عقل «القاعدة».. الحسابي

أبو اليزيد مسؤول حسابات بن لادن وممول هجمات سبتمبر.. من أوائل المصريين الذين هاجروا لأفغانستان

TT

لم يكن مصطفى أبو اليزيد، او مصطفى أحمد محمد عثمان أبو اليزيد، الملقب بـ«الشيخ سعيد»، احد قيادات «القاعدة» البارزة الان، وجها مألوفا في مصر عندما غادرها في الثمانينات الى افغانستان بعدما اشتدت الضربات الامنية ضد تنظيم الجهاد المصري. وهو ربما لا يكون معروفا في مصر الان، بقدر ما هو معروف في افغانستان او باكستان. عاد الحديث عن ابو اليزيد، بعد تقارير ذكرت الاسبوع الماضي أنه اغتيل في هجمات على معاقل للاصوليين على الحدود الافغانية الباكستانية. فمن هو ابو اليزيد؟ وما هي الادوار التي لعبها في تنظيم «القاعدة»؟ يمكن القول ان ابو اليزيد كان «عقل القاعدة الحسابي»، فمنذ انضم اليها تولى مسؤوليات حسابات زعيمها أسامة بن لادن، ساعده على ذلك أن عقله كان ميالا الى الجوانب العملية، غير انه كان ايضا متبحرا في مسائل الفقه والتشريع، بدون ان يكون لديه معرفة او اهتمام كبير بالمسائل العسكرية. غير ان ابو اليزيد فعل مثلما فعل كثيرون من عناصر الجهاد المصري، بدأ في افغانستان بداية جديدة تماما، مثله مثل من مزقوا جوازات سفرهم وغيروا أسماءهم، ولا يمكن التعرف عليهم حتى في بلدانهم الأصلية، إلا بصعوبة بالغة. ويقول ياسر السرّي، مدير «المرصد الإسلامي» بلندن، «انه واثق من نجاة مصطفى ابو اليزيد، الذي يعرف باسم الشيخ سعيد، الرجل الثالث في «القاعدة» من الضربة الصاروخية في باجور بوزيرستان منتصف الشهر الحالي». وقال السري في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط»: «ما لم يصدر بيان او نعي من تنظيم القاعدة، وهي امور من البديهيات ومتعارف عليها، فالرجل ما زال على قيد الحياة».

والشيخ سعيد قائد لعمليات «القاعدة» في افغانستان، وهو مصري الجنسية سجن لفترة مع ايمن الظواهري، الرجل الثاني في «القاعدة» بعد اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981. وكان يشار اليه على أنه ثالث اكبر شخصية في «القاعدة» بعد قتل واعتقال خمسة شغلوا المركز الثالث في التنظيم منذ سقوط طالبان نهاية عام 2001. ومصطفى أبو اليزيد هو نفسه الشيخ سعيد، الذي كان المسؤول المالي لشركة أسامة بن لادن في الخرطوم. وقد ورد اسمه في التحقيقات الأميركية، ولكن من غير أن يدرك الأميركيون أهميّته الحقيقية (كانت مصادر أميركية قد اعتبرته سعودي الجنسية، ولكنه في الواقع مصري الجنسية).

