حديث السلاح في لبنان

الدلائل تشير إلى أن هناك حركة تدريب وتسليح نشطة تقوم بها كافة الأطراف

المسلحون في لبنان.. غموض في الارقام والتمويل («الشرق الأوسط»)
TT

حديث السلاح لا يتوقف في لبنان منذ اندلاع الحرب الاهلية عام 1975، وللأمانة يمكن الجزم بأنه موضوع سبق هذه الحرب ولم يتوقف بتوقفها، والدليل على ذلك بسيط وهو كل هذه التوترات والاشتباكات والعدد الكبير من الضحايا الذين يسقطون نتيجة «الاشكالات» المتنقلة أو الاحتفالات «العفوية» بكلمات السياسيين والتي يقول أحد الضباط أن كلمة سياسي واحد كانت كفيلة باطلاق رصاص يوازي ما في مخازن الجيش اللبناني.

وهذا السلاح نفسه يتهدد اليوم الانتخابات النيابية التي تتجه الاكثرية البرلمانية الى ربط اجرائها بسحبه من الشارع كما يؤكد وزير الدولة وائل ابو فاعور لـ«الشرق الاوسط». مشددا على أن اجراء هذه الانتخابات «مرتبط بالوضع الامني». ويقول: «اذا بقي السلاح منفلتا في الشارع، فعلى اي اسس ديمقراطية ستجري هذه الانتخابات؟ مشددا على ضرورة إيجاد حل لهذا السلاح، مميزا بينه وبين سلاح المقاومة الذي سيكون موضع نقاش في طاولة الحوار الوطني التي سيدعو اليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان. ومعتبرا ان هذا السلاح «المنفلت» سيكون أحد التحديات الرئيسية أمام الحكومة اللبنانية الجديدة.

وكان السلاح مادة رئيسية في مداولات اتفاق الدوحة، وما قبله، وهو سيبقى سيد الموقف بعده على الأرجح. خصوصا أن انفجاره في بيروت في 7 مايو (أيار) الماضي اسقط الكثير من الخطوط الحمر التي تبين أنها وهمية في العلاقة بين الأطراف الداخلية اللبنانية. علما أن هذه الاحداث اثبتت أن سلاح المعارضة في لبنان هو الأقوى رغم كل الكلام عن التدريبات التي اجرتها قوى الاكثرية وعمليات التسلح.

والسلاح الذي وصف ذات مرة بأنه «زينة الرجال»، تحول الى نقمة على اللبنانيين الذين يعتبرون منذ القدم أن اقتناءه وسيلة حماية شخصية بديلا لعجز أو تقصير أجهزة الدولة المعنية. وبعدما كان السلاح محصورا بـ«القبضايات» الذين كانوا يشتهرون قبل الحرب الاهلية بتحديهم رجال الامن بحمله المسدس بحماية من المسدس نفسه أو من أحد السياسيين النافذين، أصبح هذا السلاح عنصر «تشبيح» وعرض عضلات معدنية.

وبعدما كان هذا السلاح محصورا في أيدي قلة قبيل الحرب توسع انتشاره عموديا وأفقيا، أي ازداد عدد حامليه وزادت عياراته، فالمسدس بات للزينة مقارنة بالرشاشات الحربية والقنابل اليدوية التي يحملها كثيرون و«يفصلون» من خلالها بامور خلافاتهم بالاحتكام اليها، وتقارير القوى الأمنية عن هذا خير شاهد. فمع انفلات زمام الأمور خلال الحرب اصبح السلاح سلعة تباع وتشترى بأسهل الطرق وبأفضل الأسعار المحكومة طبعا بسوق العرض والطلب. ومع انتهاء هذه الحرب رسميا في العام 1990، اتخذت الحكومة اللبنانية قرارا بحل الميليشيات المسلحة ونزع سلاحها، فكان ان تم نزع سلاح العديد منها، لكن من جهة واحدة تقريبا. فالاحزب والقوى المتحالفة مع سورية حظيت بغض نظر لافت عند بدء العملية، فكان ان قامت «القوات اللبنانية» ببيع ما لديها من سلاح ثقيل الى دول في أوروبا الشرقية، فيما صادرت القوى الأمنية لاحقا أطنانا من ذخائرها وسلاحها الذي ضبط بعد ان سحب ترخيص القوات وتجريم قائدها سمير جعجع وسجنه، فيما يتردد ان العديد من مخازن «القوات» السرية بقي بعيدا عن الاعين، وان بعضه تم بيعه في وقت لاحق الى ميليشيات «موالية» بالمفرق لحساب «امناء» هذه المخازن.

