حرب الأجنحة.. الفلسطينية

الجناح العسكري لفتح أسسه العمارين في التسعينات ويعاني الآن من التشرذم.. أما جناح حماس العسكري فولد عندما شكل «الإخوانُ» حركة رداً على «الفصائل العلمانية»

الاجنحة العسكرية لفتح في حالة تشرذم («الشرق الاوسط»)
TT

في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدها قطاع غزة، والتي انتهت باقتحام الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة اسماعيل هنية المقالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وفرار العشرات من افراد عائلة حلس التي اتهمتها حماس بإيواء اشخاص على علاقة بالتفجيرات التي شهدتها المدينة قبل اسبوعين، طفا على السطح مجدداً الدور الذي تلعبه الأذرع والمجموعات العسكرية التابعة لكل من فتح وحماس في الصراع الدائر بين الحركتين. فكما أصبح واضحاً، فإن «كتائب عز الدين القسام» ـ الجناح العسكري لحركة حماس قامت بدور فاعل في محاصرة حي «الشجاعية»، وإخضاع عائلة حلس. كما أصدرت «كتائب القسام» بياناً شددت فيه على أنها لن تسمح بـ«عودة الفلتان الأمني الذي يحرض عليه التيار الخياني الهارب من حركة فتح»، على حد تعبير البيان. من الناحية الثانية، برز دور لمجموعات من «كتائب شهداء الأقصى»، التابعة لحركة فتح في الرد على ما قامت به حكومة حماس في غزة. فبينما كانت الأجهزة الأمنية تحاصر «الشجاعية»، أقدم عناصر من «شهداء الأقصى»، في مدينة نابلس، وسط الضفة الغربية على اختطاف الدكتور محمد غزال، القيادي البارز في حركة حماس بالضفة، وأعلنوا أنهم سيعدمونه في حال لم توقف الأجهزة الأمنية هجومها على «الشجاعية»، لكن لم تكد يمضي ثلاث ساعات حتى قاموا بتسليم غزال الى محافظ نابلس احمد محيسن الذي أعاده الى منزله. حكومتا غزة ورام الله شرعتا في أعقاب هذه الأحداث الى شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف المنتمين لحماس وفتح؛ ومن الذين اعتقلوا بغزة نشطاء ينتمون لـ«شهداء الأقصى»، في حين أن أجهزة الأمن برام الله اعتقلت العشرات من حماس.. قيادات في السلطة الفلسطينية وحركة فتح قالت إنها تدرس حظر وجود «كتائب القسام»، بالضفة الغربية ونزع الشرعية عنها وإخراجها عن نطاق القانون. اللواء ذياب العلي، قائد قوات الامن الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية، أعلن أن قواته لن تسمح لأي تنظيم سياسي بحمل السلاح. واعتبر أن وحدة السلاح هو اجراء مهم من اجل عدم السماح بعودة الأمور للمربع الأول، على حد تعبيره. وشدد العلي الملقب ابو الفتح على «ضرورة الاستفادة من الدروس الماضية لمواجهة المشاكل الداخلية، وحفظ الأمن والنظام وتطبيق القانون لحماية المواطنين». فوزي برهوم، الناطق الرسمي باسم حماس، سخر من هذه التصريحات، معتبراً أن «سلاح المقاومة يكتسب شرعيته من وجوده في مواجهة الاحتلال». وفي تصريحات لـ«الشرق الاوسط»، اعتبر برهوم أن حكومة سلام فياض تمارس عملياً حظر نشاط أذرع المقاومة «كجزء من التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال الذي يشرف عليه المبعوث الامني الاميركي دايتون»، على حد تعبيره. فمن هما الجناحان العسكريان لحماس وفتح اليوم؟ وهل هما تياران فقط ام تيارات واجنحة عديدة تتصارع. «كتائب شهداء الأقصى» للتمايز عن السلطة: يرتبط مولد «كتائب شهداء الأقصى»، بجهاد العمارين الذي يعتبر في نظر الجمهور الفلسطيني قائداً «أسطورياً» من قيادات العمل المقاوم. فالعمارين عمل خلال السبعينات من القرن الماضي ضمن «العاصفة» ـ الجناح العسكري لفتح في قطاع غزة، وشارك في تنفيذ عدة عمليات ليعتقل بعدها ويصدر عليه سجن بالحكم المؤبد ليطلق سراحه بعد ذلك ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 1985 بعد أن أمضى 14 عاماً في السجن. وبعد تحرره أبعدته اسرائيل للأردن، ومن هناك واصل الإشراف على تنفيذ العمليات داخل الأراضي الفلسطينية. ولدى توقيع اتفاقية أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية، عاد العمارين لغزة عام 1995 بجواز سفر مزور حيث أن اسرائيل كانت ترفض بشكل مطلق السماح له بالعودة الى هناك. وعلى الرغم من تقلده منصباً قيادياً في اجهزة أمن السلطة بغزة، إلا أن العمارين سرعان ما ترك الأجهزة الأمنية احتجاجاً على الفساد المستشري في صفوفها. ولم يتورع عن توجيه انتقادات مباشرة لعددٍ من قادة الأجهزة الأمنية؛ الأمر الذي أدى الى اعتقاله أكثر من مرة. لكن أكثر ما كان يشغل بال العمارين في ذلك الوقت هو العمل على تمايز حركة فتح عن السلطة الفلسطينية عبر اعادة الاعتبار للعمل المسلح كخيار. وهكذا قام العمارين بتشكيل مجموعات مسلحة، أطلق عليها لأول مرة «كتائب شهداء الأقصى»، وذلك قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى بوقت قليل. وبعد اندلاع الانتفاضة، شاركت «كتائب شهداء الأقصى» في تنفيذ عمليات ضد أهداف الاحتلال. وبعد عام ونصف العام على اندلاع الانتفاضة، اغتال جيش الاحتلال العمارين، فخرجت غزة عن طورها في التعبير عن حزنها وغضبها لتصفيته. وحتى منتصف عام 2001 لم تكن «شهداء الأقصى» قد شكلت لها مجموعات في الضفة الغربية، لكن مع اشتداد عمليات القمع الإسرائيلية، تشكلت مجموعات من «الكتائب» بالضفة الغربية. واتهمت إسرائيل مروان البرغوثي، رئيس الهيئة الحركية العليا بالضفة الغربية والنائب في المجلس التشريعي، بالمسؤولية عن تأسيس «الكتائب» في الضفة. وحتى ذلك الوقت، كان العمل المقاوم لـ«الكتائب» يتركز على نصب الكمائن المسلحة لجنود الاحتلال ومهاجمة المواقع العسكرية. وعلى الرغم من أن كلاً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي تنفذان عمليات تفجيرية في قلب المدن الإسرائيلية، فإن «كتائب الأقصى» لم تنفذ أية عملية تفجيرية حتى ذلك الوقت. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2002، اغتالت إسرائيل رائد الكرمي، مؤسس وقائد «كتائب الأقصى»، في محافظة طولكرم، عبر تفجير عبوة ناسفة مؤقتة عندما كان عائداً الى منزله. ومثل اغتيال الكرمي نقطة تحول فارقة في عمل «شهداء الأقصى». فقد كان الكرمي يحظى باحترام واعجاب نشطاء فتح بسبب كاريزميته وشجاعته وإتقانه فن العمل العسكري. ونقل الصحافيان الإسرائيليان افي سيخاروف وعاموس هارئيل في كتابهما «الحرب السابعة» الذي تناول احداث انتفاضة الاقصى عن وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت بنيامين بن اليعازر قوله إنه رفض الموافقة على اغتيال الكرمي لإدراكه التداعيات التي قد تنجم عن ذلك، لكن اصرار رئيس الوزراء السابق ارئيل شارون ورئيس هيئة الاركان شاؤول موفاز على تنفيذ عملية الاغتيال جعل معارضته عديمة الجدوى. وبالفعل، تحققت كل السيناريوهات السوداوية التي توقعها بن اليعازر، فقد انتقلت «كتائب الاقصى» الى تنفيذ العمليات التفجيرية. وعلى مدى شهرين، هزت إسرائيل العديد من العمليات التفجيرية التي نفذتها «كتائب الأقصى» رداً وانتقاماً للكرمي. وفي الشهر الذي أعقب اغتيال الكرمي، قتل 123 مستوطناً وجندياً للاحتلال. وتشير تقارير الجيش الإسرائيلي التي أجملت حصاد انتفاضة الاقصى في الضفة الغربية إلى معطيات يجهلها الكثيرون؛ وهي أن عدد جنود الاحتلال والمستوطنين اليهود الذين قتلوا في العمليات التفجيرية التي نفذتها «كتائب الأقصى» أكبر من الجنود والمستوطنين الذين قتلوا في العمليات التي نفذتها «كتائب عز الدين القسام» الحماسية.

