تساؤلات حول.. الود

علامات التقارب بين بعض الفرقاء اللبنانيين.. مصالحة حقيقية أم هدنة يريدها الجميع لاستكشاف التطورات الإقليمية؟

المصالحات اللبنانية هل تؤدي لتحالفات جديدة؟ («الشرق الأوسط»)
TT

ارتفع صوت المصالحات في لبنان حتى كاد اللبنانيون ينسون حفلات الشتائم والتخوين التي سادت البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية بين فريقين خال كثيرون انه يستحيل اجتماعهما حول طاولة واحدة فكيف بتعايشهما في وطن واحد. وعلى طريقة «اشتدي يا أزمة تنفرجي» فعلت الازمات على الارض فعلها في اقناع القيادات السياسية بالعودة الى «الحوار العقلاني» بدلا من الحوار في الشارع الذي توج في 7 مايو (أيار) الماضي بعملية عسكرية للمعارضة في بيروت في موقف يشبه افلام الخيال غير العلمي وغير المفهوم في الدول الحديثة، ثم وبعد أن انجزت القيادات المتخاصمة اتفاق اللحظة الأخيرة في الدوحة ظهرت عراقيل جديدة في اشتباكات غير مفهومة الاسباب في الشمال والبقاع.

فمنذ اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005 وخروج القوات السورية من لبنان ارتسمت في البلاد حركة تحالفات جديدة جعلت البلاد عبارة عن معسكرين، الاول هو معسكر «8 اذار» الذي اكتسب اسمه من خلال التظاهرة الحاشدة التي دعا اليها «حزب الله» والاحزاب والقوى المتحالفة مع سورية في 8 مارس (اذار) 2005 تحت عنوان «شكرا سورية»، أما المعسكر الثاني فهو معسكر «14 آذار» الذي انضوت تحت لوائه قوى المعارضة المسيحية والزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالاضافة الى تيار «المستقبل» المجروح باغتيال زعيمه الكبير. وفي وقت لاحق، جرت الانتخابات النيابية لتحدث فرزا سياسيا جديدا. فقد خاضت القوى الاسلامية الانتخابات تحت عنوان «التحالف الرباعي» الذي ضم الى تيار «المستقبل» والنائب جنبلاط «حزب الله» وحركة «أمل». سقط هذا التحالف فور انتهاء الانتخابات بعدما حقق رئيس «التيار الوطني الحر» ميشال عون العائد من المنفى انتصارا انتخابيا كبيرا في المناطق المسيحية فاقترب شيئا فشيئا من «حزب الله» وإعلانهما تفاهما تحول تحالفا وثيقا.

تحولت المعارضة الى موالاة والموالاة الى معارضة مع بعض الفوارق الطفيفة اذ دخل الفريق الشيعي الحكومة وبقي معارضا فيما بقي عون معارضا بعدما فشلت قوى «14 اذار» في ضمه الى الحكومة بسبب مطالبه التي رأت انه «مبالغ فيها». ودخلت البلاد في ازمات سياسية متلاحقة توجت بحرب يوليو (تموز) 2006 التي وجهت ضربة قاصمة الى «التعايش الحكومي» فما لبث أن انفرط عقد الائتلاف الحكومي فخرج الوزراء الشيعة من الحكومة وبدأوا يتعاطون معها على انها غير دستورية رغم أنها كانت ما تزال قانونية بسبب بقاء اكثر من ثلثي الوزراء فيها باعتبار انها تناقض «صيغة العيش المشترك» لغياب طائفة كبيرة عنها كما قال اطراف المعارضة ورئيس الجمهورية آنذاك اميل لحود.

لم تستطع قوى «14 آذار» الانفراد بحكم البلاد، فلم تكن تمتلك نسبة الثلثين في البرلمان التي تخولها اقالة رئيس الجمهورية، كما لم تملك الذراع العسكرية التي تواجه بها سلاح المعارضة وعماده الرئيسي سلاح «حزب الله»، ولم تستطع قوى «8اذار» ان تسقط الحكومة لا في البرلمان ولا في الشارع رغم الاعتصام الذي احتل مساحة كبيرة من وسط بيروت.

فشلت المؤسسات الدستورية في حسم الخلاف السياسي، فانتقل الخلاف الى الى الشارع وبدأت الازمات والاشتباكات التي تطورت أكثر من مرة وأنهكت الجيش اللبناني الذي عمل على «فك الاشتباك» بين انصار الطرفين دونما أن يمتلك القدرة العسكرية والقرار السياسي بالحسم. فحصل الفراغ الرئاسي بعد أن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للبلاد. قبل الوقوع في المحظور، ثم مشروع الاتفاق الذي خرج به السياسيون في الدوحة.

وفي غمرة «الاكشن» اليومي الذي عاشه اللبنانييون ظهرت الى العيان حاجة طرفي الازمة الى «هدنة» يكسبان من خلالها وقتا بانتظار تبلور الاجواء الاقليمية والدولية، وتحديدا الاجواء التي تتعلق بالادارة الاميركية الجديدة والسياسة التي ستعتمدها في التعاطي مع ازمات المنطقة في فلسطين والعراق ولبنان... وإيران وملفها النووي، ليعود بعدها الطرفان الى رسم استراتيجيتهما الجديدة بناء على المعطيات الموجودة. فكان أن بدأت سلسلة مصالحات أطلقها رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري برعايته مصالحة الشمال، ثم المصالحة التي قام بها النائب وليد جنبلاط فمصالحة «حزب الله» مع تيار المستقبل التي ترجمت بزيارة وفد رفيع من الحزب الى النائب الحريري تمهيدا للقاء «قد يتم في أي لحظة» بين الحريري والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

