صراع على الطاقية الحمراء

انتشرت بين الباكستانيين بسرعة كبيرة تأثرا بمقتل مولانا عبد الرشيد غازي.. والسلطات تحاول الحد منها

TT

حقق محمد طارق وعائلته الثراء عبر تجارة الطاقية الحمراء المطرزة على الطريقة السندية التقليدية خارج مدارس ومساجد باكستان، مثله مثل الكثيرين من أمثاله من اصحاب هذه التجارة. فقد أصبح ارتداء تلك الطاقيات السندية الحمراء سمة مميزة للمتدين في باكستان وخاصة طلاب المدارس الدينية، لذا أصبحت تجارة تلك الطاقيات عملا مربحا في باكستان بأسرها، ولكن بشكل خاص في المناطق التي تنتشر فيها المساجد والمدارس الدينية. لكن الكثيرين في باكستان اصبحوا منزعجين جدا من هذه الظاهرة، وعارضوها، موضحين أنها تشير الى موجة من التطرف في باكستان، لكن آخرين يردون أنها بدأت كعلامة تأييد لمولانا عبد الرشيد غازي نائب إمام المسجد الاحمر، الذي كان يرتدي تلك الطاقيات والذي قتل على يد القوات الباكستانية، ثم تحولت الى موضة. وتعد تلك الطاقية الزي الرسمي لإقليم السند ثاني أكبر إقليم في باكستان حيث يرتدي البالغون هذه الطاقيات كجزء من زيهم التقليدي، ولكن كيف أضحى ذلك الزي الأكثر انتشارًا بين طلاب المدارس الدينية؟. السبب هو مولانا عبد الرشيد غازي، فقد كان يرتدي ذلك النوع من الطاقيات الحمراء المطرزة على الطريقة السندية عندما سقط برصاص القوات الباكستانية الذين اقتحموا المسجد في صباح 7 يوليو 2007 لاخراج الذين تترسوا به.

وبالرغم من كراهية علماء الدين في باكستان لارتداء الملابس المزركشة إلا ان الكثير منهم الان بات يرتدي تلك الطاقية السندية المرتبطة بالموضة في المناطق الحضرية في باكستان.

لكن بالنسبة لمولانا عبد الرشيد كانت تلك الطاقية جزءا من لباسه المعتاد، فمعظم الصور أو الملصقات التي حملت صورته عقب وفاته في وسائل الإعلام الباكستانية ظهر فيها مرتديا تلك الطاقية.

ويقول عمر فاروق أحد الطلاب السابقين في المدارس الدينية الإسلامية والمراسل لصحيفة «إسلام» اليومية «كانت تلك إحدى وسائل التضامن مع مولانا عبد الرشيد غازي، فقد تحولوا إلى الطاقية الحمراء». وزيارة إلى المسجد الأحمر في ايام الجمعة تقدم لك صورة جلية حول مدى شعبية تلك الطاقية بين المواطنين وطلاب العلوم الدينية الذين يتجهون إلى المسجد للصلاة. فباستطاعتك أن ترى الطاقية على رؤوس المصلين وكأنها قماشة حمراء تغطي أرضية المسجد في يوم الجمعة، ويضيف فاروق «المشهد الذي تراه في المسجد الأحمر يتكرر في الكثير من المساجد الأخرى الكبيرة والمدارس في باكستان».

ويتوجه محمد طارق، كل يوم جمعة، إلى المتجر الذي يمتلكه هو وإخوته خارج المسجد الأحمر، ويقول إنه بالرغم من مرور عام على مقتل مولانا عبد الرشيد إلا أن تلك الطاقية تعد السلعة الأكثر رواجا. بينما السلع الأخرى التي توجد في متجره كسجاد الصلاة والملصقات التي تحمل صور مولانا عبد الرشيد غازي والأشرطة والأقراص المدمجة التي تتضمن خطب الشيخ عبد الرشيد تأتي في المرتبة الثانية.