وقال السرّي (ابو عمار المصري) لـ«الشرق الاوسط»، إن الاسم الحقيقي لمصطفى أبو اليزيد، هو مصطفى أحمد محمد عثمان أبو اليزيد، الملقب بالشيخ سعيد، وهو إسلامي مصري من منطقة مصرية عُرِفَت بالكرم (في اشارة الى محافظة الشرقية) وهو يتّصف بالخُلُق والعلم الشرعي، وكان ثقة في المحاسبة، مما جعله يحوز ثقة أسامة بن لادن، الذي ائتمنه على المحاسبة المالية لشركاته، وبينها شركة تدعى «واد العقيق» كانت تتخذ من السودان مقرا لها. ويقول الاسلامي المصري السري، الذي يهتم باخبار الاصوليين حول العالم: إن الشيخ سعيد ذهب إلى أفغانستان في عام 1988، ولم يكن محسوباً على أي تنظيم جهادي في ذلك الحين. وكشف أن المسؤول العام الجديد للقاعدة في أفغانستان ليس مطلوبا بأية تهمة في مصر، ولكنه ضمن قائمة وقع عليها الرئيس الاميركي جورج بوش في عام 2002 وتتعلق بتجميد أرصدة بعض الجماعات وبعض الأفراد بتهمة مساندة الإرهاب. ورقمه 15 على هذه القائمة الأميركية. ويضيف السرّي أن الشيخ سعيد أصبح، بعد عام 1988، عضواً في «مجلس شورى» تنظيم «القاعدة»، إلى جانب محمد عاطف أبو حفص المصري وأبو عبيدة. ولم تكن له خلافات مع أحد، بل كان موضوع ثقة مختلف الاتجاهات المتصارعة. وأشار السرّي إلى أن الشيخ سعيد نجا من عملية اعتقال في باكستان، حينما تمّت مداهمة منزل كان يقيم فيه، كما نجا من عملية قصف قتل فيها عدد من العرب والأوزبك والتاجيك.

ولكن أخطر ما كشفه ابو عمار المصري مدير «المرصد الإسلامي»، هو أن أبو اليزيد (53 عاما) هو نفسه الشيخ سعيد، الذي كان مسؤولاً عن تمويل عملية 11 سبتمبر (ايلول). وكان اسمه قد ورد في تحقيقات المباحث الاميركية وتقرير الكونغرس بصفته الشخص الذي حوّل أموالاً إلى أميركا من حساب في دولة الإمارات لتمويل العملية، والشخص الذي أعاد له محمد عطا زعيم الانتحاريين مبلغ 26000 دولار قبل يومين من العملية، أي في 9 سبتمبر 2001، لأنه لم يعد بحاجة له. وبعدها انتقل إلى باكستان. وقد سافر الشيخ سعيد إلى قطر، ثم إلى الإمارات لمتابعة الجوانب المالية لعملية 11 سبتمبر.

والمثير في الموضوع هو أن الشيخ سعيد، مثل عدد آخر من مسؤولي ««القاعدة»» كان ضد عملية 11 سبتمبر، لأن الملا عمر، الذي (كان قد بايعه بالإمارة) كان ضدّها. ومع ذلك، فقد تولّى الإشراف على تمويل العملية لأن «أميره»، أي أسامة بن لادن زعيم ««القاعدة»» أمره بذلك. والشيخ سعيد بحسب اصوليين مقربين من جماعة الجهاد المصرية، من اوائل من خرجوا من مصر الى افغانستان، ويتكلم الباشتو بطلاقة، لذلك كانت له علاقات قوية مع الافغان، وهو معروف لدى الاخوة العرب اكثر من معرفة المصريين له من جماعة الجهاد. ويقول اسلامي مصري لـ«الشرق الاوسط»: ان الشيخ سعيد صديق لمختلف الجماعات الإسلامية، أي أنه شخصية «إجماعية» يمكن أن تحظى بدعم مختلف الاتجاهات الجهادية. وكان موجوداً في مناطق باكستان الحدودية خلال السنوات الماضية، وهنالك أكثر من مؤشّر على أن أجهزة الاستخبارات الباكستانية كانت تعرف مكان وجوده بدقة.

