البشير.. سنوات الشد والجذب

قال له الترابي يوم الانقلاب اذهب إلى القصر وأنا إلى الحبس.. وبقيت العلاقة بين الرجلين متأرجحة دائماً في هذا الحال

TT

عندما ظهر الرئيس عمر حسن البشير على شاشة التلفزيون صبيحة الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989، لم يكن معروفا على نطاق واسع، باستثناء انه ضابط آخر يعتلي السلطة عن طريق الدبابة وإصلاح الامور على طريقته. ومن هناك بدأت القصة.. يعتبر البشير أن قراره الانقلاب على حكومة رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، كان هدفه وطنياً واقالة عثرة السودان الذي طالما وصف حاله بأنه يماثل وضع «جنازة البحر» التي يصعب حملها بسبب تفسخها. ويقول البشير إن حكومة المهدي كانت هشة، وان «الحكاية كانت منتهية ومنتظرة الشخص الذي يضرب الموسيقى»، اي الموسيقى العسكرية، التي درج الانقلابيون العسكريون السودانيون على بثها في الاذاعة السودانية، مع بداية كل انقلاب. وبعد 19 عاما من تجربة البشير في حكم السودان، يقول كثيرون إن انجازات كثيرة تحققت مثل وقف الحرب الاهلية جنوب السودان واستخراج النفط، وتحولات جذرية في تركيبة الاقتصاد السوداني، وتحقيق الكثير من الاختراقات التنمية، كما مضى بالبلاد رويدا رويدا على طريق التحول الديمقراطي، وآخر المحطات، اجازة قانون الانتخابات العامة في البلاد. لكن في المقابل، فان عهد البشير شهد اندلاع الحرب في دارفور، التي اعتبرت أسوأ ازمة انسانية في العالم، حسب وصف الامم المتحدة لها، بينما لاحقت الاختراقات التنموية التي تحققت ابان عهد البشير باتهامات بالفساد والمحسوبية واقصاء الآخر. وفضلا عن ذلك، فان البشير المعروف بأنه اطول رؤساء السودان بقاء في سدة السلطة، لم يكن احد يتصور بانه سوف يأتي يوم من الايام ليكون فيه هدفا من الاهداف الاولى للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، وفقاً لتوصية مثيرة للجدل تقدم بها مدَّعي المحكمة لويس مورينو اوكامبو في مؤتمر صحافي، الاثنين الماضي، وطلب فيها من المحكمة اصدار أمر بتوقيف البشير، قبل تسليمه الى المحكمة لمحاكمته بتهم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور. وطرحت توصية مدعي لاهاي، والتي واجهتها الخرطوم برفض صارخ وغضب عارم، جملة اسئلة تحاول ان تتحرى سنوات حكم البشير منذ البيان الاول الذي اعلن فيه توليه السلطة في البلاد، صباح الثلاثين من يونيو عام 1989. والى لحظة اعلان التوصية المرفوضة جملة تفصيلا من انصاره الى فضاء محتمل، قد ينفتح عليه مستقبل الرجل السياسي بعد كل هذه المدة من الحكم. وتتفرع الاسئلة من سؤال مفصلي هو: اين يقف البشير بعد القرار؟ فهل هو يقف على بساط ممهد الى الافق البعيد، مفروش بما انجزه طوال سنوات حكمه في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ام انه بات مطلا على جرف هار هو اعلان مدعي لاهاي حسبما يعتقد المراقبون الذين بدأوا بطرح الاسئلة عما اذا كان هذا الاعلان يمثل بداية النهاية لمستقبل البشير السياسي، ام انه بداية لبداية عهد جديد في حكمه للبلاد؟ لكن باب الاسئلة المتشعبة بقدر تشعب الملفات السودانية ينفتح عند سؤال كبير: من هو البشير؟

