلفها الكثير من الانتقادات المحلية الدولية، باعتبارها تشجع على «العنف». وهو ما ظلت القناة تنفيه برغم انها لم تتبرأ من اعمالها تلك التي صورت مرة خصوم حماس السياسيين في فلسطين، فئرانا. وأظهرت في مرة اخرى، طفلا يقول انه سيأكل الاسرائيليين باسنانه. وفي مرة ثالثة، صورت طفلا يقتل الرئيس الاميركي جورج بوش «بسيف الاسلام».

هذه «المغالاة»، كما قال استاذ الاعلام في جامعة النجاح في نابلس في الضفة الغربية فريد ابو ضهير، اضافة الى المواد الاعلامية التي تصر القناة على تقديمها، يجعلها باستمرار «في مرمى النار» و«تتجاوز الحدود» بالنسبة للدول الصديقة لاسرائيل. ويرى ابو ضهير ان الساحة الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة لن تقبل ابدا بوسيلة اعلام، تعمل كذراع للمقاومة. وعلى الرغم من ان ابو ضهير اقر ان فضائية الاقصى تمارس استفزازا «لاعداء حماس»، الا انه قال ان وسائل الاعلام الاسرائيلية والاميركية تمارس الدور نفسه، مؤكدا ان الظهور «الفاقع لمقاتلين وتدريبات وكليبات تحريضية يتجاوز حدود المهنية، لكنه لا يعالج بقرارات سياسية، وانما بمواثيق اخلاقية». واعتبر ابو ضهير ان القرار الاميركي بتصنيف القناة تحرض على الارهاب، غير مسبوق، اذ ان الدستور الاميركي نفسه والمواثيق الدولية تنص على حرية التعبير. الا انه قال ان الولايات المتحدة، التي تعد حليفا استراتيجيا لاسرائيل تعادي كل من يحارب الاسرائيليين. واضاف: «غريب اننا لم نسمع الكنيست الاسرائيلي يأتي بمثل هذا القرار». في فضائية الاقصى، لا يكترثون بما تقول الولايات المتحدة. ويرون في الانتقادات الاميركية وسام شرف على صدورهم. وهم لا يخفون العداء للادارة الاميركية. وحتى محمد رمضان، وهو شاب في العشرينات من عمره، أعد وأخرج وأدى دور الطفل الذي حاور الرئيس الاميركي جورج بوش ومن ثم قتله «بسيف الاسلام»، لم يبد الندم. وقال رمضان لـ«الشرق الاوسط»: «هو (بوش) قاتل. عليهم ان يعرفوا السبب الذي دعا طفل الى قتله. لقد طلب منه الطفل ان يعيد له اباه الذي قتلته القوات الاميركية في العراق او افغانستان او غزة».

وقال حازم شعراوي نائب رئيس مجلس القناة لـ«الشرق الاوسط »: «المشهد يعبر عما يدور في خلجات الاطفال الفلسطينيين، انه يعبر عن واقع الشارع وليس سياسة القناة». واضاف: «اذهب وأسال اي طفل في الشارع الفلسطيني عن رأيه في بوش». ويدافع رمضان عن الفضائية نافيا تهمة تحريض الاطفال على القتل، ويقول: «لقد كان بوش سببا في قتل عائلات كاملة، وانا قتلته بسيف الاسلام.. ربما كان يجب محاكمته اولا، البعض يرى ذلك، لكن النتيجة ستكون واحدة». وبحسب رمضان فان العاملين في الفضائية ازدادوا عزيمة واصرارا على مواجهة المشاريع الاميركية، ويعرفون الفرق الحقيقي بين المقاومة والارهاب، مؤكدا ان «هذا ليس ارهابا، والاسرائيلييون هم الذين يعلمون ابناءهم على الارهاب». وتقدم فضائية الاقصى عدة برامج دينية وسياسية واجتماعية وصحية وعلمية وأخرى للاطفال وأخرى متخصصة بالرياضة، وتبث على مدار الساعة عبر قمر «عرب سات» بعد ان منعت من البث واوقفت عبر قمر «نايل سات»، بسبب ما يقول شعراوي انه «هيمنة وسيطرة اميركية على العالم، وسوق ذرائع تتهم القناة بانها تحمل اشارات واضحة الرسالة في بعض البرامج التي تحدثت عن الزمن الجميل في الاندلس وبغداد، ووصفها العصور الاسلامية بخير العصور». ويضيف: «رسالتنا هي اعادة الرؤيا الاسلامية الصحيحة وفضح الممارسات الاسرائيلية الاميركية». وتعتبر برامج الاطفال، التي يقدمها رمضان الاكثر اثارة للجدل، رغم التركيز على مقاطع اقتبستها مراكز متخصصة. وقد نشر موقع «مراقبة الاعلام الفلسطيني» مؤخرا مقاطع لمقابلة مع ابناء ريم الرياشي (امرأة فلسطينية تنتمي لحماس فجرت نفسها في عملية) يردون على سؤال لمذيع الاقصى حول عدد القتلى الاسرائيليين في العملية. وقد تم تحميل المشهد حوالي مائة الف مرة عبر «اليوتيوب» خلال اسبوع، كما تقول فضائية الاقصى في محاولة للتحريض ضدها. وأدى محمد رمضان أربع شخصيات اعترضت اسرائيل والولايات المتحدة ومنظمات متخصصة وتعنى بالاعلام والطفل على ثلاث منهن. وكانت شخصية فرفور، الاولى من بين الشخصيات التي اتهمت بالتحريض على الارهاب، ما اضطر فضائية الاقصى الى التخلص منه، لكن عبر «استشهاده» تحت التعذيب في سجون اسرئيلية. ثم جاؤوا بشخصية «نحول» الذي توفي بعد مرضه دون ان يتمكن من مغادرة القطاع المحاصر. ومن ثم شخصية «اسوود» الذي دعا الى اكل اليهود، واخيرا الطفل الذي اغمد سيفا في صدر بوش. وكان القرار الاميركي الذي دعا لتصنيف قناة «الأقصى» كمنظمة إرهابية عالمية، لمح بشكل مباشر الى ما سماه عرضا للعرائس قدمته قناة الأقصى في مارس (آذار) 2008 أظهر طفلا فلسطينيا يطعن الرئيس الأميركي. وطالب القرار باتخاذ إجراءات ضد الدول التي ترعى هذه القنوات، كما اتهم العديد من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط بـ «نشر وبث التحريض على العنف ضد الولايات المتحدة ومواطنيها بشكل متكرر». وخصص بالذكر قنوات «الرافدين والأقصى والمنار والزوراء»، التي كانت تبث على نايل سات وتم إيقافها فيما بعد، وقناة العالم الإيرانية التي تبث بالعربية.

