خطب صنعت أميركا

خطاب «الكلبة» الذي أنقذ نيكسون.. وخطاب جفرسون الذي أدخل كنيدي البيت الأبيض.. وخطاب لنكولن الذي فتح الباب للسود

ريغان كان من أفصح رؤساء أميركا وعبارته «اكسر هذا الحائط» ادخلته التاريخ («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أسبوعين، وخلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في دنفر (ولاية كولورادو)، أثار خطابان حماس الحاضرين، وحماس كثيرين غيرهم. كان الأول هو خطاب ميشيل اوباما، زوجة باراك اوباما، مرشح الحزب لمنصب الرئيس. وصفت صحيفة «واشنطن بوست» الخطاب بأنه: «غير رأي كثير من الناس في هذه المرأة، الزوجة، الأم، المحامية، ربة البيت». كانت هذه اشارة الى تقارير في الصحف، وخاصة في الانترنت، بأن ميشيل اوباما «في اعماقها عنصرية سوداء تكره البيض». ونشر الانترنت رسالة الماجستير التي كتبتها عندما كانت طالبة في جامعة برنستون، بتلخيص: «حتى اساتذة الجامعات، ناهيك من عامة الناس، يحتقرون السود».

وكان الخطاب الثاني هو خطاب زوجها باراك اوباما. غير انه لم يقل شيئا جديدا. ولم يغير انطباعات الناس السابقة عنه. وكرر كثيرا من شعارات التغيير التي بدأ بها حملته الانتخابية. لكن، داخل ستاد رياضي فيه تسعون ألف شخص تقريبا (اكبر تجمع للاستماع الى خطاب داخل مؤتمر حزب في تاريخ اميركا) كان هناك احساس عام بأن التاريخ وقف ليستمع الى خطاب «أول اسود» على ابواب البيت الابيض. ولهذا، بالاضافة الى ان الالقاء كان رائعا، والاسلوب كان سلسلا، اعطى اوباما المستمعين احساسا بأنه يتحدث من اعماقه ليخاطب اعماقهم. وعكس مستمع ابيض احاسيس غيره عندما قال في تلفزيون «سي ان ان»: «اخطأنا كثيرا في حق هؤلاء الناس (يقصد السود)».

بعد اسبوع من خطاب ميشيل وباراك اوباما، وفي مؤتمر الحزب الجمهوري في منيابوليس بولاية منيسوتا، اثار خطاب اخر حماس الحاضرين، وحماس كثيرين غيرهم، وهو خطاب ساره بالين، حاكمة ولاية الاسكا، التي اختارها مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة جون ماكين نائبة له. مرة اخرى، وقف التاريخ ليستمع الى خطاب «اول امرأة» يرشحها الحزب الجمهوري نائبة لرئيس الجمهورية.

كان الخطاب ناريا.. عادة، تميل خطب قادة الحزب الجمهوري، بالمقارنة مع خطب الحزب الديمقراطي، نحو الهجوم الحاد، بل الهجوم الشخصي. وزادت ساره بالين بما وصفه معلق في تلفزيون «ام اس ان بي سي» بأنه: «هجوم أمرأة». في إشارة غير مهذبة، الى تفوق النساء على الرجال في الشتيمة. ويقول مثل اميركي: «حتى نار الجحيم ليست مثل غضب امرأة». خطاب بالين اعجب ملايين الاميركيين وأعطى حملة ماكين نوعا من الاثارة لم تكن فيها قبل اختيار بالين، وذلك لعدة أسباب: اولا: غير رأي كثير من الناس في ساره بالين، بعد ان كانت الاخبار اهتمت بمشاكلها العائلية، مثل مشكلة ابنتها المراهقة التي حملت بدون زواج.

