دول الثماني.. والعصا السحرية

أصوات تنادي بتوسيع المجموعة لتصبح مجموعة الدول الـ13.. والولايات تخشى أن يضعف دورها

TT

اجتمع الأسبوع الماضي قادة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، في اليابان لمدة ثلاثة أيام لمحاولة إيجاد حلول لمشكلات التغير المناخي والركود الاقتصادي، وارتفاع أسعار الوقود والغذاء. لكن هل تمتلك هذه الدول عصا سحرية للتغيير، وهل لديها وحدها الحلول لهذه المشكلات الكبرى التي تؤرق العالم كله؟ الإجابة: لا. كثير من المحللين يرون ان على هذه الدول الاعتماد أكثر وأكثر على الدول الناشئة للمساهمة في حل مشكلات العالم. بدأت رحلة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في فترة السبعينات من القرن الماضي، مع احتدام أزمة الطاقة العالمية. ودعا الرئيس الفرنسي حينها فاليري جيسكار ديستان، الذي كانت تعاني بلاده من الركود الاقتصادي، والذي وصل إلى ذروته مع أزمة الطاقة عام 1973، زملاءه من قادة الدول الست الكبرى الديمقراطية والصناعية، وهي بريطانيا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة إلى حل المشكلات الاقتصادية، التي تواجه العالم. ودعيت كندا للالتحاق بهذه المجموعة بعد ذلك بعام، كما دعيت روسيا للانضمام في مرحلة ما بعد الشيوعية بصورة رسمية من قبل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في عام 1997. وحتى الوقت الحاضر، وبعد 33 عاما على تكوينها، فإن الأجندة الخاصة بمجموعة الدول الثماني تغطي المشكلات الاقتصادية والسياسية، وكأن هذه المجموعة هي التي يمكنها حل مشكلات العالم.

ومع ذلك، ومنذ عام 2003، فإن مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، تقوم بدعوة الدول النامية الكبرى وهي البرازيل والصين والهند والمكسيك وجنوب أفريقيا إلى القمم الخاصة بها، من أجل إشراكها في الحوار. وفي الآونة الأخيرة، أجريت مباحثات بشأن توسيع المجموعة، لكن هناك العديد من الدول التي تعارض إضافة الدول الأخرى، حيث ترى ضرورة المحافظة على إطار المجموعة الذي يضم الدول الغنية فقط. وقد نقلت وكالة الأنباء اليابانية كيودو عن أحد المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية، قوله إن توسيع المجموعة لم يكن على جدول الأعمال الخاص بالمجموعة، لكنه أفاد بأن «إحدى الدول المشاركة في القمة» أثارت الموضوع. الا ان المسؤول لم يرغب في تحديد اسم هذه الدولة. وقد كشفت مناقشة مختصرة عن أن أغلبية الدول لا ترى ضرورة لإعادة تشكيل مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى بشكلها الحالي. وقال جوردون جوندرو المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، ان الولايات المتحدة لا تدعم توسيع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء اليابانية كيودو في أحد تقاريرها الإخبارية. ومن بين تبريرات ذلك أن مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى لديها مجموعة من القيم المشتركة فيما بينها. ومن شأن توسيع مجموعة الدول الثماني، أن يقلل من فعالية المباحثات. وعلى الرغم من رغبة معظم أعضاء مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في الإبقاء على حصرية النادي الخاص بها، إلا أن هناك إجماعا على أن الحوار مع بعض الدول المهمة من غير الأعضاء في مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، يعتبر أمرا حيويا.

ويقول مناصرو الشكل الحالي للمجموعة إنه إذا تشكلت المجموعة من 13 أو 20 دولة، فإن ذلك سوف يفسد أحد أهم العناصر الجوهرية في مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، وهو ترابط أعضائها وطبيعة قربهم من بعضهم بعضا، وثقة القادة ببعضهم البعض، والرؤية المشتركة للعالم الخارجي، ومن شأن ضم دول مختلفة أخرى، أن يفسد الإجماع بين هذه الدول. وقد توصل ريتشارد هاس، وهو رئيس سابق لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، في عام 2005 إلى أن مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، تعمل خارج الإطار الزمني الصحيح. وعلى الرغم من هذه المعارضة، فإن هناك عددا متزايدا من الأصوات التي تطالب بتوسيع المجموعة، مما يسمح لعدد من الدول بالعضوية الكاملة. ومن بين هذه الأصوات: الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون. ولكن لماذا ترغب فرنسا وبريطانيا في ذلك؟ لقد كانت الدول النامية الخمس الكبرى تتخذ موقفا عدائيا من مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، والمعونات الزراعية والوصول إلى الأسواق الأميركية والأوروبية من خلال منظمة التجارة العالمية. وأدى تأثير الخسائر التجارية على الاقتصادين الفرنسي والبريطاني إلى البحث في توسيع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى. ويحلم كل من براون وساركوزي بترويض هذه الاقتصادات الناشئة، وجعلها سهلة الانقياد، من خلال تقديم مجالس محترمة في مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى. ولكن لماذا تقف الولايات المتحدة موقفا حذرا فيما يتعلق بهذا الأمر المهم، رغم أن واشنطن ترغب في عقد جلسات مع هذه الدول على جانب جلسات قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى؟ وقد عارضت الهند والصين بشكل مباشر الالتزام بالأهداف البيئية المعلنة، وطالبتا الولايات المتحدة بالالتزام بها أولا، كما تقدمت كل من نيودلهي وبكين بشكوى في هذا الإطار.

