أميركا.. الحلم والكابوس

4 شباب أميركيين يحكون لـ «الشرق الأوسط» كيف يرون بلادهم.. وبوش وأوباما وماكين والاقتصاد

شباب أميركا.. تتعدد أفكارهم حول بوش والعراق والاقتصاد («الشرق الأوسط»)
TT

كيف يفكر الشباب والشابات صغار السن في اميركا؟ ما هو رأيهم في بوش، واوباما، وماكين؟ وغزو العراق؟ وسمعة وطنهم في العالم؟ ماذا يسعدهم، وماذا يقلقهم؟ وما رأيهم في افلام ومسلسلات الجريمة والمغامرات؟ وكيف يرون اميركا وثقافتها اليومية وصورتها الخارجية؟ سألت «الشرق الاوسط» مراهقين (مايك، 16 سنة، وجون، 17 سنة)، ومراهقتين: (سوزان، 17 سنة، وهيلين، 18 سنة). كلهم بيض، ويسكنون الضواحي، وينتمون الى الطبقة الوسطى او الوسطى العليا. عند كل واحد موبايل و«آي بود». وعند كل من الولد والبنت الأكبر في السن سيارة. لم يخل هؤلاء الشباب من التمرد فكلهم غير معجبين ببوش، ولكن بدرجات متفاوتة ولاسباب متفاوتة. قال مايك في نقد واضح: «يتصرف بدون ان يفكر في نتائج تصرفاته»، وكان دليله بان بوش يتصرف دون ان يفكر هو مثال غزو العراق. وقال جون في تحفظ: «كان امام بوش خياران: ضمان امننا مسبقا، والاحتياط لما قد يحدث. او الانتظار حتى يحدث ما سيحدث. وفضل الاول، وربما كان صائبا في ذلك». فيما قالت هيلين بغضب: «بوش رجل سخيف. وهو الذي ادخلنا في هذه الحرب.. لا يعرف كيف يتكلم بلغة صحيحة. واتمنى ان يندم الذين صوتوا له». وقالت سوزان: «لا اعرف كثيرا في السياسة، ولا احب السياسيين وكلامهم الكثير. لكن بوش ليس رجلا طيبا، لأنه ادخلنا في مشاكل كثيرة. هذا ما اسمع الناس يقولون. وانا لا اعرف الحقيقة. لكني اعرف ان الحرب ليست شيئا طيبا، واتمنى ان تنتهي اليوم وليس غدا». وعن انسحاب القوات الاميركية من العراق، قال مايك: «لتعد الاغلبية، ولتبق فرقة صغيرة في حالة حدوث ما سوف يهددنا».

احساس الاميركيين بالتاريخ كبير جدا، بالرغم من ان تاريخهم الفعلى قصير. ودائما سؤال: ماذا سيقول التاريخ عنه مطروح. وقد بدأت الطبقة السياسية والكتاب والمثقفون الاميركيون يسألون هذا السؤال نيابة عن بوش. يرد جون قائلا: «لن يقول التاريخ انه كان احسن رئيس».

لكن تقييم هؤلاء للسيناتور باراك اوباما المرشح الديمقراطي للرئاسة كان ايجابيا اكثر كثيرا، ربما لانه شاب، ومتعدد الجذور العرقية وديناميكي ومفوه. قال مايك حول اوباما: «اتفق معه في كل آرائه». وعن اختيار اسود رئيسا لاميركا، قال: «كان يجب أن يكون سؤالك: هل يمكن ان يكون ابيض رئيسا؟ والسبب هو أنه لا يوجد فرق في هذه الحالة». وعن دعوة اوباما لازالة التفرقة بين البيض والسود، قال مايك: «نعم يجب ازالة التفرقة العنصرية. لكن الاختلافات العنصرية ستستمر».

وقالت هيلين: «أحب اوباما، وأحب رسالة التغيير التي يدعو لها في مجال العلاقات بين الاعراق. من الآن فصاعدا، يجب أن لا تكون هذه العلاقات موضوع اختلافات وانقسامات. ربما يريد متطرفون اغتياله، لكن احتمال الاغتيال اقل كثيرا عما كان عليه قبل خمسين سنة مثلا». وقالت سوزان: «لو كنت في عمر التصويت، كنت سأصوت لاوباما. اعتقد ان الوطن يحتاج الى تغيير، وهذا هو ما يعد به. نعم، يمكن ان يكون اسود رئيسا للجمهورية. ولو فاز سيبرهن أننا تغيرنا كثيرا. وأننا شعب رائع».

واذا كان رأيهم في اوباما جيدا، فإن رأيهم في السناتور الجمهوري جون ماكين لم يكن بنفس الجودة. قال مايك: «لست من المعجبين به، ولا أتفق معه في أغلبية آرائه». وقال جون: «انه رجل عجوز». وقالت سوزان: «لا أحب ماكين. ليس فقط لأنه كبير في السن، ولكن كل مرة اشاهده في التلفزيون يبدو أكبر من المرة السابقة التي شاهدته فيها». وعن الحزب الجمهوري، قال جون: «يكثرون من الحكم على الآخرين. وقالت هيلين: «سن ماكين كبيرة ولا تسمح له بان يكون رئيسا. ثم ان سياساته لا تختلف عن بوش. وأنا افضل وجها جديدا».