يقول عنه من يعرفه إنه منضبط في مواعيده. وهو رجل رياضي يمارس الرياضة ثلاث مرات في الاسبوع؛ ويشجع فريق الهلال لكرة القدم السوداني. يقولون إنه مرح يحب اجواء المرح والنكات. لا يشرب الشاي ولا القهوة، ويحب الطعام البلدي السوداني والاستماع للغناء السوداني القديم المعروف بـ«الحقيبة». ولكن الصفحة الاولى في كتاب الرئيس عمر البشير تبدأ من بلدة حوش بانقا التي تتبع محلية شندي وتبعد 180 كيلومترا شمال العاصمة الخرطوم حيث ولد في الاول من يناير (كانون الثاني) عام 1944، من والدين بسيطين مثلهما مثل سكان البلدة النائية. ودرس المرحلة الابتدائية في حوش بانقا، لتنتقل اسرته الى الخرطوم، ويحط بها المقام في حي كوبر بالخرطوم بحري أوائل الخمسينات من القرن الماضي، لتكون الاسرة قريبة من مكان عمل الوالد الذي كان يعمل في شركة كافوري المجاورة لكوبر. ينتمي والد البشير حسن احمد البشير الى قبيلة البديرية التي تقطن شمال السودان. اما والدته فتتحدر من الاشراف، وتنتمي الحاجة هدية محمد الزين الى قبيلة الجعليين من والدها، ومن الاشراف من جهة والدتها. ويقول الكاتب الطيب مصطفى، وهو قيادي اسلامي تربطه قرابة بالبشير، ان الاخير حمل هم اسرته منذ الصغر. ويقول إن من بين همومه مساعدة والده في تربية اخوته واخواته، إلى درجة دفعته الى العمل خلال الاجازات المدرسية. لكن العمل خلال الاجازات المدرسية كانت له اثاره على ملامحه، كما يقول مصطفى الذي أشار الى واقعة سقوط البشير من سلم كان يعتليه اثناء عمله كـ«طلبة» اي مساعد بناء. ويقول الى ان هذا السقوط احدث كسرا في احدى اسنانه الامامية. ويروي كثير من افراد عائلته من الذين تحدثوا لـ«الشرق الاوسط»، ان البشير كان بمثابة الأب والراعي لإخوته واسرته الكبيرة والصغيرة، حيث أنفق على تعليمهم حتى تخرجوا وحصلوا على العمل داخل السودان وخارجه. البشير هو ثاني اكبر ابنٍ لعائلة حسن احمد البشير والتي تتألف من 11 ابناً. تزوج البشير من ابنة عمه فاطمة خالد في السبعينات من القرن الماضي من دون أن يرزقا بأطفال. ولكنهما على الرغم من ذلك، «كانا الوجه الحلو» للاسرة، حسب تعبير الدكتورة سلوى حسن صديق، استاذة الاعلام بجامعة ام ردمان الاسلامية، التي تربطها علاقات اسرية بالبشير. وتضيف: «هو يحب الأطفال ويسعى لزيارتهم في منازلهم مع اسرهم ويصر على حمل صورهم ووضعها ضمن اشيائه الخاصة». في عام 2005، تزوج البشير من وداد بابكر، ارملة العميد ابراهيم شمس الدين وزير الدولة بوزارة الدفاع السابق الذي قتل في حادث تحطم طائرة عسكرية اثناء قيامه بمهمة جنوب البلاد. ويقول كثيرون ان شمس الدين كان من المقربين جدا من البشير، ويُعرف برجل مهماته الصعبة جنوب السودان خاصة. ويقولون ان زواج البشير من وداد كان بمثابة وفاء منه لأبناء الراحل وعددهم خمسة. وأكد على ذلك الصحافي راشد عبد الرحيم المقرب من اسرة البشير، ومتزوج احدى قريباته، وقال لـ«الشرق الاوسط»: «كان هذا من باب الوفاء والمسؤولية». ودرس البشير المرحلة الثانوية في مدرسة الخرطوم الثانوية، ويقول مجايلوه بالمدرسة في هذا الخصوص، انه كان من الظرفاء. وبعد نجاحه في امتحانات الشهادة السودانية (الثانوية العامة)، تبع البشير رغبته والتحق بكلية لدراسة علوم الطيران، ليصبح طيارا في الجيش. ولكن الخطوة لم تتم، فاختار ليكون ضابطا في وحدة المِظلات، فتخرج في الكلية الحربية «الدفعة 18»، وهي الدفعة التي شارك اغلب افرادها بشكل او آخر في الانقلاب على حكومة المهدي، وصاروا فيما بعد من اهم الشخصيات الموثوقة التي تمسك بمفاصل السلطة في البلاد. وتولى البشير في السنوات التي سبقت