واتت هذه المصالحات لترسم علامات استفهام عن «اعادة تموضع» تقوم بها بعض الاطراف بدءا برئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي كان أول المبادرين الى فتح الباب ما أثار جملة تساؤلات حول موقعه الحقيقي في الاكثرية وامكانية انتقاله من صفوفها، وهي مخاوف عبرت عنها فئات اساسية في الاكثرية خالفهم فيها النائب الحريري الذي يبدو انه ادرى الناس بحليفه الاستراتيجي وليد جنبلاط الذي ما انفك يؤكد ويجزم بانه لن يغادر صفوف «14اذار». ثم اتت مصالحة «حزب الله» مع النائب الحريري لترسم شكوكا اضافية بددها الحريري بعد ساعات من اللقاء في كلمة رسم فيها اطار المصالحة مع «حزب الله» بـ«كسر الجليد». وقال الحريري لـ«الشرق الأوسط» إن سقف المصالحات الجارية هو «تنفيذ الشق المتعلق بنبذ الاحتكام الى السلاح في اتفاق الدوحة». وأوضح الحريري أنه لا يريد اعتذارا من «حزب الله» على ما حصل في بيروت «لأن الانتخابات ستثبت من كان على حق»، مشيرا الى أن المصالحات تهدف إلى تخفيف الاحتقان السياسي والمذهبي من الشارع الذي تحول الى متاريس متبادلة، ومشددا على أن هذه المصالحة لن تقود الى أي نوع من التحالفات وأن قوى «14 اذار» ستبقى موحدة حول الشعارات التي طرحتها منذ انتفاضة الاستقلال وهي وفية لها. وأشار الحريري الى أن اللقاء مع نصر الله «وارد في أي لحظة»، لكنه أشار الى «صعوبات أمنية لوجستية تتحكم بحركة الطرفين».

وبدوره يميز رئيس المجلس النيابي نبيه بري بين «المصالحات والتحالفات الانتخابية».

وقال بري لـ«الشرق الاوسط»: «الكلام والمصالحة والجو الودي أمور موجودة، لكن للأسف فإن المصالحات لم تحصل حتى الان». مشيرا الى أنه «لا يعارض بتاتا تحول المصالحات الى تحالفات». لافتا الى أن كل من يتصالح مع الاخر يصدر تصريحا يقول فيه ان المصالحة لا علاقة لها بالتحالفات. لماذا وما هي المشكلة في ذلك؟».

وردا على سؤال عما اذا كان لهذا النفي علاقة بتجربة التحالف الرباعي؟ قال بري: «لأنها لم تكن شاملة انذاك. أنا لا اعارض أي تنافس ديمقراطي في ظل التحالفات. حتى في المواضيع الانتخابية فانا أجد أنه بالامكان حصول تحالفات في بعض المناطق ذات الحساسية لتفادي المعركة، طالما أن الطرفين يعرفان حجميهما. كل طرف يخاف أن يعتب عليه حلفاؤه. ما يجب أن يعتبوا عليه هو عدم وجود التحالفات.

أنا كنت وما زلت متحالفا مع «حزب الله» لكن لا مانع لدي من التحالف مع الجميع في جميع المناطق. فاذا لم نصل الى تحالف في منطقة ما تحصل المعركة الانتخابية على قاعدة «كونوا اخوة وتعاملوا بالحق».

ورأى النائب أكرم شهيب، عضو اللقاء الديمقراطي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، أن كل اللقاءات التي تجري تصب في مصلحة طاولة الحوار والمصالحة والتنوع وحق الاختلاف السياسي ونبذ العنف والخطاب الممجوج في هذه المرحلة الدقيقة». ويشدد شهيب على أن كل ما يقام من مصالحات هو لمصلحة المصالحة الأساسية التي قام على أساسها اتفاق الدوحة، معتبرا ان الحوار تأخر من اجل انضاج هذه المصالحات. مشيرا إلى أن المصالحة الأساسية هي بين «حزب الله» و«تيار المستقبل».

ويستبعد شهيب أن تؤدي المصالحات إلى اختلاف في التحالفات الانتخابية أو السياسية لاحقا. وقال: «كل التصريحات التي سمعناها من «حزب الله» لم تتحدث الا عن لقاءات لفتح الباب أمام الحوار. ونحن كذلك نقول إن ما حصل من لقاءات كانت أمنية ـ سياسية تهدف الى حلحلة اية اشكالية قد تحصل في اي منطقة يتواجد فيها الحزبان. ورأى أن التجربة قد نجحت وتعززت باللقاء القيادي الذي حصل بين الطرفين مشيرا الى ان الاتصالات الان تتركز على مستوى قيادات المناطق من اجل فتح أقنية اتصال في ما بينها».

ويشدد شهيب على أن لا علاقة لما حصل من اتصالات ومصالحات بالانتخابات النيابية، وقال ان النائب جنبلاط صرح اكثر من مرة و«حزب الله» فعل ايضا مؤكدين أنهما في موقع تحالفات واضحة، وأن هذه اللقاءات هي بعيدة كل البعد عن العمل الانتخابي» مشيرا الى وجود «نقاط خلاف شديدة بين الحزب التقدمي الاشتراكي و«حزب الله»؟ في كل الحالات وحتى يتم اللقاء المرتقب بين الحريري ونصر الله، وما سيترتب عليه من نتائج قريبة وبعيدة يتساءل اللبنانيون.. هل هي مصالحة حقيقية.. أم هدنة لاستكشاف ما ستسفر عنه التطورات الإقليمية بعد أشهر قليلة؟