سلمت «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي والاحزاب الموالية الاخرى سلاحها الثقيل الى الجيش كما سلمت «رمزيا» سلاحها الخفيف، ودفن الباقي الى حين الحاجة. فيما بقي سلاح «حزب الله» ـ والى حد بعيد سلاح حركة «أمل» – بعيدا عن الرقابة محميا باسم المقاومة وببيان وزاري لكل الحكومات السابقة يعتبره شرعيا، وبالتالي تواصلت الامدادات كما ونوعا حتى بات سلاح الحزب يفوق باشواط بعيدة سلاح الجيش اللبناني الذي لم يشهد خلال سنوات ما بعد الحرير من التحديث الا النذر اليسير، وبما هو من الجيوش النظامية القليلة جدا – ان لم نقل النادرة – التي ما تزال تحتفظ في ترسانتها اسلحة مثل دبابات «ت55» الروسية و«أم 48» الاميركية، التي خرجت من الخدمة من معظم جيوش العالم وبقيت قيد الاستعمال في لبنان بفعل «صبر» التقنيين في الجيش اللبناني.

ويتحدث انصار الاحزاب والميليشيات السابقة بكثير من الفخر عن عشرات مخازن السلاح الثقيل المتواجدة في لبنان، وتحديدا في مناطق اقليم الخروب والجبل والبقاع وجرود كسروان وجبيل وبعض مناطق الشمال، أما الجنوب فمن نافل القول انه يضم الكثير الكثير من هذه المخازن. علما ان هذه الاسلحة تبقى صالحة للاستعمال لسنوات طويلة جدا اذا حفظت بالشحم وغلفت بما يمنع عنها الرطوبة التي تسبب الصدأ.

ويعتبر «حزب الله» هو الاقوى في لبنان، والدليل على ذلك قدرته الاستثنائية في مواجهة اسرائيل. واعلان قادته اكثر من مرة عن زيادة عديد وعدة الحزب بعد الحرب الاخيرة بعد انضمام آلاف الشبان الى تركيبته العسكرية المنظمة والفعالة. وهو قادر على تحريك اكثر من 25 الف مقاتل خلال ساعات وفقا لتقارير الاستخبارات الغربية، علما ان قادته يلمحون الى «قدرة اكبر». ويمكن لاي كان ملاحظة خريطة فصل قائمة بين القوى اللبنانية التي تتسلح وتتدرب تحت انظار القوى الامنية. وقد ظهر السلاح بشكل سافر خلال أيام التوتر الاخيرة في اكثر من مناسبة، فعند تشييع النقيب وسام عيد الذي اغتيل أوائل العام بتفجير سيارة مفخخة ظهر عشرات الشبان في بلدته دير عمار في شمال لبنان، امام كاميرات التلفزيون يحملون السلاح ويطلقون النار في الهواء، وكذلك تم اطلاق النار بغزارة في بيروت في اعقاب القاء النائب سعد الحريري كلمته خلال هذه التوترات. وفي المقابل ظهر سلاح مماثل عند تشييع ضحايا يوم «الاحد الاسود» الذي سقط فيه نحو 8 قتلى من المعارضة خلال تظاهرة احتجاجية على»انقطاع التيار الكهربائي» حيث تم اطلاق النار بغزارة بوجود قوى الجيش التي كانت قد اطلقت النار قبل يوم فقط على متظاهرين لم يكونوا يحملون سلاحا (ظاهرا على الاقل)، كما ان سماء الضاحية الجنوبية وبيروت كانت تشتعل بنيران البنادق الالية في كل مرة يظهر فيها الامين العام لـ»حزب الله» على شاشة التلفزيون أو رئيس مجلس النواب نبيه بري... وحده كارلوس ادة عميد حزب «الكتلة الوطنية» استطاع ضبط مناصريه عن اطلاق النار يومها عندما طلب منهم ذلك خلال ظهوره على التلفزيون، والسبب أن حزب الكتلة هو «حزب نخبوي» لا يمتلك اي محازبين.

أما في الشارع المسيحي، فقد جاهر انصار العماد ميشال عون باقدامهم على التسلح وانهم «يضعون مسدساتهم تحت المخدة» للدفاع عن انفسهم. وقد اعلن عون نفسه أكثر من مرة أن التيار يستخدم اسلحة مرخصة للدفاع عن مكاتبيه «بانتظار وصول الجيش». وترددت معلومات ان عسكريين متقاعدين كانوا يقومون بتدريب عناصر التيار في بعض المناطق.

واذا كان «حزب الله» يمتلك الترسانة الأقوى من المقاتلين والسلاح والخبرة العملية التي يتفوق فيها بأشواط على الأطراف الأخرى، فان الدلائل تشير الى ان هناك حركة تدريب وتسليح نشطة تقوم بها كافة الأطراف. وسط اتهامات متبادلة، فالمعارضة تقول ان عمليات تدريب واسعة يقوم بها تيار المستقبل في الاردن باشراف من الاستخبارات الاردنية، فيما يتدرب عناصر «القوات اللبنانية» في أماكن جردية في جبال لبنان تحت ستار شركات امنية. وفي المقابل تقول الموالاة أن عناصر «حزب الله» يتدربون في ايران بشكل مكثف حيث يذهب مئات الشبان اسبوعيا الى العاصمة الايرانية للخضوع الى تدريبات متقدمة، بعضها على سلاح الطيران. وتظهر هذه التدريبات وقسوتها من خلال بعض الجثث التي تصل الى لبنان والتي سقط اصحابها خلال التدريبات. ولا يوجد أي تأكيد رسمي من الحزب لهذه التدريبات، لكنه ينعي من حين الى اخر شهداء سقطوا «خلال قيامهم بواجبهم الجهادي» رغم عدم وجود اية عمليات حربية، كما أنه يقيم مجالس عزاء عن ارواحهم يخطب فيها قياديه، دون أن يكشف افراد العائلة عن «سبب الاستشهاد»، لكن أهالي القرى يتداولون الخبر بما مفاده أنه قتل خلال عمليات التدريب العسكري». وتتداول وسائل الاعلام والقيادات السياسية في «14اذار» معلومات عن ادارة الحزب شــبكة مخيمــات تدريب واسعة في البقاع اللبنــاني، وتحديــدا في منطقة «جنتا» المشــهورة بمغاورهـا، حيث يجري التدريبات الاولية لعناصر التنظيمات الموالية له.