تنفيذ الانقلاب قيادة المنطقة العسكرية في مناطق ما يعرف بغرب النوير، حين كانت الحرب في اوجها بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة على الخرطوم آنذاك بقيادة زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق. ويقول رفاقه في الجيش ان «البشير سجل في هذه المناطق انتصارات عسكرية باهرة لصالح الجيش». ويسجلون أنه هو الذي قاد معارك شهيرة غرب النوير انتهت باستيلاء الجيش على منطقة «ميوم» التي تعرف باستراتيجيتها العسكرية، من يد قوات الحركة الشعبية. وفي هذا الجانب، وصفه اللواء متقاعد برمة ناصر، وزير الدفاع الاسبق والقيادي في حزب الأمة المعارض الذي تحدث لـ«الشرق الاوسط» عن الموضوع، بأنه «ضابط كفء ومنضبط ومؤهل للقيادة في كل النواحي العسكرية». ويقول الفريق الهادي بشرى المدير السابق لجهاز الامن، والذي ترأس لجنة تصفية جهاز أمن نميري، ان البشير كلف بإجراء التحقيق الاولي مع ضباط الجهاز المنحل، وانه ادى المهمة بكفاءة واقتدار. يصف بشرى البشير بأنه «متوازن يتمتع بروح المرح والانضباط الطبيعي». كما يصفه بأنه ناجح لجهة اقامة علاقات قوية مع جميع الضباط بمختلف الرتب والحفاظ على تلك العلاقات، كما كان وفيا لكل علاقاته». ويقول الصحافي راشد عبد الرحيم: «دائما يعطيك الاحساسَ بانه شخص عادي مثل كل الناس». ويقول قيادي اسلامي تحدث الى «الشرق الاوسط» عن الجوانب السياسية في شخصية البشير، متخصص في البحث في مجال الحركات الاسلامية وطلب حجب هويته، ان البشير نشأ في مدرسة الاخوان المسلمين حتى المرحلة الثانوية ثم تركهم بعد ان انضم الى الجيش، ليعود اليهم مرة ثانية قبيل الانقلاب. إلا انه اشار الى انه لم يكن الرجل الاول في تنظيم الاسلاميين في الجيش السوداني، بل كان يتزعم هذا التنظيم الراحل محمد المرضي جبارة، اول وزير تخطيط اقتصادي في حكومة البشير، وبعده مختار محمدين، ثم العميد عثمان احمد حسن. وهنا يروي اغلب الذين يؤرخون لانقلاب البشير ان التخطيط كان يسير على ان يكون زعيم الانقلاب هو الراحل عثمان احمد حسن، ولكن الاخير تردد فوقع من بعده الاختيار على البشير. ويتفق المحللون في الخرطوم على ان انقلاب البشير هو في الاصل انقلاب مدبر من الجبهة الاسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي، بل ان الاخير اكد ذلك فعلا، حين قال في خضم الصراع بينه وبين البشير عام 2000 حين كشف أنه قال للبشير عشية الانقلاب: «اذهب الى القصر رئيساً واذهب انا للسجن حبيساً»، بغرض التمويه الذي يخفي صلة الجبهة بالانقلاب. ويبدو ان الاجواء السياسية المضطربة آنذاك شجعت العسكريين بقيادة البشير، على القبول بخوض تجربة تنفيذ الانقلاب، منها تدهور اوضاع الجيش السوداني الذي كان «يأكل القطط» اثناء حرب الجنوب. ولخص الوضع بشكل صارخ وقتذاك، نائب رئيس الوزراء الراحل الشريف زين العابدين الهندي، حين قال من داخل قبة البرلمان إن «هذه الحكومة لو جاء كلب كي يجرها لما زجره أحد، وقال له جر»، مما حدا برئيس الوزراء المهدي الى الرد عليه بشكل سريع، قائلا ان الهندي قدم افضل مرافعة لأي مغامر يريد ان يستولي على السلطة بالدبابة. وفي سياق تلك الاجواء المضطربة، توالى ارتفاع اسعار السلع الضرورية خاصة الوقود والخبز، وتحول الاداء السياسي الى معارك كلامية بين القوى السياسية، ثم جاءت الشوكة التي قصمت ظهر البعير، حين رفع الجيش مذكرة للحكومة حملت جملة