هبة.. بائعة المناديل

وسط عشوائيات الدويقة تحارب هي وأولادها الثلاثة الفقر والبطالة وتنظر للمستقبل بين التشائم والتفائل

TT

«لما ينتهي كل شيء والبيوت تنهد علينا وتحصل مصيبة يجي الكل يشوفنا. مين قال إن الحكومة تهتم بنا؟ لو كانت تهتم بأهل الدويقة لعملت مصنع قماش نشتغل فيه. أو يعطونا غرفة خارج منطقة الجبال. لما الدنيا تخرب.. يجو يجمعونا في خيام، ربنا لا يرضى بالظلم». هكذا انطلقت كلماتها مثل الرصاص تصرخ وتشتم كل من يقابلها، وهي تحمل ولداً على كتفها وتجر في ذيلها اثنين آخرين، بينما تزدحم النسوة أمام حي منشية ناصر للمطالبة بمسكن بعد أن سقطت صخور المقطم على بيوتهم في صباح كان يبدو مثل جميع الصباحات هادئاً، لكن قطع ذلك الهدوء الرتيب انهيار صخري مفاجئ قضى على أحلام شتى لبسطاء لم يتعودوا الحلم، وقتل أمنيات لقلوب لم ترغب أبداً في الكثير، إذ لم يكن لديها لا كثير ولا قليل. كان الأهالي يتجمعون حول الصخور بعد ثلاثة أيام من الانهيار، يدفعهم بصيص من الأمل في أن يروا أحياء من أقاربهم أو جيرانهم أو محبيهم يعودون مرة أخرى للحياة، وإذا لم يحدث ذلك فلا مناص من رؤيتهم أمواتاً، ودفنهم بطريقة لائقة، هذه مسألة لا جدال فيها، ولن يقبلوا بغير ذلك. تحاول قوات الأمن إبعادهم عن المكان، يرفضون، يتشبثون بمواقعهم بجانب الصخور، جوار محبيهم الذين راحوا في ثوانٍ معدودة، يدفعهم الجنود، يدفعون الجنود بدورهم، مناوشات واشتباكات وصوت الصراخ يعلو: «حرام عليكِ يا حكومة...عايز أشوف ولادي تاني». يبكي رجل أربعيني، وهو منهار تماماً، يترنح ويهذي كأنه منوم. يقترب ضابط من الأمن ويربت على كتفه مواسياً. يرفض الجميع التحرك بعيداً عن موقع النكبة. رائحة المكان صارت لا تحتمل، حرارة الجو تزيد من أجواء التوتر والقلق. تسري شائعة في آخر الشارع أن الحكومة تستشعر عدم إمكانية العثور على أحياء ومن ثم تخطط لردم المكان كله بإهالة التراب على الصخور والبيوت المنكوبة والجثث المتعفنة حتى لا تنتشر الأمراض والعدوى في المكان ومحيطه. تثور ثائرة أهالي الضحايا يشتبكون مجدداً مع قوات الأمن المنهكة في يوم رمضاني قائظ: «وإحنا ذنبنا إيه بس»، يصيح جندي في الجموع الغاضبة. «اتركونا نحن نفتش عنهم بأظافرنا، نريدهم أمواتا لندفنهم»، يرد عليه واحد من المنكوبين.. تغلق قوات الأمن المكان، تمنع وسائل الإعلام من الدخول عبر كمائن من أول الطريق المؤدي لداخل الدويقة، ولم يكن هناك مناص من الوقوف أمام مبنى الحي لمشاهدة الشجار العنيف بين الأهالي وموظفي الحي وبينهما قوات الأمن، إذ يعتبر الأهالي أن ادارة الحي خانتهم ولا تريد إعطاءهم مساكن بل تكتفي بإعطائها لمن لا يستحق عبر المحسوبية ومن يدفع أكثر، وكانت هي هناك تقف بين النسوة وتصرخ طالبة أربعة جدران فقط كي تجمع فيها «لحمها» على حد قولها.

