رجل الثقة.. و«ريموت كونترول» الانقلابات

3 ساعات و3 دقائق فاصلة قادت الجنرال ولد عبد العزيز ليصبح ثامن حاكم في قائمة رؤساء موريتانيا.. مدنيان و 6 عسكريين

موريتانيا صحت على انقلاب عسكري.. من جديد («الشرق الأوسط»)
TT

حين بث التلفزيون الموريتاني برنامجا وثائقيا خاصا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ48 للاستقلال كان كثير من الموريتانيين يشاهدون للمرة الأولى الخطاب المرتجل باللغة الفرنسية للعقيد معاوية ولد الطايع صبيحة الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) 1984، وهو تاريخ الانقلاب الذي أوصله للسلطة، والخطاب الذي أبعدته السياسة الإعلامية في سنوات ولد الطايع الأخيرة عن الشاشة خوفا من التذكير بـ«سوابقه العسكرية».

كانت ملامح الضابط الشاب الواقف خلفه مباشرة واضحة..وحقيبة أسرار الحكم الجديد بيده اليمنى تنبئ بمستقبل واعد له في ما أسماه البعض «التبادل السلمي على الانقلابات».. إنه الجنرال محمد ولد عبد العزيز القائد الفعلي للانقلاب على ولد الطايع، والزعيم المباشر للانقلاب الجديد.

لم يعرف الموريتانيون رئيس دولتهم الجديد الجنرال ولد عبد العزيز إلا بعد حديث الصحافة المحلية عن دوره القوي والحاسم في الإطاحة بالرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في يوم الأربعاء الثالث من أغسطس (آب) 2005 بعد 21 سنة من حكم البلاد، خلع فيها البزة العسكرية وفاز في ثلاثة انتخابات ظلت المعارضة تصفها بالمزورة، ليعرفه الموريتانيون لاحقا بوصفه «رجل القصر القوي» قبل وبعد انتخاب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رئيسا للبلاد.

ظهر ولد عبد العزيز منذ اللحظات الأولى بعد انقلاب 2005 بصفته القائد الفعلي له، وهو ما عززه انتشار قوات الحرس الرئاسي التابع له، وقيامه بمهام حاسمة في الخطة الانقلابية، حيث كان يومها قائدا عاما لتلك القوة الجيدة التسليح والتدريب من الجيش الموريتاني، والمكلفة بحماية القصر الرئاسي وساكنه.

ينتمي حاكم موريتانيا الجديد للجيل الثالث من ضباط الجيش الموريتاني، وهو في عقده السادس وخريج الأكاديمية العسكرية بمدينة مكناس المغربية، ولم تعرف له انتماءات سياسية واضحة، رغم أن لديه ميولا ليبرالية، وهو فرانكفوني مثقف، وهادئ. ينتقده مناوئوه ويصفونه بـ«المتغطرس» و«المتسلط» على عكس المدافعين عنه الذين طالما شادوا بوطنيته ودوره الفاعل والإيجابي. وخلال مسيرته طيلة عشرين عاما رفقة ولد الطايع لم يأت ذكر ولد عبد العزيز خلال الهزات الكبرى التي تعرض لها نظام ولد الطايع في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي، لكن منذ مطلع الألفين بدا أن العقيد ولد عبد العزيز أصبح الفاعل الأول في أمن الرئيس ولد الطايع، ورجل ثقته بلا منازع.

احتل العقيد ولد عبد العزيز الرقم 2 في قائمة أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية المكون من ثمانية عشر عقيدا من مختلف الأسلاك العسكرية، والتي تم إعلانها عشية يوم الانقلاب، في بيان رقم 2 تولى بموجبه المدير العام للأمن الوطني طيلة 20 سنة من حكم ولد الطايع العقيد علي ولد محمد فال رئاسة الدولة، وإدارة شؤون البلاد عن طريق حكومة مدنية تتكون من تكنوقراط ووزراء سابقين في عهد ولد الطايع تم تعيينها بعد يومين على تنفيذ ما وصفه مراقبون بأنه «انقلاب بلاط» نجح ولد محمد فال بجعله تجربة «سوار ذهب جديد».

