استثمار.. في الكرة

8 أندية إنجليزية مملوكة لأجانب.. وأرباح الموسم الماضي 3 مليارات استرليني.. ومشجعو مانشيستر سيتي ارتدوا العقال الخليجي وشكروا شهر رمضان

TT

18 ساعة غيرت من صورة الكرة في بريطانيا. فيوم 1 سبتمبر الحالي وعندما كانت الساعة الحادية عشرة مساء، كانت القنوات الرياضية في العالم تبدأ العد التنازلي لانتهاء انتقالات اللاعبين. صوت مذيع قناة «سكاي» الرياضية المبحوح يقول: بقيت 59 دقيقة.. بقيت 58 دقيقة. فيما كان مشجعون لنادي «مانشيستر سيتي» يقفون امام النادي وهو يرتدون «العقال» الخليجي فرحا بأنباء كانت قد بدأت تتردد ان «مجموعة ابو ظبي الاستثمارية» التي اشترت النادي صباح ذلك اليوم، تقدمت بعرض لشراء اللاعب البرازيلي روبنيو من «ريال مدريد» بمبلغ قياسي. لم يكن المشاهدون في بريطانيا فقط هم الذين يشاهدون التنافس الحي بين «مانشيستر سيتي» و«تشيلسي» على شراء روبنيو، بل كان مشاهدون من اسبانيا والبرازيل وبلاد اخرى ايضا يتابعون الحدث. صوت مذيع سكاي يعود مبحوحا من جديد وهو يقول: هذه 18 ساعة تغير خريطة الكرة في بريطانيا، مشيرا الى ان مجموعة أبو ظبي اشترت مانشستر سيتي فقط من 18 ساعة، وانها تعهدت فورا بصرف نحو 300 مليون جنيه استرليني لتعاقدات اللاعبين الجدد. قال مذيع سكاي: «لدينا تشيلسي جديد في المدينة (لندن). لدينا ماكينة صرف تنافس ابراموفيتش»، في اشارة الى رومان ابراموفيتش مالك تشيلسي. عندما تمت الصفقة التي وصفت بأنها مستحيلة، وخطف مانشستر سيتي روبنيو من تشيلسي الذي كان على خط المفاوضات مع اللاعب قبل مانشيستر بأسابيع، سأل مذيع سكاي مدرب مانشيستر سيتي مارك هيوز عن شعوره فقال: انها هدية لكل الناس في مانشيستر سيتي، فاليوم هو الاول في رمضان، فيما المشجعون يصرخون من الفرحة، بعضهم باكي العين. كانت 18 ساعة مجنونة، منذ دخلت مجموعة أبو ظبي سوق صناعة الكرة في بريطانيا و60 دقيقة اكثر جنونا قبل اغلاق انتقالات اللاعبين، تداخل فيها البزنس بالكرة بالثقافة بالدين بالمتعة والرياضة والحماسة. واثبتت أن الجميع يمكن أن يتحدث بلغة واحدة عندما يأتي الحديث عن الكرة، وهي لغة المال. فاليوم تجتذب كرة القدم أضخم الاستثمارات، وهي لا تأتي فقط بارباح هائلة، كما هو الحال مثلا مع مانشيستر يونايتد، بل تأتي ايضا بالكثير من المكانة والسمعة الدولية.

دخول «مجموعة ابو ظبي الاستثمارية» لسوق الكرة في بريطانيا، وتملكها لنادي مانشستر سيتي، من شأنه اشعال المنافسة في دوري اصحاب المليارات الانجليزي لكرة القدم، الذي اصبح محل جذب وهدف لرجال الاعمال وكبرى الشركات الاستثمارية. لكن الدوري الانجليزي لكرة القدم أصبح محل جذب للاعبين والمدربين الأجانب. وتحول في السنوات الاخيرة الى قبلة لأصحاب المليارات وراغبي الاستثمار بعد النجاح الكبير الذي شهدته البطولة على مسار التسويق وارتفاع مداخيل الاندية وارباحها لمقاييس لا تستطيع شركات تجارية او صناعية مماثلة تحقيقها.

ولغة الأرقام التي تكشف عنها الإحصائيات والدوريات المختلفة في العالم تؤكد ان الدوري الممتاز الإنجليزي هو الدوري الأقوى والأغنى والاكثر جماهيرية في العالم. فقد حققت الاندية ارباحا وعائدات خلال الموسم الماضي اقتربت من حاجز الثلاثة مليارات جنيه استرليني، وهو رقم قياسي على الصعيد الأوروبي والعالمي يصعب الاقتراب منه. وينظر الى الدوري الإنجليزي على انه امبراطورية قائمة بذاته تحقق أعلى دخل في العالم ليس فقط للأندية المتنافسة، بل للحكومة البريطانية عبر الضرائب التي بلغ مجموعها أكثر من 900 مليون جنيه استرليني خلال موسم 2006/2007.