هبة.. امرأة نحيفة من منطقة الدويقة المنكوبة، 28 عاماً، مطلقة ولديها ثلاثة أولاد. وجهها منهك كأن لم تنم منذ شهور، غير أن عينيها تشعان حزناً دفينا، لا يدري المرء متى تماهى هذا الحزن وعيناها إلى هذا الحد حتى استحالا كائناً واحداً استقر في نظراتها للعالم؟. كل زائر للدويقة حتى لو لم يكن من أهلها يمكنه بسهوله أن يدرك كيف. فقط يتجول دقائق معدودة في المكان المشبع برائحة الموت والفقر، بيوت من صفيح، عشش متراصة على نحو مستفز بجوار بعضها في حضن الجبل، وجوه حزينة وملابس رثة تجوب الطريق الوحيد المؤدي إلى مزلقان الدويقة حيث الطريق الرئيسي، وهي تحمل هماً واحداً كل صباح ومساء «لقمة العيش»، حتى يعود المرء مستوراً إلى عشته أو كوخه في المساء.

لكن وراء هذا الحزن الكامن في عين المرأة النحيفة هبة تبدو ثمة رغبة محمومة و«غير مفهومة» في الاستمرار في هذه الحياة بصعوبتها التي لا تصدق. مع خيوط الشمس الهاربة كل صباح من خلف تلال المقطم يخرج عشرات آلاف من أهالي المنطقة إلى شوارع القاهرة للبحث عن أعمالهم، بعضهم يجمع القمامة، والبعض الآخر يبيع الصحف والمجلات في الشوارع. لكن هبة تبدأ صباحها بالسير على الصخور الوعرة نازلة من الجبل باتجاه الشارع الوحيد الخارج من الدويقة إلى الحياة ومعها أولادها الثلاثة تبيع المناديل الورقية معهم في شوارع حي مدينة نصر المجاور حتى قرب منتصف الليل، «جئنا مع أبي من أسيوط إلى منطقة الجمالية قبل عشرين عاما، انهدم بيتنا في الجمالية، فجئنا إلى الدويقة قبل عدة سنوات. مات أبي وكنا خمسة أبناء من زوجتين»، قالت هبة، وهي ترتكن على سور مبنى الحي بعدما أنهكها الصراخ والعويل على ضحايا كانوا بالأمس معها في حلها وترحالها، اختفوا فجأة تحت الأنقاض.

صباح السبت الماضي، وبعد بزوغ الشمس بقليل على حي الدويقة العشوائي جنوب شرقي القاهرة الذي تختبئ بيوته وعششه تحت هضبة المقطم، تحركت صخور ضخمة إلى أسفل باتجاه عزبة بخيت، حيث ما يقرب من 80 منزلاً تتجمع في شريط ضيق ومحصورة بين الجبل جنوباً، وجسر علوي كان يسير عليه قطار قديم، ومنفذين جبليين ضيقين ناحية الغرب والشرق يخرج منهما الناس إلى أعمالهم وأرزاقهم. كان اغلب سكان هذه البيوت في تلك اللحظة من ذاك الصباح نائمين وصائمين بانتظار الصباح للكد في شوارع العاصمة اللاهثة، لكنها كانت الليلة الأخيرة على ما يبدو.

بعدما أعادت لف «ايشاربها» الأسود البالي على رأسها وأحكمته جيداً، قالت «صباح ذلك اليوم، شعرت فجأة برجة شديدة، افتكرناه زلزالا، ولقينا غبارا وعفَرَة في المنطقة كلها، وبدأنا نسمع الصراخ المتواصل، خرجت باتجاه الصوت، لم أر شيئاً سوى غبار كثيف يغطي البيوت القريبة من أسفل الجبل، كانت الرؤية صعبة، وكان هناك أناس يأتون من داخل هذا الغبار وهم يصرخون، وبعد فترة شفت (ناس) بتصرَخ من تحت الصخور، وناس بتساعدهم على الخروج، وناس بتجري في كل اتجاه، اللي يقدر يجيب ابنه ويجري، واللي تدخل تجيب بنتها وترجع تاني، وبدأت النسوان تصرخ وتلطم، والجثث خارجة من المكان كل شوية.. ربنا ما يحكم عليك».