ويقول محمد في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «أبيع في كل يوم جمعة أكثر من مائة طاقية، وقبل أن ترتبط هذه القبعات بمولانا عبد الرشيد كان ثمن الواحدة منها 40 روبية، أي أقل من دولار واحد، إلا انه في أعقاب العملية العسكرية التي جرت في المسجد وقتل على إثرها الشيخ عبد الرشيد تزايد الطلب عليها. ومعروف أن تلك القبعات تصنع في السند خاصة في المناطق الريفية. لكن المثير للمفارقة أن يصبح أحد منتجاتهم التقليدية رمزًا للتطرف الديني في المجتمع الباكستاني، بالرغم كون الإقليم يعد أقل الأقاليم تأثرًا بتلك الموجة المرتفعة من التطرف الإسلامي». ويكمل محمد «تصنع هذه الطاقية في السند ويذهب أخي الأكبر في كل شهر لشراء مجموعة جديدة لكي نفي بالطلبات الخاصة بالطاقية السندية الحمراء المزركشة من البنجاب والإقليم الحدودي الشمالي الغربي». المثير للدهشة، أن الطاقية الحمراء لا تزال تباع في المناطق الريفية من السند بأقل من دولار، ويقول محمد «لقد ارتفع الطلب عليها بشكل كبير جدا في أعقاب العملية العسكرية ونبيعها بحوالي 200 روبية (ما يعادل ثلاثة دولارات أميركية)، والآن انخفض السعر إلى 150 روبية (حوالي دولارين).

وقد جذبت العمليات العسكرية التي أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 100 من طلاب المدارس الدينية تعاطف العناصر غير المسلحة الأخرى. ويقول خليل أحمد سراج المعلم بالمدرسة الدينية في ديرا إسماعيل خان المدينة الصغيرة في إقليم الحدود الشمالي الغربي الذي أطلق حملة لطلاء جميع المساجد الباكستانية باللون الأحمر في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «لم أحقق سوى بعض النجاح لأن الكثيرين من مديري المدارس وأئمة المساجد كانوا يرفضون الفكرة». لكن الكثيرين لا يشجعون هذه الظاهرة، فقد قامت وزارة الشؤون الدينية الباكستانية التي تتمتع بنفوذ في إدارة المساجد في البلاد بإقناع الأئمة في المساجد بعدم طلائها باللون الأحمر. وبالرغم من عدم اتجاههم للمعارضة بشدة لهذا الاتجاه فإن المدرسين ومديري المدارس الدينية لا يشجعون على ارتداء تلك الطاقيات أيضا. ويقول مفتي حنيف جالاندري مدير أكبر المدارس الدينية والأمين العام لوقف المدرسة العربية التي تعد مؤسسة لعقد الندوات الدينية المتطرفة في باكستان «قانون الزي بالنسبة لطلاب المدارس بسيط جدا إذ يجب عليهم ارتداء شلوار قميز (الزي التقليدي الباكستاني) وقبعة أو طاقية، ولا توجد قيود على لون أغطية الرأس». لكن يكمل حنيف جالاندري مبديا نوعا من الكراهية لموضة الطاقيات الحمراء، وموضحا «أعلم أن البعض من الطلاب يرتدون تلك النوعية من القبعات، لكن مثلها مثل أي موضة أخرى، فعندما يرتدي الممثلون نوعا معينا من الملابس يصبح ذلك موضة في أوساط الشباب». في ظل هذه المواقف أصبحت القبعة الحمراء الأكثر شعبية بالرغم من رفض بعض علماء الدين التقليديين للفكرة ومعارضتهم لأن تصبح موضة بين طلاب العلوم الدينية.

إلا ان مولانا عبد العزيز، الأخ الأكبر للشيخ عبد الرشيد، والذي اعتقل خارج المسجد الأحمر خلال العمليات العسكرية وهو يحاول الهرب والذي يوجد رهن الاعتقال الآن، قاوم ذلك التوجه في ارتداء القبعات الحمراء ونصح طلابه بارتداء الزي التقليدي. ويقول عمر فاروق إن «مولانا عبد العزيز لا يحب ارتداء الطلاب لتلك القبعات ودائما ما كان ينصح طلابه بارتداء الطاقية البيضاء.