إطار فضفاض: منذ البداية لم تكن هناك ثمة تنسيق بين مجموعات «كتائب الاقصى» في قطاع غزة والضفة الغربية. اغتيال العمارين ساهم في نشوء مجموعات لـ«كتائب الاقصى» لا تخضع لنفس القيادة، لكن في ذات الوقت حافظت معظم هذه المجموعات على اداء دور واضح في العمل المقاوم خلال انتفاضة الأقصى. وفي الضفة الغربية، أدت تصفية عدد من قادة «كتائب الاقصى» في الضفة واعتقال البرغوثي الى نشوء مجموعات من «كتائب الاقصى» تخضع لقيادات ومرجعيات مختلفة. فمثلاً كان في منطقة نابلس لوحدها أربع مجموعات بقيادات مختلفة. فقد كانت هناك مجموعة مستقلة في «البلدة القديمة» من المدينة، ومجموعة اخرى بقيادة مختلفة في حي «رفيديا» التي تقع غرب المدينة، ومجموعة ثالثة في مخيم «بلاطة» الذي يتاخم المدينة من الشرق، ورابعة في الريف، وكل مجموعة بشعار مستقل، وهكذا تحولت «كتائب شهداء الأقصى»، الى إطار فضفاض غير متجانس يضم عدداً كبيراً من المجموعات التي تتبع قيادات محلية لا يربطها أي رابط. وبعد المواجهات التي اندلعت بين حركتي فتح وحماس، منتصف العام الماضي، والتي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة، أعلن وزير الداخلية في حكومة فياض عبد الرزاق اليحيى قراراً بحظر كل التشكيلات المسلحة في الضفة الغربية وضمنها «كتائب شهداء الأقصى». وبعد ذلك، توصلت السلطة وإسرائيل الى اتفاق تم بمقتضاه إصدار عفو من الجيش الإسرائيلي عن العشرات من نشطاء «شهداء الأقصى»، لكن إسرائيل رفضت في المقابل إصدار العفو عن عدد آخر من عناصر «كتائب شهداء الأقصى»، وتوصلت السلطة الى اتفاق بشأن هؤلاء بحيث يتم احتجازهم في سجون السلطة الفلسطينية كنوع من الحماية لهم حتى يتم إصدار عفو عنهم من قبل إسرائيل. ومضى على بعض نشطاء شهداء الاقصى المحتجزين في سجون السلطة انتظاراً للعفو عدة اشهر لدرجة دفعت بعضهم لمحاولة الانتحار، إذ حاول قبل شهر عدد من نشطاء «كتائب الأقصى»، المحتجزين في سجن جنيد غرب مدينة نابلس الانتحار بشرب كميات من الشامبو. وبعد نقلهم للمستشفى فر 12 منهم. «الشرق الاوسط» حاولت التحدث مع مهدي ابو غزالة، أحد هؤلاء لكنها لم تنجح. كما حاولت التحدث مع كل من علاء سناقرة ونصر الخراز من «كتائب الأقصى» في الضفة الغربية لكن جوالاتهم كانت مغلقة باستمرار.