ثانيا: غير ميزان القوى في الانتخابات، لان استفتاء مشتركا اعلنته، يوم الثلاثاء، صحيفة «واشنطن بوست» و تلفزيون «اي بي سي»، اوضح ان ماكين تقدم كثيرا نحو اوباما، ونال 46 في المائة، مقابل 47 في المائة لاوباما. وان السبب الرئيسي وراء ذلك هو ناخبون مستقلون او لم يحددوا موقفهم بعد، صوتوا لفريق ماكين في استطلاع الرأي هذا. لكن استطلاعات الرأي لا تصنع رئيس اميركا ولا تأتي به.. والجميع الان يتساءل عما إذا كان خطاب بالين سيغير أكثر من استطلاعات الرأي؟ سيغير التاريخ ربما، وتدخل اول امرأة البيت الأبيض بوصفها نائبا للرئيس. ربما. ولم لا.. فالتاريخ السياسي الاميركي حافل بالخطابات التاريخية التي أدت الى تغيير مجرى التاريخ، سواء داخل اميركا او خارجها. وهناك مثل بارز جدا على هذا، وهو خطبة السناتور جون كنيدي، سنة 1960، خلال الحملة الانتخابية التي فاز فيها برئاسة الجمهورية. مثل اوباما (اول اسود) وساره بولين (اول امرأة)، كان كنيدي «اول كاثوليكي» يترشح لرئاسة اميركا. ومثلهما، سبقت خطبته اخبار وتعليقات معارضة، قالت:

اولا: انه مسيحي كاثوليكي في بلد مسيحي بروتستانتي. ثانيا: سيخلط الدين بالسياسة لان الكاثوليك اكثر تدينا، ويميلون نحو ذلك.

ثالثا: سيتلقى الاوامر من البابا في الفاتيكان، رأس الكنيسة الكاثوليكية.

لكن ووسط كل هذه الاتهامات ويوم 12-9-1960، وفي مؤتمر رجال دين بروتستانت في هيوستن (ولاية تكساس)، القى جون كنيدي خطابا تاريخيا قال فيه: «تهتم هذه الانتخابات بقضايا اساسية: مثل: الخطر الشيوعي، الذي وصل الى جزيرة كوبا القريبة منا، ومثل الاطفال الجوعى الذين شاهدتهم في ريف ولاية ويست فرجينيا، ومثل كبار السن الذين لا يقدرون على دفع فاتورات علاجهم، ومثل الاحياء الفقيرة، والمدارس القليلة، والمزارع المهجورة».

وأضاف: «ليست هذه قضايا دينية، ولا تختلف الاديان حولها».

وقال: «أعرف ان كثيرا منكم انتقدوني لأنني مسيحي كاثوليكي. واقول لكم ان علاقتي مع الله تهمني انا وحدي، لكن علاقتنا مع اميركا تهمنا كلنا».

وقال: «انا اؤمن باميركا ينفصل فيها الدين عن السياسة، ولا يقول فيها قسيس او راهب للمسؤول ماذا يفعل. اليوم تنتقدونني لأنني كاثوليكي، وغدا ستنتقدون غيرى لانه يهودي، او من اي ديانة اخرى». وفي نهاية خطابه، سأل: «ألم يفصل جفرسون الدين عن الدولة بسبب اساءة معاملة مسيحيين معمدانيين في ولاية فرجينيا؟».

