نزاع حول الصلاة

قضية مسلمين صوماليين في أوهايو الأميركية تطرح مشكلة ممارسة العبادات في أماكن العمل

مسلمون في ميتشغان يؤدون صلاة الجمعة («الشرق الأوسط»)
TT

طرحت مسألة أداء صلاة المغرب وتناول إفطار رمضان في مزرعة لتعبئة اللحوم في مدينة نبراسكا في ولاية اوهايو، قضية لها حساسية خاصة تتعلق بممارسة العبادات في أمكنة العمل في الولايات المتحدة بالنسبة للعمال المسلمين خلال شهر رمضان وبعده ايضاً.

وصفت بعض وسائل الاعلام الاميركية قضية نبراسكا بانها «نزاع حول الصلاة»في حين قالت وسائل اعلامية اخرى بان الأمر يتعلق «بعملية شغب متعمدة». أما المعنيون المباشرون بالقضية فيقولون إن إدارة الشركة التي تتبع لها المزرعة يريدون وضع العمال أمام خيار صعب، إذ عليهم الاختيار بين طاعة المشغل أو طاعة تعليمات دينهم. وفي ظل مشاعر مكبوتة تجاه المسلمين عامة، وهي مشاعر لا يمكن الحديث عنها علناً لان ذلك يخالف القوانين الاميركية، فإن بعض الاطراف ترى استحالة ان تحظى «مجموعة دينية بمعاملة تفضيلية». الامر الذي أضفى على القضية طابعاً من الاثارة، هو ان ولاية اوهايو من الولايات التي يتردد على نطاق واسع بانها أحد معاقل طبقة «العمال البيض» واولئك الذين يطلق عليهم «ردنيك» أي الفئات المتعصبة من البيض. لكن ما هو اصل الحكاية؟ وهل هي الحكاية الأولى؟

في مزرعة لتعبئة اللحوم تعرف باسم «غراند ايلاند» تتبع لسلسة متاجر «بي جي إس»، وهي متاجر لبيع المواد الغذائية والأدوات المنزلية، طالب العمال المسلمون وجميعهم من أصول صومالية بتخصيص مكان لهم لأداء الصلاة والإفطار خلال شهر رمضان الكريم وتخصيص وقت كاف للقيام بذلك، بيد أن الأمر تحول إلى نزاع مع الشركة، خاصة أن العمال غير المسلمين اعتبروا ان موافقة الادارة على الطلب يعد بمثابة «معاملة تفضيلية». ويبلغ عدد العاملين في الشركة حوالي 2500 شخص من بينهم حوالي 500 مسلمين من اصول صومالية على وجه التحديد.

ويقول محمد راجي الذي يترأس منظمة «أمة الاسلام الصومالية» إن 80 عاملاً من بينهم عاملات غادروا مكان عملهم احتجاجاً يوم الخميس الماضي، لكنهم ابلغوا بقرار فصلهم يوم الجمعة عندما ارادوا استئناف عملهم، وطبقاً لراجي فإن 70 آخرين فصلوا في وقت لاحق. وقال راجي «فصلوا من عملهم لانهم كانوا يؤدون الصلاة وهو الأمر الذي اصبح من وجهة نظر الشركة خرقاً لقوانين العمل».

لكن دان هوبز الذي يترأس نقابات عمال المواد الغذائية في المدينة له رواية اخرى حيث قال إن إدارة الشركة أبلغته أن ما بين 60 الى 80 عاملاً غادروا مكان عملهم بعد حركة احتجاج عقب ان طرحوا مطالبهم بضرورة السماح لهم باداء الصلاة والافطار بعد مغيب الشمس وتخصيص مكان لهم لهذا الغرض. وقال هوبز ان المشرفين على العمال طلبوا منهم إما استئناف عملهم أو مغادرة الشركة. عقب هذه التطورات اجتمع المفصولون في أحد مقاهي المدينة وقرروا القيام بحركة احتجاج ومظاهرات. ويقول راجي إنه أقنع المفصولين بعدم مواصلة الاحتجاج على اساس البحث عن تسوية مع إدارة الشركة. وقال مصدر في شركة بي جي إس لـ«الشرق الاوسط» طلبنا منهم العودة إلى عملهم لكنهم لم يمتثلوا بعد ان غادروا مكان العمل. وأكد ان عدد الذين فصلوا كان 86. وبرر قرار الفصل قائلاً «لقد تركوا عملهم دون إذن»، وأمتنع عن الادلاء بمزيد من التوضيحات مشيراً الى ان الامر يتعلق باحترام قوانين العمل وليس له أي طابع آخر.