خالد ابو هلال، أحد قادة مجموعات «شهداء الأقصى»، التي كانت تعمل ابان انتفاضة الأقصى في قطاع غزة، وبعد ذلك انسحب من الحركة، ليشكل «حركة الأحرار الفلسطينية» قال لـ«الشرق الأوسط» إنه عملياً لم يعد هناك وجود لـ«كتائب الأقصى». واضاف «بعد الانهيار التنظيمي لفتح في قطاع غزة لم يعد هناك سوى جيوب صغيرة تطلق على نفسها كتائب شهداء الاقصى، ومعظمها ليس له علاقة بالمقاومة». وحسب أبو هلال، فإنه في وقت من الأوقات كان هناك 50 مجموعة تطلق على نفسها «كتائب الاقصى»، مشيراً الى أن هناك اربعة فصائل فقط تمارس العمل المسلح. وعزا حالة التشرذم التي عاشتها «كتائب الاقصى» الى وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حيث كان لا يتردد في توفير الدعم المالي والمعنوي لهذه «الكتائب»، منوهاً بأنه بعد وفاته وبسبب عدم وجود تمويل، اصبح الكثير من هذه المجموعات تتبع مصادر القوى والنفوذ في السلطة، وتحديداً قادة الاجهزة الامنية، حيث أن كل قائد جهاز امني تتبعه مجموعة من «كتائب الاقصى». وأشار الى أن الأجهزة الأمنية استغلت «الكتائب» لخدمة اهداف خاصة. واشار الى أن حكومة سلام فياض تتعامل مع «الكتائب» بشكل مزدوج، فمن ناحية تعلن انها خارجة عن القانون وتعتقل أي عنصر من عناصرها يقوم بعمل مقاوم، وفي نفس الوقت فهي لا تتورع عن توظيف اسم «الكتائب» لدى حاجتها القيام بأعمال خارج القانون، مثل اختطاف القيادي في حماس غزال. الدكتور عبد الستار قاسم، استاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، يؤكد أن العدد الكبير من مجموعات «كتائب شهداء الاقصى»، وتعدد مرجعياتها وقياداتها يعكسان حال الترهل التي تعيشها فتح. وفي تصريحات لـ«الشرق الاوسط» عزا قاسم كثرة هذه المجموعات الى تعدد مصادر التمويل، بحيث يستطيع شخصٌ ما أن يجلس في غرفة ما ثم يكتب بياناً يقول فيه ما يحلو له، وبعد ذلك يذيله بتوقيع «كتائب شهداء الأقصى». بينما تتهم المخابرات الإسرائيلية بعض مجموعات «كتائب الاقصى» بأنها على علاقة بحزب الله، وأنها تتلقى الدعم منه بشكل دائم، وأنها تمثل قوة متقدمة له داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. إذا كانت هذه هي حالة «كتائب الاقصي». فما هو حال «القسام» اليوم، الجناح العسكري لحماس. وكيف بدأت؟ «كتائب القسام» كبوليصة تأمين: بدأ انتشار الإخوان المسلمين في قطاع غزة بعد عام 1948، لا سيما على أيدي عناصر الإخوان المصريين الذين قاتلوا في الحرب الى جانب الجيش المصري على جبهات القتال في حرب عام 48. وعلى الرغم من سرعة انتشار «الإخوان» في قطاع غزة وبعد ذلك بالضفة الغربية، إلا أنهم كانوا يشعرون بالدونية في مواجهة الفصائل الفلسطينية الأخرى بسبب عدم تبنيهم الخيار المسلح في مواجهة الاحتلال، حيث انحسر نشاطهم في العمل الاجتماعي والإغاثي والدعوي. وحتى مطلع الثمانينات لم يكن الإخوان هدفاً للاحتلال بالمطلق. لكن مع اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987، شكل الاخوان حركة حماس لتكون الرد الإخواني على الفصائل العلمانية. وبعيد تأسيسها، شكلت حماس ذراعها العسكري، وأطلقت عليه «كتائب الشيخ عز الدين القسام» تيمناً بالشيخ القسام الذي قاد العمل المقاوم ضد قوات الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية في الثلاثينات من القرن الماضي وقتل على ايدي البريطانيين في أحراش «يعبد» شمال الضفة الغربية. في البداية اعتمدت قيادة «كتائب القسام» معايير بالغة الشدة في تجنيد عناصرها، بحيث أنها اقتصرت في البداية على تجنيد أبناء القادة، لذا فقد كان معظم الذين قتلوا واعتقلوا في أول عامين من عمر الانتفاضة الاولى من عناصر «كتائب القسام» كانوا تحديداً من ابناء الرعيل الأول في قيادة «الإخوان»، امثال حماد الحسنات