أي مراقب يمكن ان يجزم ان حملة الانتخابات هذه ربما واحدة من اكثر حملات الانتخابات جذبا للشباب في تاريخ اميركا، وعدد الشباب المتطوعين في حملات المرشحين الديمقراطي او الجمهوري كبيرة جدا، وفي بعض الحالات قياسية. لكن لم ينجذب الشباب لهذه المشاركة الكبيرة فقط بسبب تأثير حرب العراق على الحياة اليومية للاميركيين، او لدخول وجه جديد هو اوباما، لكن ايضا بسبب الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه اميركا والذي ضرب الطبقة الوسطى بشدة. ورغم ان اثنين من هؤلاء الشباب الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» عندهما سيارة، يبدو واضحا انهم تأثروا بالتغيير الكبير الذي أحدثه ارتفاع سعر البنزين وغيره من السلع. وقال مايك: «صار واضحا ان مخزون النفط في بلادنا يقل ويقل. وان المنافسة على نفط العالم تزيد وتزيد. تعتقد الحكومة ان ارتفاع سعر البنزين سيخفض استهلاك الناس لها، وسيقلل موجة الحرارة العالمية. وربما هي على حق». واضاف: «ليس هناك شخص معين يتحمل المسؤولية. وربما الحل هو في اختراع سيارات تستهلك بنزينا اقل او غير البنزين».

الوضع الاقتصادي والركود وارتفاع الاسعار باتت كلها مشاكل تضغط على اعصاب الاميركيين، لا فرق هنا بين ابيض واسود او فقير وطبقة وسطى. ويقول مايك: «باتت الحياة صعبة، وصرت، وانا في هذه السن الصغيرة، افكر انني ربما يجب الا انجب بعد ان اتزوج» فيما قال جون انه لا يملك سيارة الان، لكنه يريد. وانه يتوقع ان يشتريها له والداه، وان يدفع هو تكاليف البنزين. غير انه قال ان السيارة «ليست اهم شيء» في حياته. وقالت هيلين: «لا اعرف كثيرا عن مشكلة البنزين غير انه، طبعا، ارتفع في السعر. على اي حال، نحن الاميركيين نستعمل سياراتنا اكثر مما يجب، وربما هذه فرصة مناسبة لنقلل استعمال سياراتنا».

وقالت هيلين انها تملك سيارة، وان ذلك «شئ هام بالنسبة لي لأزور عائلتي من وقت لآخر، ولانني اعمل في عيادة بيطرية خلال وقت الفراغ.» واضافت: «لكن، اذا كان لا بد من التخلص من السيارة، اقدر على ذلك». وقالت سوزان: «ارتفع السعر، ثم انخفض، وآمل ان ينخفض اكثر. انا متفائلة اكثر من صديقاتي. من المسؤول؟ المسؤوون هم شركات البنزين. نعم زادت المشاكل الاقتصادية، لكن الاميركيين دائما يقدرون على حل كل مشكلة. ليست عندي سيارة، لكنى اريد واحدة، وسأتعهد لوالديي باني سادفع ثمن البنزين من عملى في وقت فراغي جرسونة في مطعم».

ومع الاقتصاد ترتبط الهجرة وهي قضية تثير الكثير من الحساسية لدى الاميركيين، خصوصا الشباب الذين لا يجدون بسهولة فرص عمل هذه الايام. وحول المهاجرين من سود وسمر وافارقة ومكسيك وآسيويين، ظهرت اختلافات، ليس بين الولدين والبنتين، ولكن بين لييراليين ومتشددين. قال مايك في تشدد واضح «ليس عندي شيء ضدهم، لكنهم: أولا: يجب أن يأتوا بطريقة قانونية. ثانيا: يجب أن يتعلموا اللغة الانجليزية». وعن زيادة عددهم حتى يكادوا أن يصيروا اكثر من البيض، قال مايك: «ليس الآن، لكني اتوقع ان يحدث ذلك في المستقبل». واتفق معه جون المحافظ ايضا، على الاقل في هذه النقطة. وعن خوف البيض من انخفاض عددهم، اكد جون ذلك، مثلما اكده مايك.

واختلفت هيلين مع الاثنين في هذا الموضوع، وقالت: «الاقليات والمهاجرون ظاهرة صحية. تجدد المجتمع وتثريه، حتى الذين يدخلون بطريقة غير شرعية. لا اعرف لماذا هذه الضجة حول هؤلاء ما داموا يعملون ويدفعون الضرائب، وما داموا يعملون في اعمال لا يريدها المواطنون الاميركيون». وعن زيادة نسبة المهاجرين والاقليات، قالت: «الذين يريدونهم ان يزولوا لن يزولوا».