قررت الشركة ان يعمل العمال المسلمون في الوردية الثانية بعد ان يكونوا قد تناولوا وجبة الافطار. واصدرت بياناً تشير فيها الى انها بصدد حل النزاع. وقال البيان الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه «إن قيم مؤسسة جي بي إس والتي يعمل بها عمال من أعراق مختلفة لديها سجل حافل في مجال توفير الظروف المواتية لعمالها، ونحن نعمل بالتنسيق مع جميع العاملين وممثليهم في النقابات من اجل ملاءمة الظروف لاداء واجباتهم الدينية بكيفية معقولة وآمنة ونزيهة».

وتستند الشركة في معارضتها للتغيب فترة عن العمل، على اساس ان عمل هؤلاء العمال له علاقة بطبيعة الانتاج نفسها، إذ انهم يعملون في ما يعرف بنظام «خط الانتاج المتصل» حيث يقوم كل عامل بدور في عملية الانتاج ويمرر المنتوج الى زميله الذي يجلس الى جانبه في خط الانتاج. وعندما يغيب أحد العمال يتوقف خط الانتاج برمته. لكن العمال المفصولين يقولون إن اي موقع عمل طبقاً للقوانين الاميركية يمنح نصف ساعة لتناول الوجبات كحد أدنى، وكان على الشركة ان تكيف اوضاعها طبقاً لذلك، إذ لا يمكن للعمال الصائمين البقاء على خط الانتاج حتى لا يتوقف، وحرمانهم من أداء الصلاة وتناول الإفطار. ويبدو ان تضارب ارقام المفصولين كان مرده الى تضامن آخرين مع المفصولين حيث نقل عنهم إنه لم يسمح لهم باداء صلاة المغرب والافطار. ويقول عبدالقادر دوكال نائب منظمة «امة الاسلام الصومالية» لـ«الشرق الاوسط» إن عدد المفصولين 200 عاملاً، واصفا قرار الفصل بانه «تعسفي». في حين تقول عائشة حسن من العمال المحتجين ان «عدد المفصولين 150 عاملاً وعاملة». وتوقعت مصادر في المجلس التشريعي اوهايو ان تتفاعل القضية في الولاية، وربما حتى على المستوى الفيدرالي إذ لم يتم التوصل الى تسوية مع الشركة وذلك «على غرار قضية مينسوتا». لكن ما هي قضية مينسوتا وعلاقتها بحكاية اوهايو؟

قبل سنتين رفض سائقو سيارات الاجرة من المسلمين في مطار مدينة مينابوليس وهي أكبر مدن مينسوتا نقل اي مسافر من مطار المدينة إذا كان يحمل معه خموراً أو حيوانات مثل القطط والكلاب، ووصلت تلك القضية الى المحاكم بعد ان قررت إدارة المطار سحب رخص السائقين.

وفي حين قال معتدلون إن على السلطات المحلية أن تلائم القوانين بحيث لا تتعارض مع معتقدات الناس، طالب متطرفون إلزام السائقين بعدم رفض نقل أي مسافر. وكان السائقون طلبوا من الموظفين الذين يوزعون طلبات النداء على سيارات الأجرة تخطيهم إذا كان المسافر يحمل معه مشروبات كحولية. وبعد مجادلات دامت مدة طويلة تم التوصل إلى حل يقضي بأن يضيء السائقون المسلمون مصباحاً في أعلى سيارة الأجرة يشير إلى أنهم لا يقبلون نقل زبائن يحملون معهم مشروبات كحولية. وإذا كانت هذه القضية قد وصلت إلى حل يرضي الجميع، فإن السؤال هل تصل قضية اوهايو الى حل يرضي الجميع؟