ويرى ابو ضهير ان القناة قد تتأثر في المستقبل بالقرار الاميركي بان تصبح عرضة للقصف او بمنع بثها عبر الاقمار الصناعية، او منع مراسليها من العمل او السفر في مناطق محددة. وقال شعراوي: «منذ انطلقنا نعلم ان اصحاب الرسالات ممنوعون من ان يكبروا وستواجههم معوقات كثيرة». ويؤكد ان العاملين لا يتخذون احتياطات استثنائية، ويقول: «لا توجد تدابير عالية». ويعتقد القائمون على فضائية الاقصى ان العالم الغربي يخشى «الاعلام الاسلامي». ويقول فتحي حماد مدير شبكة الاقصى التي تضم فضائية واذاعة ومجلة، «ان اميركا تهدف إلى إخماد كل صوت إعلامي حر يقوم بفضح الممارسات الأميركية والصهيونية في المنطقة العربية والإسلامية». ويعتبر ان الدافع الأساسي وراء الهجوم الاميركي على قناة الاقصى، يأتي «خدمة لمصالح الاحتلال الصهيوني في المنطقة الذي يحاول عبر إعلامه وتصريحاته القضاء على القناة باعتبارها قناة مقاومة من الدرجة الأولى، بما تقدمه من برامج تهدف إلى إبراز القضية الفلسطينية وتغطيتها لفعاليات المقاومة.

ولا تواجه القناة معركة على جبهة واحدة، الغرب واسرائيل فقط، بل تواجه حربا تكاد تكون اكثر مرارة بالنسبة للقائمين عليها، وهي حرب السلطة الفلسطينية في رام الله التي اعتبرت القناة غير شرعية ومحظورة، كما حظرت على الصحافيين التعامل معها، واعتقلت مراسليها وحاكمتهم.

وقال حماد إن القرار الاميركي «جاء تكميلا لدور الاحتلال الصهيوني والسلطة في رام الله التي تعتقل الصحافيين والإعلاميين وتمنعهم من مزاولة أعمالهم، لا سيما إغلاق الكثير من المؤسسات الإعلامية الناشطة لأسباب حزبية وفئوية، خاصة مكاتب القناة ومراسلوها، كونها غير قانونية والعمل فيها تهمة تستوجب المحاكمة». وتستعد الاقصى لاطلاق حملة لمواجهة القرار الاميركي، وقد بدأت بجمع التواقيع عبر موقعها الالكتروني مناصرة للقناة. ويقول حماد عن الامر: «نحن بصدد القيام بعدد من الخطوات البديلة التي تسعى لضمان استمرار بث القناة، وذلك بالاتصال بجامعة الدول العربية والتنسيق معها بصفتها المالك للقمر الصناعي عرب سات».

وطالب حماد الحكومات العربية والمؤسسات والشخصيات الإعلامية والعلماء «بعدم الرضوخ للاملاءات الأميركية، وتكوين رأي عام عربي وإسلامي يدافع عن القضية الفلسطينية وإعلامها المقاوم». وتحظى قناة الاقصى بدعم مباشر وواضح وعلني من حركة حماس. وأعرب مؤخرا رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية عن استنكاره ورفضه لمشروع قرار الكونغرس الاميركي معتبراً أنّ ذلك «دليل على عنجهية الإدارة الأميركية وسعيها لتشديد حصار الشعب الفلسطيني بما في ذلك حصار الكلمة».

وقال هنية خلال زيارة تضامنية قام بها لمقر فضائية الأقصى قبل يومين «ان زيارته هذه تأتي بعد القرار الظالم التي تعرضت له فضائية الاقصى وكذلك الفضائيات العربية من قبل مجلس النواب الاميركي لنقول ان هذا القرار وسام شرف على جبين هذه الفضائيات». ويقول حماد: «سنواصل الليل بالنهار لايصال رسالة المقاومة والكرامة»، في حين أن شعراوي يبدو أن طموحه أكبر بكثير ويقول: «سنعمل لنصبح القناة الاولى العالم».