هل تنقذ امرأة.. اليابان

في دولة فيها رئيس وزراء جديد كل 10 أشهر وتعاني من أسوأ أداء اقتصادي منذ سنوات.. وبها أقل نسبة تمثيل نسائي في السياسة بالعالم

هل تكسر كويكي الحظر على وصول النساء لمناصب سياسية رفيعة في اليابان («الشرق الاوسط»)
TT

تواجه اليابان، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مرحلة حرجة من العجز السياسي بعد أن أعلن رئيس وزرائها ياسو فوكودا، 71 عاما، استقالته المفاجئة الأسبوع الماضي لينهي فترة حكمه التي استمرت 11 شهرا فقط. استقال فوكودا بسبب تضاؤل التأييد الشعبي وتداعي أكبر اقتصاد آسيوي. لم يكن فوكودا أول رئيس وزراء ياباني يستقيل بسبب العجز السياسي. فقد تخلى سلفه شينزو آبي، الذي كان يمثل جانب الشباب المناضل في الحزب الليبرالي الديمقراطي عن أعلى منصب في البلاد في نفس الوقت تقريبا من العام الماضي، بعد عام فقط من توليه منصبه بسبب انخفاض شعبيته واعتلال صحته.

وعلى الرغم من أن فوكودا كان معروفا كواحد من كبار الأعضاء المعتدلين في الحزب الليبرالي الديمقراطي، إلا أنه فشل مثل آبي في النهاية في حل المشاكل السياسية والاقتصادية المحلية ما أفقده التأييد الشعبي. وربما توضح جملة الـ«إيكونومست» الوضع السياسي في اليابان والمشاعر العامة: «في ألم وحيرة وانزعاج، ينسحب رئيس وزراء ياباني لثاني مرة في عام واحد بعد مرور عدة أشهر عقيمة في المنصب». فمنذ أوائل التسعينات، وصل عدد كبير من السياسيين اليابانيين إلى منصب رئيس الوزراء، ثم غادروه، لدرجة أنه لا يمكن حتى للشعب الياباني حصر عددهم بدقة. فبداية من عام 1989، توالى على رئاسة وزراء اليابان 10 رؤساء وزراء، اي بمعدل رئيس وزراء كل نحو 10 أشهر، حتى ظهر الاقتصادي المستقل عن حزبه كونشيرو كويزومي في الصورة، وحقق استقرارا سياسيا. فقد تولى كويزومي رئاسة الوزراء من عام 2001 إلى عام 2006، وقاد الحزب الليبرالي الديمقراطي عام 2005 ليفوز بأكبر أغلبية برلمانية تشهدها اليابان الحديثة.

وقال فوكودا في بيان صحافي إن الورطة السياسية جعلت من المستحيل بالنسبة له أن ينفذ السياسات الأساسية. لكن هل السبب يعود الى ان هناك حزبا أساسيا مسيطرا على السياسة اليابانية، بالرغم من وجود تعددية سياسية؟. فعلى مدار نصف قرن تقريبا، ظل الحزب الليبرالي الديمقراطي يحكم اليابان بدون منافسة حقيقة من اي احزاب اخرى. وربما يكون هذا قد اصاب الناخب، خصوصا الشباب، بنوع من التململ. على هذه الخلفية خسر الحزب الليبرالي الديمقراطي عام 2007 أغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ في البرلمان أمام حزب اليابان الديمقراطي المعارض. قال فوكودا: «لقد سبب لي صراع السلطة في البرلمان صداعا أليما. وقد حاولت أن أوضح الأمور للمعارضة، ولكنهم صوتوا ضد كل مشروع قرار حكومي مهم».

ويتنافس عدد قليل من الأسماء داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي من أجل الوصول إلى منصب رئيس الوزراء. ولكن هل تحل سيدة محل فوكودا؟

ربما.. فوزيرة الدفاع السابقة القوية يوريكو كويكي، 56 عاما، قامت رسميا بالتقدم كمرشحة لمنصب رئيس الوزراء، ما يجعلها أول سيدة تنافس من أجل الحصول على هذا المنصب في تاريخ اليابان. وبالرغم من أن كويكي قدمت ترشيحها فقط، إلا ان الخطوة تظل عملاقة، نظرا الى ان اليابان بها أقل نسبة تمثيل للمرأة في العالم.

تتميز كويكي بتوجهاتها الإصلاحية، وقبل كل هذا تتمتع بالدعم الشعبي الذي كان ينعم به كويزومي. هي تتحرك لجمع مزيد من التأييد لها من خلف الستار. وهي لا تنتمي لأي من فصائل الحزب الحاكم. كما ان خبرتها في السياسة الدولية كبيرة بحكم شغلها منصب وزيرة الدفاع. ولم تخرج كويكي من عالم السياسة فقط، بل بدأت حياتها مقدمة برامج تلفزيونية، ولديها معرفة بما تريده النساء والشباب في اليابان، وهذه كلها مزايا كبيرة بالنسبة لها. وعلى عكس الكثير من السياسيين اليابانيين، فإن لكويكي معرفة ايضا بقضايا الشرق الأوسط، فهي خريجة جامعة القاهرة وقد عاشت في مصر لفترة، وتجيد اللغة العربية الى جانب الانجليزية. في تصريح لها لوسائل الإعلام، أشارت كويكي إلى أنها حظيت بدعم قوي من قبل زملائها، مضيفة أن البلاد مهيأة تماماً لتولي امرأة منصب رئيس الحكومة من أجل التغلب على حالة الجمود التي يعاني منها المجتمع الياباني. وأكدت كويكي أن «الإصلاح هو العقيدة التي تقوم عليها سياستي».