مطالب، ولكن لم تلق قدرا وافرا من الاستجابة من قبل الحكومة. «رغم ذلك قال القائد العام للجيش في لقاء مع القادة ان المذكرة حققت بنسبة 90 في المائة من اهدافها مع انها لم تحقق اي شيء»، حسب البشير، الذي قال ان عدم تنفيذ المذكرة أثار احباطا شديدا داخل الجيش وهيأه لاي عمل ضد الحكومة»، وقال: «.. فقررت مع الاخوة عمل شيء». وفي سياق روايته للساعات الاخيرة قبل تنفيذ الانقلاب، قال البشير إنه كان من المفترض ان يبدأ تنفيذ الانقلاب بالاستيلاء على القيادة العامة للجيش عند الساعة الثانية صباحا، وبالتالي كان يتعين عليه ان يكون هناك قبل هذا الموعد، الا انه اكتشف ان سيارته كانت شبه معطلة، حيث كان بها خلل في جهاز نقل الحركة، ولكنه اضطر الى استخدامها بـ«المعافرة» حتى الوصول الى القيادة العامة حيث وجد العميد بكري حسن صالح وزير شؤون الرئاسة الحالي في انتظاره مع قوته حيث تم الاستيلاء على القيادة العامة والوحدات الاخرى. إلا ان البشير اشار الى مشكلة واجهتهم في تلك الساعات، وهي كيفية تشغيل الاذاعة والتلفزيون لاذاعة البيان الاول للانقلاب نظرا لاغلاق الجسور وتأخر الفنيين في الوصول الى هناك، وقال: «اصبحنا نبحث عن اناس لتشغيل الاذاعة». ونجح في النهاية، وتمت اذاعة الموسيقى العسكرية والبيان الاول. وعلى الاثر، كون البشير نظاما قام في البداية تحت لافتة مجلس قيادة الثورة الذي تفرعت منه العديد من اللجان المتخصصة التي قادها عدد من الوجوه الاسلامية، الا ان دور مجلس قيادة الثورة اضمحل خلال وقت وجيز حتى تم حله عقب سنوات قليلة من «الانقاذ» ليحل محله حزب المؤتمر الوطني الذي تكشفت من خلاله بوضوح الهوية الاسلامية لحكم البشير. وكان الترابي الذي خرج من السجن بعد اشهر قلائل يمثل الأبَ الروحيَّ لنظام الحكم نحوا من عشر سنوات ظل خلالها يمسك بمفاصل السلطة ويحرك دولاب الدولة لدرجة تشمل «النظر في تنقلات الموظفين»، حسب المتابعين لشؤون النظام. إلا ان العلاقة بين البشير والترابي اخذت في التدهور رويداً رويداً. وبلغ التدهور اوجه عقب ذلك بما عرف آنذاك بـ«المفاصلة» التي اقصت الترابي عن مؤسسة الدولة وشقت التنظيم الاسلامي الحاكم نصفين: الاول مع البشير تحت لافتة حزب المؤتمر الوطني، والثاني يدين بالولاء للترابي الذي اسس حزبا جديدا تحت اسم المؤتمر، وان اضاف اليه كلمة الشعبي في النهاية. ومهما يكن من امر، فان حكم البشير قبل المفاصلة او بعدها لم يفقد طابعه الاسلامي، الامر الذي أدى إلى ل كثيرة مع دول الجوار اولا، إذ بدأت تتخوف من تصريحات زعماء «الانقاذ» حول «تصدير الثورة» الى دول الجوار. كما اثار ذلك الطابع الاسلامي الذي كان يبرز احيانا في خطابه، قلق دول العالم الخارجي الاخرى التي اعربت عن قلقها من استضافة الخرطوم لاسامة بن لادن وما يعتبرهم الغربُ غلاة المتشددين الاسلاميين في العالم. ويجمع معظم مستشاري البشير على القول إن الاخير درج على التشاور قبل اتخاذ اي قرار. وفي هذا الخصوص، يقول بدري إنه على الرغم من ان البشير بدأ حكمه بقدرات متواضعة، إلا انه تمكن من ان يكون الرجل الاول، وان تكون له نظرته المستقلة للامور، وكذلك الاستعداد التام للتعامل مع الآخرين. إلا ان بدري تحدث عما سماهم «مجموعة» في حكم البشير من ذوي القدرات الاقل، انعكس عملهم سلبا على اداء الدولة في بعض الجوانب إلا انه يصعب على البشير إبعادهم في اطار روح التسامح التي يتمتع بها».