من الواضح أن تصلب موقف كل من الهند والصين فيما يتعلق بالمشكلات التجارية والبيئية، قد أزعج الولايات المتحدة، ولذلك فإنها لم تؤيد بريطانيا وفرنسا في توسيع مجموعة الدول الثماني، وتحويلها إلى مجموعة الدول الثلاث عشرة الصناعية الكبرى. وتأتي المعارضة الأميركية بسبب قلقها من إفساد الدول التي ترغب في تحقيق استقلالها عن السيطرة الأميركية على مجموعة الدول الثماني. وقال دبلوماسي كبير في نيودلهي، إنه بعد دخول الهند إلى نادي الدول العشر أو الثلاث عشرة، فإن نيودلهي وبكين لم تبديا حماسا لدخول نادي الرجل الغني، وتصبحا طوع الولايات المتحدة. وقد عبر رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ عن امتعاضه في قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى عام 2007 عندما سمح له بالدخول إلى غرفة فرعية، ولم يسمح له بالدخول إلى قاعة الطعام. وقد أعلن بعد ذلك الموقف مباشرة استنكاره لأية عملية توسيع لمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، من دون أن يكون لبلاده «دور إيجابي».

ويبدو أن اليابان لا تحبذ أيضا انضمام أي أعضاء جدد للنادي الذي يقتصر على الدول الغنية فقط. ويعتقد بعض المحللين أن قلق اليابان يتعلق أكثر بانضمام الصين والهند، حيث إن ذلك من شأنه أن يفقدها الميزة التي تتمتع بها وسط مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، وهي أنها البلد الوحيد التابع لهذه المجموعة من قارة آسيا. كما أن ذلك من شأنه أن يعوق رغبة اليابان في أن تصبح عضوا دائما بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يذكر أن أربعة من خمسة مقاعد دائمة في مجلس الأمن، تشغلها دول من مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى. وتخشى كندا كذلك من أن زيادة أعضاء مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، سوف تعمل على إبعادها بعيدا عن طاولة اللاعبين الكبار، وأن الدور المؤثر للقمة السنوية سوف يكون أقل فعالية.

وقال بارثا سارثي، وهو دبلوماسي هندي سابق، «إن توسيع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، لن يوسع مفهوم التحالف فقط، وإنما سوف يدخل ثلثي سكان العالم في إطار مجموعة الدول الثلاث عشرة الصناعية الكبرى الجديدة. وتحاول مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى جاهدة تحقيق قيادة ذات معنى لمواجهة التغييرات المناخية، وارتفاع أسعار الوقود والغذاء. ويجب على كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إعادة الهيكل التنظيمي الخاص بهما ليعكس التأثير المتنامي للهند ودول آسيا».

ولكن لماذا ترغب بعض الدول في إشراك الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا، لتكون جزءا من هذا النادي؟ يقول أندرو كوبر وهو رئيس مركز جامعة واترلو في تقرير له: «تعكس عضوية مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى الوضع السائد في سبعينات القرن الماضي». وقال عن مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى إن «هناك أزمة مزدوجة تواجه هذه المجموعة وتتعلق بالشرعية والفعالية: فهذه المجموعة لا تتضمن الدول النامية، وهي غير قادرة على تحديد الأولويات الخاصة بالمجتمع الدولي، وفي الواقع فإن هذا الأمر يفاقم من المشكلات الدولية».