كان مشهد الانهيار سريعاً سرعة جريان الحياة ذاتها، لم يمهل ذاك الجبل الغلابة الذين يحتمون به حتى يفروا، لم يترك لهم فرصة للنجاة لينقض على بيوت هشة. لكن مما يهربون والى أين؟ كانت الصخور الضخمة قاسية وهي تدك عظامهم في صمت، وبدأ موكب الموت في ذلك الشريط الجبلي الممتد من منشية ناصر جنوباً إلى الدويقة تحت سفح الجبل، والذي يعيش عليه ما يقارب النصف مليون نسمة، في منطقة تعد الأفقر والأكثر مدعاة للحزن في حزام العشوائيات الذي يلف القاهرة حتى كأنها اختنقت بفعله وبدت عاجزة عن الفكاك منه ومعها نحو 8 ملايين مصري من ساكني العشوائيات.. لم تستطع قوات الإنقاذ دخول المكان بسبب الجسر الفاصل بين الطريق العام وبين البيوت الذي غدت أثراً بعد عين، قامت هذه القوات بهدم مساحة 20 مترا من الجسر حتى تتمكن من إدخال المعدات، كما قامت بإزالة منازل الجهة الغربية والشرقية لدخول المكان من تلك الجهات، وكانت غرفة «هبة» من بين ما أزيل.

«أبويا مات وامرأته التي تزوجها بعد أمي استولت على الغرفة التي كنت أعيش فيها مع أولادي، لا أجد مكانا نأوي إليه، في الصباح نسرح في الشوارع نبيع مناديل، وفي الليل كنت أعود إلى بيت أمي التي تعيش مع زوجها المتزوج بامرأة أخرى، وفي غرفة واحدة بها سريران ينام 8 أشخاص، أنا وأولادي وزوج أمي وامرأتاه وأخي من أمي. أما الحمام فكان حماماً مشتركاً بين عدة غرف في الخارج أمام الجبل. لكن حتى هذه الحياة لم تعد موجودة الآن بعد إزالة الغرفة التي كانت تحمينا من الشر. كانت كلها شقوق بسبب مياه الصرف الصحي النازلة من فوق الجبل، وضعنا اسمنتا وجبسا على بعضها وحاولنا سدها، لكن بعد مده اتسعت مرة أخرى، أحضرنا البلك (القار) الأسود وسددناها به، لكن أيضا بعد مدة قصيرة انصهر وعادت المياه لداخل غرفتنا، نعمل إيه قولي حضرتك».