وتشير احصائية الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الى أن الدوري الإنجليزي هو الاعلى في قائمة نسبة المشاهدة للمباريات وتصل إلى ما يزيد عن 800 مليون مشترك تنقل إليهم المباريات عبر القنوات والمحطات الفضائية المختلفة. وحتى الموسم قبل الأخير كان مجموع عائدات الأندية العشرين قد بلغ حوالي 1.9 مليار جنيه استرليني، لكن هذا الرقم قفز الى 2.7 مليار استرليني الموسم الماضي.

وبدخول المجموعة الاماراتية، التي تردد انها دفعت حوالي 200 مليون استرليني لشراء مانشيستر سيتي، دائرة المنافسة سيشهد هذا الموسم حضوراً كبيراً لمالكي الأندية الإنجليزية الأجانب، بعدما ارتفع عددهم الى 8 من اصل 20 ناديا في الدرجة الممتازة، والرقم قابل للزيادة.

وكانت هذه الظاهرة قد أخذت في التزايد خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة، عندما تم بيع ستة فرق لملاك جدد، لكن البداية كانت مع فريق «فولهام» عام 1997، بعد أن تم بيعه إلى رجل الأعمال المصري محمد الفايد، الذي يمتلك أيضاً متجر هارودز الشهير، وكان النادي حينها يلعب في دوري الدرجة الثانية وقيمته لا تزيد عن 80 مليون استرليني، لكن الفايد استطاع الصعود بالفريق في عام 2001 إلى الدرجة الممتازة وقيمته الآن تزيد عن 500 مليون استرليني.

وجاء الملياردير الروسي، رومان أبراموفيتش، بعد ذلك ليشتري نادي تشيلسي المتخم بالديون عام 2003، ودفع 140 مليون جنيه استرليني لكين بيتز مالك النادي السابق الذي كان قد اشترى النادي عام 1982 مقابل مليون جنيه استرليني فقط. واحدث ابراموفيتش ثورة في الفريق وضخ اكثر من 500 مليون استرليني للتعاقد مع مجموعة من افضل لاعبي العالم، ليحقق بعدها بطولة الدوري لموسمين متتاليين، وليغير بالفعل من موازين اللعبة في دوري كان يسيطر عليه مانشستر يونايتد وارسنال.

في عام 2005 اقدم رجل الأعمال الأميركي مالكوم غلايزر على شراء مانشستر يونايتد، مقابل 1.185 مليار يورو، ورغم تخوف جماهير هذا الفريق العريق من انتقال الملكية الى أجنبي، الا ان غلايزر نجح في سياسته بالنهوض بالاعمال التسويقية للنادي الذي يتربع الآن على قمة اغنى اندية العالم وبارباح وصلت 250 مليون يورو العام الماضي. ويقدر سعر نادي يونايتد حاليا بحوالي ملياري يورو، وكان غلايزر قد رفض قبل اشهر عرضا من شركة دبي القابضة للاستثمار بقيمة 1.7 مليار دولار لشراء النادي.

وخلال العامين الماضيين تسارعت وتيرة بيع الأندية الانجليزية لرجال أعمال، فجاء الدور على نادي استون فيلا الذي انتقلت ملكيته الى المستثمر الأميركي راندي ليرنر مقابل 118.8 مليون دولار، فيما تم بيع نادي وستهام إلى مجموعة استثمارية آيسلندية يقودها إيغرت ماغنسون، وفريق بورتسموث للروسي ألكساندر غايداماك.

والعام الماضي اشترى رجلا الأعمال الأميركيان، جورج جيليت، وشريكه توم هيكس نادي «ليفربول» مقابل 174 مليون استرليني (340 مليون دولار) مع التعهد ببناء ملعب جديد للنادي وسداد الديون المستحقه عليه. ويمتلك جيليت ايضا فريق «مونتريال كانديانز» للهوكي، بينما يمتلك هيكس، فريق «تكساس رينجرز» للبيسبول.

اما شركة دبي القابضة للاستثمار، فقد انسحبت في بداية العام الحالي من مفاوضات لشراء نادي ليفربول بعد ان قدمت عرضا ببلغ 450 مليون جنيه استرليني، أو ما يعادل 882 مليون دولار، بعد تأخر مجلس إدارة النادي الإنجليزي على الموافقة على الصفقة. وتمتلك الشركة الإماراتية العديد من المراكز السياحية في بريطانيا أبرزها متحف مدام توسو وعجلة الألفية السياحية، وهي تريد استكمال الدائرة بامتلاك احد الاندية الكبيرة. وعلى ما يبدو ان امتلاك مجموعة ابو ظبي الاستثمارية لنادي مانشستر سيتي مؤخرا، سيحفز شركة دبي القابضة على العودة مرة اخرى للدوري الممتاز الانجليزي ومحاولة شراء احد اندية القمة.

وكان راؤول سايمون الناقد الرياضي في جريدة «ايفنينغ ستاندر» الانجليزية قد قال لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق قائلا: «اندية الدوري الممتاز الانجليزي تبدو جيدة على الصعيد المالي، مقارنة بمثيلاتها الاوروبية، وهو عامل الجذب للمستثمرين الاجانب، ويكفي ان القائمة الاخيرة لاغني الفرق ضمت 8 اندية انجليزية من بين العشرين الاوائل على العالم».