كان هذا الخطاب حاسما في حملة الانتخابات الرئاسية آنذاك، وعلى الرغم من أن كنيدي كان صغير السن ولا يملك خبرة كبيرة، الا انه اجتذب قلوب وعقول ملايين الاميركيين وفاز بالانتخابات الرئاسية. لكن قبل ان يصل أول رئيس كاثوليكي للبيت الابيض في الستينات، مرت اميركا بمرحلة طويلة من النضال من اجل حرية المعتقد. وكانت خطابات رجل اخر وراء هذا التحول التاريخي. وهو الرئيس الاميركي توماس جفرسون، ففي خطاب القاه، سنة 1773 (قبل ثلاث سنوات من استقلال اميركا) قال جفرسون، الذي اصبح، في ما بعد، ثالث رئيس: «يجب ألا يجبر اي رجل ليعتنق، أي دين، وأي عقيدة، وأي مذهب، وان يزور، او لا يزور، اي مكان عبادة او تأمل او تدين. ويجب الا يؤذى اي رجل، او يعتقل، او يقتل بسبب ذلك، او تصادر ممتلكاته، او تعرقل مصادر رزقه. ويجب ان يكون كل رجل حرا في ان يؤمن بما يريد، ويصلي كما يريد، ويتأمل كما يريد». وفي وقت لاحق، كتب جفرسون اعلان الاستقلال الاميركي (سنة 1776) واشترك في كتابة الدستور الاميركي (سنة 1787)، وضمن في الوثيقتين بعض هذه العبارات. وهناك صلة بين خطاب جفرسون التاريخي، وخطاب كنيدي التاريخي، لان كنيدي، عندما كان رئيسا، استقبل اربعة وعشرين من الفائزين بجائزة نوبل، وقال لهم: «في تاريخ البيت الابيض، لم يجتمع كل هذا الحشد من العلماء، ما عدا عندما كان جفرسون هنا». وكما أدت خطابات جفرسون الى تكريس مبدأ حرية الاعتقاد، فإن حقوق الزنوج والمساواة بينهم وبين البيض كانت في جزء منها نتيجة خطابات نارية ألقاها رؤساء وزعماء اميركيون مثل ابراهام لنكولن. فخلال الحملة الانتخابية سنة 1858 لانتخابات مجلس الشيوخ، عقدت مناظرة بين ابراهام لنكولن، مرشح الحزب الجمهوري، وستيفن دوغلاس، مرشح الحزب الديمقراطي. ولأن لنكولن كان يريد تحرير العبيد، وصفه دوغلاس بأنه «جمهوري اسود». وفي المناظرة سأل دوغلاس لنكولن: «هل تريد أن تكون للزنجي حقوق مساوية لحقوق الابيض؟ (هتف المستمعون: لا لا لا)، ثم سأل مجددا: هل تريد ان يجوب الزنجي شوارعنا، ويدخل مدارسنا، ويتعالج في مستشفياتنا؟ (هتف المستمعون: لا لا لا). وعندما جاء دور لنكولن، قال: «لماذا اعارض استعباد السود؟ لان احقر الظلم ان يملك انسان انسانا. لان وطننا لن يكون مثالا للاوطان الاخرى. لأن النفاق هو ان ندعو الى الحرية والمساواة، ولا نمارس ما ندعو اليه. (لم يهتف احد مؤيدا او معارضا. وعم الصمت المكان). وبعد سنتين، ترشح لنكولن لرئاسة الجمهورية، وكرر اراءه، وفاز. ويوم 22-9-1862، اصدر اعلان تحرير العبيد. وكانت هذه من اللحظات التاريخية النادرة في تاريخ اميركا، ربما لم يماثلها في تاريخ اميركا المعاصر سوى خطاب داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ في باحة مقبرة لنكولن «لدي حلم». والواقع أنه يمكن القول إن بعض خطب الرؤساء الاميركيين كانت بمثابة الارضية التي شكلت مبادئ اميركا الداخلية وسياستها الخارجية. فخلال الحملة الانتخابية سنة 1816، ألقى المرشح توماس مونرو خطابا في ويستمورلاند بولاية فرجينيا، حيث ولد، تعهد فيه بتوسيع الولايات المتحدة، ومواجهة اعدائها. في ذلك الوقت، كان الاعداء هم اسبانيا (كانت ولاية فلوريدا تابعة لها)، وفرنسا (كانت ولاية لويزيانا تابعة لها). وبريطانيا (كانت حاولت استرجاع الولايات المتحدة، ووصلت قواتها حتى واشنطن العاصمة). اتهم مونرو معارضيه بأن عندهم عقدة نقص نحو الاوروبيين، وقال ان الاميركيين يجب ان يكونوا فخورين بأنفسهم «لان ملكا لا يحكمهم. وبعد ان فاز، صار هذا الخطاب اساس «مذهب مونرو»، الذي يمنع الدول الاوروبية من التدخل في شؤون الاميركتين: الشمالية والجنوبية. ومن بعد مونرو استخدم رؤساء اميركيون هذا المبدأ في تحديد شكل علاقاتهم بالعالم وسياستهم الخارجية. ففي عام 1962، عندما كادت الحرب ان تشتعل بين اميركا وروسيا بسبب الصواريخ التي وضعتها روسيا سرا في كوبا لتهدد اميركا، اعاد كنيدي الى الاذهان خطاب مونرو، قبل ذلك بمائة وخمسين سنة تقريبا.