ومالت سوزان نحو هيلين، وقالت: «هذا سؤال صعب. في جانب، نعم، يجب الا يخالف اي شخص القانون، اميركي او غير اميركي. وفي الجانب الآخر، لا يقلقني ويمنعني النوم وجود اجنبي خرق القانون وجاء الى بلدنا بطريقة غير قانونية. نعم، اغلبية البيض غير راضية، ربما لان هؤلاء الاجانب سمر او سود. لكن الم نأت كلنا من افريقيا، بطريقة او أخرى؟».

وربما عكس اولاد وبنات كثيرين في الدول الغربية، يميل اولاد وبنات اميركا نحو الدين، بصورة عامة. قال مايك ان كل شخص يجب ان يكون حرا في ان يؤمن بما يريد ان يؤمن به. وانه، هو، يؤمن بالله لانه يؤمن «بوجود شيء اكبر منا كلنا».

وقالت هيلين: «اؤمن بالله، ولا يهمني بماذا يؤمن الآخرون. غير اني افضل ان يؤمنوا. اعتقد ان لا بد من الايمان بأن هناك قوة اكبر من قوة البشر». وعن الصلاة، قال مارك انه يصلي مرة كل يوم، على الاقل. وقالت هيلين انها تصلي كل ليلة قبل ان تنام. وقالت سوزان: «اؤمن بوجود الله، واؤمن به. هناك تعاليم دينية متطرفة، وهناك غير متطرفة، وهناك غريبة». وقالت انها تصلي وقت النوم. واضافت: «يجب ان تحمد الله دائما لكل شيء عندك، لأنك لا تضمن وجود اي شيء عندك».

المجتمع الاميركي به عنف، وكذلك الافلام الاميركية، لكن هذا لا يعني ان الاميركيين شعب ميال للعنف أكثر من غيره. والسؤال حول العنف فى الحياة في اميركا او في الافلام يثير ضيق بعض الاميركيين. احتج مايك على السؤال، وصرخ: «استيقظوا يا عالم. العالم يتغير. نعم، يوجد عنف اكثر مما كان في الماضي. لكن هذا هو الامر الواقع».

وقالت هيلين، وكأنها تتفق معه: «لا اعتقد ان هناك مبالغات في الجريمة في الافلام والمسلسلات. نعم، قبل اربعين سنة لو شاهد الناس ما يشاهدون اليوم من العنف في التلفزيون، ولو شاهدوا ملابس النساء القصيرة في الشارع لكانوا احتجوا. لكن يتغير الزمن. ونعم يزيد العنف، ولكن هذه يجب الا تكون مشكلة كبيرة. لن تسقط السماء بسبب ذلك».

وقالت سوزان نفس الشيء، وصرخت نفس الصرخة: «نحن في سنة 2008. لا في سنة 1908. يجب الا ننسى ان الناس تحب مشاهدة افلام العنف. ولهذا تربح الشركات، وفي نفس الوقت، ترفه عنا، وتسعدنا. نعم، انا ضد العنف والجريمة في الشوارع، لكن ما عدا ذلك، لا شيء يهم».

هؤلاء الشباب مثل الغالبية الساحقة من الاميركيين فخورون بالامة الاميركية والثقافة الاميركية ونمط الحياة الاميركي. قال مايك انه فخور بنفسه، وباميركا، وبالحرية والتقدم والتطور في اميركا. لكنه لا يعرف كثيرا عما يدور في العالم حوله. غير انه اوضح ان العالم بدوره لا يعرف الكثير عن اميركا او لديه صورة مغلوطة حولها: «يعتقدون ان كل واحد فينا غني وشبعان وسمين وابيض واستعلائي»، اما هيلين فقالت: «انا فخورة جدا بنفسي، ومتفائلة بالمستقبل. وربما لأني قدرية، ما يحدث كان لا بد ان يحدث، فلماذا نتشائم؟».  وقالت سوزان: «انا فخورة بنفسي. انا سيدة نفسي، وانا حرة في ان افعل ما اريد، في نطاق القانون، وفي نطاق ما يحدد لي والداي. لست مراهقة تذهب الى حفلات واندية ليلية وتسهر حتى الصباح. انا احسن من ذلك». واضافت: «انا متفائلة بالمستقبل، رغم كل شيء. سيصير كل شيء افضل واحسن. يجب الا نركز على السلبيات. وربما بعد كل شيء سلبي سيأتي شيء ايجابي. كل شيء في الدنيا يحدث لسبب». وهكذا، رغم الشكاوى والتشاؤم هنا وهناك، اتفقوا على وجود ثقة قوية بأنفسهم، وبوطنهم. ورغم شكواهم من سياسة بوش في العراق، ركزوا على ان بوش سيذهب مثلما جاء. وستذهب بقية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مثلما جاءت. وتبقى الولايات المتحدة دولة عظيمة، وحرة، و«أحسن شعوب العالم»، كما قالوا.