وتتيح قوانين الاستثمار الانجليزية للملاك الاجانب التحرك بحرية وتحويل الاندية الى شركات مساهمة مع اعتماد الملاعب والمتاجر الخاصة ضمن الاصول، وهو الامر الجاذب والذي يعكس حجم الاموال التي باتت تضخ على الكرة الانجليزية.

اما على الصعيد الدولي، وفي الدوري الاسباني والألماني والإيطالي فلا يوجد أي مستثمر أجنبي، بينما في فرنسا يمتلك السنغالي الاصل باباي ضيوف، الحصة الاكبر من اسهم نادي مرسيليا، ويخضع نادي «باريس سان جيرمان»، لملكية المصرف الدولي «مورغان ستانلي» بالمشاركة مع «كولوني كابيتال».

ويقول ريتشارد سكودامر مدير الدوري الانجليزي الممتاز: «وجود المستثمرين الأجانب يعزز المستوى الاحترافي للبطولة، وقد انعكس ذلك على شكل المنافسة بفضل نخبة اللاعبين النجوم اصحاب السمعة الدولية». وتمثل عائدات الدوري الإنجليزي الممتاز ثلث عائدات البطولات الأوروبية التي بلغ مجموعها 10 مليارات جنيه استرليني في الموسم قبل الماضي.

وقد حققت الأندية المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز أعلى الأرباح (1.9 مليار) من بين البطولات الأوروبية الأخرى، حيث احتل الدوري الألماني المركز الثاني (0,9 مليار جنيه استرليني) ثم الإسباني بنفس الرصيد، تبعه الإيطالي (0,8 مليار جنيه).

كما تكشف الارقام ان أعلى أجور اللاعبين في العالم تدفع الان في الدوري الانجليزي، وسيكون نجم مانشستر سيتي الجديد البرازيلي روبينيو على رأس القائمة بحوالي 150 الف استرليني في الاسبوع، يليه كل من جون تيري وفرانك لامبارد نجما تشيلسي وريو فيرديناند وكريستيانو رونالدو من مانشستر يونايتد، حيث يحصل كل منهم على 140 ألف جنيه استرليني أسبوعيا.

ومما يعزز من عوامل الجذب للاستثمار في الاندية الانجليزية وخاصة فرق القمة منها، الارباح الهائلة التي باتت تمنح للمشاركين في دوري ابطال اوروبا، فقد حصل فريق مانشستر يونايتد الذي توج بطلا للمسابقة في مايو (أيار) الماضي على 50 مليون يورو كمجمل جوائز، بينما نال وصيفه فريق تشيلسي حوالي 42 مليون يورو، فضلا عن الأموال الطائلة التي حصل عليها كل فريق من حقوق البث التلفزيوني وعقود الإعلانات ومكافآت المباريات والأداء على مدار مختلف أدوار البطولة. وتقدر مكاسب الفريق الفائز بلقب البطولة بنحو 100 مليون يورو من العقود التجارية بخلاف أرباح أخرى.

وتقدر ارباح مانشيستر يونايتد عن الموسم المنصرم بما يزيد عن 280 مليون يورو في مختلف المسابقات المحلية والاوروبية. بينما تقدر ارباح تشيلسي بحوالي 225 مليون يورو.

وكان الاتحاد الاوروبي لكرة القدم (يويفا) قد اعلن ان إجمالي دخل دوري الأبطال يقدر بنحو 825 مليون يورو، يوزع منها 588.5 مليون يورو على الفرق الـ32 التي تصل إلى الدور الرئيسي الأول في البطولة (دوري المجموعات).

وتوزع المكافآت على الأندية الـ32 المشاركة في دور المجموعات على النحو الآتي: 3 ملايين رسم مشاركة، و400 ألف عن كل من المباريات الست أي ما مجموعه 2.4 مليون لكل ناد، و600 ألف عن الفوز، و300 ألف عن التعادل، ويحصل الفريق المتأهل إلى ثمن النهائي على 2.2 مليون يورو، والمتأهل إلى ربع النهائي على 2.5 مليون، والمتأهل إلى نصف النهائي على 3 ملايين، على أن يحصل الوصيف على 4 ملايين والبطل على 7 ملايين.

وبإضافة المكافآت المختلفة إلى جائزتي المركزين الأول والثاني، تصل مكاسب الفريقين حتى قبل خوض المباراة النهائية إلى ما بين 36 و38 مليون يورو. وبارتفاع عدد المستثمرين اصحاب المليارات في سوق كرة القدم الانجليزية لا يستبعد تغيير في خريطة القوى والاندية التي دائما ما تسيطر على المسابقة، والهدف بالطبع الظهور في دوري الأبطال الأوروبي.

وكانت مصادر بريطانية قد لمحت الى ان مصادر التهديد التي كانت تخشاها الفرق المتنافسة من تشيلسي واموال رئيسه ابراموفيتش، قد تتلاشى امام الطوفان القادم من الخليج.