لكن بين الرؤساء الاميركيين ليس هناك من استفاد من الخطب السياسية وحولها لصالحه مثل ريتشارد نيكسون. فخلال الحملة الانتخابية سنة 1952 وباسم الحزب الجمهوري، ترشح عضو الكونغرس ريتشارد نيكسون نائبا لرئاسة الجمهورية مع الجنرال ايزنهاور. في الجانب الآخر، رشح الحزب الديمقراطي ادلاي ستيفنسون، وجون سباركمان نائبا له. اتهم سباركمان في احد احاديثه نيكسون بأنه تسلم عشرين الف دولار (بدولارات اليوم، مائة وخمسين الفا) كتبرعات للانتخابات، لكنها، في الحقيقة، كانت رشاوى من رجال اعمال يريدون خدمات منه. نفى نيكسون الاتهامات، لكنه اعترف بأن رجل اعمال اعطاه كلبة هدية. ورد قادة الحزب الديمقراطي انه كان يجب ان يرفض الهدية. وذكروا قادة الحزب الجمهوري بانهم انتقدوا الرئيس روزفلت لأنه ارسل مدمرة عسكرية الى هاواي لاحضار كلبته «فالا»، التي كان نساها هناك خلال زيارة رسمية.

قبيل الانتخابات، هبطت اسهم نيكسون، واقترح قادة في الحزب الجمهوري على الجنرال ايزنهاور، مرشح الحزب للرئاسة، ان يتخلى عن نيكسون، ويختار شخصا آخر نائبا له. واقترح آخرون ان يتخلى نيكسون عن الكلبة، حتى لا يتخلى عنه ايزنهاور.

وفي واحدة من اوائل الخطب السياسية في التلفزيون، القى نيكسون خطابا والى جانبه الكلبة. وقال، وهو يكاد يبكي: «هذه هي الكلبة، بنتي سمتها (جيكرز).. بنتي، مثل بقية البنات، تحب الكلاب. يقولون انني يجب ان اتخلى عن هذه الكلبة، كيف افعل ذلك؟ ماذا سأقول لبنتي؟ اقول لكم، بصراحة: لن اتخلى عنها». وبين يوم وليلة، انقذ الخطاب نيكسون، وترشح نائبا لايزنهاور، وفازا. وبعد ست عشرة سنة، ترشح لرئاسة الجمهورية وفاز. وإذا كانت الكلبة أنقذت نيكسون، فإن انتقادات سياسي بارز في الحزب الديمقراطي لآل كلينتون هي التي ادت في الواقع الى فوز بيل كلينتون. فخلال الحملة الانتخابية سنة 1992، أعاد الرئيس جورج بوش الاب ترشيح نفسه رئيسا عن الحزب الجمهوري، ورشح الحزب الديمقراطي السياسي الشاب آنذاك بيل كلينتون، حاكم ولاية آركنسو. لم يلق، لا كلينتون ولا بوش خطابا في الأيام الاولى غير من مسيرة الانتخابات. لكن القى بات بيوكانان، من قادة الجناح المحافظ في الحزب الديمقراطي خطابا عرف باسم «خطاب الحرب الثقافية». كان نقطة مفصلية في الانتخابات لصالح كلينتون. وقال بيوكانان مهاجما بشدة ليبرالية هيلاري وبيل كلينتون، على الرغم من انه من نفس الحزب: «هذه ليست حملة انتخابية ضد بيل كلينتون، هذه ضد بيل وهيلاري كلينتون. يريدان اميركا تعترف بحقوق المثليين جنسيا، والسحاقيات، ومؤيدو الاجهاض، وعرقلة عمل المدارس الدينية. وسيطرة النساء الليبراليات من أنصار حقوق المرأة على حياتنا». كما لمح في خطابه الى زيادة المهاجرين من دول العالم الثالث. لم يقل ان ثقافتهم اقل مرتبة من ثقافة بيض اميركا، لكنه استعمل وصف «تعددية ثقافية»، وهو لفظ مؤدب، لكن يفهم من يسمعه ما يفهم. وقال بيوكانان: «ايها الاصدقاء: تشهد اميركا حربا داخلية على من نحن؟ وبماذا نؤمن؟ توجد حرب دينية داخل اميركا بهدف السيطرة على روح اميركا. هذه حرب لا تقل اهمية عن الحرب الباردة». بعد نهاية مؤتمر الحزب، اوضحت استفتاءات ان خطاب بيوكانان المتطرف نفر اغلبية المستقلين من بوش الاب. وساعد ذلك على فوز كلينتون.

