معجزة الـ100 يوم

برلسكوني في ولايته الثالثة يحقق إنجازات كبيرة من الاقتصاد إلى مواجهة الجريمة.. مرورا بجمع القمامة

برلسكوني حقق الكثير في 100 يوم («الشرق الأوسط»)
TT

لا جديد تحت الشمس في ايطاليا، فالمدن مهجورة والمصطافون يتمتعون بالاجازة على شواطئ البحر أو أعالي الجبال، فقد جاء عيد منتصف شهر أغسطس (آب) الذي يتوقف فيه العمل تماما في ايطاليا، منذ أيام الامبراطور الروماني أغسطس، الذي سمي الشهر باسمه. بينما حكومة سيلفيو برلسكوني الثالثة منذ عام 1994 أمضت 100 يوم من الحكم منذ مجيئها، حين اكتسح اليمين مقاعد المجلس النيابي، وما زالت تسعى لحل المشاكل المزمنة للبلد من حيث ضعف الاقتصاد والهجرة غير الشرعية وتجميع النفايات في نابولي. وخلال المائة يوم الاولى فعل برلسكوني الكثير جدا، اعاد شيئا من الانضباط الى اداء الاقتصاد الايطالي، وبدأ رفع مستويات النمو في ايطاليا، وهي من بين الادني في اوروبا، اذ تتراوح الان بين 1.5% الى 2%، بينما كانت قبل ذلك 0%. كما ان برلسكوني، الذي يتمتع بنسبة تأييد عالية وسط الايطاليين، نجح اخيرا في رفع القمامة من نابولي، وقلص تأثير الاحزاب الصغيرة في البرلمان، لمنع مزيد من الازمات السياسية، وتعهد بخفض النفقات الحكومية، وتقليص الضرائب في ايطاليا، فهى تبلغ 45% وتشكل واحدة من اعلى معدلات الضرائب في اوروبا بينما متوسط الدخول في ايطاليا من بين الاقل في اوروبا ايضا. فعل برلسكوني كل هذا، لكنه ايضا نجح في تمرير قانون بالبرلمان يمنع ملاحقة المسؤولين الكبار بالدولة قضائيا، وهو من بينهم، طالما هم في السلطة. وبالتالي ضمن الا يلاحق لاربع سنوات على الاقل. كل هذا العمل لا يعني ان برلسكوني لم يتمتع خلال الـ100 يوم الاولى بعد عودته لرئاسة الوزراء. فقد اهتمت الصحف الايطالية بدعوة برلسكوني لصديقه الشخصي رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين منذ ستة اسابيع، قبل أحداث جورجيا، لقضاء اجازة على البحر في جزيرة سردينيا، في الفيلا الفاخرة التي يملكها برلسكوني على الشاطئ الزمردي، والعرض الحصري الساخر الذي قدمه مسرح باغالينو في روما بمشاركة الراقصات الفاتنات ليشاهده برلسكوني وبوتين على تلفزيون خاص، وهما يتناولان العشاء في الفيلا. بالطبع لا ننسى أيضا أن برلسكوني اشترى فيلا جديدة رائعة منذ أيام على ضفاف بحيرة ماجوري شمال ميلانو، كانت تملكها شركة كامباري للمشروبات، في الوقت الذي تعاني فيه أغلبية السكان من الغلاء ونقص الموارد المالية. هذه الحياة الحلوة مستمرة، رغم أن وزير الاقتصاد جوليانو تريمونتي يحاول خفض النفقات الحكومية ودمج عدد من الوزارات، بينما يحاول روبرتو ماروني وزير الداخلية دعم الأمن في الشوارع، وإدخال دوريات محدودة من الجيش في روما وغيرها من المدن الكبيرة، لمنع الجريمة المنظمة والسرقات واشكال الجريمة التي تتزايد. ما يثير الانتباه أن الشعب الايطالي مرتاح لحكومة برلسكوني ومساعيها لحل الأزمات، وشعبية برلسكوني تزيد على 55% (اعلى من غوردون براون في بريطانيا او نيكولا ساركوزي في فرنسا) وحزب «التحالف الوطني» (الفاشي سابقا) المشارك في الحكم يتغلغل في الادارات الرسمية، بينما المعارضة اليسارية تتقاتل في ما بينها، و«حكومة الظل» على الطريقة البريطانية، برئاسة زعيم المعارضة والتر فلتروني تبدو مثل المسرحيات الفكاهية الساخرة على الطريقة الايطالية، حتى أن أحد الممثلين الهزليين وهو بيبي غريللو، أعلن مؤخرا أنه سيصدر قائمة بأعضاء مجلس النواب المشتبه في صلاتهم مع المافيا، حتى يمتنع أعضاء المجلس الآخرون عن الاتصال بهم. وأضاف مازحا «سنجري محاكمات للساسة الفاسدين في الساحات العامة، طالما أن المحاكم في ايطاليا لا تجرؤ على التحقيق معهم». يظهر أن قرار البرلمان باعطاء برلسكوني الحصانة، أثناء ادارته للبلاد، وعدم شرعية استجوابه من قبل السلطات القضائية حول اتهامات سابقة بالفساد لم تقلل من شعبيته، لأنه تمكن من ضبط الأمن في الشوارع الى حد معقول، وأخضع الغجر القادمين من رومانيا الى التصريح عن أماكن اقامتهم، وان استسلم للضغوط الاوروبية وللكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان بعدم اجبارهم على أخذ البصمات من أصابعهم العشرة. الانجاز الأكبر هو أن حكومة برلسكوني تمكنت خلال شهرين من تشكيلها من السير جديا على طريق حل مشكلة القمامة وتجميع النفايات في نابولي بالاتفاق مع رئيس منطقة كامبانيا (وعاصمتها نابولي) انطونيو باسولينو اليساري، الذي لا يكن الود لزعيم المعارضة فلتروني ولا لعمدة المدينة روزا يرفولينو التي كانت على علاقة سيئة معه، وكما وصفها أحد النقاد الذي يشبه الساسة بوجبات الطعام قائلا: «يرفولينو مثل الجبنة الحلوة من دون رائحة أو طعم». بعث برلسكوني بمفوض مطلق الصلاحية لإجبار السلطات المحلية على جمع النفايات وحفر المطامر الجديدة، كما أتقن لعبة السياسة المحلية وتبادل المنافع في مقاطعة كامبانيا، ورفع اللافتات التي تقول «حررونا من النفايات»، ويقول آخر التقارير إنه يشجع بنت المنطقة وزيرة تكافؤ الفرصة مارا كارافانيا الشابة الحسناء، وملكة جمال ايطاليا السابقة، على أن ترشح نفسها للانتخابات في العام المقبل لتحل محل باسولينو، الذي سيترك المنصب ربما لمنافسة فلتروني على قيادة المعارضة.