وبصورة موجزة، فإن مجموعة الدول الثماني لم تؤسس لتكون هيئة دولية مهمة، كما أصبح عليه حالها. ومع إصابة المؤسسات الدولة الكبرى بالوهن، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة حلف شمال الأطلسي، والبنك الدولي، فإن الضغط يتزايد على مجموعة الدول الثماني لحل المشكلات الكبرى التي تواجه العالم، وفي الوقت نفسه، فإنها غير مستعدة بالصورة الكافية لعمل ذلك. وقد تغيرت الخارطة الاقتصادية العالمية بصورة جذرية خلال العقد الأخير. فقد بزغ فجر قوى اقتصادية جديدة مثل الصين والهند والبرازيل، وسوف يستمر تأثير هذه القوى في المستقبل المنظور. والدول التي من المفترض أن تكون هي الدول الصناعية الكبرى، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وروسيا، لم تعد هي القوى الاقتصادية الثماني الأكبر، ولا تشكل معنى حقيقيا لمفهوم «المجموعة» ومن الواضح أنها لم تعد قادرة على القيادة أكثر من ذلك. ويتساءل المؤيدون لتوسيع مجموعة الدول الثماني، قائلين: إذا كانت هذه المجموعة خاصة بالدول الأقوى اقتصادا، فلماذا لا يتم إشراك الدول ذات الاقتصادات الأكبر في الوقت الحالي؟ وإذا كانت هذه المجموعة خاصة بالدول الديمقراطية، فلماذا تحصل روسيا على العضوية؟ وإذا كانت هذه المجموعة عبارة عن قمة هادئة وسرية بين قادة دول قوية، فلماذا يتم تسليط الضوء الإعلامي عليها، وعلى وعودها التي لا تفي بها؟ إن حجم الاقتصاد الصيني يبلغ نحو 3.4 تريليون دولار وهو رابع أكبر اقتصاد في العالم، وينافس الاقتصاد الألماني الذي يحتل المرتبة الثالثة. وتمتلك البرازيل عاشر أكبر اقتصاد في العالم، وهي بذلك تقف خلف كندا، لكنها تسبق روسيا. ويحتل إجمالي الناتج القومي الصيني المرتبة الخامسة بين إجمالي الناتج القومي لمختلف دول العالم، وهو أكبر من الناتج القومي لكندا وفرنسا وإيطاليا وروسيا والمملكة المتحدة. وتحتل الهند والبرازيل المرتبتين 11 و12 على التوالي فيما يتعلق بإجمالي الناتج القومي. وهذه الاقتصادات الخمسة ليست مجرد اقتصادات ناشئة قوية، ولكن دولها تتمتع بقوة عسكرية كبيرة، كما أن منها أكبر دولتان من ناحية عدد السكان، وهما الصين والهند. وقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأكبر دولة في مجال التخلص من الكربون، وكذلك الهند تسرع الخطى في هذا المضمار. ولا يمكن حل مشكلات ارتفاع أسعار البترول والغذاء دون إشراك الصين التي تزايد الطلب من اقتصادها على السلع الأساسية. وربما يمكن الوصول إلى حل أفضل فيما يتعلق بمشكلة الوقود الحيوي، وهي من الموضوعات الشائكة أيضا، إذا تمت مناقشتها مع البرازيل، وهي من الدول المنتجة الكبرى له بين دول العالم. وعندما تم تأسيس هذه المجموعة في حقبة الحرب الباردة عام 1975 كانت المجموعة التي تتكون من 6 دول كبرى، وبعد ذلك زادت إلى 7 دول بانضمام كندا، عبارة عن مجموعة من الدول الديمقراطية. وكان من شأن إضافة الصين التي يحكمها حزب واحد أن يغير من طبيعة هذه المجموعة. ومن بين المقترحات: أن يتم دمج مقاعد الدول الأوروبية وهي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا في مقعد واحد خاص بالاتحاد الأوربي. لكن أيا من هذه الدول لم يتطوع بعد بالتنحي عن العضوية. وقال جون كيرتون، وهو مدير مجموعة بحث مجموعة الدول الثماني في جامعة تورنتو، إن المبادئ الأساسية التي قامت عليها المجموعة، تتضمن الترويج للديمقراطية، وبذلك فإن الصين لا تنطبق عليها شروط العضوية. ويفيد المنتقدون كذلك بأن روسيا أيضا لا تتمتع بالحرية السياسية أو الاقتصادية، وكذلك الحال بالنسبة للصين. إن أسوأ ما يمكن أن يحدث، هو أن يجلس الأعضاء غير المؤهلين على طاولة مجموعة الدول الثماني. ويبدو أننا في حاجة إلى بناء مجموعة جديدة.