وجاءت الضربة القاضية على يد كلينتون، الذي يعد أفصح رؤساء اميركا المعاصرين بلا منازع، عندما اطلق عبارته الشهيرة: «انه الاقتصاد يا غبي»، ليعبر عما كان يدور في خلد الاميركيين ساعتها من ان الاقتصاد هو القضية الحقيقة التي تهم الاميركيين ويمكن ان تؤثر على تصويتهم. كما ساعد على فوز كلينتون، الخطاب الذي القاه في مؤتمر الحزب الديمقراطي، واعلن فيه انه «نيو ديمقراط» (ديمقراطي جديد) يميل نحو الوسط، ويبتعد عن الجناح الليبرالي (مثل الجناح التقدمي وجناح جيسي جاكسون الاسود). وافاده هذا في كسب اصوات المستقلين. لكن، أهم من خطاب «نيو ديمقراط»، القى كلينتون، قبل ذلك بثلاثة شهور وخلال الانتخابات الاولية، خطاب «كم باك كيد» (الصبي الذي يعود). هذه اشارة الى فضائح كلينتون الجنسية وعلاقته الغرامية مع بنات مثل جنيفر فلاوزر وبولا جونز، التي كادت ان تقضي على مستقبله السياسي. فعندما كشفت صحيفة «ناشونال انكوايارار« (جريدة الفضائح) هذه العلاقات، سقطت اسهم كلينتون. لكنه وزوجته هيلاري تجرآ، وظهرا في برنامج تلفزيوني، وقالت هيلاري، وهي تجلس الى جانبه، وتضع يدها حول كتفه: «انا اثق في زوجي».وخلال ايام قليلة، عادت اسهم كلينتون عالية كما كانت (ليس لأن الاميركيين ايدوه في غرامياته، لكن لأن زوجته قالت انها تريد فتح صفحة جديدة، وعطفوا عليها، وخاصة النساء). وبعد ايام، في مؤتمر انتخابي، بدأ كلينتون خطابه قائلا: «آي آم ذا كم باك كيد» (انا الصبي الذي يعود). وكانت تلك بداية جديدة لطريقه نحو البيت الابيض.

ومثلما استفاد كلينتون من شعار «كم باك كيد»، استفاد رونالد ريغان، احد انجح الرؤساء في تاريخ اميركا، من شعار «مورننغ ان اميركا» (صباح جديد في اميركا). فقد كان ذلك محور خطاب القاه في مؤتمر الحزب الجمهوري قبيل انتخابات سنة 1980، التي هزم فيها الرئيس جيمي كارتر. وفي الخطاب، قال ريغان ان سنوات كارتر كانت «جلوم آند دوم« (سواد وحزن)، بينما الشعب الاميركي متفائل ومبدع، ولهذا، يستحق رئيسا متفائلا مثله. واستفاد ريغان من تفاؤله، وروح الضحك على نفسه (بسبب كبر سنه) ولمعانه في التلفزيون. لكن، أهم من ذلك، استفاد من ثلاثين سنة ممثلا في هوليوود، علمته كيف يتكلم في فصاحة، وفي شجاعة، رغم أن بعض الناس قالوا انه كان يجيد قراءة ما يكتب له الاخرون. الا ان ريغان أظهر ليس فقط قدرة على التأثير داخل اميركا، بل خارجها ايضا، عندما أطلق عام 1989 صيحته الشهيرة الى زعيم الاتحاد السوفياتي قائلا له: حول جدار برلين: «افتح هذا الباب.. أزل هذا الحائط». وبعدها سقط جدار برلين وانتهت الحرب الباردة وتفكك المعسكر الشرقي. إذا كانت هناك خطب «تصنع» اصحابها، فإن هناك خطبا يمكن ان تنهي امال اصحابها.. فما هي أسوأ الخطب السياسية؟ في الاسبوع الماضي، قال معلقون ان خطاب السناتور جون ماكين لقبول ترشيح الجمهوريين له لمنصب الرئيس لم يكن مثيرا. وربما هم على حق، لأن ماكين ليس خطيبا بارعا. اضف الى ذلك انه القى خطابه بعد خطاب نائبته سارة بالين المثير. لكن حتى الان لم يلق ماكين خطابا سياسيا كارثيا يمكن ان يهز حظوظه في الفوز. ومثل ماكين لم يكن الرئيس جيمي كارتر خطيبا مثيرا، ولا بوش الاب، ولا بوش الابن. لكن، لان بوش الابن فاز بالرئاسة مرتين، برهن على ان الفصاحة ليست مقياسا للفوز في الانتخابات. ويبدو ان المقياس هو تحاشي الوقوع في خطأ. ويقول مثل اميركي: «لا تتفوق. فقط تحاشى ان تخطئ». ربما مثلما حدث للسناتور ادوارد ماسكي خلال الانتخابات الاولية سنة 1972، فقد نشرت جريدة «مانشستر يونيون» ان زوجته تدمن الخمر، وتتلفظ الفاظا نابية عندما تفعل ذلك. غضب ماسكي غضبا شديدا، وفي نفس اليوم دعا الى تجمع انتخابي امام دار الصحيفة، وهاجمها، ودافع عن زوجته، وقال: «زوجتي امرأة فاضلة». لكن، تغلبت عليه عواطفه، وبكى. رئيس اميركا القادم يبكي!! كانت تلك هي الخطبة التي حطمت طموحه. (في وقت لاحق، عندما صار كارتر رئيسا، اختاره وزيرا للخارجية).