ورغم زيادة أسعار الكهرباء والغاز والغذاء والكتب الدراسية، فان نجاح برلسكوني في تنظيف نابولي من القمامة والاجرام، يعني أن «برلسكوني الثالث»، الذي يمثل ما يسمى بالطبقة الملكية الحديثة المنتخبة، تفوق على قوى اليسار المتناحرة، وكان محظوظا لعدم اضطراره الى الدخول في مغامرات خارجية مثلما فعل أثناء حكومته الثانية لارضاء الرئيس الاميركي جورج بوش، الذي دعمه في غزو العراق وارسل قوات لدعم قوات التحالف. ويقول أحد الصحافيين الايطاليين، وهو جاكوبو باريغاتزي، في مقال نشر مؤخرا في مجلة «نيوزويك» الاميركية، ان برلسكوني «حقق معجزة خلال 100 يوم من الحكم»، لكن الخريف المقبل سيثبت ان كان هذا القول صحيحا، لأن العديد من المشاكل الاخرى المتراكمة لم يتم حلها بعد، رغم الوعود الانتخابية. فمستقبل شركة «اليطاليا» للطيران لا يبدو واضحا، رغم الشعار الذي رفعه حزب برلسكوني «اذا سافرت مع اليطاليا فان كل ايطاليا ستكون معك». وعرض شركة الطيران الفرنسية لانقاذ «اليطاليا» من الافلاس بعد أشهر لا يبدو أنه قابل للتجديد، ناهيك من أن فكرة برلسكوني عن التمويل الايطالي لا تبدو ملموسة حتى الآن، كما أن حملة مكافحة الفساد وضعت على نار خافتة مقابل التركيز على الأمن والطمأنينة والهجرة غير الشرعية محاربة «قلة الأدب» في الأماكن العامة. فيما الرأي العام الايطالي هذه الأيام أصبح مهتما أكثر بالالعاب الاولمبية في الصين والميداليات الذهبية للرياضيين الايطاليين. وقد نشرت جريدة «ايل جورنالي»، التي يمولها برلسكوني بمناسبة عيد 15 أغسطس، مقابلة احتلت صفحة كاملة عن انجازات حكومة برلسكوني الثالثة، قائلة إن رواد القهوة المفضلة لرئيس الوزراء في ميناء شيرفو بجزيرة سردينيا، لم يشاهدوا برلسكوني المرح الجذاب مع أحفاده، كما جرت العادة كل صيف، لأنه مشغول بحل مشاكل البلد، ولم يأت أي ذكر لقرار وزير العدل انجلو ألفانو، الذي كان يعمل في أحدى شركات الملياردير برلسكوني، الأخير الذي يهدف ضمنيا الى حماية المصالح الخاصة لبرلسكوني، بينما أبرز تصريح الناطق الرسمي باولو بنايوتي، الذي يؤكد الخط الرسمي الدعائي للحكم «ما فعلته الحكومة خلال 100 يوم لا يمكن نقاشه، فالنجاح واضح للجميع».