وشكت قوى «14اذار» من أن قوى المعارضة عمدت خلال هذه التوترات الى تنمية وجودها في منطقة اقليم الخروب ذو الغالبية السنية عبر شخصيات سنية شكلت ما يشبه الميليشيات المدربة، أبرزها واحدة يشرف عليها نائب سابق يقال ان لديه مخصصات ايرانية لنحو 1200 عنصر على الاقل زودوا بالبنادق والسلاح يتلقون رواتب شهرية تقدر بنحو 500 دولار للشخص، بالاضافة الى مجموعة اخرى يرأسها رجل دين سني معروف يقدر عدد انصاره بنحو 500 عنصر يحملون السلاح. ومقابل هؤلاء تقول المعارضة أنه يوجد عدد اكبر من انصار تيار «المستقبل» الذين ينقسمون الى قسمين، «المتفرغين» في التيار ويتلقون رواتب مع ضمانات عائلية وصحية تحت ستار الشركات الامنية، والآف من «الانصار» الذين يتلقون راتبا رمزيا مقداره 100 دولار، قابلة للزيادة عند الطوارئ.

ويستكمل المسلسل صعودا نحو الجبل الدرزي الذي استطاعت المعارضة ان تزرع فيه «رجلا قويا» في منطقة الشوف التي تشكل الجزء الجنوبي من المنطقة الدرزية هو الوزير السابق وئام وهاب الذي يسيطر على نحو 2000 عنصر من الدروز يفترض بهم ان يشكلوا شوكة كبيرة في خاصرة النائب وليد جنبلاط الذي يحظى بتأييد غالبية الدروز في الجبل. ولم يتوان وهاب عن التفاخر على شاشة التلفزيون بامتلاك انصاره السلاح، ودعوته جنبلاط لـ»اختبار قوتنا...وسنرى من سيفاجئ الاخر»، متوعدا اياه بالمثل «اذا ضربت قرانا فسنضرب قريته» في رد على سؤال للمذيع «المذهول» عما اذا كان يمتلك سلاحا ثقيلا. وهذا كله دون ان يرف للقوى الامنية او للقضاء اي جفن.

وفيما رفض قيادي في «حزب الله» في حديث مع «الشرق الأوسط» الرد على «الاتهامات السخيفة» عن التدريب والتسليح لأطراف المعارضة الاخرى»، اعتبر مصدر في «التيار الوطني الحر» الذي يقوده عون أن الكلام عن تسلح التيار «ليس دقيقا»، مشددا على أن الرهان الدائم هو على «الجيش اللبناني والاجهزة ألامنية اللبنانية وأن لا خيار اخر لدى التيار الذي رفض «الكثير من الدعوات للتسلح»، رافضا الخوض في ماهية وتفاصيل هذه «الدعوات».

بينما نفى المنسق العام لتيار المستقبل النائب السابق سليم دياب وجود حركة تسليح في صفوف التيار. معتبرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «ميليشيا المستقبل» هي التي «علّمها رفيق الحريري وهي بالآلاف وأصحابها من حملة الشهادات وأن هذا لا يعني أن الطبيب أو المهندس أو أي حامل شهادة قد رأى أشخاصاً دخلوا إلى بيته ولا يدافع عن نفسه ولو بسلاح صيد أو سكين». لافتاً إلى أن مؤسسة «سكيور بلاس»، هي مؤسسة تجاربة مثل أي مؤسسة أمنية تجارية في البلد و«أنه لو كان صحيحاً أن فيها عشرة آلاف مقاتل لكان الواقع في بيروت اختلف ولكان سقط مئات القتلى والجرحى»، مشيراً إلى أن الكلام عن «سكيور بلاس» كان مبالغاً فيه كثيراً.

أما مفوض الاعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي فقد استغرب الاتهامات للحزب بالتسلح. مشددا على أن لا ازدواجية لدى الحزب في خطابه السياسي. فهو لا يعلن على الملأ أنه متمسك بمشروع الدولة ويقوم بعكس ذلك. نافيا لـ«الشرق الأوسط» وجود «أي نشاط منظم على مستوى التدريب والتسليح»، لكنه يعترف بأن هذا لا يلغي طبعا «قيام بعض الافراد بالتسلح بشكل فردي بعد أحداث 7 مايو (أيار)، كما أن السلاح هو من التراث اللبناني».