بعد خطاب بكاء ماسكي بثلاث سنوات، القى الرئيس نيكسون خطابا بكى فيه، عندما تحدث عن والدته، والمنزل الفقير الذي تربي فيه. لكن لم يؤثر ذلك على مستقبله السياسي؟ لماذا.. لان ذلك كان ذلك آخر خطاب له كرئيس، لانه اعلن فيه انه سيستقيل بسبب فضيحة ووترغيت.

* عبارات صارت.. تاريخا > الرئيس جورج واشنطن (1796): «عمادا الحياة السياسية هما الدين والاخلاق». > الرئيس ثيودور روزفلت (1779): «لن يجبر اي شخص على ان يعتنق اي دين».

> الرئيس ابرهام لنكولن (1862): «لن تزول من على سطح الارض حكومة الشعب، بالشعب، وللشعب». > الرئيس تيدي روزفلت (1901): «امشى في هدوء، واحمل عصا غليظة».

> الرئيس فرانكلين روزفلت (1942): «يجب ان نخاف من الخوف».

> الرئيس دوايت ايزنهاور (1960): «احذركم من المؤسسة العسكرية الصناعية».

> الرئيس جون كنيدي (1961): «لا تسأل ماذا يقدم لك وطنك، بل اسأل ماذا تقدم لوطنك» > الرئيس ليندون جونسون (1963): «لنستمر» قالها بعد اغتيال جون كنيدي، وكانت اميركا مصدومة، والبلاد بحالة شلل. > الرئيس ريتشارد نيكسون (1974): «وانا اترك هذا المنصب، اصلي واقول: لتكن رحمة الله معكم في كل الايام القادمة».

قالها بعدما اضطر لتقديم استقالته بعد اكتشاف فضيحة تجسسه الى مكاتب تتبع للحزب الديمقراطي، وهي الفضيحة التي كشفتها «واشنطن بوست» وعرفت باسم «ووترغيت» > الرئيس جيرالد فورد (1974): «لنضمد الجرح» بعد استقالة ريتشارد نيكسون اثر فضيحة «ووترغيت» > الرئيس جيمي كارتر (1977): «لن اكذب عليكم» > الرئيس رونالد ريغان (1987): «يا مستر غورباتشوف: اذا كنت تريد السلام، اذا كنت تريد الرخاء، اذا تريد التحرر، تعال الى هذه البوابة، وافتح هذه البوابة، واكسر هذا الحائط» > الرئيس جورج بوش الاب (1990): «لن يدوم هذا العدوان» (غزو العراق للكويت اغسطس 1990).

> الرئيس بيل كلينتون (1998): «لم أمارس علاقة جنسية مع هذه المرأة» > الرئيس جورج بوش الابن (2005): «نفذنا المهمة» في العراق.