توارى ولد عبد العزيز بعيدا عن الإعلام، وسلطت الأضواء على قريبه وحليفه الرئيس الجديد ولد محمد فال الذي لم يكن يظهر إلا مرة واحدة في السنة خلال احتفالات عيد الشرطة العربية، يلقي خطابا بلغة عربية يبدو على لسان صاحبها عمق الثقافة الفرنكفونية. ومن حين لآخر يذكر اسم ولد عبد العزيز بوصفه «طرفا فاعلا ومؤثرا» في المشهد السياسي خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي نظمت ما بين نوفمبر 2006 ومارس 2007. ويشير مراقبون وخبراء موريتانيون في الشأن العسكري إلى أن ولد عبد العزيز اختار أن «يتنازل» عن الرئاسة لقريبه الذي تربطه به أكثر من علاقة العقيد اعلي ولد محمد فال ليتولى رئاسة البلاد خلال الفترة الانتقالية نظرا لما يتمتع به من ثقة في المؤسسة العسكرية.

لكن حديث الصحافة والمراقبين في موريتانيا عن وجود خلافات من حين لآخر بين الرجلين لم يتوقف، فخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة تحدثت العديد من الأوساط عن انقسام في المجلس العسكري حول تأييد مرشحي الانتخابات العسكرية التي نظمها وأشرف على جولتيها في 11 و 25 مارس 2008 ، وفهم التأييد حينها على أنه بشكل شخصي، وليس بدعم مؤسسي يخل بشفافية الانتخابات، التي أشاد بها فيما بعد المراقبون والهيئات الدولية.

ومن 21 مرشحا للرئاسة استأثر اثنان فقط بدعم أعضاء المجلس العسكري، هما الرئيس المطاح به سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وزعيم المعارضة الديمقراطية الذي أيد حزبه الانقلاب الأخير أحمد ولد داداه (وهما وزيران سابقان في الحكم المدني الأول بعد الاستقلال). اختلف ذلك الدعم واتضح بحسب موقع وقوة ونفوذ القادة العسكريين، وقيل حينها إن ولد محمد فال عدل عن تأييد ولد الشيخ عبد الله واختار ولد داداه، على عكس ولد عبد العزيز، وهو ما سبب ـ إضافة لملفات أخرى ـ خلافات حادة بين الاثنين. وتوجت علاقة الرجلين بانفصال شكلي، بعد تسليم السلطة للمدنيين في 19 ابريل 2007 حيث أحيل ولد محمد فال إلى التقاعد، وعين ولد عبد العزيز في مناصب إضافية هو وثلاثة من أعضاء المجلس، بينما تم إبعاد البقية عن مراكزهم القديمة، لكن مراقبين رأوا أن تلك الخلافات صورية وغير حقيقية. ويؤكد المحامي والحقوقي يحيى ولد المصطفى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المسار رسم بدقة لعودة العقيد ولد محمد فال عن طريق انتخابات عاجلة تنظم على إثر سيناريو يفضي لاستقالة الرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله، أو حتى بعد تكميل فترة سنة 2012، ليعود ولد فال على طريقة الرئيس المالي آمادو تومني توري. قام ولد عبد العزيز في ظل الثقة التي منحه ولد الشيخ بزيارات مكوكية لعدة بلدان وعلى الخصوص فرنسا، المغرب، والجزائر، وهي دول لها دورها واهتمامها الخاص جدا بكل ما يدور في موريتانيا، ولم يكشف عن مضمون مباحثاته والملفات التي كان يحملها معه خلال جولاته تلك، بل إنها أحيانا تحاط بنوع من السرية كزيارته للجزائر في مطلع السنة الجارية التي قيل إنها لبحث آلية استفادة موريتانيا من الخبرة الجزائرية في مكافحة الإرهاب، بينما تحدثت الصحافة المغربية والموريتانية عن دوره في تسوية الخلاف الدبلوماسي الذي نشب بين موريتانيا والمغرب بسبب ما قالت المغرب إنها مواقف مؤيدة للبوليزاريو من طرف وزير الخارجية الموريتاني السابق محمد السالك ولد محمد الأمين. أما فرنسا فقد كانت آخر زيارة أداها لها قبل أيام قليلة من تنفيذ الانقلاب، وهو ما يرجح البعض على أن تكون محاولة لأخذ موافقة ومباركة فرنسا لما سيدور في مستعمرتها السابقة، ويشير مراقبون في نواكشوط إلى «برودة» الموقف الذي أعلنت عنه الخارجية الفرنسية حيث لم تدن الانقلاب، واكتفت بتأكيد حرصها على أمن واستقرار البلاد، وربما لم يشفع لولد الشيخ عبد الله حضوره اللافت لقمة الاتحاد من أجل المتوسط، وتأدية زيارتين لفرنسا.