وأبو اليزيد ضمن الجيل الأول من أعضاء جماعة الجهاد في مصر، الذين رحلوا الى افغانستان، بعد حملة الاعتقالات والتضييق عليهم في مصر، وقد ذهبوا تحت غطاء من السرية التامة، من دون أن يعرف عنهم أحد شيئا، وقد مزقوا جوازات سفرهم وغيروا أسماءهم، ولا يمكن التعرف عليهم حتى في بلدانهم الأصلية، إلا بصعوبة بالغة، وهم لم يشاركوا في أحداث عنف أو في تنظيمات في مصر خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي. وترجع أهمية الشيخ سعيد إلى أنه كان قائدا لعمليات «القاعدة» في أفغانستان منذ شهر يونيو (حزيران) 2007، حيث ورد ذلك في شريط لتنظيم «القاعدة»، خلفا للمسؤول السابق عبد الهادي العراقي، الذي اعتقل في تركيا، وتم تسليمه للقوات الأميركية بالعراق، التي قامت بنقله إلى معتقل غوانتانامو بكوبا.

وعن شخصية ابو اليزيد يقول اسلاميون في بريطانيا: إنه شخصية دعوية، وليس من صفاته القيادة العسكرية، وقد عارض د. فضل توليه منصب قائد للعمليات في تنظيم «القاعدة». يذكر أن الشيخ سيد إمام (او الدكتور فضل) مؤسس جماعة الجهاد المصرية، المحتجز حاليا في سجن طرة وصاحب مراجعات «الجهاد» الاخيرة، كان من أشد المعارضين لتولية الشيخ سعيد، قائدا لـ«القاعدة» في أفغانستان، واعتبر تعيينه بمثابة إعلان وفاة لتنظيم «القاعدة»؛ لأن هذا يعني من وجهة نظره، انتهاء كل كوادر التنظيم بين قتيل وأسير، وقد اعتبر الشيخ سيد إمام ان بن لادن سيتحمل وزر هذا شخصيا. وقال مقربون من الدكتور فضل في اوروبا ان سبب اعتراضه على تعيين الشيخ سعيد في هذا المنصب، هو انه كان معروفا في عالم المحاسبة لسنوات، ولم يكن مشهودا له بخلفية القيادة العسكرية. ويقول محامي الاسلاميين في مصر منتصر الزيات لـ«الشرق الاوسط»، إنه التقى الشيخ سعيد أكثر من مرة في مصر، ويعرفه شخصيا كأحد أعضاء جماعة الجهاد المصرية، لكنه لم يكن من المتهمين في قضية الجهاد، ولم يرد اسمه فيها، وإن جاء اعتقاله وقتها ضمن حملة الاعتقالات الكبرى في عام 1981، التي شملت الآلاف من الإسلاميين. وعن شخصية مصطفى ابو اليزيد يقول الزيات: إنه شخصية اجتماعية دعوية وفقيه شرعي، لكن ليس من صفاته القيادة العسكرية والمهارات القتالية والتخطيط الميداني، وهذا لا يعني أنه غير قادر على العمل القتالي، لكنه داعية أكثر منه قائدا عسكريا، ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا عارض د. فضل تولية أبو اليزيد منصب قائد للعمليات في تنظيم «القاعدة».

وكان الظهور الإعلامي الأخير للشيخ سعيد في حديث نادر مع تلفزيون (جيو) الباكستاني الخاص، اجراه الصحافي نجيب أحمد، وأذيع خلال شهر يوليو (تموز) 2008، قال فيه إنه شعر بغضب بالغ من جراء الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي نشرتها الصحف الدنماركية عام 2005، واعترف خلال المقابلة بمسؤولية تنظيم «القاعدة» عن هجمات 11 سبتمبر، ووبخ حكومة الرئيس الباكستاني برويز مشرف «لخيانتها» قضية الإسلام، بالوقوف جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة. وقيل ان اللقاء الذي اجرته قناة «جيو» مع القائد بـ«القاعدة» تم في مكان غلفه الكتمان في افغانستان.  وزعم ابو اليزيد للقناة التلفزيونية بأنه يجري تنظيم منظمته في افغانستان وستستولي قريبا على افغانستان بأسرها. وقبل ذلك بأيام قليلة ظهر الشيخ سعيد في شريط فيديو صادر عن مؤسسة «سحاب» الذراع الاعلامية لـ«القاعدة» كان يرثي فيه القائد أبو الحسن الصعيدي، وهو أحد قادة التنظيم المصريين، وكان قد هاجر إلى العراق للعمل بصحبة أبو حمزة المهاجر، ثم منها إلى أفغانستان أواخر عام 1989؛ ليصبح عضوا فاعلا في «القاعدة»، ويشارك في القتال ضد الروس، ثم من أفغانستان إلى السودان، ومنها إلى أفغانستان مرة أخرى، حيث قتل هناك، وتحدث أبو اليزيد في الشريط عن فضل العمليات «الانتحارية»، وعن أفضال وسمات الصعيدي وبطولته في العمل التدريبي، وفي تنفيذ عملية قتالية.

