الحاجة إلى ديكتاتور آخر

بعد 5 أشهر فقط من سيطرة حزب الشعب على الحكومة.. الشارع الباكستاني يشتكي من كل شيء

باكستاني يمزق ملصقا دعائيا لزرداري («الشرق الأوسط»)
TT

بعد مرور أكثر من 5 أشهر على أدائها الضعيف، منذ سيطر حزب الشعب الباكستاني على الحكومة، ما زال أمام القيادة السياسية الجديدة في باكستان شيء يمكن أن تحتفل به. فقد زادت أسعار الحبوب الغذائية الضرورية بصورة كبيرة خلال الخمسة أشهر الماضية وما زالت معدلات التضخم في ارتفاع مضطرد، ما جعل حياة المواطن الباكستاني العادي بائسة. وعلى الرغم من ذلك يمكن للقيادة السياسية أن تفرح لأن معظم المواطنين في باكستان يحمّلون الحكومة السابقة (للرئيس السابق برويز مشرف وشركائه السياسيين) مسؤولية معاناتهم الاقتصادية. وقد أظهرت استطلاعات للرأي أجرتها أخيرا شركة «جالب باكستان» الخاصة، أن 59 في المائة من المواطنين في باكستان في المناطق الريفية والحضرية يحمّلون الحكومة السابقة للرابطة الإسلامية الموالية للرئيس السابق برويز مشرف مسؤولية الزيادة في الأسعار. أُجرى الاستطلاع خلال الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) في المناطق الريفية والحضرية بمحافظات باكستان الأربع وتم الإعلان عن نتائجه في منتصف أغسطس (آب) الماضي. في ذلك الوقت كانت الحكومة الائتلافية بقيادة حزب الشعب الباكستاني قد اتخذت قرارات برفع أسعار الوقود بسبب ضغوط الزيادة في أسعار البترول في الأسواق العالمية. وكما هو الحال في أي بلد نام، فإن الاقتصاد الباكستاني أضعف من الصمود أمام ضغوط الزيادة في أسعار الوقود في السوق العالمية، حيث أدت الزيادة في أسعار البترول إلى زيادة أسعار السلع الضرورية اليومية. وقد زاد ذلك بشكل واضح من المشاكل التي يعاني منها المواطن العادي ونجمت عن غضب بين العامة. ولكن لحسن حظ حكومة حزب الشعب الباكستاني فإن هذا الغضب لم يتحول تجاهها، وكما قال التقرير الأخير لشركة «جالب باكستان»: «يحمّل معظم من شاركوا في الاستطلاع (59 في المائة) الحكومة السابقة مسؤولية الزيادة الحالية في الأسعار، ويرجعون ذلك إمّا إلى سياساتها الاقتصادية المعيبة (29 في المائة) أو الفساد (30 في المائة)». وقال مسؤول بارز في الشركة لـ«الشرق الأوسط» إن أغلبية المواطنين الذين أجريت معهم مقابلات في إطار استطلاع الرأي يريدون من الحكومة الحالية أن تضع الحد من الزيادة في الأسعار على رأس أولوياتها. وأضاف استطلاع الرأي أن 34 في المائة يعيب على الحكومة الحالية عدم التركيز على المشاكل الحقيقية التي تواجه باكستان. وكان شهر أغسطس قد شهد تغيرات سياسية جذرية في باكستان، فبعد الضغوط السياسية التي مورست على الرئيس السابق برويز مشرف، الذي لم يكن يحظى بشعبية كبيرة، (حسبما تفيد الاستطلاعات العامة) اضطر مشرف للاستقالة. ومن المنتظر أن يحل محله الرئيس المشارك لحزب الشعب الباكستاني آصف علي زرداري خلال الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول)، ليكون الرئيس الثاني عشر لباكستان. وفي يوم استقالة مشرف، كان هناك نقاش داخل الحكومة الائتلافية حول قضية إعادة القضاة، الذين قام مشرف بفصلهم. ويرى بعض المحللين أن زرداري، الذي سيظهر كأقوى رجل في باكستان بعد انتخابه رئيسا، لم يقرأ على النحو الصحيح اتجاهات الرأي العام، بمعارضته لعودة القضاة، وهي القضية التي ما زال لها حيزها الكبير في الرأي العام رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها باكستان. وتُظهر استطلاعات الرأي أنه على الرغم من أن الحكومة الباكستانية ما زالت مهتمة بالنظر في حل للأزمة القضائية المستمرة، فإن الرأي العام يدرك أن ذلك وحده لن يحل كل المشاكل التي تواجه باكستان، بما فيها الزيادة في معدلات التضخم. وهناك أيضا مشكلة بقاء بعض المقربين من الرئيس مشرف في مناصبهم. ويقول مير إحسان، وهو مصرفي يعمل في بنك شرق أوسطي بالعاصمة إسلام آباد: «ما زلنا نرى بعض الشخصيات الفاسدة في حكومة حزب الشعب الباكستاني».