ومنذ نهاية ديسمبر 2007 تاريخ مقتل السياح الفرنسيين الأربعة في موريتانيا تولى عزيز الإشراف بشكل شبه كامل على ملف الجماعات السلفية المسلحة، الذي شهد تطورات دراماتيكية فيما بعد خصوصا خلال شهر ابريل وبداية مايو حيث دارت مواجهات مسلحة في العاصمة نواكشوط هي الأولى من نوعها، وشاركت فيها قوات الحرس الرئاسي التي يديرها بقوة. وطيلة الأسابيع الماضية ومع اشتداد الأزمة السياسية تقول مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن مخاوف بدأت تراود الجنرال ولد عبد العزيز مما سيقدم عليه الرئيس ولد الشيخ عبد الله، وهو ما دعا بحسب تلك المصادر إلى عودة مفاجئة لقائد الجيش ولد الغزواني من زيارة لمدينة أطار شمال البلاد قبل أسبوعين، لكنه اطمأن وانتقل لجولة داخلية أخرى، ليفاجئه ورفيقه عزيز بقرار الإقالة المفاجئ، والذي سبب ردة فعل انقلابية غير مسبوقة.

ويبقى السبب المباشر لتحرك ولد عبد العزيز العسكري، وإطاحته بنظام الرئيس المنتخب في انتخابات أجمع المراقبون على شفافيتها هو تلك الأزمة السياسية التي انطلقت شرارتها الأولى في نهاية مايو الماضي، لتبلغ ذروتها في شهري يونيو ويوليو الماضيين، والتي كانت في ظاهرها أزمة سياسية برلمانية، لكن حديث المراقبين عن وجود أيادي تعمل لتنفيذ أجندة رسمها الجنرال ولد عبد العزيز، لم تعد مثار شك لدى الرأي العام الموريتاني، بعد تدخله الفعلي وحسم الأمور. بما عجزت عنه «الانقلابات الديمقراطية» التي كان يقودها نواب في غرفتي البرلمان وصفوا بأنهم موالون لولد عبد العزيز، رغم نفيهم المستمر لذلك، وخلال مساعيهم تلك نجحوا في إرغام الحكومة على الاستقالة، وإخراج وزراء حزبي المعارضة (يساري، وإسلامي)، وتعيين حكومة تمثل الأغلبية البرلمانية، لكن النواب الذين أصبحوا يعرفون في موريتانيا بـ«نواب حجم الثقة» لم يرضوا أيضا عن الحكومة الجديدة، واستمروا في احتجاجاتهم، وقدموا استقالات جماعية من الحزب الحاكم سابقا العهد الوطني للديمقراطية والتنمية(عادل)، ونجحوا في استقطاب تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة، الذي سارع نوابه في البرلمان إلى مباركة الانقلاب الجدي، وأصدرت لجنته الدائمة بيانا يعرب عن تفهمه للانقلاب الذي جرى ورئيس الحزب أحمد ولد داداه متواجد بتونس، وهو مرشح خاسر في الشوط الثاني لانتخابات 2007، وطالما اتهم ولد عبد العزيز بتعكير صفو العملية الديمقراطية وبالتدخل السافر في السلطة.

لكن المفاجأة الكبيرة للمراقبين قد تكون ما كشف عنه لـ«الشرق الأوسط» السياسي سيدي المختار ولد أحمد الهادي بأن بعض القوى والأحزاب السياسية كانت على علم مسبق بالانقلاب العسكري، الذي وضع كسيناريو بديل، وأكد ولد أحمد الهادي وهو مسؤول بالحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد أحد أطراف الأغلبية السابقة التي تدعم الانقلاب أن المؤكد هو أن معلومات تم التوصل لها قبل أكثر من 12 ساعة على تنفيذ الانقلاب تؤكده وتحدد سقفا زمنيا له.