باتت العشوائيات صداعاً مزمناً في رأس الحكومة المصرية منذ سنوات، بعد أن بدت في كثير من الأحيان عصية على الحل، في ظل تزايد أعداد النازحين إلى تلك المناطق من المناطق الريفية والصعيد حيث البحث عن فرصة للعمل في القاهرة، ففي إحصاء أخير أصدرته وزارة الإسكان أشارت إلى أن هناك ما يقرب من 8 ملايين مواطن مصري يعيشون في مناطق العشوائيات حول القاهرة في حوالي 88 منطقة يسكنها حوالي 50% من سكان القاهرة البالغ عددهم بين 17 و19 مليون نسمة. وتشير دراسات إلى أن هذه المناطق بحاجة إلى ما يوازي 700 مليون دولار لإدخال المرافق الأساسية فقط إليها.. أعطت هبة قطعة خبز كانت في يدها لابنها الذي لم يتوقف عن البكاء «تزوجت مرتين، الأولى وأنا في السادسة عشرة من عمري. الزواج سترة، لكن زوجي كان مدمناً، أنجبت منه صابرين وزياد، لكن كان يجبرني على العمل كي يأخذ أموالي ويشتري بها مخدرات، دخل السجن وطلقني». يختنق صوتها وتنهار حينما تتذكر وتبكي مثل طفلها. تابعت بعد أن استعادت قدرا من صلابتها «تزوجت مرة أخرى من أربع سنوات، لكن زوجي كان يكره أولادي من زوجي الأول، كان يضربهم كل ليلة ولا يحتمل رؤيتهم، كنت أدافع عنهم، وكان يمد ايده عليَ ويشتمني لما أقول له بلاش تضربهم، أنجبت منه ولداً اسمه ادهم، لكن لم أتحمل منغصاته معي وطلقني منذ سنة، وتركني بدون قرش ولا مليم احمر». لكن كيف تعيش وكيف يأكل أولادها؟ «ربنا كبير يا أستاذ، اصحى الصبح أنا وولادي، نركب أتوبيس إلى مدينة نصر، وهناك نتوزع ونبيع مناديل، كل واحد عند إشارة مرور، عشان نجيب لقمة آخر الليل، وربك كريم.. يعني ممكن عشرة جنيهات.. ممكن 15.. كله اللي يجيبه ربنا كويس، مش احسن من المشي الوحش، بندفع فلوس عشان نشرب ميّه كمان، الجركن (الزجاجة) بجنيه وبخمسين قرشا.. الغلابة كتير هنا. أنا اشتغل واستطيع شراء ميّه، لكن غيري لا يعمل، والكهرباء تظل مقطوعة طوال النهار. وفي الليل تأتي لمدة ساعة فقط، بالذمة دي عيشة، أنا بصراحة استغفر الله العظيم اتمنيت الموت مع اللي ماتوا تحت الصخور عشان استريح من القرف ده اللي عايشة فيه من صغري، حاجاتي مرمية في الشارع من ثلاثة أيام، ولم يهتم احد بإعطائي أي شيء، وخيام الإيواء بعيدة عن الدويقة، نروح نعمل إيه هناك؟». جاوزت ابنتها صابرين الحادية عشرة من عمرها، مما يعني أنها تدرس في التعليم الابتدائي. لكن هبة ترد «مدرسة إيه يا أستاذ، صلِّ على النبي، أنا باسعى من صبَاحية ربنا عشان الخبز، منين مصاريف المدرسة، مش في مقدرتي بصراحة أوديها مدرسة حضرتك، أعمل إيه؟ ربنا بيرزقني عشانها. أسرتي كلها لم يدخل واحد فيهم المدرسة إلا أختي من أبويا.. خدت الدبلون.. (دبلوم تجاري متوسط)، المدارس عايزة فلوس والعيال عايزة تأكل، اعمل إيه بس؟».

تعيش هبة وأولادها على ما يوازي 400 جنيه مصري شهرياً، اي نحو 65 دولارا، في منطقة يحيا سكانها تحت الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة رغم السعي لتطوير المنطقة، اذ يعيش ما يقرب من 77% من سكانها بدخل شهري يتراوح بين 20 دولارا، نحو 120 جنيها مصريا، إلى 100 دولار، نحو 600 جنيه مصري. وهناك 53% من سكانها أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، و17% يقرأ ويكتب، و2% بالتعليم الأساسي والثانوي، و4% فقط جامعيون.

لم تنل مشكلة العشوائيات حجمها من الاهتمام الحكومي إلا بعد أن ارتبطت بظهور الجماعات الإرهابية التي اتخذت من العشوائيات ملاذاً لها، خاصة بعد اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي أواخر السبعينات من القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى اضطراب سكاني عاشته ولا تزال العاصمة المصرية، تمثل في موجات هجرة مستمرة لم تنقطع إلى اليوم من الصعيد والدلتا إليها. لكن كانت القاهرة غير مستعدة على ما يبدو لاستيعاب هذا الكم الهائل من المهاجرين القرويين، في الوقت الذي لم يكن لدى هؤلاء مقدرة مالية تمكنهم من شراء أو استئجار شقق في الضواحي السكنية القديمة في القاهرة، فما كان منهم إلا أن زحفوا على الأماكن النائية التي تحيط بأطراف القاهرة، وبدأوا يبنون منازلهم بوضع اليد أو يستأجرونها في ظل غض الحكومة طرفها عن تلك التجاوزات إلى أن ضرب الإرهاب، فكان الاهتمام الذي جاء متأخراً، إذ تحولت العشوائيات إلى بؤر شديدة التخلف على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والصحية، بسبب ارتفاع معدلات البطالة والأمية والكثافة السكانية. وأصبح التطرف مرادفاً للعشوائيات، كون الذين يمارسونه وينفذون عمليات إجرامية يعيشون حالة من الحرمان الشديد من أبسط مقومات الحياة. ورغم القدرة المدهشة على التكيف مع وضعية العيش في منطقة عشوائية، إلا أن التمرد هناك يظهر دوماً عبر سلوكات سلبية ضارة بالمجتمع، فقد تحولت معظم هذه المناطق إلى وكر للعصابات الإجرامية ومراكز لتجارة المخدرات والسلاح.