المثير للعجب أن حكومة حزب الشعب الباكستاني تولت مهامها منذ خمسة أشهر وحسب، وعلى الرغم من تلك الفترة القصيرة فقد خسرت الكثير من رأسمالها السياسي. ويقول مسؤول بارز في «جالب باكستان»: «في البداية عندما تم تشكيل الحكومة في أعقاب الانتخابات البرلمانية، كانت توقعات المواطنين مرتفعة جدا وكانوا يشعرون إيجابيا تجاه الحكومة، ولكن لعدد من الأسباب فإن هذا قد تراجع».

وبصورة متزايدة، لم يعد المواطنون من الطبقة الوسطى ينظرون إلى الديمقراطية كدواء شاف لكافة الأمراض التي تعاني منها باكستان. ويقول أمير خان، وهو مسؤول تنفيذي بشركة إعلانات ومدير إقليمي لقناة تلفزيونية خاصة: «لا أعتقد أن القيادة السياسية الحالية لديها القدرة على التقدم بباكستان، سنحتاج إلى دكتاتور آخر كي يحكم باكستان مرة أخرى. تذكر كيف هدأت رغباتنا عندما تولى مشرف القيادة في عام 1999 وكيف أننا كنا ننظر إليه على أنه أفضل لباكستان». وتتنامى مشاعر رجل الشارع العادي بالعزلة بين النظام السياسي الباكستاني والقيادة السياسية. ويقول مير إحسان: «الحكام السابقون كانوا لصوصا صغارا، أما الآن فلدينا لصوص كبار، المشكلة هي أننا قد انتخبناهم لتولي السلطة».

ولكن هناك استثناءات في الشعور العام بالخداع، مثال ذلك بابار ستار، وهو محام واعد يبلغ من العمر 35 عاما كان في مقدمة حركة الاحتجاج ضد نظام مشرف منذ مارس (آذار) 2007 حتى الآن. وعلى عكس زملائه في حركة المحامين الذين يجهزون لحركة احتجاج ضد حكومة حزب الشعب الباكستاني اعتراضا على أساليبها لتأخير إعادة القضاة إلى مناصبهم، يصر ستار على أنه يجب إعطاء الوقت والحرية لإعادة البلاد إلى المسار الصحيح. وما زالت الآراء حول قضايا المجتمع الباكستاني تثير استقطابا. ومع ذلك فقد شهد العام المنصرم زيادة في الوعي السياسي للمجتمع المدني في باكستاني، ويضم هذا المجتمع المدني مدرسين ورجال أعمال وطلابا وعمالا كانوا قد شاركوا بنشاط في حركة الاحتجاجات ضد الرئيس السابق برويز مشرف خلال الأشهر الثماني الأخيرة من حكمه. ومن ناحية الأرقام، فإن تلك الفئة النشطة تشكل فقط شريحة صغيرة من المواطنين الباكستانيين، ولكن لها صداها بسبب أكثر من 40 قناة إخبارية خاصة تعمل حاليا في باكستان. وعلى الجانب الآخر ما زالت الظروف الاقتصادية تأتي على رأس ما يشغل الأغلبية العظمى من المواطنين في باكستان. وقال مسؤول بارز في «جالب» في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنهم قاموا أخيرا بطرح عدد من الأسئلة على الرجال والنساء في المناطق الريفية والحضرية بالأقاليم الأربعة. كان السؤال يقول: «في رأيك، ما هو الأكثر أهمية: استعادة القضاة لمناصبهم أم الحد من الزيادة في الأسعار ومعدلات التضخم؟ أعطت الأغلبية (71 في المائة) الأولوية للحد من معدلات التضخم، فيما قال 21 في المائة أن استعادة القضاة لمناصبهم أكثر أهمية».

وفيما يمر الوقت، فإن الحكومة الائتلافية التي يتزعمها حزب الشعب الباكستاني ستجد نفسها في مشكلة في التعامل مع الرأي العام العدائي داخل باكستان. وبرحيل مشرف سيكون من الصعب على الحكومة القول بأن المشاكل التي تعاني منها باكستان سببها مشرف.

تأتي نتيجة السياسات الخاطئة للحكومة السابقة. وعلى الأقل فلن يمكنهم الاعتماد على تلك الحجة لفترة طويلة، خاصة أنه في القضيتين القريبتين من الرأي العام (قضية استعادة القضاة لمناصبهم والأسعار المرتفعة) ما زالت حكومة حزب الشعب في الجانب الخطأ في الرأي العام. فقد شهدت البلاد زيادة مضاعفة في الأسعار بسبب قرارات اتخذتها حكومة حزب الشعب الباكستاني التي ما زالت أيضا تعتمد نهجا يؤخر من استعادة القضاة لمناصبهم، وفي مثل هذا الوقت يكون الأمر قضية وقت ويغير الرأي العام من اتجاه نقده ومعارضته من مشرف للحكومة الجديدة. )