فيما يقول المستشار الصحافي السابق للبشير الدكتور الصادق بخيت الفقيه لـ«الشرق الاوسط» إن البشير في تعامله مع مَنْ حوله من اعوان يتميز بكسر الحواجز لدرجة انه لا يفرق بين الوزير والخفير والحرس ويتعامل معهم بطريقة اقرب الى الندية. واضاف «خلال الاجتماعات كان الذين يجلسون حوله لا يرون أن رئيسهم يختلف عنهم ويمارس سلطة الرئيس في الاجتماعات، بل يشاور كما يفعل الآخرون في الاجتماع». ويؤكد الفقيه ايضا ان البشير قارئ مطلع للتقارير ولما يدور في الصحف ويتابع تفاعل الشارع مع الحكم والقرارات المهمة. بينما اللواء الهادي بشرى ينبه الى ان البشير الرئيس «لا يتدخل في تفاصيل من يكلفهم بالعمل، ويعطيهم الثقة ومساحة للابتكار، مما يدخلك في تحدٍّ بأنك يجب الا تؤدي إلا الافضلَ». ورغم ان سنوات البشير في الحكم طغى عليها «الشد والجذب» سواء مع دول العالم والمحيط الاقليمي، والترابي في وقت لاحق، ومع تنظيمات المعارضة السودانية التي جنحت الى حمل السلاح، إلا ان تلك السنوات لم تخل من انجازات كبيرة على كل الاصعدة، حيث تم ابرام اتفاقية للسلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تقاتل في الجنوب منذ عام 1983، وكذلك استخراج النفط وتصديره، والذي بات يمثل الآن اكثر من 50 في المائة من الناتج القومي للبلاد، كما ادى الى زيادة النمو الاقتصادي في البلاد بنسبة 11 في المائة حسب صندوق النقد الدولي. لكن الامر لم يخل من مشاكل ايضا، حيث اندلع نزاع دارفور الذي حصد ارواح الالاف وشرد الكثيرين، وتستمر تداعياته المزعجة حتى الآن. ويعتقد كثيرون انه لو لم تحل هذه المشكلة، فان حكم البشير يظل في حالة توتر وشد مستمرين. وأخذِتْ على سنوات البشير الاولى في الحكم بأنها ارست قاعدة «اقصاء الآخر» من خلال «تمكين ذوي الثقة» بالحركة الاسلامية، على حساب ذوي الكفاءة والقوى السياسية الاخرى، وكان انصاره يرددون سرا: «أهل الثقة ولا أهل الكفاءة». كما اخذت على تلك السنوات الاولى انها حفلت بالتضييق على الحريات العامة والوظيفة العامة، وما صاحب ذلك من الاقصاء من الوظيفة لاسباب سياسية، واعتقالات طالت قيادات سياسية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني وغيرها. ويتهم خبراء في مجال الزراعة حكم البشير بأنه اهمل الزراعة بصورة واضحة خاصة في السنوات التي تلت استخراج النفط. كما ارتفعت نسبة العطالة وسط جدل بين المعارضين والحكوميين حول ارقامها الحقيقة. ويقول بدري ان البشير حقق «انجازات كبيرة واخفاقات صغيرة». وأضاف: «يبدو ان طبيعة البشير الجعلية»، نسبة الى قبيلة الجعليين في السودان، و«العسكرية احياناً تضخ فيه روح الحماس والانفعال مما يؤثر عليه للحظة». ويقول ان «البشير يجد نفسه في الكلام المرتجل اكثر من الكلام المكتوب، الامر الذي يكون لديه بعض الآثار»، إلا ان كوَّن مهاراتٍ في الخطاب الشعبي وتشكلت لديه ثقافة عالية يمكن ان يدير بها الامور داخليا وخارجيا. اما المستشار الفقيه، فيقول إن البشير يعطي ثقته المطلقة لمن يعملون معه، ويرجح بأن هذا ربما جلب الكثير من الحساسيات في المحاسبة، فيما يرحج الدكتور الدكتور ابراهيم غندور، مسؤول التعبئة في حزبه المؤتمر الوطني الحاكم، في حديث لـ«الشرق الاوسط»، «ان طيبة البشير الزائدة ربما أغرت البعضَ بانه ضعيف ولكن الحقيقة لا». قيادي وباحث اسلامي يصف البشير بأنه «منفتح وليس اسلاميا منغلقا»، ويضيف في حديث لـ«الشرق الاوسط»: «إنه ليس مثل بقية الاسلاميين الذين لديهم رأي في الكثير من تفاصيل الحياة السودانية مثل: الغناء والرقص والحفلات، حيث يقبلها باعتبارها اشياءً من المجتمع السوداني». ويضيف ان دائرة علاقات البشير متسعة، تشمل جميع الالوان السودانية واشخاصا من خارج الحركة الاسلامية. الا ان هذا القيادي نفسه عاب على البشير «انه احيانا يغضب بصورة قد تخرجه عن السياق للحظة». ويقول المحللون ان أمام البشير الآن تحديات مهمة تتمثل في تنفيذ اتفاق السلام، وما يتصل ذلك بالتحول الديمقراطي، وحفظ تماسك البلاد من التفتت والانهيار بسبب بؤر التوتر القائمة، وحل الازمة في دارفور، وإحداث اختراقات مع الغرب بما يضمن عدم تضييق الخناق على حكمه. ومهما يكن، فان البشير في نظر السياسيين السودانيين «سياسي ملتزم بقناعاته»، طبقا لتعبير اللواء متقاعد برمة ناصر. ويقول غندور: «مهما افترت محكمة الجنايات الدولية سيظل البشير هو محبوباً، وهو الاكثر قبولا في الانتخابات المقبلة».