وإضافة لتلك العوامل ظل العسكر ينتقدون بحسب ما ينقل عنهم عودة رموز الفساد للسلطة وتمكين ولد الشيخ عبد الله لهم بقوة، ويعنون بهم وزراء ومسؤولو حقبة ولد الطايع، وهو ما يقول المقربون من العسكر إنه يجهض حركتهم «التصحيحية» التي قاموا بها قبل أعوام ثلاثة. لكن معارضيهم طالما سخروا من هذا التخوف، قائلين إن رموز الفساد موجودة في طرفي الأغلبية الرئاسية التي انقسمت على نفسها طيلة الثلاثة أشهر الماضية، وقال حزب اتحاد قوى التقدم اليساري في بيان شديد اللهجة له قبل أسبوع إن من ينتقدون عودة رموز الفساد، هم أيضا رموز فساد من طراز فريد، محذرين من «التدخل السافر» لقادة المؤسسة العسكرية في شؤون السياسة، لكن تحذيرا لم يجد صدى لدى القادة العسكريين الذين تدخلوا أخيرا لقلب الأمور.

بعد ثلاث سنوات، عاد ولد عبد العزيز للواجهة من جديد، ليعلن توليه رئاسة «مجلس الدولة»، لكنه لم يأت لتغيير نظام حكم البلاد لأكثر من عقدين، كما كان الحال سنة 2005 بل جاء لـ«تصحيح مسار ديمقراطي انحرف عن مساره» بما حسب ما برر به تحركه العسكري الذي جاء كردة فعل مباشرة على القرار الذي أصدره صبيحة اليوم نفسه الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ويقضي بإقالة الجنرال الذي يوصف بـ«المتنفذ» من منصبه كقائد للأركان الخاصة لرئيس الجمهورية وقائد الحرس الرئاسي وتعيين العقيد محمد أحمد ولد إسماعيل بدلا منه (تربطه علاقات روحية صوفية بولد الشيخ عبد الله) في خطوة أقدم عليها ولد الشيخ عبد الله بوصفها «حقا دستوريا» فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأقال بموجبها إضافة لولد عبد العزيز قائد الجيش الوطني الجنرال محمد ولد الغزواني، وعين بدلا منه العقيد عبد الرحمن ولد ببكر الشخصية الثالثة في المجلس العسكري وقائد الجيش خلال الفترة الانتقالية.

وكان قد «أبعد» قبل حوالي عام ليتولى إدارة «مفوضية الأمن الغذائي»، أما ولد الغزواني أحد قادة انقلاب 3 أغسطس ضد ولد الطايع وشغل طيلة ثلاث سنوات منصب مدير الأمن الوطني خلفا لولد محمد فال، إلى أن عينه الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله في الثالث عشر من ابريل الماضي قائدا للجيش خلفا للعقيد فليكس نكري الذي حول في التاريخ نفسه لقيادة أركان الحرس الوطني، لتتم إقالته هو أيضا بموجب القرار الأخير لولد الشيخ عبد الله الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والذي أقيل بموجبه أيضا العقيد أحمد ولد بكرن من قيادة أركان الدرك، وهذا الرباعي (عزيز، غزواني، نكري، بكرن) يشكل حلفا قويا داخل المؤسسة العسكرية الموريتانية، وكانوا أعضاء في المجلس العسكري الحاكم سابقا، وهم الوحيدون المتبقون من أعضائه في مراكز مهمة وحساسة، «مما مكنهم من قيادة الانقلاب العسكري الجديد ببساطة وخبرة واضحة» برأي الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني عبد الله ولد أتفاغ المختار.

عاد ولد عبد العزيز.. وهو يحمل رتبة جنرال منحه إياها الرئيس الموريتاني السابق ولد الشيخ عبد الله في الأول من يناير الماضي، ليكون بذلك ثاني جنرال في تاريخ الجيش الموريتاني (المؤلف من حوالي 16 ألف جندي) بعد القائد السابق للجيش مولاي ولد بوخريص الذي رقي إلى رتبة جنرال بعد تقاعده قبل خمس سنوات. وأثارت ترقية ولد عبد العزيز إلى جنرال ورفيقيه غزواني ونكري فيما بعد (على التوالي في ابريل ويوليو الماضيين) ردود فعل منددة في أوساط المعارضة السياسية واصفة القرار بأنه «ضعف» من ولد الشيخ عبد الله، واستمرار لمنح الثقة العمياء للعسكريين الذين أوصلوه للسلطة عن طريق الدعم، وتعبئة القوى التقليدية لصالحه في انتخابات 11 مارس 2007 بحسب المعارضة، إلا أن موالين للسلطة رأوا حينها أن هذه «المكافأة» طبيعية وكانت متوقعة «بالنظر إلى خدماته للجيش والدولة الموريتانية».