وقد ورد في تقرير لجنة الكونغرس الخاص بأحداث 11 سبتمبر ما يلي: «مع أن أولى أولويات بن لادن كانت مهاجمة الولايات المتحدة، كان لدى آخرين وجهات نظر مختلفة. كان قادة حركة طالبان يضعون تركيزهم الأساسي على الهجوم العسكري ذلك العام ضد تحالف الشمال، وهو هجوم كان يبدأ عادة في أواخر الربيع أو في الصيف. وكانوا بالتأكيد يأملون في أن هجوم ذلك العام سيقضي على عدوهم القديم. وكان من وجهة نظر طالبان ان تنفيذ هجوم على أميركا قد يكون ذا مردود سلبي. لانه قد يجر الاميركيين إلى الحرب ضدهم، في الوقت الذي بدا فيه النصر النهائي في متناول أيديهم.

وهناك أدلة على أن الملا عمر عارض في البداية تنفيذ عملية كبيرة من قبل «القاعدة» على الولايات المتحدة مباشرة في 2001، وعلاوة على ذلك عندما انتشر خبر هجوم وشيك بحلول يوليو، ظهر انقسام بين كبار قادة «القاعدة» وافق عدد من كبار أعضاء «القاعدة» على وجهة نظر الملا عمر. وعارض الملا عمر هذا التوجه في الأحداث لأسباب ايديولوجية أكثر من كونه خائفاً من انتقام اميركي. كان يفضل أن تهاجم «القاعدة» اليهود، وليس بالضرورة الولايات المتحدة. ويقول خالد شيخ محمد إن الملا عمر واجه ضغوطاً من الحكومة الباكستانية لمنع «القاعدة» من تنفيذ عمليات خارج أفغانستان. وعارض المدير المالي لتنظيم «القاعدة» الشيخ سعيد العملية استجابة لرأي الملا عمر، ولأنه كان يخشى من الرد الاميركي على الهجوم. فيما ان أبو حفص الموريتاني (من أبرز ناشطي القاعدة) كتب إلى بن لادن رسالة يعترض فيها على الهجمات، ويستند إلى القرآن في اعتراضه. وحسب خالد شيخ محمد، أبلغ بن لادن رسمياً مجلس الشورى في «القاعدة» في أواخر أغسطس (اب) أن هجوماً كبيراً على الولايات المتحدة سيتم خلال الأسابيع المقبلة، ومع أن معظم أعضاء مجلس الشورى اعترضوا، أصر بن لادن. ومضى تنفيذ الهجمات إلى الأمام.

قصة الانشقاق داخل «القاعدة» حول هجمات 11 سبتمبر ربما ليست كاملة. المعلومات التي تستند إليها الرواية تأتي من مصادر لم تكن مطلعة على المدى الكامل لتخطيط «القاعدة» وطالبان. الا ان المعروف ان ابو اليزيد لعب دورا في التحضير للعمليات، ولم يكن يدرك عندما غادر مصر في الثمانينات أنه سيتحول من شخص غير معروف في «الجهاد» الى احد ابرز وجوه «القاعدة».