لكن ومنذ أعوام طلب برلسكوني من أهالي مدينة جنوى اخفاء الغسيل المنشور على الشرفات، قبل انعقاد قمة الدول الصناعية، والبعض الان يتساءل: ماذا تخفي الحكومة حاليا عن أعين الشعب من الأزمات المعيشية وتراجع الاقتصاد وماذا يقبع خلف ستارة المسرح؟ آخر أفلام الموسم الضاحكة التي تعرضها دور السينما المتعددة، التي يملكها برلسكوني عنوانه بالايطالية «ماما ميا» وأقرب ترجمة له باللغة الدارجة «يا ميمتي» أو «يا ويلي».

* إيطاليا عجوز أوروبا.. اقتصاديا

* نسبة النمو الاقتصادي 1.5 % والدين العام يبلغ نسبة 104% من الناتج المحلى الإجمالي

* القاهرة: «الشرق الأوسط» ـ عدد سكان ايطاليا 58 مليونا و145 ألفا و321 نسمة وفقا لإحصاء شهر يوليو من العام الجاري. ـ تعد من الدول الشابة سكانياً في اوروبا حيث تمثل الفئة العمرية من (15 – 64 عاما) نسبة 66.3% من مجموع السكان. ـ يحقق الاقتصاد الإيطالي معدل نمو أقل من متوسط معدل نمو منطقة اليورو (أي الدول الأوروبية التي باتت تستخدم اليورو كعملة)، ويتوقع أن ينخفض معدل النمو من 1.9% عام 2006 و2007 ليصل إلى 1.5% نهاية عام 2008. ـ نسبة البطالة 6% وفقا لإحصاءات 2007، في حين يصل حجم قوة العمل 24.71 مليون شخص، 5 % في قطاع الزراعة، و32% في قطاع الصناعة، و63% في قطاع الخدمات. ـ هناك فجوة بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي، فأهم المراكز الصناعية توجد في الشمال وتتركز حول المدن الكبرى خاصة ميلانو، ويمكن مقارنة اقتصاد الشمال الإيطالي بدول شمال أوروبا، بينما يعد اقتصاد الجنوب شبيها باقتصاد الدول الفقيرة في الاتحاد الأوروبي، حيث تكثر فيه البطالة فيه (حوالي 20%) ونسبة الإجرام وخاصة في جزيرة صقلية.

ـ رغم أن القطاع الحكومي الإيطالي يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد، إلا أنه في السنوات الأخيرة زادت وتيرة الخصخصة، خاصة أن إيطاليا لديها موارد طبيعية محدودة، خاصة في مجالات النفط والفحم والحديد، كما أنها لا تملك الكثير من الأراضي المناسبة للزراعة، لذلك فإن معظم المواد الخام التي تحتاجها للصناعة و75% من احتياجات الوقود يتم استيرادها من الخارج، خاصة ليبيا التي تعد المورد الرئيسي للنفط، بينما يتم إنتاج الغاز الطبيعي في وادي نهر بو وعلى ساحل الأدرياتيكي.

ـ يمثل معدل النمو الحقيقي بالنظر إلى الناتج المحلى الإجمالي 1.5 %.

ـ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 30.400 ألف دولار، وهو يضاهي دخل الفرد في فرنسا وبريطانيا. ـ لا تزال الحكومة تجد صعوبة في خفض العجز في الميزانية إلى مستوى يسمح بخفض الدين العام والذي يبلغ 104% من الناتج المحلي الإجمالي.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»