ويرى الكاتب الصحافي الموريتاني سعيد ولد حبيب أن القوة المتزايدة للجنرال عزيز هي التي مكنته من الإقدام بهذه السرعة الخاطفة لتنفيذ الانقلاب ضد الرئيس ولد الشيخ عبد الله. ويشير ولد حبيب إلى التمكين الذي حظي به ولد عبد العزيز حيث أصبحت أجزاء كبيرة من مؤن وتمويلات الجيش تحت يده، وازدادت الميزانية المخصصة للواءاته الخاصة والتي تدين له بالولاء المطلق، إضافة لوجوده الدائم بالقصر الرئاسي بوصفه مديرا للأركان الخاصة للرئيس، «مما مكنه من التعرف عن قرب على كل شاردة وواردة» يقول ولد حبيب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» مشيرا إلى الشائعات التي تداولتها صحف ومواقع الكترونية موريتانية عن زرع ولد عبد العزيز بالتعاون مع عناصر في اتصالات الاستخبارات الفرنسية لأجهزة تنصت متطورة في كل أجزاء القصر الرئاسي لتكون مكالمات وأحاديث ولد الشيخ عبد الله تحت مراقبته، بعد ما بدأ الأخير توجها لم يرق للجنرال رغم الثقة البادية بين الاثنين. خطوات الانقلابيين الجدد كانت أسرع من قرارات الرئيس، ففي الساعة التاسعة وتسع دقائق صبيحة الأربعاء 6 أغسطس بثت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية برقية تحمل «مرسوما رئاسيا» يقضي بإقالة القادة العسكريين وبعدها بثلاث ساعات وثلاث دقائق وتحديدا في الساعة الثانية عشرة واثنتي عشرة دقيقة زوالا كانت ذات الوكالة تبث البيان رقم 1 لولد عبد العزيز ورفاقه، والذي خلا من أية معلومات أو تبريرات واضحة للانقلاب، واقتصر على الإشارة إلى أن «مجلس الدولة» أصبح يحكم البلاد، وأن قرار الرئيس ولد الشيخ عبد الله بإقالتهم من مناصبهم التي عينهم فيها قبل أشهر قليلة «باطل قانونيا وعمليا». لتجد موريتانيا نفسها منقسمة بين مؤيد ومعارض لانقلاب الجنرال ولد عبد العزيز، ورأى المؤيدون أن الانقلاب هو «حركة تصحيحية» للمسار الديمقراطي، وأنه لن يمس من المؤسسات الديمقراطية، وسيعيد الأمور إلى طبيعتها في أقرب وقت، معربين عن حاجة البلاد الماسة إلى هكذا تحرك. في حين ندد المناوئون بما قام به ولد عبد العزيز ورفاقه من انقلاب وصفوه باللاشرعي، واللادستوري، وانه «احتقار للاختيار الديمقراطي» مطالبين بعودة المؤسسات الديمقراطية والدستورية، وإعادة الرئيس المنتخب بصفة ديمقراطية شفافة إلى منصبه. لكن تلك المطالب لا يبدو أنها ليست في طريقها للتحقيق فقد أبرم الجنرال ولد عبد العزيز أمره، ونقل مكان عمله إلى المكتب المخصص لرؤساء البلاد ليحتل الرقم 8 في قائمة رؤساء البلاد(مدنيان و 6 عسكريين) الذين مازالوا على قيد الحياة باستثناء أول رئيس بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960 المختار ولد داداه الذي توفي في أكتوبر 2003.

وبنجاح انقلابه العسكري تكون موريتانيا قد حطمت في ظل رئيسها الجديد الجنرال عزيز رقما قياسيا جديدا بـ 15 انقلابا في تاريخها ما بين ناجح وفاشل وموءود. ولم يشفع لسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدني منتخب، الثناء والثقة اللذان أبداهما بحق جنرالاته في آخر مقابلة صحافية له، قبل أن يعتقل ويوضع في مكان معزول داخل ثكنة عسكرية، ويحرم من الاتصال، والبث الإذاعي والتلفزيوني. إنه سيناريو يشابه في جزء كبير منه لحظات ما بعد الصدمة لأول انقلاب عسكري بموريتانيا في 10 يوليو عام 1978 والذي أطاح بالراحل ولد داداه، حيث كان ولد الشيخ عبد الله يومها وزيرا في حكومته، كنه بالتأكيد لم يفكر بنهاية كهذه، على يد «رجل الثقة» الجنرال محمد ولد عبد العزيز «رئيس مجلس الدولة» الجديد.