ورغم الجاذبية التي تتمتع بها شخصية كويكي، ما جعلها واحدة من الشخصيات الشهيرة على مستوى البلاد، فإنها تواجه مصاعب بسبب تغييرها انتمائها الحزبي ثلاث مرات قبل أن تنضم إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي منذ ست سنوات. وقالت وسائل الإعلام اليابانية إنه قبل تقدمها بطلب لنيل الترشيح لرئاسة الحزب، ناضلت كويكي كثيراً من أجل الحصول على دعم 20 عضواً بالحزب لها، حسبما تنص قواعد الترشيح داخل الحزب. ولأن كويكي أول امرأة تسعى لتولي زعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي، فمن المنتظر أن تواجه منافسة شديدة من جانب خصمها وزير الخارجية السابق تارو أسو، 67 عاماً، الذي يشغل حالياً منصب الأمين العام للحزب الليبرالي الديمقراطي، ويعد أحد الحلفاء السياسيين لفوكودا. ويشير المعلقون السياسيون إلى أن أسو يشتهر بسلاطة اللسان رغم الشعبية التي يتمتع بها في أوساط الشباب، لما يبديه من صراحة إزاء الاعتراف بحبه للكتب الهزلية وأفلام الكرتون. وتشير الاحتمالات إلى أن أسو سيفوز بغالبية الأصوات بالنظر إلى الشعبية البالغة التي يتمتع بها وقدرته الكبيرة على اجتذاب أصوات الناخبين. لكن المشكلة الكبرى أمامه تكمن في أن له الكثير من الخصوم داخل الحزب، وهو ما يمكن ان يلعب في صالح كويكي. وتشير تقديرات التقارير الإعلامية اليابانية إلى أن 40% من المشرعين من أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي يؤيدون أسو، ويرى بعضهم أن شخصيته من الممكن أن تعود بالنفع على الحزب خلال الانتخابات القادمة. بيد أنه في الوقت الذي نجحت فيه صراحة أسو في تعزيز شعبيته بين بعض الناخبين، إلا أنها أسفرت في الوقت ذاته عن إثارة غضب خصومه السياسيين وبعض الدول المجاورة لليابان. فقد تعرض أسو لموجة انتقادات قوية خلال السنوات الأخيرة بسبب تصريحاته بأن الحكم الاستعماري الياباني أدى إلى رفع معدلات معرفة القراءة والكتابة في كوريا الجنوبية وتايوان، ووصفه الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق بـ«الطفولية». والحقيقة انه بتصريحات من هذا النوع، فإن فوز أسو يعني على الأقل عدم ارتياح الدول المجاورة لليابان، بل وربما واشنطن أيضاً. من بين الشخصيات الأخرى الساعية لتولي قيادة الحزب الحاكم، قبل خوض انتخابات مجلس النواب الوشيكة، نوبوتيرو إيشيهارا، الرئيس السابق لمجلس أبحاث السياسات التابع للحزب، وشيجيرو إيشيبا، وزير الدفاع السابق، وكاورو يوسانو، وزير الدولة لشؤون السياسات الاقتصادية والمالية. بيد أنه من الواضح أن كلا من المرشحين لهذا المنصب، سواء كويكي أو أسو أو أي شخص آخر، يواجه مهمة بالغة الصعوبة، ذلك أنه بعد فوكودا، تتطلع اليابان نحو رئيس وزراء بمقدوره إصلاح أوضاع الاقتصاد المتردية والجمود السياسي الذي تعانيه البلاد.

كما سيتعين على رئيس الوزراء الجديد المساعدة في إحياء شعبية الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي تولى حكم اليابان على امتداد الجزء الأكبر من نصف القرن المنصرم، وذلك قبل الانتخابات المقررة سبتمبر (أيلول) 2009. والمشكلة الأساسية امام الحزب الليبرالي الحاكم، هي أن الحزب الديمقراطي الياباني، أكبر أحزاب المعارضة على مستوى البلاد، فاز في الانتخابات السابقة وباتت له السيطرة على المجلس الأعلى داخل البرلمان ويسعى للوصول إلى السلطة. ويتميز الممثل الحالي للحزب، إيتشيرو أوزاوا، بقدرة كبيرة على إدارة الحملات الانتخابية ومهاجمة «نقاط الضعف» لدى الحزب الليبرالي الديمقراطي. وستكون امام رئيس الوزراء الجديد مجموعة من التحديات على الجبهتين المحلية والخارجية في الفترة المقبلة. فهناك مشاكل عديدة تتعلق بمستوى الدخل السنوي والرعاية الصحية والأمن الاجتماعي، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار. وهناك تحديات جديدة في الميدان الدبلوماسي مثل ترسيخ العلاقات اليابانية ـ الصينية، وتسوية النزاع الإقليمي مع الجمهورية الكورية، وإعادة ترسيخ العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا.

لكن الاقتصاد هو القضية الملحة في اليابان، حيث انخفضت الصادرات وارتفع معدل التضخم، ووصل الاقتصاد إلى أقصى انكماش له منذ عام 2001 في الربع الثاني من هذا العام. ويوضح استطلاع رأي مجموعة «أساهي» أن 82 في المائة من اليابانيين يقولون إن حياتهم أصبحت صعبة. لم يكن أحد يتوقع هذا من المعجزة اليابانية.