وسط هذا، كانت الدويقة على موعد دائم مع الكوارث كما شرحت هبة بينما كانت منهمكة في طرد الذباب عن وجه ابنها الصغير أدهم: «أول يوم في رمضان انفجرت أنبوبة غاز في بيت بجوارنا، انهار البيت على من كانوا فيه، ولم يتمكن رجال الإسعاف أو الإنقاذ من دخوله بسبب ضيق المنطقة ووعورتها، وحتى الآن الجثث ما زالت هناك ورائحة العفونة تغطي المكان. وبعدها بيومين بيت وقع على اللي فيه، ومات ولد. وبعدين وقع الجبل على 80 بيت.. ده فيه ناس كتير تحت ماتوا، ده حوالي ولا ألف نفر حضرتك، ده كتير، والناس كانت نايمة، كل واحد وأسرته، شوف بقى يطلعوا كام. واحد جارنا 13 من عيلته راحوا في الصخور، والحكومة اديته 1000 جنيه، يعمل بيها ايه؟ ويروح بيها فين؟ لازم كانوا يراعونا من بدري، مش يستنوا لما الخراب يحصل بعدين يقولوا خدوا مساكن وفلوس، نعمل إيه؟ البركة في ربنا وفي حضراتكم وفي الريس يقف جنب الغلابة. مش أنا لوحدي، ولكن الضحايا بدل ما يروحوا يعيشوا في خيام، يعطوهم مساكن في النهضة أو في سوزان» (مساكن سوزان مبارك بالدويقة). وتتابع: «مساكن سوزان مبارك جميلة ونظيفة لكن لازم لها تقديم مبلغ، وأنا معنديش فلوس ادفع بيها المقدم ده، اجيب منين يعني، احنا مظلومين، لازم مجلس الشعب يراعينا، يشوفولنا بيوت نعيش فيها، بلاش بيوت، شوفوا لكل واحد أوضة (غرفة)، ويبنوا لنا ورش نشتغل ونشغل ولادنا فيها، الناس مش لاقية حد يهتم بيها، هنا محدش بيهتم بحد». تملمت وأرادت الرحيل مع أبنائها إلى إحدى الخيام التي أقامها الهلال الأحمر بالقرب من المنطقة المنكوبة. سألتها عن المستقبل والأيام القادمة، قالت: «مستقبل ولادي مثل مستقبل كل أولاد الدويقة، مستقبل ملطش (غائم)، هنعمل إيه بس، أنا وعيالي هنتشحطط ونتبهدل، أقولك إيه بس، نفسي بنتي تتعلم، نفسي يكون عندي اوضة أقعد فيها أنا وعيالي، بس فين كل ده؟ فين الحكومة وفين اللي يجيب حق الغلابة؟» ثم اختفت فجأة وسط الزحام.

بمغادرة الدويقة لا يشعر المرء أنه يغادر منطقة من مناطق القاهرة، ويمكنه بعد نصف ساعة أن يكون في فندق «الماريوت» على ضفاف النيل في ضاحية الزمالك. الخروج من الدويقة يعني الانتقال من عصر إلى آخر. من قرن إلى آخر.