وعليان ابو مساعد، وعبد الفتاح دخان، وغيرهم. وبخلاف «كتائب الاقصى»، فإن «كتائب القسام» لم تشهد أيَّ انشقاق، حيث خضعت قواعد وقيادة التنظيم لانضباط حديدي. بعد مرور نصف عام على تشكيل «كتائب القسام»، تم تأسيس قيادة لها في الضفة الغربية. وإن كانت «كتائب القسام» مارست معظم اشكال العمل المقاوم من نصب الكمائن للجنود واطلاق النار على أي سيارة متحركة، والتسلل الى المستوطنات وتنفيذ عمليات اطلاق نار، الى استهداف قادة المخابرات الاسرائيلية بعد استدراجهم، إلا أن «كتائب القسام» ارتبطت بأول عملية تفجيرية تقوم بها الفصائل الفلسطينية، وذلك عام 1994 رداً على المجزرة التي نفذها المستوطن باروخ غولدشتاين، والتي اسفرت عن مقتل 29 فلسطينياً اثناء أدائهم الصلاة في الحرم الإبراهيمي بالخليل. ومع تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994، واصلت «كتائب القسام» عملياتها، فتعرضت لضربات قوية من اجهزة امن السلطة الفلسطينية. لكن أشد هذه الضربات كانت عام 1996 بعدما نفذت «كتائب القسام» سلسلة من العمليات التفجيرية في قلب عدد من المدن الاسرائيلية أسفرت عن مقتل وجرح المئات من الإسرائيليين. السلطة أعلنت حرباً لا هوادة فيها ضد حماس؛ وضمنها «كتائب القسام»، وتم اعتقال الآلاف من عناصر الحركة و«القسام». وعلى الرغم من هذه الحملة، إلا أن «كتائب القسام» واصلت تنفيذها عمليات. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر عام 2000، عادت «كتائب القسام» للعمل بحرية. وإن كانت «كتائب القسام» لم تتميز عن كل من حركة «الجهاد الاسلامي» و«شهداء الاقصى»، في تنفيذ العمليات التفجيرية، إلا انها تميزت بكونها أول ذراع عسكري يقوم بتصنيع القذائف والصواريخ محلياً، فكان صاروخ «القسام» البدائي، الذي تم اطلاقه في بادئ الامر على المستوطنات اليهودية بقطاع غزة، وبعد ذلك اصبح يطال المستوطنات الواقعة بمحيط غزة. وعندما فازت حماس بالانتخابات عام 2006، وقررت حكومتها الاولى تشكيل قوة أمنية خاصة بها، تم تشكيل «القوة التنفيذية»، التي كان معظم عناصرها من مقاتلي «كتائب القسام». ومرة اخرى، أدت «القسام» دوراً في الصراع ضد الاجهزة الامنية التابعة لفتح بالفترة الممتدة بين يناير الى يونيو (حزيران) عام 2007، حيث أدت «الكتائب» دوراً محورياً في حسم المعركة في المواجهة، ونجح مقاتلوها في السيطرة على جميع مقار الاجهزة الأمنية في أقل من 72 ساعة، وفر على إثرها معظم قيادات الاجهزة الامنية وفتح من غزة الى الضفة ومصر. وبعد التفجيرات الاخيرة التي شهدتها غزة عادت «القسام» لتحسم المواجهة مع آخر معاقل فتح بقطاع غزة، والمتمثل في المربع الامني الذي اقامته عائلة حلس بالطرف الشمال الشرقي من حي «الشجاعية». ويرفض ابو عبيدة، الناطق بلسان «الكتائب» تقديم أي تفاصيل عن عدد عناصر «الكتائب» وتسليحها. وبتصريحات لـ«الشرق الاوسط» يحذر من «التضليل» الذي تمارسه اسرائيل عندما تشير الى أن «الكتائب» تتزود بأسلحة متطورة بعد تهريبها عبر الحدود مع مصر. واضاف أن «إسرائيل تعكف على ترديد هذه الدعايات من اجل تبرير شن عدوان على القطاع»، مستدركاً أن ما لدى «كتائب القسام» من سلاح يكفي «لرد أي عدوان اسرائيلي». ويدافع ابو عبيدة عن تدخل «الكتائب» في الصراع ضد فتح، قائلاً انه لن يتم السماح «لأولئك المنفلتين والانقلابيين بالتآمر على ارادة الشعب الفلسطيني التي وجدت تعبيرها في نتائج الانتخابات التشريعية». وطالما ما زالت مساعي الوحدة الفلسطينية بين فتح وحماس متعذرة ومتعثرة للعديد من الاسباب، فإن الجناحين العسكريين لكل فصيل تزداد اهميتهما بالضرورة، ويصبحان أشبه بقارب نجاة. وبالتالي فتهديدات طرف لآخر بالمس بجناحه العسكري قد تفتح أبواباً من الأفضل أن تبقى مغلقة دائماً وأبداً.